الصراع الفلسطيني الاسرائيلي

مواردنا المائية .. تحت سطوة السيطرة الإسرائيلية

رام الله – تحقيق خاص بـ”القدس”دوت كوم- 14/1/2020

  • الاحتلال يسيطر على82٪ من مياهنا ونصيب السكان الأصليين لا يتجاوز 18%
  • حفر الآبار الإسرائيلية في الأغوار يتسبب في جفاف مياه الينابيع والآبار والفلسطينيون يشترون مياههم المسروقة!
  • كارثة مائية تنتظر قطاع غزة بسبب النقص الحاد في مياه الشرب وتملّح المياه الجوفية
  • 95 % نسبة شبكات المياه بالضفة وتصل إلى 60% من المشتركين بصورةٍ متقطِّعة

منذ احتلاها الضفة الغربية وقطاع غزة في الرابع من حزيران عام 1967، لم تتوقف إسرائيل عن محاولات فرض سيطرتها على مخزوننا المائي وما تكتنزه أرضنا من ثروات طبيعية، بل و سعت إلى حرمان الفلسطينيين من حقوقهم المائية وعرقلة تطوير مصادر مياههم الجوفية، وذهبت إلى بيعهم مياههم التي سطت عليها، في حين أن قطاع المياه بحاجة لتنظيمٍ إداريٍّ ووضع قوانين تحمي المواطنين وتستوعب احتياجاتهم المائية.

في هذا التحقيق الذي أعدته “القدس” دوت كوم، تبدو سيطرة الاحتلال على المصادر المائية الفلسطينية واضحة، فيما يكشف هذا التحقيق حجم الارتفاع الباهظ في أسعار المياه مقارنةً بدول العالم، وكذلك خطورة آبار مياه الجمع التي تفتقد إلى مقومات السلامة العامة.

قرية العطارة الرومانية… لا شبكة مياه ولا صرف صحي.. وآبار الجمع تُهدد الحياة

منذ إقامتها لا يوجد في قرية العطارة، جنوبيّ جنين، التي أسسها الرومان شبكة مياه حتى الآن، ويعتمد سكانها على مياه جمع الآبار، وصهاريج المياه التي يشتريها الأهالي على الدور وبأسعار باهظة، وما يُقلق الأهالي أيضاً عدم وجود شبكة مياه صرف صحي، ما يجعل احتمالية تلوث مياه الشرب قائمة.

قبل أكثر من شهر، فُجعت السيدة صفاء حوراني من بلدة العطارة بوفاة طفلها زين ابن الخمسة أعوام غرقاً في بئر مياه عميقة في ليلة زفاف أخيها، ما اضطر العائلة إلى تأجيل حفل الزفاف، ولا يزال ألم الفقد يرافق صفاء، لكن ما يهمها أن لا تتكرر حادثة وفاة ابنها غرقاً مع أطفال آخرين، في ظل عدم وجود نظام أمان وحماية كافيين لتلك الآبار في داخل المنازل، بل إن بعضها محفور داخل الأراضي الزراعية ومكشوف دون ابواب، وهو ما يهدد حياة الأهالي، كما تقول صفاء لـ”القدس”دوت كوم.

مساء الثاني والعشرين من شهر تشرين الثاني 2019، كان زين يلهو مع أصدقائه بجوار منزل جده لأُمه، حيث حفل زفاف خال زين، وفجأةً جاء صديقٌ له ليُخبر أن زين سقط في حفرة، ذهبت صفاء (الأُم) مُسرعةً لتجد طفلها وقع في بئر مياه لجيران جدّ زين بعمق 6 أمتار، كان أصحابها ملأوها قبل عدة ساعات بالماء من قبل سائق صهريج وتركوا البئر مفتوحةً، ولا يوجد لها باب أصلاً، بل مغطاة بقطعة خشبية وحجر وأُزيلا لتعبئة الماء في البئر، تؤكد صفاء.

وفي اليوم التالي تُوفي زين بعمر الزهور فاتحاً الباب والتساؤلات، وداقاً ناقوس الخطر ليقف المسؤولون عند مسؤولياتهم بشأن وفاة زين، ومن أجل إنهاء تلك المعاناة مع عدم وجود نظام أمان وحماية في ترخيص تلك الآبار، توضح صفاء، التي تشير إلى أن بعض الآبار تغطَّى بدلاً من البوابات بقطع خشبية!

الآبار والبرك الزراعية مصائد للأطفال… 24 حالة وفاة خلال 4 سنوات

ووفق إحصائيةٍ حصلت عليها “القدس” دوت كوم من الدفاع المدني، فإنه خلال السنوات الأربع الماضية، سُجلت 24 حالة وفاة بسبب الغرق في الآبار والبرك الزراعية، لكن تلك الوفيات بدأت تنخفض بالتدريج، حيث توفي 8 أشخاص في عام 2016، و7 في عام 2017، و5 في عام 2018، و4 في عام 2019.

ويؤكد الناطق الرسمي باسم الدفاع المدني نائل العزة في حديثه لـ”القدس”دوت كوم أنه يُفترض أن تُقر الوزارات والجهات ذات الاختصاص وكل مؤسسة مكلفة بإنفاذ القانون مجموعة لوائح تنفيذية لضبطها بالقانون، ورفعها إلى مجلس الوزراء لإقرارها بقرارٍ بقانون، من أجل معالجة قضية إقامة آبار المياه والبرك الزراعية والحفر الامتصاصية للحد من خطورتها.

95 % نسبة شبكات المياه بالضفة الغربية وتصل إلى 60% من المشتركين بصورة متقطعةً

أهالي سيريس لا يعانون، وفق السيدة عائشة محمود، من انقطاع في المياه إلا بشكلٍ نادر، لكنها تفضل استخدام مياه الشبكة في التنظيف، وتستخدم مياه بئر التجميع في ساحة منزلها للشرب والطبخ، لنظافتها وطعمها المقبول أكثر من مياه الشبكة نظراً لوجود معقمات في مياه الشبكة، مشيرة إلى أنها قبل موسم الشتاء من كل عام تنظف سطح منزلها لتصل المياه إلى البئر نقية، وتنظف البئر مرة كل عام أو عامين، وهي تحرص على أن تكون بئر المياه ذات بوابة محكمة الإغلاق وعليها أقفال خشيةً تحسبا من سقوط الأطفال فيها.

عام 1987 أُنشئت شبكة المياه في قرية شقبا، غرب رام الله، ولم تُجدَّد منذ ذلك الحين، سوى ربعها قبل 14 سنة، حيث كان من المفترض تجديدها، لكن المشروع توقف في ذلك الحين من قبل الممولين في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، والشبكة تعاني حالياً من نسبة الفاقد التي وصلت أكثر من 35%، يوضح رئيس مجلس قروي شقبا عدنان شلش في حديث لـ”القدس”دوت كوم، ويشير إلى أن المياه لا تنقطع في الشبكة سوى مرةٍ واحدةٍ أُسبوعياً لقرب شقبا على البئر الارتوازية في قرية شبتين القريبة.

ووفق القائم بأعمال مدير عام الإدارة العامة لمصادر المياه في سلطة المياه عمر زايد ، فإن “95% من المناطق الفلسطينية فيها شبكات مياه باستثناء عدة قرى في جنين، ومنها قرية عطارة التي نحاول في الفترة المقبلة القريبة إقامة شبكة مياه لها”، علاوةً على أنّ بعض الخرب في الضفة لا توجد فيها شبكات مياه، بسبب عدم توفُّر المصدر المائي، ما يؤخر تزويدها بالشبكات، وفي حال توفر المصدر المائي فإن الشبكات تأتي لاحقاً برغم المعيقات الإسرائيلية، وبعض القرى لا توجد لها مصادر مياه، فتضطر لشراء المياه من شركة مكروت الإسرائيلية”.

وحول قضية شبكات المياه، يقول مدير عام جمعية الهيدرولوجيين الفلسطينيين عبد الرحمن التميمي: “إن 95% من المواطنين لديهم شبكات، لكن 30% منهم لا تصلهم المياه إلا مرة في الأسبوع، وحوالي 28% تصلهم من مرتين إلى 3 مرات في الأسبوع”.

ويؤكد المدير التنفيذي لمجلس تنظيم قطاع المياه محمد سعيد حميدي في حديث لـ”القدس”دوت كوم أنه “بالرغم من وجود شبكات مياه في الضفة الغربية بنسبة 95%، فإن 60% من المشتركين تصلهم المياه عبر الشبكات بانقطاع ودون انتظام، حيث إن إسرائيل التزمت بالاتفاق المتعلق بالمياه وفق أوسلو، ولم تراعِ الزيادة السكانية والطلب على المياه، ما أدى بالتالي إلى نقصٍ متزايدٍ وعدم تلبية حاجة المواطن، إذ تهدف إسرائيل لأن يكون الفلسطينيون تابعين لها كلياً بالمياه، بحيث تكون كل مقومات التنمية بيدها، وتحويلنا إلى سوق للمياه المحلاة الإسرائيلية وبأسعارٍ تجاريةٍ تفرضها الشركات التي تقوم بالتحلية”، مشيراً إلى أنّ “المياه التي تصلنا من إسرائيل عبر الشبكات هي مياه مخلوطة بالمياه المحلاة، على رغم أن جودتها مقبولة”.

ويبدو أن فكرة ربط القرى التي لا توجد فيها شبكات أو مصادر مياه من مدن أو بلدات فيها مصادر مياه كافية خطوة مهمة لحل تلك المشكلة، كما حدث في قرية مادما، جنوبيّ نابلس، التي أُنشئت فيها الشبكة قبل نحو ست سنوات، وغُذيت من مياه بلدية نابلس، ولا تنقطع المياه في الشبكة سوى مرة أو مرتين أُسبوعياً في فصل الصيف فقط، فيما كانت مادما تعتمد قبل إنشاء الشبكة على عين الماء الوحيدة في القرية من خلال الصهاريج قبل أن يسيطر عليها الاحتلال، كما يوضح رئيس مجلس قروي مادما إيهاب قط، في حديث لـ”القدس” دوت كوم.

نظام الدفع المسبق عبء على الفقراء

لا يوجد لدى السيدة عائشة محمود من قرية سيريس، جنوبي جنين، عداد دفع مسبق على خط اشتراك المياه لمنزلها، وتصلها فاتورة، لكنها تفضل نظام الدفع المسبق لعدم تراكم الديون، فيما تخشى أن يكون نظام الدفع المسبق عبئاً على الفقراء الذين قد لا يجدون مالاً لشحن بطاقة المياه المسبقة الدفع.

في بلدة كفل حارس في محافظة سلفيت، لا يتقبّل الأهالي عدادات الدفع المسبق خشية انقطاعها، بالرغم من أن تركيبها أمر يُسهّل على البلدية جباية المستحقات، وفق رئيسها عصام أبو يعقوب، الذي يشير إلى أن المياه لاتنقطع في البلدة، وأن خطوط مياه الشبكة مأخوذة من شركة مكروت الإسرائيلية منذ العام 1982 ولغاية الآن.

ويوضح القائم بأعمال مدير عام الإدارة العامة لمصادر المياه في سلطة المياه عمر زايد، لـ”القدس”دوت كوم، أن سلطة المياه تشجع تركيب عدادات الدفع المسبق للمياه مع الأخذ بعين الاعتبار الحالات الإنسانية، “إذ إن الدفع المسبق يُمكّن من التوفير الاقتصادي بالمياه، ويُمكّن مزود الخدمة من توفير صيانة الشبكة والنظام المائي”.

بينما يؤكد مدير عام جمعية الهيدرولوجيين الفلسطينيين عبد الرحمن التميمي أنه “وفق القانون الفلسطيني يُفترض من السلطة الوطنية تزويد المواطنين باحتياجاتهم لأغراض الشرب كحقٍّ من حقوق الإنسان، لكن في ظل وجود أكثر من مليار و200 مليون شيقل ديوناً على المواطنين والبلديات لدائرة مياه الضفة الغربية وجدت طريقة تركيب عدادات الدفع المُسبق للمياه.

ويوضح التميمي أن الحل ليس فقط في تركيب عدادات الدفع المسبق، وإنما يجب أيضاً أن تكف أيدي بعض البلديات عن توزيع المياه، لأنها لا تدير المياه بالطريقة السليمة، وهناك بلديات تقوم بجمع أثمان المياه وتصرفها على قضايا أُخرى، لذلك فإنّ الأمر بحاجة لتنظيم.

وبحسب المدير التنفيذي لمجلس تنظيم قطاع المياه محمد سعيد حميدي، فإن عداد الدفع المُسبق وسيلة لاحتساب كميات المياه، ومن الممكن التعامل معه بطريقة إيجابية بحيث لا تؤثر سلباً على أي مواطن، وفي حال عدم تمكن أي مواطن من الدفع فهي ليست مسؤولية مزودي الخدمة، بل هي مسؤولية الجعيات الخيرية ووزارة الشؤون الاجتماعية، والمواطن من حقه الحصول على المياه.

وتمكنت الهيئات المحلية خلال الفترة الماضية من تركيب نحو 100 ألف عداد دفع مسبق في الضفة الغربية، وفي المناطق التي تم تركيب تلك العدادات فيها أصبح الالتزام بدفع المستحقات أكبر، ما مكّن مُقدم الخدمة من الإيفاء بالتزاماته، وفق حميدي، الذي يؤكد أن ما دفع باتجاه تركيب تلك العدادات هو أن نسبة التحصيل عند مقدمي الخدمات لم تصل 10%، وهو أمر لا يُمكّنهم من القيام بالواجبات الملقاة على عاتقهم، ولوحظ الهدر الكبير للمياه من غير الملتزمين بالدفع، وعقب تركيب العدادات أصبحت لدينا وفرة، وهو ما ينعكس على كل المستفيدين من الخدمة ويوفر على المواطن.

وحول إن كان تركيب عدادات الدفع المسبق سيؤثر إيجاباً على أسعار المياه، يوضح حميدي أنه من المنطق أن يكون ذلك لتوفير معاشات الجباة، ففاتورة المياه مكونة من (الموظفين، والطاقة، وثمن الشراء)، لكننا لاحظنا في بعض المناطق التي لا يوجد فيها موظفو قراءة وجود سرقات وفاقد في الشبكة، وبرغم كل ذلك هناك إيجابية بتركيب تلك العدادات، لأنه يساعد الهيئات المحلية على القيام بمهامها، وينظم الاستهلاك، ويوفر المياه.

ووفق حميدي، فقد بلغ مجموع ديون الهيئات المحلية لدائرة مياه الضفة الغربية ملياراً و200 مليون شيقل، أما ديون الهيئات المحلية على المواطنين فبلغت ملياراً و600 مليون شيقل، وبعض تلك الهيئات نسبة تحصيل ديونها لا تتجاوز 10%.

مياه الضفة في قبضة الاحتلال

تبلغ كمية المياه المتاحة للفلسطينيين حسب اتفاق أوسلو 118 مليون مترمكعب من أصل 688 مليون مترمكعب، تشكل 15% من كمية المياه المتجددة في الضفة الغربية، التي تنتج من الآبار الجوفية والينابيع، وتستخدم بشكل أساسي للشرب والزراعة والصناعة والسياحة بحسب الأهمية، وفق القائم بأعمال مدير عام الإدارة العامة لمصادر المياه في سلطة المياه عمر زايد.

وبالرغم من سيطرة إسرائيل على مياه الضفة الغربية فإن 38 بئر مياه عاملة في الضفة أقامتها إسرائيل خلال السنوات الماضية لتزويد المستوطنات والضخ إليها بنحو 50 مليون متر مكعب سنوياً وبشكل مستمر، وتبلغ حصة المياه للمستوطنين بين 4-8 أضعاف حصة المياه بالنسبة للفلسطينيين وبحسب المناطق.

ويمتلك الفلسطينيون نحو 380 بئر مياه عاملة في الضفة الغربية تُستخدم للشرب والزراعة، علاوةً على وجود أكثر من 700 بئر لا تعمل ومهجورة، وتمنع سلطات الاحتلال عبر ما تُسمى “إدارتها المدنية” أيّ تأهيلٍ أو ترميمٍ أو ترخيصٍ لآبار المياه سوى من لجنة المياه المشتركة، وإن حُفرت أو رُممت بئر جديدة تكون عرضة للهدم، فيما يشير إلى أن الحديث عن إنشاء سدود إسرائيلية في الضفة لم يتم رصده من سلطة المياه لغاية الآن.

ويوجد في الضفة الغربية 700 نبع ونزاز يمتلكها الفلسطينيون في الضفة الغربية، منها 130 نبعة تراقبها سلطة المياه بشكلٍ دوريٍّ للتأكد من تدفقها وتركيباتها وخلوها من التلوث، بعضها يُستخدم لتغذية شبكات المياه، وفق زايد، الذي يتطرق إلى جفاف العديد من الآبار والينابيع في الأغوار بسبب حفر الآبار الإسرائيلية وسرقة مياه الفلسطينيين من الضفة الغربية.

في الشهر الأول من احتلال الضفة الغربية عام 1967، عيّن ضابط شؤون جيش الاحتلال ضابطاً لشؤون المياه، وأصدر أمراً عسكرياً قيّد فيه كل ما له علاقة بالمياه، وسحب الصلاحيات من الجهات المحلية الفلسطينية المختصة، ولم تصدُر موافقة حفر أو إنشاء بئر مياه في الضفة الغربية حتى قدوم السلطة الوطنية، إذ تم حفر آبار ضمن موافقات مشتركة، حيث إن ما تحصل عليه الضفة الغربية من المصادر المتجددة سنوياً 850 مليون متر مكعب، وفق ما أكده رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان وليد عساف في حدث لـ”القدس”دوت كوم.

ووفق عساف، تسيطر إسرائيل على 82% من مصادر المياه، والفلسطينيون يسيطرون على 18% فقط، أي نحو 150 مليون متر مكعب، ومياه الينابيع تنتج 84 مليون مترمكعب سنوياً، لكن المستوطنين سيطروا على أكثر من 50% منها، وجزء آخر جف بسبب استخدامات وسرقة المستوطنين والشركات الإسرائيلية لها، وكان هناك حفرٌ لآبار أكثر عمقاً من قبل المستوطنين لريّ أراضيهم، ما أدى إلى جفاف تلك الينابيع وتصحُّر المزارع الفلسطينية، كما أنّ المستوطنين سيطروا على 124 ألف دونم معظمها في الأغوار، وزرعوها باستخدام المياه الفلسطينية، وتلك الأراضي تنتج نحو 5 مليارات شيقل سنوياً، وحتى مياه نهر الأردن التي تبلغ حصة الفلسطينيين فيها 240 مليون متر مكعب تم سحبها بالكامل إلى النقب في ستينيات القرن الماضي.

وتبلغ حصة الفرد الفلسطيني سنوياً 150 متراً مكعباً لكافة الأغراض، فيما تبلغ حصة المستوطن من 500-600 متر مكعب في السنة لكافة الأغراض، وهذا التباين يتضح من خلال سيطرة إسرائيل على 80% من المصادر المائية في الضفة الغربية وتعطي الفلسطينيين نحو 20% بمعنى (160 متراً مكعباً)، يوضح مدير عام جمعية الهيدرولوجيين الفلسطينيين عبد الرحمن التميمي، الذي يشير إلى أنه يوجد في الضفة الغربية ما بين 650-700 مليون متر مكعب من الطاقة المتجددة سنوياً من مياه الأمطار.

ويشير التميمي إلى أنه يوجد في فلسطين مصدرا ماء، أحدهما الجوفي وتسيطر إسرائيل على 80% منه، ومصدر المياه السطحي حيث تمنع إسرائيل الفلسطينيين من بناء السدود وتسعى هي لإقامتها لأغراض الاستيطان، أما مياه نهر الأردن فلم يستفد منها الفلسطينيون منذ العام 1967.

الينابيع والأحواض المائية في الضفة الغربية جفّت بسبب الضخ المتزايد من الحوض الشرقي الذي استنزف، إضافة إلى تغير مواسم المطر، “نحن نحتاج إلى 400 مليون متر مكعب من الماء سنوياً، وإسرائيل تعطينا منها فقط 150 مليون متر مكعب”، يؤكد التميمي.

كارثة مائية منتظرة في غزة

في قطاع غزة، فإن التميمي يؤكد الحالة الكارثية للمياه هناك، ويقول: “إن تقرير الأمم المتحدة الذي نُشر عام 2017، يتحدث بأن غزة هي مناطق غير صالحة للسكن عام 2020 من حيث مياه الشرب”.

وفي هذا الشأن يضيف التميمي: “إن هذا الأمر يقود إلى دخول مياه البحر وتملح المياه الجوفية، حيث أصبح 95% من مياه غزة غير صالحة للاستهلاك الآدمي، وحتى 30% غير صالحة للزراعة، وسط انخفاض مستوى المياه الجوفية، علاوة على أن إسرائيل نشرت عدداً من الآبار والسدود تحت الأرضية على طول حدود قطاع غزة وسرقتها بما يمنع المياه العذبة، سواء من الأمطار أو المياه الجوفية لتعذية الحوض في قطاع غزة”.

وفيما يتعلق بواقع المياه في القدس، يؤكد التميمي أن مياه الشرب فيها من شركة “جيحون”، ولا توجد مشكلة فيها، وفي ضواحي القدس الشرقية يتم تغذيتها بالمياه عبر مصلحة مياه القدس في رام الله.

الحفر الامتصاصية تهدد المياه الجوفية ولا حماية لآبار الجمع

يخشى المواطنون في مناطق الريف، وبخاصة من ليس لديهم شبكات مياه أو شبكات صرف صحي، من قضية تلوث مياه الشرب، ويؤكد عبد الرحمن التميمي أن الحل فقط بإنشاء شبكات مياه وحفر حفر امتصاصية للصرف الصحي بحيث تكون صماء لا تنتشر مياهها في التربة وتلوث الماء، فالقرى والبلدات اتسعت مساحتها، ومعظم تلك القرى تستخدم الحفر الامتصاصية وليست الحفر الصماء، بسبب أن الصماء مكلفة في إقامتها وفي التخلص من مخزونها، لكن لا بد منها أو إقامة شبكة صرف صحي لحماية المياه.

ويشدد التميمي على أن توفير نظام الحماية لآبار الجمع مرتبط بالدور الملقى على عاتق المجالس المحلية بأن لا يتم ترخيص أي منزل دون الحماية أو الكشف على الآبار، بحيث يتم إغلاقها أو إجبار صاحب البيت على عمل نظام حماية بالبئر.

ويؤكد المدير التنفيذي لمجلس تنظيم قطاع المياه محمد سعيد حميدي أن نقل المياه في الضفة الغربية وقطاع غزة عبر الصهاريج لا يخضع للرقابة، ما يجعلها غير مأمونة، مؤكداً ضرورة وجود رقابة عليها، وأنه سيتم بحث ذلك مع مجلس الوزراء لإيجاد قانون ينظمها.

وبالحديث مع حميدي عن قضية تلوث المياه والرقابة على آبار الجمع وشبكات الصرف الصحي، أكد أن 35% من المواطنين فقط لديهم شبكات صرف صحي، والرقابة على الصرف الصحي أهم بكثير من الرقابة على المياه، لأنها مصدر تلوث للمياه، إذ إن الحفر الامتصاصية منتشرة في الأرض وهي غير صماء قد تلوث المياه، “سنرفع توصيات لمجلس الوزراء بشأن ضبط حفر آبار الجمع والحفر الامتصاصية، ولا بد من تنظيمها لإيجاد نظام الامان فيها”.

أما عمر زايد، فيوضح أنه توجد برامج توعية تستهدف المدارس لكيفية التعامل مع الآبار ونظافتها وتعقيمها، فالأسرة يقع على عاتقها ذلك، فيما يقول: “نحن نشجع حفر آبار الجمع في كل بيت، كما أننا نشجع العمل على استصدار قانون يضبط إجراءات ونظام الأمان لحفر الآبار”.

الفلسطينيون يشترون مياههم المسروقة بأسعار مرتفعة

ومن الملاحظ أنّ أسعار المياه في فلسطين مرتفعة، حيث يوضح عبد الرحمن التميمي أن الأسعار مبالغ فيها لأنه يتم شراؤها من شركة “مكروت” أو آبار المياه التي تسيطر عليها ما تُسمى “الإدارة المدنية الإسرائيلية”، ثم تباع إلى الهيئات المحلية، فهناك أكثر من طرف في عملية الشراء، ما يزيد من سعرها، حيث إنها مرتفعة ويقاس السعر بحسب دخل الفرد بنسبة بين 2-2,5% من دخل الفرد، وهي مضاعفة بنسبة 10 أضعاف المعدل العالمي لأسعار المياه، نظراً لأن الدخل متدنٍّ.

وحول ارتفاع سعر خزانات المياه “الصهاريج المنقولة”، يؤكد التميمي أنه يجب إيجاد نظام خاص للسماح لتلك الصهاريج بالنقل عبر رخصة معينة، بحيث يحدد سعر الصهريج والتأكد من مصدر المياه من أجل سلامتها من التلوث، فيما يؤكد التميمي ضرورة وجود نظام خاص عبر الجهات الفلسطينية المختصة لمراقبة جودة المياه وأسعارها، “وعلى صانع القرار الفلسطيني أن يضع مشكلة المياه على سلم أولوياته والتعامل معها كملف اقتصادي سياسي اجتماعي لأن نمونا السكاني لا يتناسب مع مصادرنا التي تتناقص، وبدلاً من أن نزيد من وفرة المياه، هناك خطر كبير على تناقص كميات المياه المتاحة للشرب والزراعة، وهو ما يهدد الأمنين الغذائي والمائي للشعب الفلسطيني”.

ويوضح حميدي أن أسعار المياه المقدمة في فلسطين مكلفة جداً، خاصة أن 85% من المياه عبر الشبكات مشتراة من مصادر إسرائيلية أو فلسطينية، فيما يؤكد أن هامش الربح في المياه بسيط فقط لصيانة الشبكة.

ويشير حميدي إلى أن “أسعار المياه مرتفعة لوجود مصدر مائي واحد، وحاولنا التفكير بإيجاد مصادر مياه أخرى لشرائها من دول مجاورة كمصر وتركيا، لكن ذلك بحاجةٍ إلى بنية تحتية”، فيما يوضح أن “المياه يعتمد سعرها على تكلفة شرائها وهي مرتفعة، ونقلها الذي يحتاج للطاقة، وهي مرتفعة حالياً بالرغم من وجود توجه لدى بعض الآبار باستبدال الطاقة بطاقة بديلة، وكل تلك الأمور تحدد الأسعار”.

من جانبه، يوضح عمر زيد أن الأسعار متباينة بين كل منطقة وأُخرى في المحافظات، نتيجة كلفة إنتاج الماء، ويصل سعر المتر المكعب الواحد بين (1,5 شيقل) إلى (6 شواقل)، فيما يعتقد أن أسعار المياه في فلسطين مرتفعة مقارنً بأسعارها في العالم.

سلطة المياه تحاول كذلك ضبط أسعار كوب المياه المنقولة بالصهاريج بحسب إمكاناتها، فيما تعمل وضمن برنامج عملها على مراقبة شبكات المياه، سواء المتعلق بتلفها أو بدل الفاقد وجودة المياه وصلاحيتها للشرب.

قانون لتنظيم عمل قطاع المياه ومصالح المياه تنهي دور البلديات

عام 2014 صدر قانون وعدل عام 2019 لتنظيم عمل قطاع المياه، وحدد الصلاحيات لكل مؤسسة، بحيث تكون صلاحيات سلطة المياه هي بالتخطيط ووضع الاستراتيجيات والأنظمة والقوانين، ومجلس تنظيم قطاع المياه دوره رقابي، وكذلك إنشاء شركة مياه وطنية تحل محل دائرة مياه الضفة الغربية، وتشكيل مصالح مياه إقليمية يصل عددها بين 4-6 مصالح تغطي الوطن، على أن تسحب خدمة تقديم المياه من الهيئات المحلية، وهناك توجه في الفترة المقبلة لتطبيق أول مصلحتي مياه في سلفيت وجنين، وفق حميدي.

ويشدد حميدي على أن وجود 272 مقدم خدمة مياه في الضفة الغربية عدد كبير جداً مقارنةً بمساحة فلسطين الجغرافية، وهو أمر يشتت جهود توزيع الخدمات، وعدم وجود مصالح مياه إقليمية لتقديم الخدمة يشتت الجهود في التنمية ويجعل المياه مكلفة ولا يمكن الأمور الرقابية.

خطة فلسطينية استراتيجية للحصاد المطري واسرائيل تسرق مياه الأمطار بنصب مصائد في الأودية

ولا توجد في الضفة الغربية مشاريع خاصة بالتحلية للقطاع العام، بل هي مشاريع محدودة للقطاع الخاص، أما إعادة استخدام المياه المعالجة فهناك محطتان رئيسيتان وبعض المحطات الصغيرة، وتُستخدم في الزراعة، لكن يوجد مخطط استراتيجي لإعادة استخدام المياه المعالجة في الزراعة، وفق عمر زايد.

وتقوم سلطة المياه بإعداد خطة استراتيجية للحصاد المائي بالتعاون مع الوزارات ذات الاختصاص للاستفادة من مياه الأمطار بإنشاء سدود صغيرة وبرك زراعية، إذ تمت إقامة 4 سدود، سعة كل منها نصف مليون متر مكعب سنوياً، إضافة إلى بركة زراعية في مناطق مختلفة من الضفة في بادئ الأمر، علاوةً على برك صغيرة خاصة للمزارعين.

من جانبه، يؤكد رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان وليد عساف أن إسرائيل تسعى لإنشاء برك وسدود على الأودية التي تمتد باتجاه الشرق في الأغوار لاستخدامها لصالح المستوطنين، وتلك البرك يقيمها المستوطنون بشكل فردي دون معايير هندسية بصمت من الاحتلال، وبعضها دُمر نتيجة البناء الخاطئ ودمر المحاصيل الزراعية والأراضي، كما حدث في منطقة الجفتلك، وهو ما يشكل أيضاً خطورة على حياة الأهالي، ويؤكد عساف أن إسرائيل أينما وجدت المياه تسيطر على الأراضي القريبة وتطرد المزارعين، علاوة على تدميرها آبار المياه وخطوط النقل الفلسطينية، ولا تسمح بإنشاء وإقامة أو ترميم آبار وخطوط نقل، ومخطط إسرائيل الآن السيطرة على الأغوار ومهاجمة أي مشروع مائي لتهجير الفلسطينيين، فيما يشير إلى أن هيئة مقاومة الجدار والاستيطان هي من تعمل على إعادة بناء ما يتم هدمه من خطوط المياه والخزانات من الاحتلال.

قبل 18 عاماً نشرت ما تُسمى “الإدارة المدنية الإسرائيلية” تصورها حول بناء سدود إسرائيلية في الضفة الغربية لسرقة مياه الأمطار للاستفادة من مجاري الأودية، وبعد ذلك توقفت تلك الفكرة لأسباب غير معروفة، لكن إسرائيل أعادت طرح هذا التصور قبل عدة أشهر، نتيجة أن المستوطنات في المناطق الجبلية بدأت تأخذ شكلاً جديداً، وهو مستوطات صناعية أو زراعية، وهي بحاجة للمياه من أجل التوسع الاستيطاني، وفق التميمي.

ولمياه الضفة الغربية أهمية كبرى، إذ إن إسرائيل عندما تنشر إحصاءات المياه تحتسب مياه الضفة الغربية جزءاً من موازنتها المائية، واستراتيجية إسرائيل بالنسبة للمياه منشورة ومعروفة تقوم على تزويد الشعب الفلسطيني بالمياه من محطات التحلية في الداخل بسعر تجاري، أما مياه الضفة الغربية الجوفية والسطحية فستُستخدم لصالح الاستيطان.

ووفق التميمي، فإن لدى إسرائيل 12 محطة تحلية، 4 منها قائمة، و4 محطات تحت التنفيذ، و4 محطات أُخرى مخطط لها أن يتم إنشاؤها حتى العام 2025، فيما يرى أن إقامة السدود في الضفة الغربية يمكن تطبيقها وواردة لدى إسرائيل، خاصة في شمال الأغوار، عبر برك كبيرة بحيث يتم جمع المياه من جبال الضفة الغربية، فإسرائيل تريد اصطياد مياه الأمطار في الأودية المتجهة غرباً، وجزء كبير منها لها جدوى اقتصادية.

ويشدد التميمي على أن الفلسطينيين لا يمكنهم إقامة سدود إلا بإذنٍ من الإسرائيليين، والسدود جميعها ستكون في مناطق “ج”، وحسب أوسلو فإنّ “المياه لم تُنقل صلاحياتها إلى السلطة في منطقتي ب وج، وبالتالي الإذن المسبق من اللجنة المشتركة وما يُسمى الإدارة المدنية، وما عدا ذلك يمكن عمل سدود، ولكن تبقى إسرائيل مهددة لها، وعدم السماح لها يعني هدمها”.

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى