مهند عبد الحميد: ملتقى «الانقلاب الوطني»
مهند عبد الحميد 18-11-2025: ملتقى «الانقلاب الوطني»
عَقَدَ ملتقى الحوار الوطني الفلسطيني مؤتمره الثالث في إسطنبول يومي 14/15 تشرين الثاني الحالي بمشاركة 220 شخصية من داخل فلسطين والشتات. عقد الملتقى تحت شعار: «وحدة الموقف الفلسطيني في مواجهة الإبادة والتهجير». وكان الملتقى الأول قد انعقد في العام 2023 «كمبادرة «حرة» ومنفتحة للحوار بين جميع أطياف الشعب الفلسطيني»، بعيداً عن الانتماءات التنظيمية، وبهدف بلورة مواقف مشتركة تجاه القضية الفلسطينية. ورأى البعض في الملتقى خطوة ضرورية على طريق بناء مرجعيات فلسطينية وهيئات تمثيلية موثوقة.
«وحدة الموقف الفلسطيني» و»مبادرة حرة ومنفتحة للحوار بين جميع أطياف الشعب»، شعارات براقة تُخفي الأهداف الحقيقية التي تحدث عنها بعض المشاركين في الملتقى الثالث بوضوح ما بعده وضوح.
سبق للسيد خالد مشعل ان أوضح الهدف بعبارة قصيرة: «من يقود في الميدان يقود الوضع» ودعا الى ترتيب البيت الفلسطيني وفرض مرجعية وطنية للكل الفلسطيني استناداً لتلك المعادلة. وبعد عملية «سيف القدس» في العام 2021 تحدث مسؤولون وإعلاميون من حركة حماس عن ضرورة حل التناقض المتأتي من انحياز الشعب الفلسطيني للمقاومة وحركة حماس من جهة، وبقاء القرار السياسي والتمثيل «الشرعية» محصوراً في قيادة منظمة التحرير من جهة أخرى. في ذلك الوقت كثر الحديث عن أهمية منظمة التحرير التي ينقصها تعديلات تسمح بسيطرة حماس عليها، وكثر الحديث عن انتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني وهو حديث مشروع مبدئياً ويعبر عن حاجة المجتمع والشعب لتجديد بنية المؤسسة وليس السيطرة عليها بأي شكل من الأشكال وبمعزل عن المصلحة الحقيقية لعموم المواطنين.
رأت حماس والقوى الراعية لها، أن الفرصة مواتية لانتزاع الشرعية من قيادة فتح والتنظيمات التي تدور في فلكها. ثلاثة عوامل ساهمت في ذلك؛ أولها سيادة الخطاب الشعبوي السياسي والإعلامي والديني الممجِد للمقاومة والمدعوم من قطر و»الجزيرة» وايران ومحور المقاومة، والذي نقل نظام العسكرة من قطاع غزة الى شمال الضفة الغربية وفاز بإعجاب الأكثرية. العامل الثاني: عجز قيادة فتح والمنظمة والسلطة عن الاستجابة لحاجات ومطالب المواطنين، وفشلهم في الاجابة عن السؤال الوطني في مرحلة صعود الكهانية الاستيطانية للحكم الإسرائيلي الجديد. والعامل الثالث: كان الهدف الرئيسي لحكومة نتنياهو الكهانية هو إضعاف السلطة والشرعية الفلسطينية وتفكيكهما. او كما يقول نُقاّد إسرائيليون كُثر «اتبعت حكومة نتنياهو سياسة إضعاف السلطة وتقوية حماس بهدف إسقاط الشرعية الفلسطينية التي تلتزم بالحل الدولي للقضية الفلسطينية، وإسقاط أي حل سياسي يعزز الكيان الفلسطيني، ويمكنه من تقرير المصير على الأرض الفلسطينية، ويدمج النضال الفلسطيني بالإرهاب.
انتقال مركز القرار والتمثيل من قوى سياسية إلى أخرى أو ما يسمى بالتبادل السلمي للسلطة وللحكم ظاهرة صحية وضرورية ونضالية. بيد أن الانتقال لا يكون شكلياً او بمجرد التحول في ميزان القوى، الانتقال او التبادل له استحقاقات نابعة من المصلحة الوطنية العليا للشعب بكل ما لهذه الكلمة من معنى. فقد ارتبط صعود المنظمة والاعتراف بها وبتمثيلها للشعب الفلسطيني بتفويض معنوي من الشعب، وبقبولها للشرعية الدولية والقانون الدولي والحل الدولي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وقبل ذلك التزمت المنظمة بالشرعية العربية. وبفعل ذلك اعتُرف بفلسطين عضواً مراقباً في الأمم المتحدة وعضواً في محكمة العدل والجنائية الدولية واليونسكو واليونسيف ومجلس حقوق الإنسان والاتفاقيات وبخاصة سيداو الداعية الى إزالة التمييز ضد النساء، والاتفاقية الخاصة بالطفل، واتفاقية منع الإبادة وغير ذلك كثير.
