ترجمات أجنبية

من الصعب تشكيل جبهة أميركية أوروبية متحدة لمواجهة الصين

فورين بوليسي – بقلم ستيفن والت *- 16/10/2021

إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تستعد لإدارة صراع طويل الأمد في الصين، ولم تخف رغبتها في تجنيد مجموعة واسعة من حلفاء أميركا في “المنافسة الإستراتيجية” ضد الصين، مشيرا إلى أن هذا النهج منطقي في آسيا، إذ إن معظم الدول الآسيوية لديها أسباب كافية للقلق من الهيمنة الصينية الإقليمية، ولا تستطيع الولايات المتحدة مواجهة الصين من دون تعاون مكثف مع اليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية والهند وغيرها.

إن أفضل التخمينات هي أن أميركا وأوروبا ستستمران في الاصطفاف بشأن كثير من قضايا القوة الناعمة، مثل حقوق الإنسان، والصحة العامة، وحظر انتشار الأسلحة النووية، وبعض الجهود (وليس كلها) لإصلاح النظام الاقتصادي العالمي، وما شابه ذلك، إضافة إلى عمليات بحرية مشتركة من وقت لآخر للملاحة عبر بحر جنوب الصين، ومناقشات مستدامة حول ما قد تفعله (بعض) الدول الأوروبية حال حدوث أزمة حقيقية تشمل الصين.

إن الأوروبيين سيركزون بشكل أساسي على الأخطار الناشئة بالقرب من الوطن، وستكون معظم الدول الأوروبية مترددة بشدة في تعريض الأرواح أو الازدهار للخطر من أجل المساعدة في الحفاظ على توازن القوى الإقليمي في آسيا.

ما يحدث بالفعل حاليا هو تغيير هيكلي في توزيع القوة (والتهديدات)، الذي بدأ يتكشف تدريجيا منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، قائلا إن ذلك يعود جزئيا إلى أن العصر أحادي القطب (1993-2009) حجب ما كان يحدث تحت السطح. فعالم اليوم هو عالم متعدد الأقطاب غير متوازن، مما يعني وجود بيئة تهديد أكثر غموضا للعديد من الدول ومجموعة من الخيارات المختلفة للقوى العظمى والمتوسطة على حد سواء.

تغير السياق الجيوسياسي

التضامن عبر الأطلسي كان -في نهاية المطاف- نتاجا للحرب الباردة ذات القطبين، وسيكون من غير الواقعي توقع استمرار العلاقات والالتزامات التي نشأت في سياق جيوسياسي محدد مع تغيير هذا السياق.

إن نظرية توازن التهديد تجادل بأن الدول عادة ما تتحالف من أجل توازن أكبر للتهديدات التي تواجهها، وإن مستوى التهديد -بدوره- مزيج من 4 مكونات: القوة الكلية، والقرب الجغرافي، والقدرات الهجومية، والنوايا المتصورة. وإذا تساوت الأمور الأخرى، فإن الدول المجاورة التي تتمتع بقدر كبير من القوة الاقتصادية والعسكرية تشكل تهديدا أكثر من تلك البعيدة، وبالتالي من المرجح أن تدفع دولا في جوارها إلى التحالف ضدها.

وإذا تساوت كل الأشياء، فإن الدول التي لديها جيوش كبيرة ذات توجه هجومي تكون أكثر تهديدا من الدول التي لديها قدرات عسكرية متواضعة أو قوات مسلحة مصممة للدفاع عن الأراضي أكثر منها لإبراز القوة أو الغزو. وقد يُنظر إلى الدولة الأضعف -التي يحكم عليها بأن لديها نوايا خبيثة- على أنها أكثر تهديدا من دولة قوية صديقة بشكل فعال أو على الأقل راضية إلى حد كبير عن الوضع الراهن. لذلك، فإن الأول سيؤدي إلى سلوك متوازن أكثر من الأخير.

