ميديابارت: خطة إعادة احتلال غزة قيد التنفيذ

ميديابارت 3-4-2025: خطة إعادة احتلال غزة قيد التنفيذ
لم تكتف إسرائيل بانتهاك وقف إطلاق النار في 17 مارس الماضي، بل صعّدت هجماتها في قطاع غزة بشنّ عملية عسكرية أكثر دموية من سابقاتها، هدفها المعلن اليوم هو السيطرة على جزء أكبر من الأراضي وإجبار الغزيين على الرحيل.
الاستماع إلى تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، يكشف أن ما يقوله يُترجم إلى أفعال على الأرض. فصباح الأربعاء 2 أبريل الجاري، أعلن أن القوات الإسرائيلية ستوسع عملياتها البرية في قطاع غزة من أجل “تطهير المزيد من المناطق من “الإرهابيين وبناهم التحتية، والاستيلاء على مساحات شاسعة من الأراضي التي ستضاف إلى مناطق أمن دولة إسرائيل”. وهذا يعني، لسكان القطاع الفلسطيني، مزيدا من التهجير القسري، والمزيد من القتلى والجرحى، والمزيد من المعاناة واليأس.
هذه المشاهد تتكرر أيضا في شمال قطاع غزة: نساء وأطفال ورجال وشيوخ، يسيرون على الأقدام أو يركبون عربات أو يتكدسون داخل سيارات، يحملون أكياسا بلاستيكية ممتلئة وفرشات وأغطية، وأواني طهي، وأخشابا. أفيخاي أدرعي، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي باللغة العربية، والذي يعرفه كل سكان غزة، ينشر مرة تلو الأخرى أوامر الإخلاء عبر حسابه على منصة. تلك الخرائط الشهيرة، التي تحمل مربعات بألوان مختلفة، مع المناطق الحمراء التي يجب مغادرتها والسهام الصفراء التي تشير إلى طريق النزوح، عادت إلى الظهور. بعض العائلات، التي عادت إلى منازلها بعد 19 يناير خلال الهدنة، في المباني القليلة التي لم تدمر أو بين أنقاض منازلها، ترفض المغادرة.
في صباح الأربعاء، استهدفت غارة إسرائيلية عيادة تابعة لوكالة الأونروا، حيث كانت تعيش عائلات، في جباليا شمال القطاع. وبحلول بعد الظهر، بلغ عدد القتلى وفقا لوزارة الصحة في غزة 19 قتيلا، بينهم تسعة أطفال. كما قُتل 12 شخصا آخرين في قصف منزل بخان يونس جنوبا، وثمانية في حي السلام، وثلاثة آخرون في غارة استهدفت منطقة زراعية شمال رفح. وفي كل مرة، يؤكد الجيش الإسرائيلي أنه يستهدف عناصر من حماس أو خلايا الجهاد الإسلامي. وخاطب وزير الدفاع الإسرائيلي سكان غزة عبر مقطع فيديو بالعبرية مترجم إلى العربية في 19 مارس، ثم في 26 مارس. في المرتين، كان يحمل الرسالة ذاتها تقريبًا. ففي الفيديو الثاني، شجّع الغزيين على الخروج إلى الشوارع ضد حماس، كما فعل بعض سكان بيت لاهيا في 25 مارس.
لكن الأهم كان واضحا بالفعل في رسالته يوم 19 مارس: “سكان غزة، هذا هو تحذيركم الأخير. الهجوم الجوي للجيش على إرهابيي حماس كان مجرد المرحلة الأولى. المرحلة التالية ستكون أشد قسوة، وستدفعون ثمنها غاليًا. قريبًا، سيستأنف إجلاء السكان من مناطق القتال”.
يعيش أهل غزة واقعا من التدمير والخراب على نطاق غير مسبوق. ففي ليلة 17 إلى 18 مارس، الليلة التي خرقت فيها إسرائيل وقف إطلاق النار، أسفرت الغارات الجوية عن مقتل أكثر من 300 شخص. ورغم ادعاء المسؤولين الإسرائيليين بأن الضحايا ينتمون إلى حركتي حماس والجهاد الإسلامي، فإن شهادات جمعتها صحيفة هآرتس دحضت هذه الرواية، مؤكدة أن معظم القتلى في تلك “الليلة من بين الأكثر رعبا في الحرب” كانوا من النساء والأطفال، الذين لقوا حتفهم أثناء نومهم أو خلال تناول وجبة السحور. ومنذ ذلك الحين، تتزايد أعداد القتلى في مجزرة لا نهاية لها، تثير الرعب والمأساة.
من جانبها، أعلنت منظمة اليونيسف أول أبريل، أن 322 طفلًا قُتلوا و609 أصيبوا خلال الأيام العشرة التي أعقبت خرق إسرائيل لوقف إطلاق النار، أي “بمعدل يومي يقارب 100 طفل قُتلوا أو شُوهوا خلال الأيام العشرة الأخيرة”. وأضافت الوكالة: “معظم هؤلاء الأطفال كانوا نازحين، يحتمون في خيام مؤقتة أو منازل متضررة”. “فالحرب أصبحت أشد قسوة من ذي قبل وعلى عدة مستويات”، يروي أمجد شوا، المدافع عن حقوق الإنسان ومسؤول شبكة المنظمات غير الحكومية الفلسطينية في غزة.
إطلاق النار والهجمات على سيارات الإسعاف والطواقم الطبية من قبل الجيش الإسرائيلي ليست نادرة، وهي موثقة على نطاق واسع. ولكن الحادثة التي وقعت في حي تل السلطان في رفح يوم 23 مارس والأيام التي تلتها كانت مروعة بسبب حجمها. في ذلك اليوم، كما أوضح جوناثان ويتال، مدير عمليات وكالة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في غزة، تم إرسال عشرة أعضاء من الهلال الأحمر الفلسطيني وستة مسعفين من الدفاع المدني، على متن خمس سيارات إسعاف وشاحنة إطفاء، إلى تل السلطان لإنقاذ الجرحى. وكان الجنود الإسرائيليون متواجدين في المنطقة، ولكن ليس في هذا الموقع المحدد الذي كان هادئا ولم يكن يتطلب تنسيقا مسبقا مع الجيش، وفقا للهلال الأحمر. لكن سيارات الإسعاف، بالإضافة إلى سيارة تابعة للأمم المتحدة كانت واضحة الهوية ووصلت لاحقا إلى المكان، تعرضت لإطلاق نار، وانقطع الاتصال بالفرق. استغرق الأمر أياما وضغوطا مكثفة حتى حصلت الأمم المتحدة على إذن من الجيش الإسرائيلي للوصول إلى الموقع.
في المحاولة الأولى، شهد موظفو الأمم المتحدة مشهدا مرعبا: رجل تتبعه امرأة يركضان لعبور الطريق، ثم يسمع صوت إطلاق نار، تتعثر المرأة وتسقط على الأرض، وقد أصيبت في مؤخرة رأسها برصاص. وعندما حاول شاب إنقاذها، قُتل هو الآخر. وفي اليوم التالي، تمكن المسعفون أخيرا من الوصول إلى الموقع حيث تم استهداف الفرق في 23 مارس وبدأوا في انتشال الجثث.
هذه الوحشية القصوى تترافق مع تهديد بالموت البطيء. فمنذ 2 مارس، فرضت إسرائيل حصارا محكما على الأراضي الفلسطينية. لا يُسمح بدخول أي منتج، مهما كانت ضرورته للحياة. ووفقًا لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الهدف هو فرض “أقصى ضغط” على حماس لإجبارها على إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة، ولكن دون شروط وقف إطلاق النار كما كان مخططًا في المرحلة الثانية منه. وقد أدت هذه الإجراءات إلى تفاقم الأزمة الإنسانية.