ترجمات أجنبية

ميدل إيست آي- أليكس ماكدونالد – إنكار العدالة … بعد مرور عام على حركة الاحتجاج المناهضة للحكومة العراقية

ميدل إيست آي – أليكس ماكدونالد – 1/10/2020

يقول النشطاء والمحللون إن الحملة التي استمرت لمدة عام كان لها تأثير اجتماعي ضخم – وإن كان ضئيلًا – سياسيًا على العراق “.

إنه بعد عام من خروج العراقيين إلى الشوارع بأعداد كبيرة احتجاجًا على البطالة والفساد والتدخل الأجنبي والنظام السياسي المتعثر، شهدتْ البلاد اضطراباتٍ كبرى وتغييرًا مجتمعيًّا، ولكن هذا التغيير ليس بالضرورة من ذلك النوع الذي ينشده المتظاهرون المناهضون للحكومة.

وقد شهدت تلك المدة منذ بداية المظاهرات في 1 1 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 الإطاحة برئيس الوزراء ومرشحين لرئاسة الحكومة، واتساع نطاق صراع دولي بالوكالة ليشمل الاغتيالات، واندلاع جائحة فتَّاكة استنفدتْ جميع موارد نظام الرعاية الصحية في العراق.

وفي خضم كل هذه الفوضى، لم يكن هناك اهتمام كبير بالمطالب التي خرج من أجلها النشطاء العراقيون، الذين يواصلون التظاهر حيثما أمكنهم على الرغم من تعثرهم بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد ووفاة أكثر من 600 شخص منهم منذ بداية الحراك.

تغيُّر محدود في الواقع السياسي

علي خريبط، الناشط المقيم في بغداد والذي شارك بالفعل في الاحتجاجات المناهضة للحكومة قبل أكتوبر 2019، قوله إن البلاد لم تشهد سوى القليل جدًّا من التغيير السياسي الحقيقي في العام الماضي. وقال للموقع: «في رأيي لم تحقق الاحتجاجات أي شيء فيما يتعلق بالواقع السياسي».

أما عن الشارع والشباب العراقي، فقد كان للاحتجاجات تأثير كبير. وفي الماضي، كانت مجموعة صغيرة تحتشد ضد النظام والدمار الذي لحق بالبلاد بعد سقوط نظام صدام حسين، ولكن الآن كل بيت عراقي وكل شابة وشاب يرفضون الحكومة ويعرفون أخطاءها وينتقدون عملها.

وفي مساء الأربعاء، وبينما بدأ المحتجُّون مرةً أخرى في التجمع في ساحة التحرير ببغداد للإعداد لمظاهرات جديدة، أصدرت فرقة الروك العراقية «يو تي إن 1» مقطع فيديو موسيقي يعرض النشيد الوطني «موطني»، والذي خُصِّص لذكرى شهداء ثورة أكتوبر. وأظهرت الصور الواردة في مقطع الفيديو صفاء السراي، وتحسين أسامة، وأحمد مهنة، وريهام يعقوب، وهشام الهاشمي، ونشطاء وشخصيات أخرى من بين مئات القتلى والمختفين منذ بدء الاحتجاجات.

وزيَّنتْ صورهم جدران المباني والخيام والملابس واللافتات منذ أكتوبر، مع تصاعد الغضب ضد الأجهزة الأمنية ورجال المليشيات الذين حمَّلهم المتظاهرون مسؤولية القتل.

مستقبل غامض

فشل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ومسؤولين حكوميين آخرين، بالرغم من الوعود المتكررة، في كشف الحقيقة بشأن الجناة ومحاسبتهم، كان أحد القوى الأساسية الدافعة التي أبْقَت شرارة الاحتجاجات متَّقدة. يقول خريبط الذي كان صديقًا مُقربًا لسراي وأقام خيمة مخصصة له في شارع سعدون خارج ساحة التحرير: «لا أعرف ما الذي يحمله المستقبل لنا وللعراق في ظل الأسلحة الخارجة عن السيطرة والميليشيات». وأضاف: «أعتقد أنه لا توجد فرصة لتحسين الوضع طالما بقي هؤلاء الجناة الهاربون طلقاء».

يقول عمار الخزعلي، أحد قادة الاحتجاجات في مدينة الديوانية، إن هذا كان «الهدوء الذي يسبق العاصفة» وإن المتظاهرين ينتظرون لمعرفة ما إذا كان الكاظمي قد نفَّذ أيًّا من مطالبهم بحلول الموعد النهائي 25 أكتوبر (وهو تاريخ يشير إلى ذروة احتجاجات العام الماضي). وقال للموقع: «بعد ذلك ستعود الاحتجاجات بقوة إذا لم تُنفَّذ المطالب المركزية المعلنة».

تهديد العنف

الحجم الهائل للمظاهرات التي اندلعت في عام 2019 كان بمثابة صدمة لكثيرين في المؤسسة السياسية. وعلى الرغم من وجود مقدمات لذلك في البصرة في العام السابق، فضلًا عن حركة شارع راسخة ضد الفساد، لم تشهد البلاد مظاهرات بهذا الحجم منذ الإطاحة بصدام حسين في عام 2003.

كان مشهد الملايين من العراقيين ذوي الأغلبية الشيعية الذين خرجوا إلى الشوارع للاحتجاج، في تحدٍ لافتراضات طائفية متصورة بشأن البلاد وللحديث بدلًا عن ذلك عن قضايا الخبز والزبدة، مُقلقًا للمؤسسة السياسية.

يقول الخزعلي: «لقد قتلنا الروح الطائفية ورأينا مشاركة جميع الطوائف، وابتعدنا عن لغة الطائفية والقومية، وتحدثنا بلغة الوطن والدولة الواحدة». وتابع: «للمرة الأولى، شاركت معنا جميع الطبقات والمجموعات وشرائح المجتمع، من الصغار والكبار والنساء والرجال من جميع الأعمار، للمطالبة بإصلاحات سياسية دستورية بدلًا عن المطالب الفئوية».

الوحشي للدولة والقوى المُعادِية، ذلك المزيج من عنف الأجهزة الأمنية وموجات من عمليات الاختطاف والإخفاء التي تنفذها جماعات مشبوهة من الميليشيات، بهدف ترويع المحتجين، وكثير منهم كان من الجُدد في الشارع، وإجبارهم على الرضوخ. وعلى الرغم من هذا، وبعد مرور عام، يتأهب النشطاء لموجة كبيرة أخرى، بعد أن تعزَّزت عزيمتهم جزئيًّا بفقدان رِفاقهم.

يقول هشام الموزاني، ناشط في جمعية الأمل العراقية الحقوقية التي تراقب أعمال العنف والانتهاكات ضد المتظاهرين منذ 2019، إن التهديدات وسوء معاملة المتظاهرين تفاقمت. وأضاف: «نرى في هذه الأيام عمليات خطف وقتل، وهناك تقارير كثيرة عن تعقب النشطاء ومحاولة قتلهم واغتيالهم. إن هذا العام أسوأ من عام 2019».

من الذي يقتل المتظاهرين؟

إن مقتل ريهام يعقوب، وهي مُنظِّمة احتجاجات سابقة وناشطة في مجال حقوق المرأة، في البصرة في أغسطس (آب) سلَّط الضوء على الاستهداف المستمر للناشطين. وجاءت وفاتها بعد وقت قصير من اغتيال الناشط تحسين أسامة، فيما نجا ناشطان بارزان آخران في المدينة، لوديا ريمون وعباس صبحي، من محاولات اغتيال.

وكان الكاظمي قد تعهَّد مرارًا بمساءلة المسؤولين عن جرائم القتل، وقد اشتدت الضغوط جزئيًا لأن الجماعات المسلحة (التي يعتقد كثيرون أنها ضالعة في عمليات القتل) تستهدف على نحو متزايد المصالح الأمريكية في العراق.

والحقيقة أن إطلاق صاروخ ضال من إحدى الميليشيات، والذي كان من المفترض أن يستهدف القوات الأمريكية في مطار بغداد وأسفر يوم الاثنين عن مقتل خمسة أطفال وسيدتين في قرية مجاورة، كان سببًا في تأجيج الغضب المتصاعد من أن الدولة تبدو عاجزة عن كبح جماح العناصر المارقة.

وتساءل الموزاني: «من الذي يقتل المتظاهرين؟ من يقتل إخواننا؟ هذا هو السؤال»، موضحًا أن «القبض على جندي عادي أو ضابط ذي رتبة منخفضة، لا يعني أننا أمسكنا بمن يقتل المتظاهرين. من الذي يصدر الأوامر؟ ومن الذي جعل هذا الوضع جزءًا من حياتنا السياسية؟ نريد هؤلاء الرجال».

لكن على الرغم من تهديدات الكاظمي المتكررة والعمليات المتباعدة ضد الميليشيات، إلا أنه لم يفعل الكثير حتى الآن لإضعاف قبضة تلك الميليشيات على المؤسسة السياسية العراقية أو تحميلها المسؤولية. وخلال الشهر الماضي، أعلنت حكومته أن عائلات الضحايا يمكنها التقدم للحصول على تعويض من الدولة، لكن حتى الآن لم تُصرَف أي أموال. كما أعلن عن بناء نصُب تذكارية في ساحة التحرير ومدينة الناصرية لإحياء ذكرى القتلى، لكن التعامل في نهاية المطاف مع قوة الجماعات المسلحة والأحزاب السياسية التابعة لها كان يتجاوز قدراته.

وصرح مسؤول عراقي لوكالة فرانس برس شريطة عدم الكشف عن هويته بأن الكاظمي عرف «مَنْ القتلة وأين يعيشون، لكن لا يمكننا اعتقالهم أو الإعلان عن ذلك. وهذا أمر حساس للغاية».

عدم الوفاء بالمطالب

المتظاهرين الذين خرجوا لأول مرة إلى ساحات المدن في أنحاء العراق في السنوات الماضية لم يكونوا مجموعة متجانسة، بل كانوا مجموعات تتراوح بين المحافظين الدينيين والقوميين إلى العلمانيين والشيوعيين، وكانت هناك مجموعة كاملة من القضايا والمطالب تنبع من زوايا مختلفة للحركة. ومع ذلك، كان هناك عدد من المطالب المحددة المشتركة للحركة.

ومن بين تلك المطالب استِحداث قانون انتخابي جديد يسمح للمرشحين المستقلين بخوض الانتخابات، متجاوزين بذلك الأحزاب السياسية التي تمارس السلطة في العراق منذ عام 2003. وتعهَّد الكاظمي، الذي وصل إلى السلطة في مايو/آيار بعد أشهر من الجدل في أعقاب استقالة عادل عبد المهدي في ديسمبر/كانون الأول، بتنفيذ القانون (الذي وافق عليه البرلمان رسميًّا في ديسمبر) وحدَّد يونيو (حزيران) 2021 لإجراء انتخابات جديدة.

ولكن على الرغم من الموافقة رسميَّا على القانون، فإن التفاصيل الفعلية للقانون وتنفيذه كانت موضع نقاش محتدم، ويعتقد عديد من المحتجين أن القانون سيُفرَّغ من مضمونه. ولا تزال التفاصيل الحاسمة قيد المناقشة، مثل حجم الدوائر الانتخابية وما إذا كان المرشحون سيترشَّحون مستقلين أو ضمن قوائم انتخابية.

وكان الكاظمي حريصًا على أن يكون في صف المحتجين، ولكنه كان لزامًا عليه، بصرف النظر عن صدق هذا الموقف، أن يناضل مع مؤسسة سياسية راسخة لا تريد خسارة امتيازاتها، مع عدد قليل من الحلفاء لدعمه في البرلمان.

يقول ساجد جياد، المحلل السياسي في بغداد، «لا أعتقد أن القانون سيُرضي المتظاهرين عند نشره لأن الناس سينظرون إلى التفاصيل، ما الذي سيتغير وكيف سنضمن وجود ممثلين جدد وأفضل للشعب».

الأحزاب في وجه المدفع

الأحزاب السياسية كانت دائمًا الهدف الأساسي بالنسبة لمعظم المتظاهرين، وكان تجريدهم من السلطة هدفًا منشودًا. وشهدت المظاهرات في جميع أنحاء البلاد أعمال تخريب وإشعال للنار في مكاتب الأحزاب، في حين قال عديد من الناشطين للصحافيين إنهم يسعون إلى الحظر الصريح لكل الأحزاب السياسية بعد عام 2003 من خوض الانتخابات المقبلة.

ويقود الكاظمي، رسميًّا، حكومة انتقالية تهدف إلى وضع نظام جديد لانتخابات 2021 يسمح لها بأن تعكس رغبات المحتجين على نحو أفضل. ومع ذلك، يقول خريبط إنه لا يوجد كثير مما يوحي بأن انتخابات 2021 ستختلف عن تلك التي كانت في الماضي. وأوضح «بصراحة حتى الآن لا توجد شخصية أو كيان واضح يمكن أن يمثل شباب أكتوبر سياسيًّا».

ويقول الخزعلي إن أي دعم من المتظاهرين للمرشحين سيتوقف على المصادقة النهائية لقانون الانتخابات. وأوضح «إذا مُرِّر قانون الانتخابات على نحو جيد ونال استحسان الحراك الجماهيري، فإننا سندعم الشخصيات الوطنية في الانتخابات». وأضاف: «أما إذا لم يلبِّ قانون الانتخابات طموحات الشارع، فستكون هناك مقاطعة للانتخابات وحركة لإحباط العملية السياسية برمتها».

إنجاز عظيم

الاقتصاد العراقي، الذي كان بالفعل يعاني قبل أكتوبر 2019، هو الشرارة الرئيسة للانتفاضة. ومنذ تفشي فيروس كورونا في مارس(أذار)، وتأثير الإغلاق اللاحق، أصبح الوضع مُحبطًا. وحذَّر البنك الدولي من أن معدل الفقر في البلاد قد يتضاعف إلى 40% هذا العام، وأن نسبة البطالة بين الشباب قد تزيد عن النسبة الحالية التي تبلغ 36%.

إن الكاظمي ووزير ماليته، علي علاوي، اقترحا حزمة من عمليات الخصخصة والتقشف لمواجهة أزمة الميزانية العراقية، ولكن اللمسات الأخيرة لم تُوضع على أي شيء، مستبعدًا أن تكون تلك المقترحات موضع ترحيب من جمهور مضغوط بالفعل.

وبناء على ما سبق، لا يوجد ما يشير إلى أن الغضب العارم الذي دفع حركة الاحتجاج في البداية سوف يتبدد، حتى ولو كانت إنجازاتها محدودة حتى الآن. يقول جياد، حتى وإن لم يكن قد حدث تغيير، إلا أن حركة الاحتجاج غيَّرت الطريقة التي تنظر بها البلاد إلى السياسة.

«يُنظر إلى الطبقة السياسية الحالية على أنها غير شرعية، وهذا هو الإنجاز العظيم للاحتجاجات».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى