نبيل عمرو يكتب – القدس … وتحالف نتنياهو وترامب
بقلم نبيل عمرو – 13/12/2017
من قال ان الدول العظمى لا ترتكب حماقات، لأنها تقيم سياساتها على استخلاصات المؤسسات التي تنفق عليها جزءاً مهما من ميزانياتها.
لقد جاء ترامب ليبدد هذه المقولة، وليتصرف منذ اليوم الأول لحملته حتى الأيام الأخيرة لسنته الأولى من ولايته، كرجل يدير مواقف وسياسات الدولة العظمى بالمزاج الشخصي، حدث ذلك في كل القرارات التي اتخذها منذ ولايته، لم ينجح في قرار واحد، وجند خصوما داخليين وخارجيين للولايات المتحدة كما لم يحدث من قبل، وبدل ان يعزز الثقة به وبسياساته عند حلفائه الضروريين، نزعها وزرع شكوكاً عميقة، لا تبشر بمصداقية أي تحالف او أي اتجاه تقوده الولايات المتحدة.
اختبأ ترامب طويلا وراء صخرة ظنها توفر له شعبية في زمن الانحسار المتسارع لشعبيته، الصخرة هي «صفقة القرن»، وما قال ترامب ومساعدوه عن هذه الصفقة قبل أن يبلوروها كادت تضع الرجل في مصاف القديسين وأصحاب المعجزات، الذين لابد وأن ينجحوا فيما لم ينجح غيره من قبل، وكان من قبيل البراغماتية السياسية ان نراهن على هذه الصفقة، لعلها تستفيد من أسباب الفشل السابق، في بلورة مشروع حل متوازن أملته الحاجة لإنجاح عمل التحالف ضد الإرهاب، غير أن صاحب المشروع الغامض والمختبئ وراء الصخرة، لم يصبر حتى يكتمل تجهيز العربة والحصان، فألقى قنبلة ما زال دويها يهز أرجاء العالم، ولو كان ترامب يحكم ويقرر بفعل خلاصات المؤسسات، لعرف انه وبضربة واحدة جنّد العالم كله ضده، فإذا كانت إسرائيل هي الجهة الوحيدة واعني هنا حكومتها، هي من أظهر سعادة بهذه القنبلة، الا أن ردود الفعل التي تلتها جعلت إسرائيل كلها الموافق والمتحفظ والمحذر تجمع على قلق بأن ما فعله ترمب أعطاهم ادعاءً سطحيا في القدس، وخلق امامهم مشاكل عميقة مع الفلسطينيين والعرب والمسلمين والعالم .
ما حدث يؤكد أن الدولة العظمى حين تقاد بتغريدات تويتر، وبالمزاج المتقلب للرئيس لا يمكن ان تخطىء فقط بل يمكن ان تدمر، وأول ما تدمر هيبتها ومصداقيتها، وما ينطبق على أمريكا ترامب ينطبق على إسرائيل نتنياهو، فالرجل الذي اعتبر أن مسألة القدس قد حسمت، وطور مواقفه بأن طالب الفلسطينيين والعرب والعالم، بالاعتراف بها عاصمة لإسرائيل كشرط مسبق للحديث معهم ، نراه يرتكب عملا طائشا ينم عن غباء سياسي قوامه سوء التقدير والانعزال عن الواقع. فبعد أن احتفل ووجد وقتا لقراءة ردود الأفعال على قرار ترامب قرر أن يسند حليفه باستخدام عصاه السحرية الوهمية فسارع بالذهاب الى الاتحاد الأوروبي طالبًا من القارة الجارة ان تُسند ترامب، فكان ان تلقى جوابا ينبغي ان يساعده على رؤية الواقع كما هو، ولمزيد من التوغل في العبث وسوء التقدير طالب الأوروبيين بالاعتراف بالامر الواقع في القدس، وإقناع الفلسطينيين أن يحذوا حذوهم في هذا الاعتراف اذا ما أرادوا حلا لقضيتهم .
لم يخف من اجتمع بهم استخفافهم وسخريتهم من طرح نتنياهو، فقالوا له ان المطالبة بالاعتراف بالأمر الواقع في القدس وفلسطين هو إسرائيل قبل غيرها، فالأمر الواقع يقول أن القدس الشرقية التي احتلت في العام 1967 ما تزال في الحقيقة والسياسة والقانون والواقع الملموس، مدينة فلسطينية من كل النواحي، ولو أنها إسرائيلية لما اضطر نتنياهو إلى أن يقيم الحواجز بين من يعيش في شرقها ومن يعيش في غربها ، ولما اضطر الى الذهاب بتشريع في الكنيست يحاول من خلاله ودون جدوى الغاء الكثافة السكانية الفلسطينية في المدينة داخل السور وخارجه .
هذا هو الواقع الذي قال العالم لنتنياهو مطلوب منك أنت أن تعترف به وأن تذعن للارادة الدولية التي أجمعت على ان القدس الشرقية هي عاصمة الدولة الفلسطينية المستقبلية وبعد أن يتم ذلك نتحدث فيما سينشأ من أوضاع.
لا أريد القول رب ضارة نافعة، فلست ممن يقللون من الأهمية التخريبية لما فعله ترامب، ولما يخطط له نتنياهو، الا ان ما يجب ان نجعله نافعا واساسيا هو كيفية استثمار هذا الاجماع الدولي المطلق ضد خطوة ترامب واستثمارات نتنياهو.
نقطة البداية من القدس، فلنقطع عن رقابنا ولنؤمن لأهلنا كل ما يحتاجون لدعم قراراهم التاريخي والدائم بالبقاء على أرضهم والتكاثر داخل تلك القلعة المقررة في حاضرنا ومستقبلنا، وبعد القدس لنلتفت بقدر من المسؤولية لوحدتنا، فكل ما يفعل يظل عرضة لقلة الجدوى اذا لم تتبلور وحدة وطنية حقيقية وشاملة، ثم نخاطب جوارنا ليس بلغة التشكيك التي زرعها نتنياهو حول مقولته انه حوّل العلاقات مع العرب من عدائية الى تحالفية، ليس نحن من يردد ذلك او يبني عليه، فنحن بلا غلافنا العربي نتعب كثيرا ، وبلا عمقنا الدولي تضعف قضيتنا كثيرا.
لقد منح ترامب نتنياهو هدية سطحية مجانية ، ولكن القدس أخذت منه زخما دوليا غير مسبوق ، وفي عالمنا الذي نعيش يجب أن ندرك بوعي أن الزخم الدولي ليس عديم الجدوى كما يقول اليائسون والميئسون.
ما نحتاجه هو تكامل السلسلة من القدس حتى آخر نقطة في العالم، بذلك لا نحبط خطط الخصوم وانما نثبت حقوقنا ونتقدم كثيرا باتجاهها.