أقلام وأراء

نبيل عمرو يكتب – حكم

بقلم  نبيل عمرو – 1/12/2020

هو من جيل المؤسسين الأوائل، كان من ضمن الالاف الذين انتشر الانتساب لفتح في زمنهم كانتشار النار في الهشيم الجاف، كان من الخلية “السعودية” التي ضمت مجموعة من اكثر الكوادر تميزا وصلابة وانتماء، غادروا مكان عملهم الذي كانوا بأمس الحاجة اليه والتحقوا بصفوف الثورة.

تميز مع زملائه الطليعيين بمزاوجة السياسة مع الثقافة، وحتى حين كلف بمهام ديبلوماسية كان ينتج اعمالا أدبية تعبر عن التصاقه الروحي بكل أشياء البلد الذي ولد وترعرع فيه ونما حسه الوطني والتزامه العميق، كانتبلعا الفلسطينية وأهلها وطقوسها هي البطل الدائم لكل اعماله الأدبية، مثلما كانت فتح وفلسطين محور حياته وجهده أينما طلب منه ان يعمل.

تفجرت مواهب حكم على نحو ملفت للغاية في الحقبة التونسية من حياته السياسية والكفاحية، احبه القائد التاريخي الحبيب بورقيبة وكان يقول عنه .. حكم وِلدي .

واحبه التونسيون من كل الفئات والمراتب والاتجاهات ورغم بعد هذا البلد الجميل والناعم والمحب الالاف الاميال عن فلسطين، الا ان حكم تفرد بابداع سجل له وهو انه أسس علاقة قربى بين تونس وفلسطين، نجحت في احتواء الثورة المهاجرة من بلاد الشام الى بلاد المغرب العربي، وحين جاء وقت العودة الى الوطن قال محمود درويش تونس هي البلد الوحيد الذي لم نغادره مطرودين.

ومنذ اليوم الأول الذي حلت فيه الثورة المطرودة من الجغرافيا النادرة ضيفة على تونس بلد الجغرافيا البعيدة بالاميال والقريبة بنبض القلب، ادار حكمتجربة بالغة التعقيد لاحتواء الاف الفلسطينيين ومؤسساتهم التي كانت بلاد الشام قد ضاقت بهم وبها، فكانت تونس بجهد حكم واصالة شعبها ودولتها البديل الإيجابي والفعال الذي لم يحمي الثورة الفلسطينية فحسب بل حمى الحلم الفلسطيني ومرتكزات بقاءه وفرص تحققه.

عاد حكم مع العائدين الى ارض الوطن، كان قد اقترب من حاجز الستين من العمر، تولى مواقع عديدة هامة في فتح والمنظمة والسلطة، كان حكم يضفي على أي موقع يكلف به طابعا مميزا تجنب العدوى التي اجتاحت الطبقة السياسية الفلسطينية وهي الولع بالظهور على وسائل الاعلام بمناسبة وبدون مناسبة، ورغم مؤهله الثقافي والديبلوماسي رفيع المستوى الا انه لم يسلم نفسه لاغواء الكاميرا وها نحن نجد صعوبة بالغة في الحصول على مقابلة له مع أي تلفزيون او إذاعة او حتى صحيفة..

لم يكن عاشق أضواء قدر ما كان عاشقا للحضور الفعال على الأرض وحيثما حمل مسؤولية من أي نوع ، كان يوصل الليل بالنهار كي يؤديها على اكمل وجه ، ولا يصدقن احد انه حين استقبل الالاف المؤلفة من الفلسطينيين تحت رعاية الزعيم التاريخي الحبيب بورقيبة وشريكة حياته وزعامته السيدة وسيلة بن عمار لم يضاعف عدد العاملين في مكتبه بل ولم يزدهم الا قليلا

كان منظما ومتابعا على نحو مذهل لهذا منحه التونسيون ثقتهم ودعمهم سواء في عهد بطل الاستقلال او في عهد خليفته، ومن اين تجد من يحوز حب الجميع ويوظفه لمصلحة شعبه وقضيته في افضل الظروف واصعبها.

اثنان وثمانون سنة عاشها حكم ولما فارق الحياة ووري جسده ثرى فلسطين ترك وراءه ذكرى اكبر بكثير من السنوات المديدة التي عاشها. ذكرى من لم يضع ساعة من حياته دون عمل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى