أقلام وأراء

مهند عبد الحميد: عن خمول العقل السياسي الفلسطيني

مهند عبد الحميد 31-12-2024: عن خمول العقل السياسي الفلسطيني

 

بقي جرح جنين كما غزة نازفا، ما يعني أن فلسطين بمختلف أطيافها السياسية لم تستخلص الدرس. وهذا يحتاج إلى مزاولة الحوار بفتح العقول على مصاريعها. لنبدأ حوارنا برؤية حالتنا المأساوية التي لا تسر صديقا ولا تغيظ عدوا. بعيدا عن كل خطابات الكراهية واستسهال الاختيار بين أبيض وأسود. نحن نعاني من خمول سياسي  مدقع ومزمن يؤدي في كل مرة إلى استقطابات يغلب عليها لغة المزاج والعاطفة البعيدة عن لغة العقل والواقع والمصلحة العليا.

دعونا نتوقف عند ثنائية سلطة مقاومة. وهذا يستدعي التوقف عند ما هي السلطة وما هي المقاومة والرؤى السياسية التي تتحكم في كل منهما. للوهلة الأولى، يسهل الحسم  بالذهاب مع المقاومة وضد السلطة لا سيما أن هناك ما يعزز هذا الاستقطاب. فالسلطة لا تُختصر بتنسيق أمني ولا بفساد ينتهك حقوق المواطنة والإنسان، السلطة في حالتنا الفلسطينية لا تنفصل عن مسار وطني تاريخي وثيق الصلة بحق تقرير المصير وبالحل الدولي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي وبشرعية التمثيل واتخاذ القرار.

وصلنا إلى مرحلة السلطة من داخل ذلك المسار الوطني ومن خلال مؤسسة تملك حق التمثيل واتخاذ القرار. فقد اعتمد المجلس الوطني خلال دورة الانتفاضة العام 1988 – شبه إجماع – برنامج الدولة في الضفة والقطاع بالاستناد إلى قرارات الشرعية الدولية 181، 194، و242 التي تعترف «بحق» إسرائيل في الوجود. والمجلس الوطني أقر اتفاق أوسلو بأكثرية مطلقة مستبعدا اكثر من 5 مواد في الميثاق الوطني التي تدعو إلى القضاء على دولة إسرائيل. وجرى انتخاب المجلس التشريعي ورئيس السلطة في الضفة والقطاع بأكثرية ساحقة. التنظيمات التي عارضت أوسلو ورفضت المشاركة في انتخابات 1996 عادت وشاركت في انتخابات 2005 و2006. في المرة الأولى لم تطرح نفسها بديلا للشرعية ولم تشكك بها، وفي المرة الثانية انخرطت في مؤسسات سلطة أوسلو.

وفي كل الفترات السابقة كان التنسيق الأمني جزءا من العملية باستثناء سنوات الانتفاضة المسلحة 2000-2004 وعاد التنسيق بعد ذلك وما زال مستمرا، وكان التنسيق الأمني مع سلطة «حماس» بعد 2007 قائما بأشكال مواربة كما جرت العادة، بل كانت «شنط» الأموال القطرية – 30 مليون دولار – تصل إلى سلطة «حماس» عبر دولة الاحتلال وبموافقتها، وكان كل طرف فلسطيني لا يلتزم بهدنة «حماس» يتعرض لأشد أنواع القمع الحمساوي.

من المهم التوقف عند المسار التاريخي للتسوية السياسية ومحطاته والذي سارت في دربه حركة حماس. ومن الأهم الإجابة عن سؤال: هل وجود شرعية فلسطينية مركزها في فلسطين ومعترف بها عربيا ودوليا باعتبارها أداة لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي حاجة ومصلحة وطنية فلسطينية أم لا؟ لم تقل «حماس» و»الجهاد الإسلامي» إنهما ضد الشرعية الفلسطينية. كما يلاحظ أن قيادة «حماس» دخلت على برنامج الشرعية ومسار الحل نظريا في وثيقتين سياسيتين رسميتين – حل الدولتين-.

المتغير الجديد، هو انتقال الاتجاه الحمساوي الذي قاده السنوار إلى الخط الإيراني الرافض للتسوية ومسارها، الذي يدعو إلى حسم الصراع وإزالة إسرائيل. خلافا لذلك تستخدم ايران المقاومات كأدوات ضغط للمساومة على حصتها الإقليمية فقط لا غير. وقد سعت ايران لبناء ساحة مقاومة في الضفة من أجل زيادة الضغط على إسرائيل، وكانت حركة الجهاد الإسلامي التي تتبنى الاستراتيجية الإيرانية الأكثر استجابة لبناء جبهة الضفة، اصبح بناء جبهة الضفة ممكنا عندما دخلت حركة حماس على الخط بدافع حسم ازدواجية السلطة وانتزاع التمثيل وسلطة القرار من حركة فتح ومنظمة التحرير، منذ ذلك الوقت، اعلن عن كتائب جنين وطولكرم ونابلس وغيرها. ومنذ ذلك الوقت، شرعت سلطات الاحتلال بحرب تصفية للشبان المقاومين، وفي السياق كانت السلطة تفقد مبرر وجودها في المناطق المتمردة.

استند المقاومون إلى وجود محور مقاومة إقليمي بقيادة ايران، دون أن يعرفوا حدود الوظيفة التي أنشئ من أجلها، واعتقدوا أن بناء جبهة مقاومة في شمال الضفة سيكون مدعوما من الساحات الأخرى، ولكن ومع التغير الدراماتيكي على الساحة اللبنانية وخروج «حزب الله» من المعركة تاركا ساحة غزة وحدها، وافق الحزب على الانسحاب 7 كيلومترات من الحدود، ووافق ضمنا وفي مراحل لاحقة على نزع سلاحه والاعتراف بأن الدولة اللبنانية وحدها هي التي يحق لها امتلاك السلاح واستخدامه.

كان «حزب الله» بعد تدمير الجزء الأساسي من قوته أمام خيار الاستمرار في المعركة وهو يستطيع الاستمرار في توجيه ضربات للعمق والغلاف الإسرائيلي وإيقاع الخسائر بالإسرائيليين، مقابل تدمير المزيد من القرى والمدن اللبنانية وقتل المزيد من اللبنانيين لكنه آثر وقف دمار وموت اللبنانيين على استمرار الحرب. بعد توقف الجبهة اللبنانية، انهار النظام الأسدي وانسحب الحرس الثوري والميليشيات التابعة لإيران من سورية، كانت الدفعة الأخيرة انسحاب 4 آلاف ضابط وخبير ومقاتل إيراني بمساعدة روسيا، إيذانا بخروج إيران من المعركة، وكتحصيل حاصل توقفت ميليشيات الحشد الشعبي العراقي عن عبث الإسناد.

توقف محور المقاومة عن المقاومة وبقيت «حماس» في قطاع غزة وبقيت «الجهاد الإسلامي» و»حماس» في شمال الضفة. في الوقت الذي تصاعدت فيه أعمال التدمير وجرائم الحرب والتجويع والترويع والتهجير في القطاع بمستويات فاقت الطاقة البشرية على الاحتمال، وفي الوقت الذي تتواصل فيه الإعدامات الميدانية بحق الشبان في شمال الضفة والتي تقترب من 800 شهيد منذ 7 أكتوبر وحتى اليوم.

المعايير التي دفعت «حزب الله» والنظام السوري وإيران والحشد الشعبي هي وقف الخسارة وقطع الطريق على خسارة اكبر، وهذا ينطبق نظريا وعمليا على قطاع غزة اكثر من غيره وينطبق بمستوى أقل على شمال الضفة. لكن «حماس» و»الجهاد» لم تفعلا ذلك.

ومع ذلك من حق المواطن المنكوب أن يسأل: هل تملك «حماس» عناصر قوة تستطيع من خلالها فرض شروطها أو تحسينها، الجواب: لا يوجد غير ورقة الأسرى والمحتجزين، تلك الورقة التي يتلاعب فيها نتنياهو، وبخاصة بعد أن تعايش العالم مع جرائم الحرب والتدمير التي أصبحت روتينا يوميا. نتنياهو وأركان حربه يعلنون ويؤكدون أن حربهم ستتواصل بصفقة وبدون صفقة وهو يملك عشرات الأوراق كالمعابر التي تتحكم في الغذاء والدواء والوقود، وإعادة الإعمار وبخاصة إعمار المدارس والمستشفيات والمنازل، ويملك ورقة الاغتيالات. ولا ننسى أن هدف نتنياهو ومعسكره تفكيك وتدمير المجتمع الفلسطيني وتدمير مقومات الكيان والدولة الفلسطينية، لذلك فهو مع حرب طويلة. لماذا تستمر حركة الجهاد في تشجيع المقاومين في شمال الضفة على استمرار التمرد حتى لو أدى ذلك إلى الصدام مع السلطة؟.

إن حركتي حماس والجهاد مطالبتان بتفسير لماذا يتقاطع تعنتهما غير المبرر مع أهداف نتنياهو في تفكيك وتدمير المجتمع وفي دفع محنته إلى نهايات أكثر مأساوية.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Faceboo

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى