ميديا بارت: الباليه الدبلوماسي في السودان بلد هش ومطلوب
ميديا بارت 8-2-2023، بقلم جوينيل لينوار: الباليه الدبلوماسي في السودان بلد هش ومطلوب
في هذه الأيام، اشتعلت درجة حرارة مدرج مطار الخرطوم، حيث تتبع الزيارات المجدولة أو المفاجئة بعضها البعض بوتيرة سريعة، إذ إن البلد يعيش واحدة من اللحظات السياسية الحادة المكثفة والمليئة بالشكوك.
يوم الأربعاء، تواجد في العاصمة السودانية الخرطوم، مبعوثون غربيون -أمريكيون وفرنسيون وبريطانيون ونرويجيون وألمان- إضافة إلى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. في خضم الحرب ضد أوكرانيا، والتوترات حول أنشطة مجموعة فاغنر في منطقة الساحل، من يستطيع أن يؤمن بمصادفة التوقيت؟.
قبل أيام، كانت هناك الزيارة المفاجئة لوزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، وهي الأولى إلى السودان على هذا المستوى من التمثيل. بالإضافة إلى الرحلات ذهابا وإيابا إلى تشاد، والسفر المتواصل بين الخرطوم والقاهرة، وبين العاصمة السودانية والإمارات، فإننا أمام اجتماع كل مقومات وجود مأزق إقليمي ودولي. يستنكر بابكر فيصل زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي ووزير الإعلام السابق، قائلاً: “يوضح كل ذلك مشكلة السودان. لدينا هيئتان عسكريتان مستقلتان عن بعضهما البعض. يحاول الجميع إقامة تحالفات لدعم مصالحهم الخاصة. نحن المدنيون نعتبر هذه اللعبة خطرة على استقرار البلاد”.
منذ الإطاحة بعمر البشير في أبريل عام 2019، فإن التنافس بين الجيش الوطني بقيادة اللواء عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة اللواء محمد حمدان دقلو، المعروف باسم “حميدتي”، تستمر في التصلب. الأول معروف بأنه قريب من النظام القديم والإسلاميين. والثاني له سمعة كبريتية، حيث تنحدر قوات الدعم السريع من الجنجويد (القوات الدموية للخرطوم في حرب دارفور). يقود الأول المجلس العسكري الذي أطاح في 25 أكتوبر 2021 بالحكومة المدنية وأنهت الانتقال الديمقراطي. والثاني هو نائب رئيس المجلس العسكري المذكور.
البرهان يلعب ورقة إسرائيل.. و”حميدتي” ورقة روسيا
حتى لو كانت الروابط بين الخرطوم وموسكو تعود إلى العهد السوفياتي، ولو كان الجنود السودانيون يتدربون بانتظام في روسيا، ولو جاء سيرغي لافروف رسميا لمناقشة التعاون؛ فمن المغري أن نرى في زيارة الوزير الروسي يد حميدتي. إن صلاته بمجموعة فاغنر معروفة جيدا، وأثناء وجوده في موسكو يوم غزو أوكرانيا، دافع عن “حق الشعب الروسي في الدفاع عن نفسه”.
فهل زيارة سيرغي لافروف التي أعلن عنها الأحد فقط، هي رد حميدتي على عبد الفتاح البرهان الذي دعا وزير الخارجية الإسرائيلي؟.
ويؤكد محلل سوداني فضّل عدم الكشف عن هويته، أن “كلا الرجلين يسعى للحصول على دعم الولايات المتحدة. يعلم البرهان أن الطريق المباشر إلى واشنطن يمر عبر تل أبيب. ساعد إيلي كوهين الجنرال كثيرا: فقد أعلن عن معاهدة سلام مستقبلية بين الدولتين.. بالتأكيد بعد نقل السلطة إلى حكومة مدنية سيتم تشكيلها كجزء من عملية الانتقال الجارية في البلاد. لكن الكثيرين رأوا رسالة من اللواء البرهان، مفادها أنه من حيث الجوهر “لن يترك السلطة بهذه الطريقة”.
يصرح ياسر عرمان، أحد أركان قوى الحرية والتغيير- اللجنة المركزية، الذراع السياسي للثورة: “لا يعود الأمر للجيش لاتخاذ هذا النوع من القرارات. بدون دعم شعبي، لا يمكنهم البقاء في السلطة. وهذا الدعم ليس لديهم”.
أما السؤال بالنسبة للبرهان وحميدتي، فهو معرفة ما إذا كانوا سيتخلون عن السلطة، وما الأجزاء التي هم على استعداد للتخلي عنها وتحت أي شروط. بالنسبة للمدنيين، فإن الأمر الملحّ هو إنهاء الحكم العسكري.
منذ شهرين، انغمس السودان في عملية سياسية حساسة بقدر ما هي غير مؤكدة. ففي 5 ديسمبر 2022، تم توقيع اتفاق إطاري بين الجنود والمدنيين، بهدف وضع حد للانقلاب. على الجانب المدني، كان تحالف قوى الحرية والتغيير هو الذي تفاوض على الاتفاقية. وعلى الجانب العسكري، وقّع عليها كل من البرهان وحميدتي، وقالا إنهما مستعدان للعودة إلى ثكناتهما.
لكن اتضح أن يوم 5 ديسمبر هذا يمثل بداية لغز أكبر مع مرور الأيام، الأمريكيون منزعجون للغاية: هل سيؤيدون العسكري البرهان، الذي هو في الواقع ضد الاتفاق لكنه مؤيد لإسرائيل، أم العسكري الآخر، حميدتي، المؤيد للاتفاق، لكنه يرحب بفاغنر؟ يسأل أحد الممثلين في العملية السياسية بسخرية.
تجري حاليا مناقشة خمس قضايا شائكة: تفكيك النظام العسكري الإسلامي الذي نصّبه عمر البشير خلال ثلاثين عاما من الحكم. فشل مراجعة اتفاقية جوبا للسلام بين الحكومة الانتقالية وأغلبية الجماعات المسلحة السودانية. قضية شرق السودان وسط إغراءات الانفصال. إصلاح القطاع العسكري والأمني الذي يجب أن يؤدي إلى جيش وطني واحد. يجب أن تسفر هذه المؤتمرات عن اتفاق نهائي، وتشكيل حكومة انتقالية مدنية تؤدي إلى انتخابات ديمقراطية.
تجري العملية تحت مظلة الآلية الثلاثية التي أُنشئت في مايو 2022، والتي تجمع بين بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال السياسي، والاتحاد الأفريقي ومجموعة إيغاد، وهي منظمة تعاون إقليمية. وهي مدعومة بقوة من قبل الترويكا (الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج) والاتحاد الأوروبي والجهات المانحة الدولية. كل هؤلاء الفاعلين، يعتبرون أنه لا يوجد حل بديل لهذه العملية، على الرغم من هشاشتها. ولتعزيزها، وصل المبعوثون الستة، الأمريكيون والبريطانيون والأوروبيون والفرنسيون والألمان والنرويجي، إلى الخرطوم. يقول ياسر عرمان: “نأمل أن يضغطوا على الجيش”. فالوقت ليس في صالح المدنيين: “ينتشر عدم الاستقرار وانعدام الأمن في جميع أنحاء البلاد”.
يتردد صدى أصوات أحذية الميليشيات على جانب الحدود الغربية للبلاد بين دارفور وجمهورية أفريقيا الوسطى، وتشاد على وجه التحديد، حيث تتواجد القوات شبه العسكرية التابعة لفاغنر، المنخرطة في استغلال مناجم الذهب. في أوائل يناير الماضي، أغلق حميدتي الحدود بين السودان وأفريقيا الوسطى، مدعيا منع عبور رجال مسلحين تم استئجارهم من السودان للإطاحة بالرئيس تواديرا. وبحسب ما ورد، قُتل أعضاء من فاغنر خلال القتال في كل من جمهورية أفريقيا الوسطى وعلى الحدود مع تشاد.
وقد أُعلن أن عودة الميليشيات السودانية المقاتلة في ليبيا والمرتبطة بعائلة ديبي وأعداء حميدتي إلى دارفور عبر تشاد، وشيكة. يقول ياسر عرمان: “إنه امتداد للصراع الأوكراني في القارة الأفريقية”. وقد امتد صراع الخصمين، الغرب وروسيا، إلى مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى والسودان.“نحن بحاجة إلى اتفاق نهائي سريعا، حتى يتمكن المدنيون من تولي زمام الأمور بأيديهم”، يقول بابكر فيصل، متمنياً التوفيق لرئيس الوزراء المستقبلي. خاصة أنه في الشرق، تدور معركة أخرى صامتة بين القوى العظمى، روسيا، الإمارات، الولايات المتحدة ، تركيا، للسيطرة على الوصول إلى البحر الأحمر.