حماس والإسلام السياسي ينتمون الى منظومة صراع وجودي. وكان طوفان الأقصى تجسيداً لذلك، كيف يُحل هذا التناقض بين الانتماءين؟ عندما حاولت حماس ترجمة منظومتها عرَّضت الشعب لحرب مواجهة شاملة مع عدو لا يعترف للشعب الأصلاني بأي حقوق، فمارس إبادة وتهجيراً وتفكيكاً وتجويعاً في قطاع غزة، وتطهيراً عرقياً وغزواً استيطانياً في الضفة. وما كان العالم يستطيع معارضة التوحش الإسرائيلي بمعزل عن شرعية فلسطينية ملتزمة بالقانون الدولي. مرجعية حماس هي مركز الإخوان المسلمين، ومحور المقاومة بقيادة إيران، والدول الراعية قطر وتركيا. وغني عن التعريف تجارب الإخوان المسلمين في مصر والسودان وسورية والعراق وليبيا وتونس وفرع الاخوان في فلسطين الذي هادن الاحتلال 20 عاماً من عام 67- 87. أما محور المقاومة بزعامة النظام الإيراني الثيوقراطي الذي سحق اليساريين والعلمانيين والليبراليين والكرد والعرب وأخرجهم من المعادلة، لكنه وبقدرة قادر استأنس يساراً من الخارج كان اكثره طواعية يساراً من فلسطين. هُزم المحور جبهة بعد جبهة وتبخرت وحدة الساحات، والتزمت قطر وتركيا بخطة ترامب. ووافقت حماس على خطة ترامب ذات العشرين بنداً، جالبةً معها استسلاماً ووصاية أعادت الوضع الفلسطيني عقوداً للوراء. وأصبح أمام حماس خياران؛ الأول استمرار التذيّل لإيران التي تفاوض على مكانتها الإقليمية في الدرجة الرابعة او الخامسة. الثاني: دخول حماس للشرعية الفلسطينية ومؤسساتها على القواعد التي نشأت عليها هذه الشرعية وأصبحت جزءاً من الشرعية العربية والدولية، على أن تقوم حماس بإعادة تأهيل نفسها لتكون قادرة على التبادل السلمي لمركز القرار والتمثيل وتكون جزءاً من القرار الفلسطيني.
أي سرٍ صَنَع تذيّل تنظيمات يسارية ويساريين لحركة حماس بمستوى غاب فيه كل نقد علني وسري، مع ان المبدأ اليساري الناظم في العلاقة مع قوى من طبيعة غير يسارية هي علاقة تحالف وصراع. فقد جرى تبرير فتح معركة شاملة مع جيش متغطرس ومريض بالأمن، وجرى تبرير عدم الانسحاب المبكر من المعركة، على اعتبار ان العدو سيستسلم للمقاومة، وجرى تبرير عدم اكتراث حماس بحياة المجتمع وكرامته وبقائه في وطنه، وجرى تبرير كل اتفاقات وقف النار بما في ذلك خطة ترامب، وتبرير القمع الدموي الذي مارسته حماس بعد وقف إطلاق النار بدون محاكمة، وجرى رفض كل نقد تعرضت له حماس من آخرين. ورغم أداء حماس المستبد في الحكم قبل الحرب وأثناءها وبعد وقف إطلاق النار، بلغ الأمر لدى مفكرين في الملتقى الثالث الى الدعوة لبناء مؤسسات موازية للشرعية بقيادة حماس في صيغة تنكر جديد للشرعية.
لماذا لا يكترث المعجبون بحماس بانتهاك حماس للديمقراطية في الوقت الذي ينادون فيه بالانتخابات؟ الجواب لأن من بينهم رؤساء مراكز وهيئات أمضوا ما ينوف على عقدين وأكثر في المركز القيادي الأول، وبعضهم لا يوجد له نائب ولا يخضع لهيئة. لماذا يطالب هؤلاء بالشفافية وليس لديهم مثلها؟ يتفهم من يعيش في هذا البلد ومن عاش التجربة السياسية الفلسطينية كل نقد ومطالبة هدفها التطوير والتغيير للأحسن، لكنه لا يتفهم ولا يستوعب الدعوة للتغيير نحو الأسوأ والانتقال من حلم العدالة والديمقراطية الى نفق الأصولية.