ومن وجهة نظر توازن نظرية التهديد، يقول والت من السهل فهم الاتجاهات الحالية في آسيا؛ فالصين المعاصرة تدق أجراس الإنذار حول المكونات الأربعة للتهديد، ولهذا السبب يتحرك جيرانها الآسيويون معا بطرق مختلفة ويسعون إلى إقامة شراكة أوثق مع الولايات المتحدة، لكن ماذا عن أوروبا؟

القوة الصاعدة للصين وميلها إلى استخدام تلك القوة أديا إلى ظهور توجهات سلبية نحو بكين، لكن أوروبا بعيدة جدا عن الصين، ولا تشكل بكين تهديدا لوحدة أراضي أي دولة أوروبية أو على العناصر الأساسية الأخرى لأمنها القومي، ولن تغزو الصين أوروبا أو تهاجمها بالأسلحة النووية أو ترعى هجمات إرهابية واسعة النطاق هناك. وحتى البحرية الصينية الأكثر قوة بكثير لن تبحر في منتصف الطريق حول العالم وتحاول فرض حصار. كما أن الصين ليست على وشك إرسال ملايين اللاجئين إلى حدود أوروبا. وفي المستقبل المنظور، يقترب احتمال الهيمنة الصينية على أوروبا من المستحيل. إذن ما الذي يمكن لأوروبا أن توازن ضده؟ .

ليس من مصلحة أوروبا (أو فرنسا، أو ألمانيا، أو بريطانيا، أو إسبانيا، إلخ) أن تنحاز إلى جانب في منافسة عسكرية مع الصين، مشيرا إلى ما قاله وزير المالية الفرنسي برونو لومير الأسبوع الماضي فقط: “تريد الولايات المتحدة مواجهة الصين. ويريد الاتحاد الأوروبي إشراك الصين”، وأضاف لومير أن القضية الأساسية بالنسبة لأوروبا هي أن تصبح “مستقلة عن الولايات المتحدة، قادرة على الدفاع عن مصالحها الخاصة، سواء كانت مصالح اقتصادية أو إستراتيجية”.

معظم الدول الأوروبية مترددة حتى الآن بشكل مفهوم في تعريض علاقاتها الاقتصادية مع الصين للخطر، لافتا إلى أن الصين زادت حصتها من الصادرات الألمانية من 1.6% فقط عام 2000 إلى أكثر من 7% عام 2018، في حين انخفضت حصة أميركا من 10.3% إلى 8.7% على مدى الفترة نفسها. وهو عامل مثبط آخر لتحقيق التوازن العسكري للصين.

عامل القيم المشتركة الذي تعتقد إدارة بايدن أنه بالإمكان أن يربط أوروبا والولايات المتحدة معا في تحالف كبير مناهض للصين، متسائلا: لماذا تبذل أوروبا جهدا عسكريا جادا للدفاع عن الديمقراطية أو الترويج لها على الجانب الآخر من العالم، في حين أن الاتحاد الأوروبي لا يستطيع حتى معرفة كيفية الرد على تآكل الديمقراطية في المجر وبولندا والقمع النشط للديمقراطية في بيلاروسيا؟

حالة الديمقراطية المحفوفة بالمخاطر في الولايات المتحدة، قائلا من الصعب توحيد الديمقراطيات في العالم عندما يقوض أحد الحزبين الرئيسيين في أميركا علانية النظام الديمقراطي القائم ويحاول تأمين حكم دائم للأقلية، أو عندما يظهر دليل كل يوم على الخلل الديمقراطي. وعلاوة على ذلك، إذا نجح الحزب الجمهوري في عرقلة جهد أميركي جاد للتصدي لتغير المناخ -وهو خطر يأخذه الأوروبيون على محمل الجد (وهم محقون في ذلك)- فإن هذا العنصر الإضافي من التنافر سيجعل من الصعب تشكيل جبهة مشتركة ضد الصين.

* ستيفن والت  كاتب عمود بموقع “فورين بوليسي” الأميركي ، والأستاذ في العلاقات الدولية بجامعة هارفارد الأميركية .

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى