أقلام وأراء
منير أديب: الإخفاق الأميركي في مواجهة الإرهاب
منير أديب 8-7-2023: الإخفاق الأميركي في مواجهة الإرهاب
ثلاثة مشاهد يمكن أن تلخّص تجربة الولايات المتحدة الأميركية في مواجهة الإرهاب، خصوصاً العابر للحدود والقارات، مثل تنظيمي “قاعدة الجهاد” و”داعش”، مضافاً إليهما حركة طالبان التي خاضت أميركا حرباً في العام 2001 من أجل القضاء على حكمها، فإذا بها تسلّمها السلطة بعد 20 عاماً من احتلالها لأفغانستان.
خرجت الولايات المتحدة الأميركية من أفغانستان في 31 آب (أغسطس) من العام 2021 بعد احتلال دام 20 عاماً. لم يسفر هذا الاحتلال عن شيء سوى أنّها اضطرت في النهاية إلى أن تضع يدها في يد حركة طالبان التي سبق وصنّفتها جماعة إرهابية؛ حيث تسلّمت هذه الحركة السلطة من واشنطن مع مزيد من الأسلحة المتطورة التي تركها الجيش الأميركي للأعداء السابقين!
مشهد حمل كل آيات الإخفاق والفشل، ولعلّ تقرير الخارجية الأميركية الذي صدر قبل يومين، أكّد الإخفاق الأميركي، سواء في عدم تقدير قوة طالبان أو الحكومة الأفغانية التي تهاوت بعد الانسحاب الفوضوي لواشنطن قبل عامين من الآن.
انسحاب واشنطن لم يكن تقديراً سياسياً لمن كان في السلطة وقتها من كلا الحزبين “الجمهوري والديموقراطي”، ولكنه كان الخيار الوحيد والأوحد أمام أميركا بحزبيها، وهو ما يؤكّد الفشل الأميركي في مواجهة طالبان.
ولعلّ مشهد حركة طالبان يذهب بنا إلى فشل آخر يرتبط بعدم قدرة الولايات المتحدة الأميركية في القضاء على تنظيم القاعدة، الذي اتخذ من أفغانستان، مرتكزاً له، رغم أنّ واشنطن احتلت تلك الدولة عقدين من الزمان، فماذا كانت تحتاجه حتى تقضي على تنظيم القاعدة داخل الدولة المحتلة؟ وماذا كانت تفعل طيلة العقدين اللذين احتلت فيهما أفغانستان؟
الولايات المتحدة الأميركية لم يكن لديها أي إجابات عن الأسئلة المطروحة، غير أنّها استسلمت للواقع المرير الذي يحكي عن فشل واشنطن في مواجهة طالبان والقاعدة معاً؛ حتى أنّها اضطرت في النهاية أن تضع يدها في يد طالبان، وأن تدخل معها في مرحلة تفاوض بهدف الوصول إلى اتفاق يحفظ ماء وجهها أثناء انسحابها من أفغانستان. ولعلّ المفارقة الأبرز أنّها كانت تتفاوض معها حول عدم السماح لـ”القاعدة” بالعمل داخل أفغانستان!
فبمجرد خروج واشنطن من أفغانستان انتقل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري من جبال تورا بورا إلى الإقامة وسط العاصمة كابول، فكانت إقامته في حي السفارات المجاور لمقرّ مجلس الوزراء الأفغاني وفي بيت مملوك لوزير الداخلية الأفغاني، كنوع من التعمية على وجوده، هنا فقط استطاعت القوات الأميركية رصد الظواهري وقتله بمسيّرة أميركية في 31 تموز (يوليو) من العام 2022.
وتظهر من هذا المشهد العلاقة بين حركة طالبان وبين تنظيم القاعدة، وفي الخلفية الفشل الأميركي في تقدير هذه العلاقة، فضلًا عن فشل الولايات المتحدة في تحديد مكان الظواهري أو حتى استهدافه منذ تولّيه زعامة التنظيم في العام 2011، رغم أنّها كانت في هذا الوقت تحتل أفغانستان، وهذا إخفاق أميركي آخر.
لقد فشلت الولايات المتحدة في مواجهة تنظيم القاعدة أو حتى في مواجهة حركة طالبان، التي سلّمتها السلطة في آب (أغسطس) من العام 2021؛ فبمجرد خروج القوات الأميركية انهارت الحكومة الأفغانية، وفي غضون أحد عشر يوماً كانت طالبان تُسيطر على كل الأراضي الأفغانية من شرقها إلى غربها.
تقرير الخارجية الأميركية الأخير جاء متزامناً مع عيد الاستقلال، كما أنّه يواكب الذكرى الثانية للانسحاب الأميركي من أفغانستان، ليعيد التأكيد على الإخفاق الأميركي في مواجهة الإرهاب عابر الحدود والقارات.
مشهد مواجهة القاعدة وطالبان لا يختلف عن مواجهة واشنطن لـ”داعش”، التي نجحت في إقامة دولة لها في منطقة الشرق الأوسط في 29 حزيران (يونيو) من العام 2014، هذه الدولة التي لم تُوفّق واشنطن في إسقاطها إلاّ في 22 آذار (مارس) من العام 2019، أي بعد 5 سنوات كاملة من نشأتها، رغم أنّها شكّلت تحالفاً دولياً من أجل هذه المواجهة ضمّ أكثر من 80 دولة، ورغم ذلك تأخّر إعلان سقوط دولة “داعش”، وكأنّ المشهد يُعبّر عن العجر الأميركي والدولي في مواجهة التنظيم!
فمنذ إعلان سقوط دولة “داعش” في العام 2019 وبعد مرور 4 سنوات على هذا السقوط، ما زال التنظيم قادراً على تنفيذ عمليات نوعية في بلد المنشأ في العراق وسوريا، بل ونجح في الزحف إلى أفريقيا، ونفّذ عمليات نوعية داخل قارة أوروبا، فأي سقوط كانت تتحدث عنه واشنطن؟
لا أحد يُجادل بسقوط دولة “داعش”؛ ولكنه كان سقوطاً جغرافياً أو فيزيائياً على أقصى تقدير، فالتنظيم ما زال قادراً على تنفيذ عملياته النوعية، وما زال يُشكّل تهديداً للأمن الإقليمي والدولي، وما زالت واشنطن والمجتمع الدولي عاجزين عن تفكيك السجون التي يتواجد فيها سجناء التنظيم ومقاتليه، وترفض كل دول العالم استقبال هؤلاء المتطرّفين أو محاكمتهم على أراضيها، وهو ما يمثّل قنبلة قابلة للانفجار مع مخيمات أُسر وعوائل التنظيم التي تمثل هي الأخرى تفريخاً لمقاتلين جدد للتنظيم في المستقبل.
التنظيم الذي أُسقطت حدود دولته في منطقة الشرق الأوسط، يتحرّك بخطى متسارعة لإقامة دولة جديدة في أفريقيا، ولكن بشكل يبدو مختلفاً عن شكل الدولة التي سقطت في سوريا والعراق، وفي الوقت نفسه تُناسب الظروف الدولية والتحوّلات التي يمرّ فيها العالم، وهنا تبدو خطورة الإخفاق الأميركي الذي يقودنا إلى إخفاق آخر، تكون نتيجته إقامة دولة جديدة لـ”داعش” في القارة السمراء.
لا بدّ من إعادة النظر في السياسات الأميركية تجاه مواجهة الإرهاب، ولا بدّ من إعادة تقييم الدور الأميركي ودراسة إخفاقاته السابقة، مع رسم خريطة مواجهة جديدة للإرهاب شديد الخطورة؛ خريطة تراعي الأمن العالمي بعيداً من المصالح السياسية الضيّقة لبعض الدول. فالهدف لا بدّ من أن يكون مركّزاً على مواجهة الإرهاب بكل صوره وأشكالة، كما أنّه من الضروري وضع استراتيجية مواجهة يتبنّاها المجتمع الدولي بمؤسساته، بعد إدارة حوار حول بنود هذه الاستراتيجية.
وهنا لا بدّ من أن تتقدّم بعض الدول العربية، ويا حبذا إذا كانت لها تجربة في هذه المواجهة أو بذلت جهوداً فيها، بحيث تبشّر بهذه الإستراتيجية أو تضع ملامحها العامة، مثل مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. الدور العربي قد يكون مهمّاً في دفع واشنطن نحو الاتجاه الصحيح في مواجهة التنظيمات الإسلاموية الأكثر تطرّفاً.