نبيل عمرو يكتب – ترمب لم يغادر إسرائيل ..!!
نبيل عمرو 6-11-2021م
ما ورَّثه ترمب لم يذهب معه كما ذهب هو، بل التقطته الحكومة الإسرائيلية التي تشكلت على جثمان نتنياهو، وجعلته أساس سياساتها تجاه الفلسطينيين، ولكن بتعديلات جديدة على مستوى طريقة العمل والأغلفة.
لنأخذ القدس أولاً، ولنبدأ بقضية الشيخ جراح التي عادت لتحتل الواجهة، بعد أن رفض أصحاب البيوت الفلسطينية قرار المحكمة الإسرائيلية القاضي بتحويلهم من ملّاك توارثوا منازلهم على مدى عشرات السنين، إلى مستأجرين من مالك آخر أضيفت وراء صفتهم كلمة «المحميين»، والمعنى الفعلي لهذا القرار الإسرائيلي أن يُرتهن مصير أصحاب البيوت بقرار كنيست أو حكومة أو محكمة يجردهم حتى من حق الإقامة فيها، وهذا إن لم يتم الآن تفادياً لإثارة ردود فعل دولية وفلسطينية وحقوقية فلا ضمانات من ألا يتم في وقت آخر.
وهذا الذي يحدث من جانب إسرائيل هو شكل من أشكال استثمار مفاعيل اعتراف ترمب بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل.
وإلى جانب القدس، هنالك الطريقة الجديدة في التعامل مع المنطقة «ج» التي تشكل مساحتها أكثر من نصف الضفة الغربية المحتلة، وهذه المنطقة كانت في أيام أوسلو أقرب إلى وديعة مؤقتة تعاد إلى أهلها الفلسطينيين بعد انتهاء مدة الفترة الانتقالية التي اتفق على أنها خمس سنوات.
ولكن بعد انتهاء خمسات كثيرة من السنين حولّت الحكومة الحالية في إسرائيل هذه المنطقة إلى رصيد استيطاني أي يمنح بعض سكانها الفلسطينيين تراخيص بناء على أرضهم مقابل أن يُمنح المستوطنون الإسرائيليون أضعاف ما مُنح للفلسطينيين من تراخيص بناء ليس في المنطقة «ج» فقط وإنما في أي مكان من الضفة الغربية، بهذا صار أهل المنطقة «ج» الأصليون كمستوطنين وليس كمواطنين.
ومدلول هذا، أن ترمب الذي منح نتنياهو ثلاثين في المائة من الأرض الفلسطينية كي تُضم رسمياً وفعلياً ونهائياً، وضع حجر الأساس لضم فعلي يقوم به ورثة نتنياهو لما يزيد على خمسين في المائة من أرض الضفة، ومع بقاء الاحتلال يكون الضم الفعلي غير المعلن وبصورة أو بأخرى قد شمل الضفة بأكملها، وإذا ما وقع زلزال دولي يفرض العمل على تسوية فلسطينية – إسرائيلية، فسوف يكون الحديث تحت سقف وضع مختلف كلياً عما كان الأمر عليه زمن أوسلو؛ لأن التفاوض في هذه الحالة سيكون على ما تبقى للفلسطينيين من فائض أرض زادت على الحاجة الإسرائيلية.
هذا ما تفعله إسرائيل الآن وتستعين في تنفيذه بوسائل متعددة منها الحرب المالية المعلنة والممارسة بلا هوادة على الفلسطينيين؛ كي يظلوا يلهثون وراء أبسط احتياجاتهم المعيشية ما يضعف مطالباتهم السياسية.
آخر اقتطاع أعلن عنه بلغ مائة مليون دولار هي مستحقات الكهرباء التي زودت بها إسرائيل مناطق الضفة الغربية، وهذا يضاف إلى الاقتطاعات الأكبر التي أرغمت السلطة بفعل الضائقة المالية الخانقة على أن تتلقى دفعات من مالها كسلف أو قروض. ذلك كله يساعده أيضاً المناخ السياسي الذي يجسده تراجع الاهتمام الدولي بالمسار الفلسطيني الإسرائيلي بما في ذلك أميركا وأوروبا، فإسرائيل تتعامل في ظل هذا المناخ على أنه منحة زمنية ثمينة تفعل فيها ما تشاء بلا رقيب أو حسيب.
ومع أن إسرائيل تمتلك إمكانات سيطرة وتحكم، إلا أن جزءاً كبيراً من مثقفيها وسياسييها وصنّاع الرأي فيها يحذرون من مغبة التمادي في سياسة من هذا النوع مع الفلسطينيين، ولا يرونها حلاً يمكن أن يجلب الأمن والأمان لإسرائيل، وكثيرون منهم ذهبوا إلى حد اليقين بأن إدارة ظهر إسرائيل إلى تسوية سياسية يرضى عنها الفلسطينيون سيكون مصدر تعب دائم لإسرائيل ولربما بالقدر ذاته مما يتعب الفلسطينيين.