مهند عبد الحميد يكتب – أي خيارات سياسية نحتاج ؟
مهند عبد الحميد – 29/12/2020
تحت عنوان (بشأن الخيارات السياسية أو نحو تفكير سياسي جديد في الساحة الفلسطينية) كتب الصديق والزميل ماجد كيالي مقالته تلك، محاولاً شرح الأفكار المتداولة في موقع ملتقى فلسطين حول الخيارات الفلسطينية.
في البداية أثمّن استمرارية السجال وتقديم الأفكار والنقد وكل مبادرة من شأنها الإسهام في الخروج من المأزق السياسي، لاسيما أن التناقضات المستفحلة في الواقع تسمح بهذا النوع من التدخل بحثاً عن حلول، وذلك في مواجهة كل أنواع التدخل الخارجي التي تحاول فرض حلول وتقرير مصير شعب نيابة عنه.
ينطلق كيالي من واقع انسداد خيار «الدولة المستقلة في الضفة والقطاع» بعد 46 سنة من الفشل في تحقيقه، هذا الانسداد يدفع إلى التوجه نحو فتح خيارات سياسية أخرى، حيث لا يجوز الإبقاء على خيار واحد، ولا استبعاد نشوء تحولات ضد إسرائيل كدولة استعمارية استيطانية عنصرية. ويحدد كيالي أسباب انسداد حل الدولة المستقلة، بضعف قدرة الفلسطينيين على التخلص من الاحتلال. وعدم رغبة إسرائيل في الانسحاب من الأراضي المحتلة العام 67 واحتفاظها بالمستوطنات وبجدار الفصل العنصري. ويرى أن المعطيات الدولية غير مواتية، وبناء عليه يبدو حل الدولة المستقلة طوباوياً كغيره من الحلول.
الانسداد نعم صحيح، ولكن الأسباب بحاجة إلى تحليل من زوايا أخرى. لماذا لم يتمكن الشعب الفلسطيني في الوطن من تحويل الاحتلال إلى قضية خاسرة؟
إجابة صديقي كيالي عن هذا السؤال، لا تساعد في تجاوز حالة الضعف الفلسطيني، ذلك أن الاستراتيجية الفلسطينية المعتمدة استندت إلى ثلاثة ركائز. الأولى: الاعتماد أساساً على الوساطة الأميركية لإيجاد حل سياسي ينهي احتلال 67 أخذاً بمقولة السادات الخاطئة تماماً والقائلة إن أميركا تملك 99% من مفاتيح الحل. وكان من غير المنطقي اعتماد حركة تحرر على الحليف الاستراتيجي لدولة الاحتلال في صناعة التحرر لشعبها عدا كونه شرطي العالم المعادي لتحرر الشعوب.
الركيزة الثانية: الاعتماد على الدعم العربي الرسمي منذ بداية التحول نحو علاقات التبعية وحتى ذروته المتمثلة بإبرام اتفاقات تحالف مع إسرائيل في إطار علاقات التبعية والخنوع.
الركيزة الثالثة: الاعتماد على دولة الاحتلال كشريك سلام في الوقت الذي تسعى فيه للهيمنة والإخضاع.
لم يكن انهيار الركائز الثلاث مفاجئاً، في غياب أهم عامل ممثلاً بدور الشعب الفلسطيني وحلفاء حقيقيين له في الحلقات الثلاث: الدولية والعربية والإسرائيلية.
لقد تعامل مركز القرار الفلسطيني مع الحراكات الشعبية الفلسطينية ضد الاحتلال وسياساته بشكل آني واستخدامي، ولم يدخلها كعنصر أساسي في استراتيجية الخلاص من الاحتلال، وبقي منعزلاً عن نبض ومصالح السواد الأعظم من الناس، وجرى تقديم السلطة – نواة الدولة – كسلطة فاقدة للصلاحيات من جهة، وعاجزة عن تقديم نموذج ديمقراطي يحظى بثقة شعبها وباحترام دول وشعوب العالم من جهة أخرى.
بل قدمت نموذجاً سلبياً لحكم الفلسطينيين لأنفسهم ولفكرة الدولة المستقلة.
وتبنى مركز القرار الفلسطيني مواقف الأنظمة العربية المستبدة والفاسدة من انتفاضات شعوبها، ما أدى إلى تغليظ الجدار الذي فصلها عن البعد الشعبي العربي.
ولم تكن المعارضة الفلسطينية أفضل حالاً، عندما لم تقدم مساراً بديلاً أو موازياً لمسار أوسلو، ولم تقدم نموذجاً ديمقراطياً، بالعكس قدمت حركة حماس نموذجاً قمعياً ومحافظاً.
ولم تربط القوى العلمانية واليسارية الفلسطينية قضايا التحرر الاجتماعي بالتحرر الوطني وتماهت مع الثقافة المحافظة والرجعية داخل المجتمع.
كان العامل الأهم في إحباط قيام دولة فلسطينية هو العامل الإسرائيلي على أكثر من صعيد. فكرياً، لا يوجد في الفكر السياسي الصهيوني سابقاً والإسرائيلي راهناً، اعتراف أو تأييد لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني الذي يتضمن الحق في إقامة دولة، ذلك الفكر الذي استند لإيديولوجيا دينية متزمتة تُنْكِر حق الشعب الفلسطيني في وطنه التاريخي ولا حتى في أجزاء منه.
وتَدعّم الفكر الإسرائيلي الإقصائي بمنظومة قوانين تميز بين اليهود وغير اليهود وبخاصة قانون القومية. وتدعم الفكر بنظام تعليمي يقدم الفلسطيني كعنصر جاهل ومتخلف، وكأنه خارج المكان والزمان.
والأهم والأخطر أن برامج المعسكرات اليمينية والوسطية الإسرائيلية وبخاصة مؤسسات الاستيطان الرسمية والخاصة كان هدفها المركزي منع إقامة دولة فلسطينية، وعملت بمنهجية على تقويض مقوماتها على الأرض، من خلال صناعة الوقائع الاستعمارية، وتفكيك أو إضعاف البنية الفلسطينية لجهة قطع الطريق على تبلور تشكيلة اقتصادية اجتماعية.
السؤال الجدير بالنقاش لماذا حرصت إسرائيل على مدار الصراع على رفض الوجود الفلسطيني وقطع الطريق على صيرورة الدولة الفلسطينية ؟
وهل يدفعنا رفضها وصناعتها للوقائع الاستعمارية وغلقها للطرق والمسارب إلى إقامة الدولة الفلسطينية إلى التسليم بالفشل والإخفاق؟
منطق الصراع بين قطبي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يستلزم الأخذ بالاعتبار الموقف ونقيضه، لا سيما أن القطب الإسرائيلي يتبنى موقف إقصاء فلسطين، فإذا كانت إسرائيل ترفض الدولة وتقوّض مقوماتها وتمنع إقامتها، فمن الطبيعي أن يتمسك الشعب الفلسطيني بالدولة ولا يسلّم بالكبح الإسرائيلي لها.
هم يرفضون الدولة – إلا إذا كانت مسخاً – لأنها تعرقل مشروعهم وتحد من أطماعهم الكولونيالية، ويعتبرها معسكر اليمين الاستيطاني النافذ إسرائيلياً، نقيضاً للمشروع الصهيوني وبداية العد العكسي له.
في هذا الصراع يهم دولة المستوطنين التأكيد على أن الشعب الفلسطيني أقل من شعب وأقل من كيان وغير قادر على تقرير مصيره بنفسه، ويحتاج إلى وصاية ولا يناسبه غير حل مفروض، كما جاء في صفقة القرن التي صاغها فريق من المستوطنين الأميركيين والإسرائيليين.
الشعب الفلسطيني في مختلف أماكن تواجده بحاجة إلى تتويج طوره الكياني في دولة مستقلة. نعم هو بأمس الحاجة إلى دولة – مركز – شرعي ومعترف به، مركز ديمقراطي لكل الفلسطينيين يستند إلى القانون والنظام والقضاء المستقل، يضع منظومة قوانين عصرية ونظاماً صحياً ونظاماً تعليمياً وضماناً اجتماعياً وحريات تعبير وحقوق مواطنة. وهو ما عجزت السلطة عن إنجازه.
لكن عجز السلطة لا يلغي الحاجة إليه، التغيير هنا يطال السلطة ولا يطال هدف الدولة.
قد يقال إن منظمة التحرير هي من يتولى ذلك. لا أعتقد أن المنظمة التي اقتصر نشاطها ودورها على العمل الوطني وهي في أوج صعودها قادرة على الاضطلاع بمهام – المركز الدولة -.
وللمركز الدولة مكان واحد هو فلسطين، وبخاصة في ظل التحولات التي شهدها النظام العربي. مشروع الدولة المستقلة غير خيالي، فله أساس قانوني – اعتراف دولي رسمي بدولة فلسطينية على أراضي 67، ومستوى تطور الشعب الذي يقترب من دولة رغم كل المشكلات والتعقيدات وفي مقدمتها السيادة على الأرض.
غياب السيادة لا يلغي الحاجة إلى مركز دولة وقد نعيش كدولة تحت الاحتلال. للحديث بقية.