أقلام وأراء

ناصيف حتي: الحرب الإسرائيلية وآفاقها

ناصيف حتي 2023-11-15: الحرب الإسرائيلية وآفاقها

تبدو الحرب الإسرائيلية ضد غزة مستمرة دون أي أفق زمني معروف أو يمكن تقديره، طالما أن إسرائيل متمسكة بالأهداف غير القابلة للتحقيق التي رفعتها منذ اليوم الأول. يشجعها على ذلك للأسف موقف أميركي ومعه الكثير من الدول الغربية، ولو بدرجات مختلفة من حيث التأييد للموقف الإسرائيلي، في رفض وقف إطلاق النار وإكمال الحرب، حرب «إلغاء حماس في غزة». ويستبدل ذلك بهدنة إنسانية، أو من خلال بلورة مفهوم جديد عرف «بالتوقف الإنساني» لعدد من الساعات يومياً. تعمل إسرائيل على إحداث تغيير ديموغرافي ضمن القطاع من خلال دفع السكان من شمال القطاع نحو جنوبه؛ باعتبار أن ذلك يسهّل العملية العسكرية الإسرائيلية لتحقيق أهدافها بإقامة نظامها الأمني في القطاع بعد التخلص كلياً من «حماس».

وقد بدأ البحث، إسرائيلياً بشكل خاص، بالصيغة السياسية الإدارية التي ستتولى مسؤولية القطاع بعد تحقيق الأهداف الإسرائيلية التي أشير إليها. صيغة يجري الحديث حول من تكون أطرافها فلسطينياً وعربياً ودولياً. كلها طروحات ترفضها الأطراف التي يشار إليها، بالاسم أو بشكل غير مباشر ولكن واضح، للمشاركة في إدارة القطاع بعد تحقيق الأهداف الإسرائيلية، باعتبار أن دور هذه الأطراف سيكون شرعنة الاحتلال الإسرائيلي غير المباشر، بعد التخلص من «حماس». الاحتلال الذي سيبقى ممسكاً كلياً بالوضع على الأرض.. ويذكر نتنياهو «أن الجيش الإسرائيلي سيظل مسيطراً على غزة بعد الحرب ولن يسلّمها لقوة دولية».

استمرار حرب الدمار والقتل الإسرائيلية ضد غزة لتحقيق أهداف لا يمكن لأسباب موضوعية وواقعية تحقيقها، لا بل إنها ترفع من مستوى التوتر والصراع، والذهاب نحو المجهول، أدى إلى ازدياد ردود الفعل الشعبية، من منظور أخلاقي وإنساني ومبدئي وقانوني. ردود أخذت في الانتشار على الصعيد العالمي، وفي الدول الغربية بالطبع، ردود معارضة بقوة لاستمرار هذه الحرب. يشكل ذلك مع الوقت عنصر ضغط على الدول التي ما زالت تؤيد استمرار الحرب من خلال رفضها للوقف الفوري والكلي لإطلاق النار وذلك للبدء بمراجعة مواقفها ولو بشكل تدريجي ومحدود، ونظراً لما لهذه الحرب، إذا ما استمرت، من مخاطر على الاستقرار والأمن على المستوى الإقليمي والذي هو مصلحة دولية أيضاً، ولو لأسباب مختلفة بين القوى الدولية المتنافسة أو المتصارعة. بداية التغير، عند هذه القوى، متى حصل، لن تكون نتائجه مؤثرة بشكل آني بالطبع، ولكنها تخدم هدف الاستقرار ووقف الدمار.

تحصل وتتصاعد الحرب الإسرائيلية ضد غزة فيما نرى مزيداً من الاعتداءات والأعمال العنيفة التي يقوم بها المستوطنون في الضفة الغربية ضد المواطنين الفلسطينيين؛ بغية تهجيرهم بوسائل متعددة.

سياسة تندرج في الإستراتيجية الرسمية والمعلنة للحكومة الحالية التي تهدف إلى تسريع استكمال تهويد الضفة الغربية أرضاً وشعباً، وتحقيق حلم أو هدف إقامة إسرائيل الكبرى. والكثير من المؤشرات تدل على احتمال تصاعد درجة التوتر وانتشاره في الضفة الغربية.

كما أن مخاطر توسّع الحرب إلى جنوب لبنان ما زالت قائمة، رغم أن قواعد الاشتباك التي تبلورت غداة حرب ٢٠٠٦ لم يتم إسقاطها، ولو أنها شهدت وتشهد تصعيداً تدريجياً مقيداً حتى الآن مع ازدياد التوتر وتصاعد القتال حدة ومساحة وأهدافاً. «حزب الله» لا يريد تكرار «سيناريو ٢٠٠٦»، ويلجأ إلى إستراتيجية «المشاغلة والمساندة» كعنصر ضاغط على إسرائيل فيما يتعلق بحربها المفتوحة على غزة. وإسرائيل من جهتها لا ترغب، لأنها لا تستطيع لأسباب عسكرية بالطبع، فتح جبهتين في الوقت ذاته. فالتصعيد المتعدد الأبعاد، كما أشرنا سابقاً، يندرج في «لعبة» الردع المتبادل، دون أن يعني ذلك عدم وجود احتمال للانزلاق نحو تصعيد مفتوح، قد لا يمكن احتواؤه إذا ما حصل.

فهل ستتحرك القوى الغربية الصديقة لإسرائيل، للأسباب التي أشرنا إليها سابقاً، لتغيير موقفها والدفع نحو وقف إطلاق النار لتلافي إمكانية الذهاب إلى حرب مفتوحة في الزمان وتدريجياً في المكان. حرب تكون تداعياتها سلبية على الجميع بأشكال وأثمان وأوقات مختلفة. ويبرز في هذا الخصوص دور اللجنة الوزارية، التي انبثقت عن القمة العربية الإسلامية لهذا الهدف، في العمل على دفع القوى الدولية الفاعلة للضغط على إسرائيل للتوصل بداية إلى وقف إطلاق النار. إنه الشرط الضروري، ولكن غير الكافي بالطبع، لولوج تدريجي لباب العملية السياسية لتحقيق السلام حسب القواعد والقرارات الدولية والمبادئ المعروفة. عملية دونها الكثير من الصعوبات والعوائق، ولكنها تبقى أكثر من ضرورية لتحقيق السلام الشامل والعادل والدائم في المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى