ناحوم برنياع / القمح سيحرق مرة اخرى
يديعوت – بقلم ناحوم برنياع – 1/6/2018
ظهر أول أمس، بعد بضع ساعات من الصلية الاخيرة، عادت العصافير في غلاف غزة تغرد. فلديها ذاكرة قصيرة، هذه العصافير. الحقول تلونت بالاصفر وبالاسود، لوني بيتار يروشلايم، بقع بقع، مثل اللحاف المرقع، أصفر بسبب القمح المحصود، وأسود بسبب الحريق. في القدس انعقد الكابنت. رئيس الوزراء قال اننا انتصرنا والوزراء كرروا وراءه كالصدى. لم يصدقوا كلمة قالوها، لا في اليوم السابق، حين دعوا الى احتلال غزة، ولا الان، حين رحبوا بوقف النار. فقد كانت الاكاذيب ثمنا دفعوه كي يظهروا للجمهور بانهم مطلعون. لا تسألونا ما الضربة التي تلقتها حماس في غزة. كنا سنروي لكم بسرور، بفخار، ولكننا ممنوعون من ذلك، لاعتبارات أمنية.
انتصرنا، قال الناطق بلسان حماس في غزة، هو الاخر كذب، بالطبع: هذا ما يفعله الناطقون بلسان حماس لنيل رزقهم. الحقائق غير هامة – العنوان الرئيس هو فقط الهام. انتصرت إذ قلت اني انتصرت. ماذا سيفعل نتنياهو بنصره؛ ماذا ستفعل حماس؛ ماذا سيفعل بهما السكان في الطرفين.
المجلس الاقليمي اشكول، 32 بلد، يغلف قطاع غزة من الشرق، من كيبوتس باري جنوبا وذيل قصير آخر على طول حدود سيناء. يوم الثلاثاء تعرضت اراضي المجلس لمعظم قذائف الهاون. وتراكض رئيس المجلس غادي يركوني في الغداة من لقاء الى لقاء محاولا الافادة من اللحظة المناسبة التي نالها سكانه قبل ان تتبدد.
يركوني، 51، هو عضو كيبوتس نيريم. قذيفة هاون اطلقت من غزة في الساعة الاخيرة من حملة الجرف الصامد، في آب 2014، قتلت اثنين من اعضاء الكيبوتس وقطعت ساقيه. جلسنا على مقعد في الشمس، امام مبنى المجلس، حيث تكون الساحة تعج بالحياة عادة. أما أول أمس فكادت تكون فارغة. فقال يركوني “لا ادري لماذا توقفوا بهذه السرعة. هذا ما يقوله السكان لي اليوم. الجيش الاسرائيلي لم يعد في هذا الحدث قوة ردعه”.
فقلت اني اعتقدت ان السكان في غلاف غزة غير معنيين بالحرب.
فقال: “السكان يريدون الهدوء. وهم مستعدون لتصعيد لحظي كي يحققوا هدوا طويلا”.
ليس للمدنيين فقط كان صعبا أن يفهموا ما الذي اشتعل هكذا لدى القيادة السياسية كي توافق على وقف النار. وقد حصلوا على هذا الاحساس ايضا من ضباط في الميدان. 70 سنة واسرائيل توافق على وقف النار، و 70 سنة وهي تواصل النار لبعض المزيد، بنشاط مضاف، بهدف سرقة مزيدا من بعض الارض، وقصف مزيد من بعض الاهداف، والايضاح للطرف الاخر بانها هي، وليس هو، قالت الكلمة الاخيرة. احيانا يكون هذا لازما؛ احيانا صبيانيا؛ احيانا محمل بالمصيبة.
القصة في غزة مشابهة ومختلفة. في التاسعة مساء توجهت قيادة حماس في غزة الى المخابرات المصرية بطلب للتوسط لها بوقف النار. نتنياهو استجاب. ولكنه سمح لقيادة الجنوب وسلاح الجو باصدار جولة واحدة اخرى من القصف، الذي يحل في منتصف الليل. وهكذا يكون بوسعه أن يقول للكابنت انه لم يكن اتفاق مع حماس. هم توقفوا ونحن توقفنا. “المناجاة”، كما علمنا شايكا أوفير، “هي شخص واحد يتحدث الى نفسه؛ اما الحوار فهو شخصان يتحدثان الى نفسيهما”. نتنياهو يسوق الاتصالات بين اسرائيل وحماس على طريقة شايكا أوفير.
في القصف المكثف للجيش الاسرائيلي، والذي لم يكن مثله منذ الجرف الصامد، لم يقتل شخص واحد في غزة، لم يصب شخص واحد. معجزة في غزة: لا كبير، لا صغير، لا شيخ، لا امرأة، لا طفل؛ في غزة المزدحمة، المحشورة، عديمة الغرف الامنية. إما ان يكون إلوهيم معهم، الامر الذي ينبغي ان يخيف كل السموتريشيين من البيت اليهودي – أو ان من اختار الاهداف للقصف هي عبقري في الجراحة. لشدة المفاجأة، في حماس تبنوا الامكانية الثانية: ليس الله هو من حرص على سلامة اجساد الغزيين، بل الجيش الاسرائيلي؛ ردعنا الاسرائيليين.
لقد عرف نتنياهو بأن وقف النار المبكر سيستقبل بمشاعر مختلطة. حموضة، هكذا سيدعوه في احد خطاباته التالية. كان يعرف ماذا كان سيقول عن هذا القرار لو أنه كان رئيس المعارضة: استسلام للارهاب؛ ضياع الردع؛ هدوء بكل بثمن؛ تسييب الامن؛ عندما سأكون رئيس الوزراء أنا سأصفي حماس، كان يقول للكاميرة على خلفية شارع في عسقلان، ويطلق الى الفيسبوك.
ولكنه كان يعرف أيضا بانه لن تجرى جنازة في اي مقبرة عسكرية. والاهالي الثكلى لن يصرخوا لماذا والى متى ومن اجل ماذا. وفي غزة ايضا لن تجرى جنازات، بعدها تخرج جموع متحمسة نحو الجدار. انا لست يساريا: لا احتاج لان اثبت لاني قوي على حماس. وفي اليوم الثاني اقلع الى برلين والى باريس، المدينة المحببة علي. اذا تحقق الهدوء، فان ميركيل وماكرون لن يزعجاني باسئلة عن الوضع في غزة. وسنتحدث فقط عن ايران.
الجولة التي انتهت مخيبة للامال ليس لانه لم يكن مصابون في قصف سلاح الجو. فهي مخيبة للامال لاننا القينا اطنانا من القذائف والصواريخ باهظة الثمن – نحن دولة غنية، مبذرة – ولم نحقق شيئا. رغم سقوط 15 قذيفة هاون في يوم واحد، زائد عشرات الصواريخ، لم نوضبح للطرف الاخر بان قواعد اللعب تغيرت. في الجيش الاسرائيلي ارادوا، ولكنهم صدوا.
لم نمنع الجولة التالية، ومشكوك ان نكون أجلناها. وهي مخيبة للامال لاننا وعيش في كذبة متواصلة. نسمي الاتصالات غير المباشرة مع حماس “لا اتصالات والتعادل مع حماس “انتصار”. حان الوقت لان نقول الحقيقة للاسرائيليين: اسرائيل تريد ان تواصل حماس الحكم في غزة. هي لا تريد أن تحكم هناك بنفسها، لا تريد ان تحكم السلطة هناك. تخشى أن يولد انهيار حماس الفوضى والارهاب. ولكن التسهيلات الهامة في الحصار على غزة، مع أو بدون تسوية مع حماس، ستجبي ثمنا سياسيا نتنياهو غير مستعد لدفعه، ليس في سنة انتخابات.
قبل الجرف الصامد، اقترح يوفال شتاينتس تأهيل مصاف في ميناء في قبرص – لارنكا او ليماسول كميناء بديل لغزة. اسرائيل والامم المتحدة تشرفان على عبور البضائع والاشخاص. وبين قبرص وغزة يعمل مسار بحري نقي. اسرائيل تشرف على حركة السفن من البحر ومن الجو. الاقتراح رفض رفضا باتا، دون نقاش حقيقي. المصريون طرحوا اقتراحا مشابها. هو الاخر رفض رفضا باتا.
“يجب الحديث مع حماس”، يقول غادي يركوني. “لا مفر. أنا اقول هذا لاني ايثاري. انا اؤمن بانه اذا كان لهم الحال افضل، سيكون لنا هدوء أكثر. نحن الراشد المسؤول. انا اقول للاطفال الذين يعيشون هنا: قولوا شكرا لانكم هنا وليست هناك. المستقبل الوحد المضمون للاطفال هناك هو أن يكون مخربين.
“لا تخطئوا: هم عدو مر. هم ليسوا بشرا. ولكني تعلمت من التجربة في محل كل عدو صفيناه جاء عدو كبير، اسوأ منه”.
ايها الاطفال الى الامام
في اثناء حملة الجرف الصامد انضممت الى قوة لواء المظليين النظامية التي تمركزت في المنازل الشرقية لخانيونس، بين دفيئة ونفق. جذبت العيون غربا، نحو خانيونس وغوش قطيف. ولكن ليس اقل من هذا كان مشوقا النظر شرقا، نحو حقول كيبوتس نيريم، الى هناك اجتذبت عيون الفلسطينيين: قريب جدا، مغري جدا. التقيت بالمقدم عدي غانون، قائد كتيبة 51 من غولاني، اول امس في حرش جنوبي الكيبوتس. هو ابن كريات غات ومقيم في المدينة. وقام بحياته العسكرية بادء خدمته العسكرية في الكتيبة 51، من مقاتل حتى قائد كتيبة، بفخار عظيم. أبعة اشهر وهو يقود كتيبته في الجبهة الجنوبة، امام رفح وخانيونس. الجرحى الثلاثة في هجوم قذائف الهاون يوم الثلاثة هم جنوجه. اثنان اصيبا بجراح طفيف، عولجا وسرحا الى بيتيهما. الثالث مصاب بجراح متوسطة. وهو يقول “كانوا مع تحصين وكل شيء كما ينبغي. قذيفة الهاون سقطت في استحكامهم. اخذت زاوية وتسللت الى الداخل. مثل هذه الامور تحصل”.
طلبت منه أن يصف تصديه لمسيرات حماس فقال: “الاسابيع الاولى كانت من ناحيتي امنا جاريا عاديا. في 30 اذار خرجت المسيرة الاولى. هذا حدث عملياتي باعث على التحدي، يختلف عما اعتاد مقاتل غولاني عمله.
“في غولاني ان تيهيء نفسك لحرب ضد حزب الله. عندما تشخص عدوا، تهاجمه وتطلق النار عليه. اما هنا فقد كنا مطالبين بقواعد لعب اخرى ولاعداد ذهني. لقد طور نظام قتالي كامل، تدربنا عليه قبل الحدث. وقد تشكلت وحدات خاصة، بما فيها القناصة. وكان في كل موقع ضابط، حرصنا على السيطرة الكاملة.
“انا جلست على مسافة 200 متر من خلف القوة. وكانت لدي وسائل تشخيص. عرفت من هو الذي الذي يدفع الجموع الى الامام. وفهم الجنود بانهم ليسوا في حرب ضد مسلحين. واكثروا من اطلاق قنابل الغاز.
“عندي ثلاثة اطفال في البيت. رأيت حماس تدفع الاطفال الى الامام، الى الجدار، وفكرت، لماذا يفعلون هذا، فلا علاقة للاطفال باللعبة”.
عندما بدأت هجمة قذائف الهاون يوم الثلاثاء، استعد جنود غولاني لحماية الجدار. لم يكن على الجدار اي نشاط. ويقول غانون: “الكتيبة تعرف كي تستعد لاعمال الاخلال بالنظام وتعرف كيف تستعد للتسلل. عندنا الوسائل والعتاد الاكثر تقدما. ونحن نعرف كيف نفعل كل شيء”. فقلت ان حماس أعلنت انها انتصرت.
فقال: “انا لا أتأثر. انا احترم الطرف الاخر”.