منيب رشيد المصري يكتب – الأرض تناديكم …!!
منيب رشيد المصري – 11/10/2021
بلفور هو أساس كل مصائبنا التي نعيشها كشعب فلسطيني سواء في فلسطين التاريخية أو في الشتات والمنافي، فهو السبب الرئيس في تفتيت المجتمع الفلسطيني وتشتيته، بعد أن أسس فعلا لقيام دولة إسرائيل ودعم عصاباتها لكي تجعلها حقيقة واقعة على الأرض، ونالت هذه الدولة كل الدعم من بريطانيا ومن الولايات المتحدة الأمريكية والأهم أن سبب وأساس استمرارها وعدم محاسبتها على جرائمها المستمرة بحق الشعب الفلسطيني هو دعم الحركة الصهيونية لها التي تمتلك سطوة كبيرة على مراكز صنع القرار العالمية سياسياً ومالياً واقتصادياً.
منذ انكشاف نوايا الحركة الصهيونية تجاه فلسطين أرضاً وشعباً، عقب انتشار خبر وعد بلفور، واجه الشعب الفلسطيني المؤامرة المركبة التي حيكت ضده، وما زال يعمل من اجل نيل حقه في تقرير مصيره، ورغم كل الثورات التي بدأت منذ العام 1917، ولغاية الآن، لم يتمكن الشعب الفلسطيني من تحقيق مبتغاه في التحرر وعلى هذا الطريق قدم آلاف الشهداء، ومئات آلاف الجرحى، وأكثر من مليون معتقل، عدا عن الهدم والمصادرة والتشريد والحصار وغيرها من السياسات العنصرية التي يعاني منها الفلسطينيون منذ وعد بلفور.
منذ نكبة الشعب الفلسطيني ولغاية الآن لم تتمكن قيادات الشعب الفلسطيني أن تستثمر كل ما قدمه الشعب الفلسطيني من تضحيات لصالح التقدم بإتجاه الهدف المعلن وهو التحرير والعودة، ولم يقم أحداً حتى الآن بإجراء مراجعة جادة لأكثر من (73) عاماً من النضال الوطني الذي عمليا لم يحقق شيئاً فعلياً على الأرض، لا بل خسرنا 78% من فلسطين التاريخية عام 1948، وخسرنا ما تبقى من الأرض الفلسطينية عام 1967، التي اعتبرت أرض محتلة بموجب قرارات الأمم المتحدة، ولاحقا وافقنا أن نقيم دولتنا الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران من العام 1967، بعاصمتها القدس الشرقية، ثم بعد أن دخلنا في أوسلو، الذي كان ن المفترض أن يكون مرحلي وينتهي بإقامة الدولة الفلسطينية في أيلول عام 1999، اكتشفنا أن هذا الاتفاق أدخلنا في نفق لا نستطيع بالأدوات الحالية أن نخرج منه.
لا أريد الخوض في تفاصيل ما مررنا به خلال الـــ(73) سنة الماضية لأن هذه المرحلة الطويلة بحاجة إلى تقييم جدي نستخلص منه العبر والنتائج، ولكن ما أريد الحديث عنه هو كيف لنا أن نوقف الإنهيار الحالي ونحافظ على ما هو موجود، وترتيب أنفسنا من أجل إعادة النهوض من جديد لمجابهة ما تعمل عليه الحركة الصهيونية وهو محو وجود الشعب الفلسطيني جغرافيا وتاريخيا وإن أمكن جسدياً.
بداية ايقاف السقوط بحاجة إلى ترميم وضعنا الداخلي الذي يبدأ اولا بإنهاء الانقسام، الذي يوازي وعد بلفور من حيث الكوارث التي لا زال يلحقها بالشعب الفلسطيني وقضيته، وهذا الأمر يتطلب فقط إرادة سياسية من طرفي الانقسام، لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين الطرفين ابتداءً باتفاق مكة الذي كان قبل الانقسام في شباط 2007، مروراً بكل الاتفاقيات التي اعقبته مثل الورقة المصرية 2009، واتفاق القاهرة 2011، واتفاق الدوحة 2012، واتفاق الشاطئ 2014، واتفاق القاهرة 2017، وحوارات القاهرة 2021، وهذه الاتفاقيات الأساسية التي طرحتها هيئة النوايا الحسنة لإنهاء الانقسام في وثيقتها التي قدمتها لحركتي فتح وحماس وكافة الفصائل والفعاليات الفلسطينية لإنهاء الانقسام، ولكن ولغاية الآن لا يوجد إرادة أو رغبة في إنهاء هذا الملف الأسود، لا بل ملف العار الذي اسمه انقسام.
قدمنا نحن الفلسطينيون هدية ثمينة جدا، لم تكن دولة الاحتلال تحلم بها وهي «الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني»، حيث ساعدتها هذه الهدية على العمل بشكل مريح جداً في التحلل من اتفاقيات أوسلو، التي لم تلزم أصلا بها يوما، لكن الأهم أنها ساعدتها على تنفيذ سياساتها الهادفة إلى قضم ما تبقى من فلسطين التاريخية عبر مصادرة الأرضي والاستيطان، وقضت ليس فقط على حل الدولتين بل أيضا منعت عمليا قيام أي كيان فلسطيني مهما كان «مسخاً» وبذلك استطاعت عمليا أن تمضي في طريق القضاء على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
أعلم أن هذا الكلام قاسي، والبعض قد يعتبره خروجا عن المألوف في توصيف الحالة الفلسطينية القائمة، ولكن للأسف هذا هو الواقع، ومن لديه توصيف آخر لهذا الواقع فله الحجة أن يوضحها لنا ويدحض ما أقول، مع التأكيد أن ما أسجله في هذه السطور هو فقط لكي أقول للجميع أفيقوا قبل فوات الاون، فلدينا الكثير مما نستطيع فعله لكي نجابه سياسات الاحتلال ومن خلفه الحركة الصهيونية، أفيقوا … ولنفكر سوياً ماذا لنا أن نفعل، وكيف يمكن لنا أن نعمل كشعب واحد عدده يفوق (14) مليون فلسطيني موزعين على كل دول العالم تقريباً، وهذه ميزة يمكن استثمارها جدياً في إعادة الاعتبار لقضيتنا شعبياً ورسميا على الساحة الدولية، وأيضا كيف لنا أن نستهض طاقات شعبنا الفلسطيني في أرض فلسطين التاريخية، الذين أكدوا دائما بأنهم على قدر التضحية والعطاء، وخير دليل على ذلك حالة الالتحام الدائم في فلسطين التي رأيناها في انتفاضة العام 1987، وانتفاضة العام 2000، وهبة الشيخ جراح 2021 وكيف التحمت بيت لحم مع اللد، والخليل مع حيفا، ونابلس مع يافا، وجنين مع النقب، وطولكرم مع الجليل، وأم الفحم مع سلفيت، وبيت ساحور وبيت جالا مع الناصرة، وكانت غزة في قلب هذا الحدث، وبقيت القدس هي دُرة التاج الفلسطيني.
اعتقد أقل ما يمكن فعله الآن هو الحفاظ على السلم الأهلي، وعدم تفسخ المجتمع إلى محافظات وتجمعات وعائلات لأن هذا سيكون مقتلنا جميعا بعد أن تفرقنا إلى ضفة وغزة وقدس وشتات، علينا أن نحافظ على الحد الأدنى من وحدتنا الداخلية وأن نوجه تناقضاتنا الداخلية نحو التناقض الرئيسي مع الاحتلال، ويمكن استثمار ودعم بؤر المقاومة الشعبية في الضفة الغربية الموجودة في العديد من المناطق مثل بيتنا وكفر قدوم، وغيرها، وبالتوازي أن نفتح جبهة مقاومة قانونية اساسها محاكمة دولة الاحتلال على جرائمها بحق الأرضي المصنفة (ج)، والتي تشكل أكثر من 61% من مساحة الضفة الغربية، ولإسرائيل فيها السيطرة المدنية والأمنية، وتشكل أراضيها مخزون استراتيجي لتوسيع المخططات الهيكلية للمدن والقرى والبلدات الفلسطينية، وهي السلة الغذائية وبها المخزون الأكبر للمياه الجوفية.
منذ ما قبل الاعلان عن صفقة القرن وإسرائيل تسعى لقضم المنطقة (ج)، وأتت هذه الصفقة لتشرع سياسات الاحتلال لضمها اليه، فماذا يمكن لنا أن نفعل، وبخاصة أن المجتمع الدولي بشكل عام لا زال يعتبر أن «حل الدولتين» قائماً، وهذا مدخل مهم للبدأ فعليا برفع قضايا على دولة الاحتلال أمام المحاكم المحلية اولاً لانها تقوم وبشكل مخالف للقانون الوطني والقانون الدولي بمصادرة وضم الأراضي التي من المفترض بحسب القانون الدولي أنها أراضي فلسطينية واقعة تحت الاحتلال الحربي.
وبالتوازي مع المعركة القانونية التي من الضرورة فتحها على الاحتلال العمل بشكل دائم ومستمر على إحياء مناطق (ج) من خلال مشاريع إسكانية وزراعية واقتصادية، وتشجيع المواطنين على البناء والاستثمار هناك.
أعتقد جازماً أن المعركة القانونية في المنطقة (ج) مفيدة ومكملة للمقاومة الشعبية، ولها مردود أخلاقي وقانوني ايجابي لقضيتنا الوطنية، ولي تجربة شخصية في هذا الجانب، عندما قمت برفع دعوى على حكومة بريطانيا عن إصدارها اعلان بلفور أمام القضاء الوطني الفلسطيني، وأنا الآن بصدد رفع دعوى امام القضاء البريطاني حول ذات الوضوع، وبعدها سوف اتوجه إلى القضاء الدولي في حال أن رفضت دولة الاحتلال وبريطانيا تنفيذ قرارات المحاكم، بحكم أن القضاء الدولي هو قضاء استكمالي.
من الضروري الآن البدء بحملة توعية وتحشيد على مستوى المحافظات الفلسطينية لحث المواطنين المتضررين من المصادرة التوجه إلى القضاء الوطني لمحاكمة الاحتلال على جرائمه، ولنستفيد من قرارات المحاكم الوطنية أمام القضاء الدولي، ونستثمر هذا الامر أخلاقيا واعلاميا وامام العالم، لأن سكوتنا على هذا الأمر معناه ضياع حقنا ونحن صامتون، وهذا إجرام بحق ذاتنا وبحق قضيتنا، فصراعنا مع الحركة الصهيونية صراع طويل ومتشعب ويجب أن نبدأ بالتفكير بطرق جديدة لحماية قضيتنا، فالقانون الدولي يسمح لنا بمقاومة الاحتلال بكافة الوسائل المشروعة، وهذا يعني أننا نستطيع وواجب علينا أن نفتح الجبهة القانونية وكلي ثقة بأننا سنكسب هذه المعركة بطول النفس والمتابعة والوحدة.