ناحوم برنياع – غزة ليست سوى جزء من المشكلة
بقلم: ناحوم برنيع، يديعوت ١٩-١٠-٢٠١٨
رون لاودر، 74 سنة، هو ملياردير امريكي، رئيس الكونغرس اليهودي العالمي، مجمع قطع فنية هام، مالك سابق للقناة 10، صديق ومحسن لرؤساء ورؤساء وزراء. في اثناء ولايته الاولى، في نهاية التسعينيات، بعث به نتنياهو سرا الى دمشق للتفاوض مع الاسد على اتفاق سلام يتضمن انسحابا اسرائيليا من كل هضبة الجولان. الاتفاق لم يتحقق، ولكن لاودر تورط مرتين: مرة مع نتنياهو، الذي تنكر باثر رجعي لعرضه، ومرة اخرى، اخطر، مع القانون الامريكي الذي يحظر على المواطنيين الامريكيين اجراء اتصالات سياسية من خلف ظهر الادارة.
في بداية الاسبوع كان لاودر في عمان، عاصمة الاردن. التقى سرا بصائب عريقات المسؤول عن المفاوضات في السلطة الفلسطينية، ومع شخصيات فلسطينية اخرى رفيعة المستوى. بعد اللقاء تحدثت هاتفيا مع المساعد الشخصي للاودر، مع الناطق بلسانه، مع مساعدته الكبرى ومع مندوبه في اسرائيل. واربعتهم اوضحوا لي، كل واحد بطريقته، بان لاودر لن يتحدث معي عن مضمون اللقاء او اللقاءات التي اجراها في عمان. واذا كنت فهمت الامر على نحو صحيح، فان الحساسية تنبع من مكانته كمواطن امريكي: فهو لا يسارع الى التورط مرة مرة. وطار مباشرة من عمان الى نيويورك: هذه المرة تجاوز القدس.
عدت واتصلت بصائب عريقات في عمان. لم يرد. أول امس، يوم الاربعاء، كان يفترض بابو مازن ان يسافر الى الاردن. عريقات كان ينتظره هناك.
يقاطع ابو مازن ادارة ترامب وجارد كوشنير وجيسون غرينبلت، مبعوثي ترامب الى الشرق الاوسط. منذ القرار للاعتراف بالقدس كعاصمة اسرائيل، ونقل عنوان السفارة الى القدس، يشجب ابو مازن ترامب ومبعوثيه بلغة فظة. فقد وصف ديفيد فريدمان، السفير الامريكي في اسرائيل بـ “ابن الكلب”. تساوي هذه الشتيمة كل شيء. اما الامريكيون فيعرفونها بصيغتها الانثوية: Son of a Bitch.
تفيد مصادر دبلوماسية ببوادر ندم في رام الله. فابو مازن يفهم بانه بقي وحيدا، دون سند خارجي. فقد اعتمدت الحركة الوطنية الفلسطينية منذ ولادتها على مصدر خارجي يلقي برعايته عليها: ولم تكن مختلفة عن الحركة الصهيونية في ذلك. وادى دور السيد بشكل عام المصريون. ولكن مصر السيسي لا تتجند لقضية السلطة. في حرب الوجود بين فتح وحماس أخذت لنفسها مكانة الوسيط. اما الدول الاخرى فمنشغلة في الصراع ضد ايران، الذي يقربها من ترامب واسرائيل او في قضاياها الداخلية. حماس في غزة، تحظى بالدعم من قطر وايران. فماذا يتبقى لابو مازن؟ الاردن. هذا لا يكفي.
منذ التسعينيات والفلسطينيون مقتنعون بان اسرائيل تسعى الى تقطيع اوصال المناطق. ليس الفصل بين الضفة وغزة فقط بل الفصل بين محافظة واخرى في الضفة. وهم يرون المستوطنات التي تتسع في قلب الضفة تقطعها عرضا – القاطع الشمالي، قاطع الوسط وقاطع الجنوب. ويستنتجون بان هذه ليست مجرد امنية لليمين الاستيطاني – بل حقائق على الارض. واذا لم يفعلوا شيئا الان، سيفوت الاوان.
ناهيك عن أنه حسب الشائعات التي وصلت اليهم من واشنطن، فان خطة السلام الامريكية او ما يسميه ترامب “صفقة القرن” تتحدث عن القدس كعاصمة الدولتين. لا ابو ديس، لا العيزرية، لا رام الله – بل القدس. هذا ما ألمح به ترامب حين قال بعد أن نقل السفارة الى القدس، حان وقت اسرائيل لتقديم تنازلات. يحتمل أن يكون رهان ابو مازن على ترامب، رهان يصفع به الشارع الفلسطيني وجهه كل يوم، سيتبين في نهاية المطاف كالرهان الصحيح. وحده ترامب، بطريقه المتذبذبة – يوم ما يهدد وفي الغداة يعانق – وحده ترامب يستطيع. اسألوا كينغ يونغ اون، اسألوا اردوغان.
هنا يدخل الى الصورة صديقنا رون لاودر. يهودي امريكي محترم، ابن بيت في البيت الابيض، هو الرجل السليم لنقل الرسالة. في السنة الماضية، حين كان ابو مازن لا يزال ضيفا مرغوبا فيه في واشنطن، أجرى لاودر استقبالا على شرفه. وحسب التقارير في ذاك الوقت فان نتنياهو غضب. الاعلام الاسرائيلي وصف ولا يزال يصف ابو مازن كعدو مرير، كلا سامي، كناكر للكارثة، كارهابي سياسي. وهذا لا يستوي مع استقبال فاخر يجريه رئيس الكونغرس اليهودي العالمي، ولا مع اللقاء السري مع مبعوثي ابو مازن في عمان.
ليبرمان المتجدد
انعقد الكابنت مساء أول امس ليقرر ما يعمله في غزة. تأجلت الجلسة الى الثامنة والنصف مساء كي لا يسمح للوزراء باطلاق التسريبات الى أخبار التلفزيون. تجري مثل هذه المداولات بشكل عام بعد أن يكون رئيس الاركان بلور تقويما للوضع مشترك مع وزير الدفاع، الذي يجلب خطة العملللمداولات مع رئيس الوزراء، ويعرض الثلاثة جبهة موحدة في الكابنت. اما الخلافات بينهم، اذا كانت هناك خلافات، فتحسم قبل عقد الكابنت.
لم يكن هكذا هذه المرة. فليبرمان والجيش جلبا الى الكابنت توصيات متضاربة. ليبرمان اقترح الشروع في حملة واسعة في غزة، بما في ذلك دخول بري، حملة تؤدي بزعمه الى هدوء لخمس سنوات على الاقل. كان هذا ليبرمان المتجدد؛ ان شئتم، صيغة محسنة من ليبرمان القديم، ذاك الذي وعد بتصفية اسماعيل هنية بعد 48 ساعة من تعيينه وزيرا للدفاع. لثلاث سنوات ساند ليبرمان الجيش الاسرائيلي وصد النقد لمن يسارعون الى المعركة من اليمين، ولا سيما بينيت وعصبته في وسائل الاعلام. ولكن موسم الانتخابات بات هنا، وليبرمان يكافح في سبيل حياته السياسية. قاعدته تناديه.
وقف الجيش الاسرائيلي في مواجهة وزير الدفاع. يمكن التعايش مع الوضع الحالي، هذا ما سمعه الوزراء في تقويم الوضع العسكري. اما البدائل فاكثر خطورة.
قال ليس احد الوزراء بعد ذلك ان “الجيش الاسرائيلي يعرض دوما امكانيتين: إما عرض اقتراحه او انهار من الدم. واحد لا يريد سفك انهار من الدم، وبالتأكيد ليست انهار دم الاسرائيليين، وهكذا ينتصر الجيش الاسرائيلي”.
سعى بعض من الوزراء الى موقف وسط: لا حملة عسكرية واسعة، بروح ليبرمان: نعم لتغيير قواعد اللعب التي تقررت على الجدار. وزير الاسكان، غالنت، قائد المنطقة الجنوبية سابقا، صاغ القرار بتعابير تكتيكية. اذا استمر اطلاق البالونات، سيتعين على الجيش الاسرائيلي ان يرتفع درجة. الهدوء يستجاب بالهدوء، والجيش الاسرائيلي لن يعمل متجاوزا الفاصل الامني، اذا ما حوفظ على الهدوء، وتعطى بوادر طيبة انسانية مثل توسيع مجال الصيد وادخال الوقود الى القطاع.
بعد كل الخطابات الحماسية عن اسقاط، سحق وتصفية حماس – عاد الوزراء الى نقطة المنطلق: اذا احتلت اسرائيل غزة فانها ستعود بالغداة الى الحدود الدولية والى ذات المشاكل الامنية. لا منفعة من الاحتلال. وكانت النتيجة التي توصلوا اليها هي نوع من الانذار: اذا حاولت الجماهير بعد ظهر اليوم مرة اخرى اقتحام الجدار، اذا اطلقت البالونات ووضعت العبوات، لن يكون مفر من السير خطوة واحدة الى الامام نحو الحرب. العنوان هو حماس، ولكن الانذار هو لانفسنا نحن ايضا.
مشكلتكم
“انسوا الهدنة، انسوا التهدئة”، قال للاسرائيليين نيكولاي ملدنوف، مبعوث الامم المتحدة الى الشرق الاوسط. “في افضل الاحوال ستحصلون على هدوء لزمن قصير، قد يتطور الى تهدئة لزمن اطول قليلا”.
ملدنوف، سياسي بلغاري متقاعد، الغى سفره الى غزة. رئيس المخابرات المصري تصرف مثله. خطواتهما منسقة. كلاهما فضلا الانتظار لرؤية ما تقرره اسرائيل وكيف ترد حماس. لم يرغبا في ان يعلقا في غزة تحت النار.
واصل ملدنوف يقول ان “الوضع الانساني في غزة خطير للغاية. لم يعد الحديث عن توريد الكهرباء من اسرائيل بل عن الوقود التي تنقص المولدات. يوجد نقص خطير في الادوية. على اسرائيل ان تجد السبيل للسماح للسكان لرفع الرأس. هكذا فقط يكون احتمال ان يتمرد السكان على حماس؛ هكذا فقط يكون احتمال لابعاد الجمهور عن الجدار.
“غزة هي مشكلة اسرائيل، ومشكلة اسرائيل وحدها. فهي لا تعني العالم. المصريون مشاركون، ولكن مشاركتهم محدودة. وهي تنبع من رغبة في تحقيق تأييد اسرائيل او تأييد الفلسطينيين. فهم يريدون فقط اثارة انطباع الامريكيين.
“انتم تعتقدون بان الوضع اليائس في غزة قد يدفع الجمهور نحو الحدود المصرية: فيصبحون مشكلة المصريين. ولكنكم مخطئون: المصريون سيطلقون النار عليهم ولن يهم هذا احدا”.