أقلام وأراء

نبيل السهلي يكتب على هامش فيلم قناة «الجزيرة» الوثائقي: فلسطين 1920

نبيل السهلي * 26/4/2021

تابعت بشغف قبل عدة أيام فيلم الجزيرة الوثائقي ” فلسطين 1920 وقد شدني المشهد الاخير ؛ عندما قال الشاهد الشيخ المسن إسماعيل ابو شحادة من مدينة يافا ، ” بتعرف أبوي كيف فقع ومات عام 1965 وعمره آنذاك 90 عاماً، مات لما إجت قوات الاحتلال الإسرائيلي تجرف البيارات بيافا”، بالإشارة إلى تاريخ الشعب الفلسطيني ونشاطه في وطنه فلسطين.

وقد سلط الفيلم الضوء على المراحل التي مرت فيها فلسطين في سياق تطور طبيعي في كافة المجالات الاقتصادية والبنى التحتية والتربية والتعليم وطرق المواصلات وخاصة سكك القطارات التي كانت تربط فلسطين بالدول العربية والعالم .

بريطانيا ودولة الاحتلال

تكمن أهمية فيلم قناة “الجزيرة” الوثائقي “فلسطين 1920، من الانطلاق أن لبريطانيا الدور الحاسم في ترسيخ فكرة إنشاء دولة الاحتلال الإسرائيلي عام 1948 على القسم الأكبر من مساحة فلسطين التاريخية، وقد سبق المقولات الصهيونية أن “فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، سبقها مقولات للحركة الصهيونية – المسيحية في الغرب تشير إلى أن فلسطين بلد مقفرة لا نشاط لزراعي أو صناعي فيها، وإنما هناك بعض البدو الرحل .

في عام 1920 عقد مؤتمر “سان ريمو ” ليعلن الانتداب البريطاني على فلسطين، وقد تضمن تنفيذ المشروع الصهيوني في فلسطين، وتمّ تعيين اليهودي الصهيوني “هربرت صموئيل” مندوبا ساميا لبريطانيا في فلسطين، وقد كان ذلك نتيجة مخطط لها مسبقاً في وعد بلفور عام 1917 . ففي حين فشلت الحركة الصهيونية تنفيذ مخططاتها في ترسيخ موطئ قدم لها خلال الفترة ما بين الأعوام (1982 -1919)، ساعدت بريطانيا إلى حد كبير في توجهات الحركة الصهيونية لجهة إنشاء الدولة المنشودة في المؤتمر الصهيوني الأول في المنعقد مدينة بازل السويسرية في نهاية آب/ أغسطس عام 1897 م، ففتحت أبواب الهجرة إلى فلسطين لتمنح بريطانيا الآلاف منهم الجنسية الفلسطينية دون موافقة الفلسطينيين، وعلى الأرض قامت بتسليح العصابات الصهيونية المختلفة بصنوف الأسلحة.

وفي التاسع والعشرين من تشرين ثاني/ نوفمبر أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 181 الداعي إلى تقسيم فلسطين، حيث كان تتويجا لوعد بلفور الداعي بلفور؛ وبعد نحو ستة أشهر، وبالتحديد في منتصف أيار/مايو من عام 1948؛ أعلنت بريطانيا انهاء انتدابها واحتلالها لفلسطين، وليتم الإعلان عن إنشاء إسرائيل على (78) في المائة من مساحة فلسطين التاريخية البالغة (27009) كيلومتر مربع .

واللافت أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي قامت بقرار، هو قرار التقسيم ـ 181 لعام 1947؛ وهذا القرار التشريعي الدولي وحده رسّم حدود إسرائيل، لكن إسرائيل تجاوزته وزحفت قواتها من المناطق المخصصة لها على مساحة (52) في المائة من أراضي فلسطين التاريخية إلى مساحة تقارب من (80) في المائة كما أسلفنا.

الهجرة واحتلال الأرض

ارتفع مجموع اليهود في فلسطين عبر تشجيع الهجرة من قبل بريطانيا ومن كافة أصقاع الأرض إلى (650) ألف مهاجر يهودي عشية نكبة الفلسطينيين وإنشاء إسرائيل في الخامس عشر من أيار /مايو 1948 . ومن خلال متابعة فيلم الجزيرة ، يمكن الجزم أن الزحف الصهيوني الإحلالي المنظم إلى فلسطين وإقامة دولة الاحتلال الإسرائيلي، كان بدعم غربي وبريطاني على وجه الخصوص . ويذكر أن فلسطين شهدت سيلاً من المهاجرين اليهود إليها، كان أكبرها عدداً اثناء فترة الانتداب البريطاني لفلسطين (1920-1948) ؛ حيث هاجر نحو (483) ألف يهودي إلى فلسطين ؛ وثمة (90) في المائة منهم من يهود أوروبا وأمريكا، وعشرة في المائة من قارتي آسيا وإفريقيا.

وقد شهدت فلسطين ست موجات هجرة ليهود العالم إليها؛ وكان أكبرها عدداً الهجرة الرابعة إبان الانتداب البريطاني .

كانت أراضي فلسطين هدفاً أولياً للحركة الصهيونية، بوصفها القاعدة الرئيسية لعملية الاستيطان في فلسطين، ولذلك تم تشكيل المؤسسات اليهودية المتخصصة بامتلاك الأراضي الفلسطينية وتسجيلها كملكية عامة، وأن الممول الأول لذلك، الوكالة اليهودية والصندوق القومي اليهودي. وعملياً فإنه حتى عام 1855 لم يكن لليهود أي أملاك في المدن والقرى الفلسطينية؛ وقد أدّى الاستعمار البريطاني دوراً هاماً في نقل ملكية كبيرة من الأراضي الفلسطينية على حساب العرب الفلسطينيين، فمع صدور قانون الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1920، فإن الأراضي المسجلة باسم الدولة العثمانية، أعيد فتحها، مما أدى إلى بيع مساحة كبيرة منها للمستوطنين اليهود، حيث تم شراء 500 ألف دونم، إضافة إلى 200 ألف دونم دون مقابل، كذلك تمكن اليهود من شراء مساحة (625) ألف دونم بطرق غير مباشرة من مرج ابن عامر.

أكد الفيلم الوثائقي فلسطين 1920 أن إسرائيل بدأت منذ بداية نشأتها بشرعنة تهويدها للأرض والممتلكات الفلسطينية عبر استصدار قوانين عنصرية . ولذلك اتخذت إسرائيل منذ البداية سلسلة إجراءات قانونية، أعطت من خلالها الحق لنفسها، في أن تصدر النص القانوني الذي يتناسب مع مصلحتها لتثبيت علاقتها بالأراضي التي تسيطر عليها، وأصدرت إسرائيل عدة قوانين، هدفها تثبيت ارتباط المهاجرين اليهود بالأرض وبالأطر الداعمة لذلك؛ وقوانين أخرى يتناول إلغاء أحقية السكان العرب بأرضهم . ومن القوانين قانون الغائبين الذي يسمح بالسيطرة الإسرائيلية على أراضي وممتلكات اللاجئين الفلسطينيين الذين طردوا بقوة المجازر الصهيونية من (531) مدينة وقرية فلسطينية . وقدأثبت فيلم فلسطين 1920 بالوثائق التاريخية؛ أن فترة انتداب بريطانيا على فلسطين (1920-1948) كانت المقدمة الجوهرية والحاسمة لتحقيق وعد بلفور وإنشاء إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني المستمرة منذ عام 1948؛ وهي بذلك؛ أي بريطانيا المسؤولة بشكل مباشر عن ماسأة ومعاناة الشعب الفلسطيني المستمرة منذ عام 1948 .

* كاتب فلسطيني مقيم في هولندا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى