ناحوم برنياع يكتب – كيف تُمنع انتفاضة
يديعوت – بقلم ناحوم برنياع – 14/12/2018
سلسلة عمليات اطلاق النار في منطقة عوفرا مقلقة. فهي تدل على ان التقدير بان حماس فشلت في مساعيها لربط مؤيديها في الضفة بالحملة التي تخوضها على الجدار في غزة كان سابقا لاوانه. فالنار التي انطفأت في غزة اشتعلت من جديد في الضفة. مثلما في الماضي، هذه المرة أيضا يتردد الخبراء في مسألة هل تبشر هذه العمليات بانتفاضة جديدة أم انها ظاهرة عابرة.
يتوجب على رئيس الوزراء والكابنت ان يسألا نفسيهما سؤالا آخر: ما العمل لمنع انتفاضة جديدة. في هذه المسألة تتنقل حكومات اسرائيل بين مدرستين متعارضتين. واحدة تؤمن بالعقاب الجماعي: قمع السكان سيردع منظمات الارهاب ويمنعها من تجنيد المخربين وتفعليهم في الميدان. اما الثانية فتؤمن بالفصل بين الارهابيين وبين السكان: عمل، حرية حركة وتطبيع اقتصادي ومدني ستبعد الشباب عن افكار الارهاب وتخلق اساسا للتعاون.
من يدفع للعقاب الاجتماعي يرى امامه علاوة اضافية، ليس لها صلة باعتبارات الامن: الجمهور العاصف، والجمهور ينتظر الثأر. ثأر دم طفل صغير، كتب حاييم نحمان بيالك، لم يخلقه الشيطان. رفائيل ايتان، رافول، فسر هذه الجملة بمفهوم معاكس: ثأرنا سيكون شيطانيا أكثر من ثأر الشيطان. قسم من الجمهور يريد أن يرى الطرف الاخر يعاني؛ قسم يتمنى قرارات استعراضية عن اقامة مستوطنات. وهناك من يطالبون بهذا وبذاك.
حتى من يعارض العقاب الجماعي ينتظر علاوة اضافية: العالم، وليس اقل منه الاسرائيليون الذين يسكنون في الجانب الغربي من الخط الاخضر، سيعرف ان الاحتلال الاسرائيلي هو احتلال متنور؛ اسرائيل هي دولة قانون؛ جيشها هو الاكثر اخلاقية في العالم.
القسم التاريخي مرير وصعب على الهضم: فالعقاب الجماعي ينجح في ابادة الارهاب فقط في الانظمة التي تنتهج قتل الشعب، الجينوسايد، وحتى هذا لزمن محدود. سياسة الاحتلال الاسرائيلي اقرب الى السياسة الاستعمارية البريطانية. “اضربوا اليهود بجيوبهم”، هكذا أمر الجنرال الفين باركر، قائد الجيش البريطاني في البلاد في اواخر عهد الانتداب. قوله لم يردع المنظمات السرية العبرية. عندما تستخدم اسرائيل السيادية مثل هذه السياسة، تجاه سكان غزة مثلا، النتيجة مشابهة: لا ردع، بل عنف.
ولكن الحقيقة يجب ان تقال. حتى السياسة المعاكسة، الفصل بين الساعين الى ميل الرزق والساعين الى الاساءة، لا يمنع الارهاب. فالانتفاضة الاولى اندلعت في كانون الاول 1987، حين كان الفلسطينيون يتمتعون بوضع اقتصادي جيد نسبيا. فالخبراء لم يتوقعوا، والسياسيون لم يلاحظوا. احتجنا لدافيد غروسمان (“الزمن الاصفر”)، كي نفهم من أنه خلف ستار المال يعتمل وعاء يغلي.
هذا صحيح اليوم: المال القطري يقنع حماس بان تعطل مؤقتا النشاط على الجدار في غزة، ولكنه لا يمنعها من تفعيل الارهاب في الضفة؟ للارهاب توجد اسباب، توجد دوافع، يوجد منطق سياسي ويوجد دعم من الخارج. الارهاب لا يصفى بمنع المال ولا يصفى بضخ المال. فإما تغير قواعد اللعب من الاساس أو يتعلم الناس كيف يتعايشون معه، دون تطلعات مبالغ فيها، دون خطابية متفجرة، كجزء من واقع حياتنا في الشرق الاوسط.
لقد وجدت حكومات اسرائيل صعوبة في أن تقرر ما هو الانجع، هل هو العقاب الجماعي أم الفصل. فاليمين دفع نحو العقاب الجماعي؛ اما الجيش والمخابرات الاسرائيلية ففضلا التطبيع. وسارت الحكومات باتجاه القليل من هذا والقليل من ذاك، ازالت حواجز ونصبت حواجز، منعت تصاريح عمل وسحبت تصاريح عمل، اخلت بؤرا استيطانية غير قانونية ومولتها وسوغتها. بشكل عام كان التفكير سياسيا حزبيا، وليس أمنيا.
اما العلاقة مع السلطة الفلسطينية فقد اجتازت عدة تحولات منذ اتفاق اوسلو. ويمكن تلخيص خطاب الحكومة الحالية بالتالي: ابو مازن وحماس يعيشان من أجل مهامة واحدة – ابادة اسرائيل. ابو مازن هو الشيطان الاكبر: فهو يستخدم تجاه اسرائيل الارهاب السياسي؛ اما حماس فهي الشيطان الاصغر. هدف اسرائيل هو تخليد الوضع القائم – حكم فتح ضعيف في رام الله وحكم حماس ضعيف في غزة، وتغذية العداء بينهما. اذا كان هذا يكلف ثمن جولة عنيفة في غلاف غزة مرة كل أربع سنوات او موجات ارهاب متكررة في الضفة، فليكلف. المهم الا نحسم، الا نهز السفينة، والا نعود باي حال الى طاولة المفاوضات.
لست واثقا اني افهم ما هو الارهاب السياسي. يبدو لي هذا مثل الامر ونقيضه. على اي حال، كمن يسافر بحكم عمله، غير مرة على طريق 60، فاني أفضل الارهاب السياسي على الرصاص من سيارة مسافرة. فما بالك أنه رغم الارهاب المنسوب لابو مازن، فان اجهزته الامنية تواصل، بتعليمات منه، التعاون مع الجيش والمخابرات الاسرائيلية في مكافحة الارهاب. 400عملية احبط جهاز المخابرات الاسرائيلي في الضفة في 2017. من يعتقد انه كان ممكنا الوصول الى هذا الانجاز دون مساعدة الفلسطينيين يعيش في فيلم. ففي اعقاب العمليات خرج لوبي المستوطنين بسلسلة من المطالب: حواجز وابعاد للسكان الفلسطينيين، اقامة مستوطنات وتبييض بؤر استيطانية للسكان اليهود. يؤمن قادة المستوطنين بالعقاب الجماعي، ولكن فقط عند الحديث عن العرب.
يدعو اوري ارئيل الى تصفيات غير مركزة؛ اما بينيت فيدعو الى ازالة القيود القانونية. هؤلاء الاشخاص السائبون، وزراء في حكومة اسرائيل، يسعون لتحويل الجيش الاسرائيلي، جيش الدفاع لاسرائيل، الى حزب الله، جيش الرب.
عندما صرخ سكان غلاف غزة صرختهم خرجوا الى المسيرات، تظاهروا في القدس وفي تل أبيب، وفي الحكومة لم يأخذوهم على محمل الجد. فهم بعيدون عن الصحن؛ قسم كبير منهم يصوت لاحزاب المعارضة. ولكن عندما يصرخ لوبي المستوطنين، فان وزراء الليكود يبدأون بالتعرق.
نتنياهو محرر في هذه اللحظة من ضغط امريكي. وزير الدفاع لا يقيده؛ وزير الخارجية لا يزايد عليه اخلاقيا. يمكنه ان يفعل كل ما يريد – يسد الطرقات، يبعد، يضم، يبيض المخالفات، يسوغ المخالفين. فهو يعرف بان كل هذه الافعال لن تخفض لسنتمتر واحد مستوى الارهاب، ولكن القاعدة، القاعدة، ماذا ستقول القاعدة.
“والتعيس يقول ثأرا”، كتب بيالك في قصيدته “عن الذبح”. “ثأر دم طفل صغير لم يخلقه الشيطان بعد”.