أقلام وأراء

نبيل السهلي يكتب – علاقات تل أبيب – بكين حتى العام 2022

نبيل السهلي ٢٣-٨-٢٠١٨ 

استغلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تحولات المشهد في الصين بعد وفاة ماو تسي تونغ في عام 1976، حيث اعتمدت الصين سياسة خارجية تلخصت في عدم التعاطي المباشر في الصراعات الدولية، مثل الصراع العربي – الإسرائيلي، وبرز منذ ذلك الحين خطاب صيني جديد يسعى إلى حل الصراعات بالطرائق السلمية، لأن ذلك يخلق بيئة لانتعاش التجارة الدولية. وتطور حجم تجارة الصين الخارجية مع دول العالم بما فيها دول الشرق الأوسط. وكان هذا بمثابة مقدمة جوهرية لبناء علاقة إسرائيلية – صينية متشعبة ديبلوماسية وعسكرية واقتصادية، وعمقت تلك العلاقة في ما بعد، محاولة الصين استمالة اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأميركية، حيث تعتبره عامل ضغط على الكونغرس للحد من معاداة أميركا لها من الجهة الأخرى، وتالياً تهيئة الظروف للنفاذ إلى الأسواق الأميركية الكبيرة، فضلاً عن الأسواق الأوروبية التي تربطها علاقة اقتصادية وطيدة مع إسرائيل.

ويلحظ المتابع السياسي التحول النوعي الكبير في عام 1992، حيث استطاعت إسرائيل النفاذ في الاتجاه الآسيوي وبناء علاقة ديبلوماسية مع الصين التي تستحوذ على وزن نسبي عالمي في مجالات عدة، بخاصة في مجال التطور الاقتصادي والتجارة الخارجية وتنوع المنتجات. وفي زيارات إسرائيلية مكوكية للصين خلال السنوات الأخيرة، سعت حكومة نتانياهو إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية معها، ومحاولة تسريع إقامة منطقة تجارة حرة بين إسرائيل والصين، فضلاً عن تفعيل عمل لجنة التعاون الاقتصادي الخاص المشتركة لهما.

وهناك تسارع مع الزمن لخلق مناخات جيدة للمستثمرين الإسرائيليين والصينيين وتدشين خط طيران مباشر بين شنغهاي وإسرائيل، لهذا اتفق نتانياهو في زيارة سابقة إلى الصين مع رئيس الوزراء الصيني «كاي تشينغ» على اتفاقيات عدة كان من أهمها، اتفاقيات لتشكيل طاقم عمل مشترك يمتد سنوات مقبلة عدة، وكذلك اتفاقية لجلب عمال صينيين إلى السوق الإسرائيلية، فضلاً عن اتفاقية حول تعاون في مجال الطيران واتفاقية حول إقامة مختبرات مشتركة. وجنباً إلى جنب تسعى حكومة نتانياهو إلى استمالة الشركات الصينية الكبرى للاستثمار في السوق الإسرائيلية، لهذا التقى نتانياهو مع 11 من رؤساء أكبر الشركات الصينية، معظمهم يستثمرون في إسرائيل والباقون سيستثمرون فيها مستقبلاً، الأمر الذي سيوفر قنوات عمل كثيرة وتطويراً للأعمال والارتباط بالأسواق الصينية الكبرى خلال السنوات الخمس المقبلة في أبعد تقدير، وقد عزز التوجه الإسرائيلي المذكور الزيارات لشخصيات سياسية واقتصادية إسرائيليةإلى الصين.

ثمة عشرات من رجال الأعمال الإسرائيليين الذين يمثلون شركات باتوا يعملون في السوق الصينية، وإضافة إلى زيادة حجم التجارة مع الصين تمّ توقيع مذكرات تفاهم إسرائيلية مع الصين لرصد موازنة بقيمة 15 مليون دولار بغية النهوض بالواقع البحثي المشترك، بخاصة في مجال تكنولوجيا المياه والطب والمدن الذكية وعلوم الأعصاب، وسيتم عقد مؤتمرات علمية مشتركة إسرائيلية – صينية لبحث القضايا العلمية، وقد وقعت إسرائيل سلسلة اتفاقيات ديبلوماسية مع وزارة الخارجية الصينية، كتبادل وفود القادة الشبان في مجالات شتى.

ومن الأهمية في مكان الإشارة إلى أن الصين هي أكبر شريك تجاري لإسرائيل في قارة آسيا، وثالث أكبر شريك لها على مستوى العالم بعد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة التي تعتبر أيضاً أكبر شريك تجاري لإسرائيل كدولة. وتصل قيمة التبادل التجاري بين الصين وإسرائيل، بشقيه الصادرات والواردات، إلى 11 بليون دولار سنوياً خلال السنوات الخمس الأخيرة في مقابل 6،7 بليون دولار في عام 2009. وتفيد المعطيات بأن حجم الصادرات الإسرائيلية إلى الصين بلغ ثلاثة بلايين دولار سنوياً، وأن 66 في المئة من هذه الصادرات هي من شركة ‘إينتل’ للإلكترونيات ومن شركة ‘كيل’ للكيماويات، وبهذا يصل العجز التجاري الإسرائيلي مع الصين سنوياً إلى 8 بلايين دولار. وبعد توقيع إسرائيل والصين 25 اتفاقية تعاون، سيرتفع حجم التبادل التجاري البيني إلى 20 بليون دولار في حلول عام 2022، بما فيها تجارة الأسلحة في الاتجاهين، لكن سيبقى العجز التجاري الإسرائيلي العنوان الأبرز للعلاقات الإسرائيلية – الصينية في المدى المنظور ، شأنه في ذلك شأن العلاقة التجارية بين إسرائيل ودول الاتحاد الأوروبي.

ويبقى القول أن إسرائيل تسعى من وراء توطيد علاقتها مع الصين إلى رفع حجم التجارة الخارجية والنفاذ إلى السوق الصينية الكبيرة، وجذب مزيد من الاستثمارات الصينية إلى السوق الإسرائيلية، فالصين من وجهة النظر الإسرائيلية الاستراتيجية، هي من أهم دول النادي النووي في العالم، ناهيك بكونها الأكبر في عدد السكان عالمياً، فضلاً عن نموها الاقتصادي الذي يشير إلى أنها ستكون مع حلول عام 2030 صاحبة أكبر اقتصاد في العالم، والأهم من ذلك أنها ذات مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي لها حق الفيتو على مشاريع قرارات دولية قد تدين السياسات الاحتلالية التهويدية الإسرائيلية في أي لحظة، وقد تتسارع خطوات ترسيخ العلاقات الإسرائيلية – الصينية مع استمرار المشهد الضبابي في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى