ترجمات أجنبية

ناشونال إنترست: هكذا عاد الروس للبقاء في الشرق الأوسط

تشاك فرليتش *، ناشونال إنترست ١٤-٨-٢٠١٨

نجحت الولايات المتحدة، ولعقود، في تهميش الاتحاد السوفييتي السابق في الشرق الأوسط، وأصبحت القائد الرئيسي فيه، واليوم تقوم روسيا بتأكيد دورها من جديد فيه.

عملية تفكيك العلاقة الجزئية مع الشرق الأوسط بدأت في عهد باراك أوباما، وتسارعت في ظل دونالد ترامب، ولو استمرت الأمور على هذه الحال فإن روسيا قد تحل محل أمريكا في الشرق الأوسط. 

إن تزايد التأثير الروسي في المنطقة واضح من المغرب إلى إيران، ويعد التحول المثير للدهشة جزءا من استراتيجية فلاديمير بوتين، من توسيع مدى التأثير الروسي، وتحسين موقع موسكو، بصفتها قوة عظمى ونتاجا لاستراتيجية دبلوماسية ذكية، مرفقة مع استعداد لبيع السلاح والمفاعلات النووية لمن يطلبها.

وفي الوقت الذي تركز فيه اهتمام المجتمع الدولي على المشروع النووي الإيراني، فإن موسكو ركزت توجهين مهمين وخطيرين في المنطقة، سباق التسلح، الذي اشترت فيه دول الخليج ما قيمته 1.3 تريليون دولار، في الفترة ما بين 2000- 2014، والدفع باتجاه بيع المفاعلات النووية، والمفاعلات هذه كلها تعكس حاجة مشروعة للطاقة النووية، إلا أن المشاريع النووية (المدنية) في الشرق الأوسط لديها ميل قبيح للتحول إلى مفاعلات عسكرية.

حلفاء الولايات المتحدة يبدون اليوم ترددا في وضع ثقتهم الكاملة فيها، فهم وإن رحبوا بنهج دونالد ترامب المتشدد، إلا أن ندبات الضعف الأمريكي أثناء سنوات أوباما، كما يرونها، لم تشف بعد، بالإضافة إلى أن شخصية ترامب أدت إلى نقاش حول مدى مصداقية أمريكا، ومن هنا يحاول الجميع لعب أوراقهم.

غضب مصر على ما رأته دعما أمريكيا ضعيفا لنظام مبارك، والعقوبات اللاحقة على مبيعات السلاح، دفعاها لتحسين علاقاتها مع روسيا، ووقعت معها على شراء أربعة مفاعلات نووية في عام 2017، وتحسنت العلاقات العسكرية، بالإضافة إلى شراء مروحيات قتالية ومقاتلات متقدمة، والنظام الصاروخي (أس-300) إلى جانب المناورات العسكرية المشتركة. 

وظلت مصر عماد السياسة الأمريكية في المنطقة منذ طردها السوفييت في السبعينيات من القرن الماضي، وخلقت بهذا التصرف أساسا للأعمدة الثلاثة للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط: خلق معسكر عربي معتدل، في مركزه مصر والسعودية، ومواجهة الأنظمة المارقة، مثل العراق وإيران وليبيا بمساعدة المعسكر المعتدل، ودعم ونشر السلام العربي الإسرائيلي وبدعم من المعتدلين العرب، وعليه فإن التقارب المصري الروسي يمثل ضربة للموقف الأمريكي.

بالنسبة للسعودية، فإن الاتفاق غير المكتوب، الذي غطى العلاقات الأمريكية السعودية، ظل هو الأمن مقابل تأمين نقل النفط، بل خاضت أمريكا في عام 1991 حربا للدفاع عن السعودية، أما اليوم فإن السعوديين متقلبون، وفي عام 2017 قام الملك سلمان بأول زيارة رسمية لملك سعودي لروسيا، وتم توقيع اتفاق لشراء منظومة الدفاع الصاروخية المضادة للدبابات (أس- 400)، وتم توقيع اتفاقيات للتعاون في المجال النووي، ومن المتوقع أن تقدم روسيا مفاعلين من 16 مفاعلا، ونسقت روسيا والسعودية، اللتان تسيطران على نسبة 16% من النفط العالمي، على زيادة أسعار النفط العالمي.

تدخل روسيا المحدود في الحرب السورية، بسربين من الطائرات، كان ناجحا بشكل كبير، وأنقذ نظام الأسد دون كلفة على روسيا، التي تركت المعارك البرية الدامية لإيران وحزب الله، ولم تثبت صحة مقولة باراك أوباما من تحول سوريا إلى فيتنام روسيا.

وتحولت روسيا إلى لاعب رئيسي في سوريا، بوجود عسكري طويل المدى، والتزام من سوريا بمنحها قواعد بحرية وجوية تستخدمها لإظهار قوتها في المنطقة ولمدة 49 عاما، وتحولت سوريا، التي لا تمثل أهمية بنفسها وللولايات المتحدة، إلى مركز حيوي يشمل قضايا المنطقة كلها، بما في ذلك النزاع السني الشيعي، والحرب ضد تنظيم الدولة، ومواجهة التوسع الإيراني، ونزاع إيراني إسرائيلي محتمل، وتمنح وضعية روسيا في سوريا يتيح لها التأثير على هذه القضايا كلها.

خروج الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية فتح الباب أمام توثق العلاقات الإيرانية الروسية، حيث باتت طهران تعتمد على موسكو لمواجهة العقوبات، والحماية في حال تعرضت لهجوم عسكري، وقدمت روسيا لإيران منظومة الدفاع الصاروخية (أس- 300)، وباعتها مقاتلات ومصفحات ومدفعيات، وكذلك مفاعلها النووي الوحيد.

أما تركيا، عضو الناتو، التي ظلت معادية بطريقة حاقدة لروسيا، لكنها بدأت تقترب من موسكو، وستشتري منظومة الدفاع الصاروخية (أس- 400)، وأبدت قطر والمغرب والبحرين رغبة في شراء المنظومة الروسية، ووقعت موسكو صفقة أسلحة كبيرة مع الإمارات، وتبحث موسكو عن فرص لإقامة قاعدة بحرية في ليبيا، ووقعت اتفاق تعاون نووي مع تونس. 

الروس عرضوا على لبنان صفقة أسلحة كبيرة، وهم مهتمون بإقامة قواعد جوية وبحرية هناك، وتعاونت روسيا مع حزب الله في الحرب السورية، ويعرف مقاتلو الحزب طريقة استخدام السلاح الروسية

ونجحت روسيا في تطوير علاقات قريبة مع إسرائيل، فكان للانسحاب الأمريكي من سوريا، وانسحابها من الاتفاق النووي، أثر عملي في جعل روسيا لاعباً حاسماً بالنسبة لإسرائيل، ويعتمد منظور مواجهة جديدة مع حزب الله/ إيران، وضرب المنشآت النووية الإيرانية على الدور الروسي، وزار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو موسكو 10 مرات في العامين الأخيرين. 

إعادة التأثير الأمريكي ممكنة في حال توفرت ثلاثة تغيرات في السياسة الأمريكية، الأولى تطوير واشنطن استراتيجية في سوريا، والثانية تبني استراتيجية واضحة تجاه إيران، وتبني تحالف قوي مع إسرائيل. ولسوء الحظ، فإن أيا من هذه ليست من متوفرة في ظل ترامب، ولذلك وعاد الروس إلى الشرق الأوسط للبقاء. فالعالم الدبلوماسي لا يحب الفراغ، ولهذا سارعت روسيا لملئه في المنطقة.

* نائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق والباحث في مركز بيلفر في جامعة هارفارد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى