أقلام وأراء

نبيل السهلي : ظاهرة المؤرخين الجدد في إسرائيل والحقوق الفلسطينية

نبيل السهلي ٣١-٥-٢٠١٨م

برزت ظاهرة المؤرخين الجدد في إسرائيل بقوة أواخر عقد الثمانينات من القرن العشرين، ويعود ذلك إلى إطلاعهم على الوثائق الموجودة في الأرشيف الإسرائيلي حيث كشفت إسرائيل عن أرشيفها في العام 1988، أي بعد أربعين عاماً من إنشائها، من خلال إصدار قانون يسمح بذلك، ليصبح أمام جيل جديد من الباحثين الإسرائيليين إمكان الإطلاع على وثائق رسمية «إسرائيلية»، عما حدث قبل سنوات من إنشاء إسرائيل والأعوام التالية، وأدى ذلك إلى مراجعة بعض المؤرخين الرواية الإسرائيلية حول تهجير اللاجئين الفلسطينيين عام 1948.

ويعتبر بني موريس مؤسس حركة «المؤرخين الجدد» وهو من المؤرخين المعروفين وأستاذ التاريخ في «جامعة بن غوريون» وكذلك يوسي بيلين وإسرائيل شاحاك وايلان بابيه و زئيف ستيل نهيل و موشي سميش وسيمحا فلابان وبار يوسف وأروي رام وسامي سموحا وباروخ كيمرلنغ وتامار كارتيال وسارا كازير وجيرسون شافير وبارون ازراحي وشلومو سويرسكي وتوم سيغيف ويناثان شابيترو يورين بن اليعازر وباجيل وايلا شوحات وآفي شلايم وغيرهم. وثمة مصطلحات تطلق على «المؤرخين الجدد» منها مدرسة «التاريخ الإسرائيلي الجديد» فضلاً عن مصطلح «ما بعد الصهيونية» وكل ذلك يشير إلى مجموعة من المؤرخين والأكاديميين والكتاب والمثقفين وعلماء الاجتماع النقديين الذين أخذوا وبدأوا في استحضار الملفات الإسرائيلية ومراجعة الرواية الأكاديمية اليهودية للصراع «العربي – الصهيوني»، وعلى وجه الخصوص حرب 1948.

ورغم كشف بعض الباحثين الإسرائيليين عن مجازر ضد الشعب الفلسطيني مثل مجزرة قرية الطنطورة في قضاء مدينة حيفا على الساحل الفلسطيني، فإن مئات الملفات الإسرائيلية لا تزال مغفلة خاصة تلك المتعلقة بالتخطيط الصهيوني لاحتلال المدن والقرى الفلسطينية وطرد أهلها بقوة المجازر، ناهيك عن إغفال الملفات التي تشير إلى عملية التفاوض بين الحركة الصهيونية والقوى العظمى قبل وبعد إنشاء إسرائيل في مايو (أيار) 1948. والملفت أن المتغيرات السياسية لعبت دوراً بارزاً في صعود ظاهرة المؤرخين الجدد في إسرائيل، أو ظاهرة النقديين الجدد، نظرا لمشاركة عدد كبير من غير المؤرخين في البحث والسجال والنتائج والتوصيات المختلفة كل بحسب اختصاصه ومنهجه.

ومن أهم الكتب الصادرة عن المؤرخين الجدد في إسرائيل كتاب «ولادة مسألة اللاجئين الفلسطينيين» لبني موريس، وكتاب «ميلاد إسرائيل: الأسطورة والحقيقة» لسمحا فلابن، وكتاب «بريطانيا والنزاع العربي الإسرائيلي» لإيلان بابيه، بالإضافة إلى كتب وأبحاث أخرى لكل من توم سيغيف وباروخ كيمرلنغ وآفي شلايم. وفي قراءة لمحتويات بعض الكتب، وبشكل خاص كتاب المؤرخ بني موريس المشار إليه سابقاً يمكن إيجاز وجهات نظر أصحاب الظاهرة الإسرائيلية المذكورة بقبول الحوار مع الفلسطينيين بوصفهم ذوو هوية وتاريخ في فلسطين، كما تتضمن أفكار أصحاب الظاهرة الإسرائيلية إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بالدرجة الأولى، وهذا لا يتم على المستوى السياسي إلا بإعادة الاتفاق على تفاصيل التاريخ، أي إقامة إسرائيل ونكبة الفلسطينيين ،التي أدت إلى تهجير 61 في المئة من مجموع الشعب الفلسطيني عام 1948. وقد تركزت أطروحات المؤرخين الجدد في إسرائيل حول نقاط جوهرية يمكن إجمالها بالتالي: الرواية الإسرائيلية الرسمية حول حرب عام 1948، فضلاً عن موقف قادة الصهيونية من «إبادة اليهود في أوروبا»، وكذلك مشروع بناء إسرائيل و الأسس التي أرست صوغ ما يسمى بالهوية اليهودية.

ورغم أن بعض المؤرخين الجدد استطاع فتح بعض ملفات الأرشيف الإسرائيلي حول الرواية التاريخية للنكبة وغيرها، لكنهم لم يحمّلوا العصابات الصهيونية وبريطانيا مسؤولية تاريخية وسياسية وأخلاقية عن بروز قضية اللاجئين وتداعياتها المختلفة على الشعب الفلسطيني وأرضه التاريخية. وبالتالي لم تتم عملية إحالة وربط عمليات الترانسفير الكبيرة التي لحقت بالشعب الفلسطيني في العام 1948 وبعده بسياسات العصابات الصهيونية وبمخططات الحركة الصهيونية بشكل عام، حيث تم طرد نحو 850 ألف فلسطيني من 532 مدينة وقرية فلسطينية تحت وطأة المجازر الصهيونية في ظل الاحتلال البريطاني لفلسطين وبعده.

كما لم تسلط بحوث المؤرخين الإسرائيليين الجدد الضوء على دور بريطانيا في نقل ملكيات أراضي الشعب الفلسطيني إلى الوكالة اليهودية وإسرائيل، وكذلك فتحها لأبواب الهجرة اليهودية إلى فلسطين على مصراعيها حتى وصل عددهم في فلسطين عشية النكبة الكبرى إلى 650 ألف يهودي، وتبعاً لذلك تمّ إقامة إسرائيل في الخامس عشر من ايار 1948 على 78 في المائة من مساحة فلسطين التاريخية البالغة 27009 كيلومترات مربعة. وكذلك لم تطرح تلك الظاهرة تصورا للكيفية التي يستطيع الشعب الفلسطيني بها أن يحصل على حقوقه في أرضه التي اقتلع منها، بل أشار بني موريس في كتابه « ولادة مسألة اللاجئين الفلسطينيين» إلى أن الحاجة لإنشاء إسرائيل أهم من الظلم الواقع على الفلسطينيين نتيجة اقتلاعهم، وبذلك تضمنت بحوث المؤرخين الجدد في إسرائيل رغم سردهم بعض تواريخ الصراع نفحات عنصرية ضد الفلسطينيين وعملية تغييب مبرمجة لحقوق الفلسطينيتين في أرضهم، ناهيك عن عدم الإشارة إلى ضرورة حق العودة لستة ملايين لاجئ فلسطيني، طردوا بقوة المجازر الصهيونية.

واللافت انه منذ عام 1948 ،حاولت المؤسسات الإسرائيلية والصهيونية المختلفة تكريس رواية وسرد ينطلق من ذاتية يهودية، وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى حالة الأقلية العربية داخل الخط الأخضر، حيث يعيش 1.6 مليون عربي خلال العام 2017 وضعاً يتنافى مع التعريف الثابت لإسرائيل بأنها دولة اليهود مع وجود أطياف عرقية وإثنية متعددة، ورغم حصول كل فرد من أفراد الأقلية العربية على المواطنة الإسرائيلية بفعل الاحتلال القسري، فإن المؤسسات الإسرائيلية المختلفة تطلق مصطلح عرب إسرائيل على الأقلية العربية. وقد عانى فلسطينيو الداخل ولا يزالون من أشكال عديدة من التمييز على المستوى الاقتصادي والتعليمي، والدالة الكبرى على ذلك منعهم من العمل في القطاعات الإسرائيلية الإستراتيجية كالصناعات العسكرية.

ويبقى القول بأنه رغم طرح المؤرخين الجدد في إسرائيل أسئلة حول نكبة 48 وإنشاء إسرائيل في العام المذكور، إلا أنهم لم يطرحوا أسئلة حول كيفية نيل الفلسطينيين لحقوقهم التاريخية، وبهذا المعنى يمكن الجزم بأن ظاهرة المؤرخين الجدد طفرة طارئة في تاريخ إسرائيل الحافل بالمجازر وقتل الأطفال.

* كاتب فلسطيني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى