أقلام وأراء

ناصر السهلي يكتب –  معادلات الاحتلال أبعد من غزة

ناصر السهلي *- 14/5/2021

المشهد على أرض فلسطين التاريخية، من الجليل إلى النقب، وما شهدته القدس وحي الشيخ جراح، طيلة الأسابيع الماضية، بات يعطي مصداقية لتحذير سياسي وإعلامي أوروبي متزايد، عن مضي دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى الأبرتهايد. لا يقتصر التحذير من أن “إسرائيل أقرب من أي وقت مضى من السير نحو تدمير ذاتي” على يسار ويسار الوسط، بل شمل معسكر الليبراليين ويهوداً كانوا مؤيدين للصهيونية سابقاً. فمشاهد القصف في غزة، ورد المقاومة، ليست سوى أحد مظاهر مأزق المشروع الصهيوني برمته. فغزة ليست المقدمات، بل كل ما واجهه 7 ملايين فلسطيني على أرضهم التاريخية طيلة عقود.

غربياً، يرتعب الأمني والسياسي، من ارتكابات اليمين المتطرف لمذابح واعتداءات، من أوسلو وبقية القارة العجوز إلى نيوزيلندا وأميركا. في المقابل، ولسنوات طويلة سبقت التطرف الإرهابي في الغرب، كان الاحتلال يرعى ويحتضن رسمياً جماعات الإرهاب اليهودي. فمذبحة الحرم الإبراهيمي في الخليل 1994، على يد مستوطن أميركي باروخ غولدشتاين، ومذبحة صبرا وشاتيلا في بيروت 1982 وقانا 1996، بل وقتل رئيس الحكومة الأسبق إسحاق رابين، لم تكن بعيدة عن فتاوى حاخامات “العرب صراصير يجب سحقها” و”الذبح للعرب”، كما ظل يردد عوباديا يوسيف وموشيه ليفنغر ومائير كهانا، وغيرهم في أيامنا الحالية التي تحلل قتل أطفال “الأغيار العرب”.

لفلسطين تجربتها مع الجماعات الإرهابية اليهودية، من القتل بدم بارد إلى السطو والنهب واقتلاع الزيتون، ورعاية المؤسسة الرسمية لما يسمى “فتية التلال” و”أمناء الهيكل” و”تدفيع الثمن”، ومع التهويد ونهب الأرض، ومنع تحديث مدن وقرى الداخل الفلسطيني، عدا عن سياسات تدمير البيوت.

في المحصلة، فإن ما يدور لا يتعلق بوجود بنيامين نتنياهو، والأخير ليس غبياً كي لا يدرك مأزق انهيار أسطورة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”. فالديمغرافيا محفز لسياسة الترانسفير و”وطن بديل”، وناظم لسياسة الأبرتهايد الرسمية. فوجود 7 ملايين فلسطيني على أرضهم التاريخية، مع كل مشاهد الاعتداء الممتدة من طبرية إلى اللد والضفة والنقب، ونشوء حالة وحدة مصير بين الفلسطينيين، كلها تساهم في نسف مقدمات الأساطير.

وعليه، وبعيداً عن كل بكائيات معسكر التطبيع واتهاماته السخيفة، ومحاولة بعض الأنظمة ركوب الموجة، فإن ما بعد القدس والحرب الحالية على غزة، لن يكون كما قبله. فالاحتلال، الذي يراه رهط التطبيع “إنسانياً”، ويتاجر ما يسمى “معسكر الممانعة” بوحشيته لشرعنة وجوده ودمويته هو الآخر، لا يُقاوم بالورود والبيانات. أما دروس “الاعتدال والتعقل”، التي جرّبها الفلسطينيون طيلة ربع قرن، فعلى ممارسيها أن يفهموا أن الانفجار سيطاول الجميع، طالما أن الشعب الفلسطيني يبقى مُحتلاً ومشرداً.

يدرك محذرو إسرائيل في أوروبا من ذهابها نحو نظام فصل عنصري، مثلما يدرك ساسة ومفكرون يهود غادروا المشروع وأرض فلسطين، أن معادلة الديمغرافيا ودورة المذبحة المتنقلة لن تجلب سوى كوارث أخرى. وإذا كان فائض القوة يغري، وسط حالة رسمية عربية مخجلة، فإن براميل البارود المتراكمة لن تقي أحداً، وهو ما بات يدركه كثيرون، بين المحتلين وفي الإقليم وأوروبا. وطال الزمن أم قصر سيضطر الجميع لمواجهة الحقيقة الوحيدة حول نتائج إجرام فائض القوة الصهيونية طيلة 73 سنة، فانتظار الفلسطيني ليستسلم مجرد وهم تثبته أجيال ولدت قبل عقدين ونيف، في الداخل والخارج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى