نافا درومي تكتب – ضائقة مثقفي اليسار

هآرتس – مقال – 8/11/2018
بقلم: نافا درومي
مقال ايريس ليعال بعنوان “عطب فكري” (“هآرتس”، 4/11)، كشف ايضا عن فشل منطقي وضائقة تتملك مثقفي اليسار ازاء تخلي من كانوا جزء من الطبقة العليا والآن هم “اعطاب”.
حسب اقوال ليعال، هناك مشكلة مزدوجة مع من قرروا ترك السفينة التي انحرفت نحو اليسار أكثر من اللازم: ليس فقط أنهم كانوا المعسكر وغيروا دينهم، بل هم ايضا يغلقون افواههم ويكشفون لنا الى أي درجة هي متعفنة الايديولوجيا التي آمنوا بها. هل بحثتم عن الحقيقة ووجدتموها، رغم أنها تعارض توجهكم السياسي؟ الآن صمتوا، هذه هي الرسالة. ليس لأن الحقيقة التي وجدوها خطيرة، بل لأنها تكشف الكذبة التي عاشوا فيها. ليعال مخطئة. المسؤولون عن الضرر الاكثر خطورة لمعسكرها هم اعضاءه الحاليين، كيف يمكننا أن نكتب أن جوهر المثقف هو البحث عن الحقيقة – حتى لو كانت تعارض توجهه السياسي – عندما يكون هذا بالضبط هو خطأها وخطأ زملائها؟.
مثقفو اليسار ليس فقط يفشلون المرة تلو الاخرى في البحث عن الحقيقة، بالتحديد بسبب أنها تعارض توجههم السياسي، بل لأنهم يكررون حقيقتهم المشوهة بلا توقف. في كل مرة تنفجر فيها ايديولوجيتهم على شاطيء الواقع يبدأون بالتبريرات: الجمهور لن يصوت لليسار لأنه غبي ومغفل، الفلسطينيون يقتلوننا لأنهم مساكين، هم يرفضون التوقيع على اتفاق لأننا لم نعرض عليهم ما يكفي، والموضة الجديدة – اوسلو كانت ستنجح لو لم يقتل رابين، والقاتل في بتسبورغ هو نتاج ترامبي. لو هبطت كائنات من الفضاء هذا الاسبوع على كوكب الارض لكانت ستعتقد أن بنيامين نتنياهو أطلق ثلاث رصاصات على رابين، وأن اللاسامية هي ظاهرة خاصة بالنازيين الجدد، كارهي المهاجرين، والتي ولدت في اليوم الذي صعد فيه ترامب الى سدة الحكم.
ولأن ليعال تكتب عن النقاشات حول ترامب، مطلوب مني أن أحضر كمثال عدد من الشخصيات التي صممت هذا الاسبوع على دفع الحقيقة الى الزاوية. مثلا، تغريدة تومر برسيكو “بعد ساعتين سأسافر الى نيويورك… وهناك خشية صغيرة، لكنها قائمة، من العنف اللاسامي الذي يمكن أن يوجه لي، أنا أعيش منذ سنوات في القدس ومررت بفترات من الاحداث، ولكن التركيز عليك بصورة خاصة، بالذات عليك لكونك يهوديا، فهذا جديد، وهذا حقا فظيع”. ما الذي يمكن أن يفهمه شخص عادي من هذه التغريدة، لا يتميز بالذكاء الخاص بشعب الله المختار؟ أنه حتى عملية القتل في بتسبورغ كان يعيش يهود في البلاد دون خوف من أن الشخص الذي صعد الى الحافلة التي سافروا فيها في تل ابيب وهو يرتدي معطف واسع ويحمل حزام ناسف. وبشكل عام، كل اعمال العنف للفلسطينيين تجاه اليهود، قبل وبعد اقامة الدولة، هي في المجمل معارضة عنيفة ليس فيها كراهية شديدة لليهود.
التماس الفكري هذا ليس انحرافا وحيدا لا يتكرر، هو جدي. حيمي شليف كتب بأن قيم دولة اسرائيل تشبه قيم القاتل، وميخال روزن غردت بأنه من البيت اليهودي تهب رياح نازية جديدة. النازيون الجدد في ارجاء العالم يشكرونهم. قولوا لي إن هذا ليس خطيرا.
روبرت بافرس كان يمكنه التوجه الى ملجأ للمهاجرين أو لفرع الحزب الديمقراطي – لقد اختار الكنيس لأنه شخص لاسامي، بدلا من قول هذه الحقيقة البسيطة “أو السكوت كما تقترح ليعال”، ذهب مثقفو اليسار هذا الاسبوع وقالوا إن ترامب اشرف على هذا القتل ونتنياهو ورون ديرمر ونفتالي بينيت دافعوا عنه برواية “ترامب ومساعدوه” 2018.
ولكن ما المدهش عندما يدور الحديث عمن لا يرون اللاسامية الفلسطينية التي تعمل فينا ذبحا منذ سنين ويتهمون الاحتلال بكل شيء. في عالمهم، ترامب الذي يحاول اغلاق الاونروا ووقف تحويل الاموال للفلسطينيين واحباط المؤامرة الايرانية، يشجع على قتل اليهود. في حين أن اوباما محبوب نظام آيات الله، هو حقا نموذج للحفاظ على الدولة اليهودية.
ليت مثقفي اليسار يقرأون اقوال ليعال. اذا طبقوا ما اقترحته فيمكنهم الانضمام الى اصدقائهم السابقين، الذين فعلوا ما طلبه جوليان باندا وبحثوا عن الحقيقة رغم أنها كانت تخالف توجهاتهم السياسية. غيدي تاوب، عيريت لينور، بني موريس ويوفال شتاينيتس هم فقط امثلة معروفة على من فعلوا ذلك واثبتوا أن هذا تغيير صعب، لكنه ممكن. يجب عليهم الاستمرار في التحدث عن الحقيقة التي وجدوها، هذا من شأنه أن يزيد عدد الاشخاص الذين يوجد لديهم القليل من الاستقامة الفكرية، القليل فقط.