ملفات ساخنة من واشنطن
مركز الناطور للدراسات والابحاث
مزاعم تخفيض ميزانية البنتاغون في خطاب اوباما
· آفاق الانتخابات الاولية للحزب الجمهوري
· التوتر في مضيق هرمز
· امكانيات دول مجلس التعاون الخليجي للتدخل
· تأهب اسلحة البحرية الغربية للتدخل
وهم التخفيضات العسكرية في ميزانية البنتاغون:
انتهز البيت الابيض فرصة الاعياد السنوية وما يرافقها عادة من تضاؤل الاهتمام الاعلامي والشعبي في الشان السياسي للترويج لخطاب مفصلي يؤشر فيه على تبني سياسة خفض النفقات العسكرية، كما اشيع؛ وسبق ذلك مصادقته على قرار مثير للجدل يعطي اجهزة الدولة الامنية بموجبه الحق في احتجاز اي فرد كان لمجرد الاشتباه به ولاجل غير مسمى، سواء كان يتمتع بالجنسية الاميركية او غير ذلك؛ الامر الذي يعد انتهاكا صارخا للحريات الفردية المصانة دستوريا.
وفي الخطاب المعلن يوم 5 كانون2 / يناير، تعهد اوباما بتحقيق تخفيض في النفقات العسكرية وميزانية وزارة الدفاع بنسبة تصل الى 4% تمتد على مدى السنوات الخمس المقبلة. وبعيدا عن اسلوب الاثارة والتلاعب بالالفاظ، فحقيقة الأمر ان وزارة الدفاع ستحافظ على استمرار التدفق المالي لميزانيتها دون اي تغيير يذكر والتي تبلغ حاليا اعلى مستوياتها على الاطلاق منذ نحو عقد من الزمن – اي منذ تدشين القرن الجديد بشن سلسلة من الحروب الاميركية. لعل الفارق الاساسي في تفسير الميزانية الاجمالية المخصصة لوزارة الدفاع هو استثناء الاموال المخصصة دوريا لشن والاستمرار بالحروب الجارية من الاستقطاعات المعلنة، والتي وصلت ارقاما خيالية تعد بمليارات الدولارات.
الخطاب جاء ارضاء لرغبة المؤسسة العسكرية الاميركية المضي بشن الحروب اينما تراها ضرورية لضمان المصالح الاميركية عبر العالم، ومضاعفة مستويات اعتمادها على “التقنيات الحديثة” كالطائرات الموجهة الكترونيا (بدون طيار) مثلا، والمضي في تطوير الصواريخ الموجهة الاستراتيجية والتخفيف من الاعتماد على العامل البشري في شن الحروب – بل “الاعتماد على القدرات العسكرية القتالية” لحلفاء اميركا.
كما وان التخفيض المقترح ينطبق حصريا على الزيادات السنوية المقررة تلقائيا في ميزانية وزارة الدفاع، ويستثني احداث تخفيض حقيقي في الميزانية العسكرية العامة. والملفت في الامر، ان التخفيض المروج اعلاميا ينال من المخصصات المقررة لتأهيل وعلاج القوات العسكرية العائدة من ساحات القتال بعد انتهاء فترة خدمتها العسكرية.
وفي هذا الصدد، ودعما لتخيف الاعتماد الاميركي على العامل البشري في شن الحروب، اشارت دراسة حديثة اجرتها “مؤسسة اميركا الجديدة” البحثية الى ان هجمات الطائرات بدون طيار على باكستان وحدها في الفترة من عام 2004 الى 2011، اسفرت عم مقتل نحو “1680 الى 2634” مدنيا هناك دون ضجيج او مواجهة التهم بانتهاك السيادة الوطنية. هذا علاوة على ما تحصده تلك الاسلحة بصمت من ضحايا في دول وساحات اخرى – كاليمن والسودان والصومال وليبيا.
من الملاحظ ايضا ان ما جاء في خطاب اوباما المعد جيدا انه اتى على نقيض اقتراح من وزير دفاعه، ليون بانيتا، الذي طالب بضرورة خفض عدد القطع البحرية الاميركية المرابطة في المحيط الهاديء، وترجمة عملية لتصريحات وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون عالية النبرة المرتكزة الى مصالح المجمع الصناعي العسكري، اذ قالت ما مفاده ان السياسة الاميركية في المحيط الهاديء (الشواطيء المحاذية للصين وكوريا وروسيا) ينبغي ان تعتمد على التلويح بالقدرة العسكرية اولا. كما جاء خطاب اوباما تثبيتا لتصريحاته اثناء جولته الاسيوية في نهاية العام المنصرم، اذ قال في زيارته لاستراليا انه ينوي زيادة عدد وعتاد القوات الاميركية المرابطة هناك الى نحو 2500 عنصر وضمان تخصيص الموارد اللازمة لاستمرارية التواجد العسكري النوعي هناك. يبقى ان احد المؤشرات البارزة على استمرار النزعة العسكرية في توجهات ومقاربات الادارة الاميركية هو الاصرار على الاحتفاظ بفكرة التفوق العسكري الاميركي في العالم.
آفاق الانتخابات الاولية للحزب الجمهوري:
دشنت ولاية ايوا السنة الجديدة وحملة السباق الرئاسي بعقد اولى التجمعات الانتخابية لاستشعار وتصفية جموع المرشحين عن الحزب الجمهوري. وتعد نتائج الحملة مؤشرا وان غير ملزما للنتائج المتوقعة في الولايات الاخرى لاحقا. وتجدر الاشارة الى ان الولاية وبحكم طبيعتها الريفية وجمهورها المحافظ تقليديا لا تشكل نموذجا حقيقيا لرغبة الناخبين في مجموع الولايات، لا سيما تلك المكتظة سكانيا وتتمتع بتوجهات اكثر ليبرالية في الساحل الشرقي لاميركا خصوصا.
وجاءت النتائج صادمة للبعض وفائقة التفاؤل للبعض الآخر، اذ تعادل المرشحين ميت رومني ومنافسه السيناتور السابق ريك سانتورم على المرتبة الاولى، راهنا، وثبات المرشح رون بول وبرنامجه المناهض لسلطات الدولة بشكل مطلق على النسب المتوقعة له.
لكن ما افضت اليه الانتخابات الاولية يعد اكثر خطورة للحزب الجمهوري برمته. اذ عرّت الانتخابات صلابة ووحدة الحزب المزعومة وبينت انه يشهد انقساما واضحا في صفوفه يصعب احتواءه ويتوزع على ثلاث فئات او تيارات متساوية القوة والنفوذ تقريبا.
الاولى، تمثل الجناح الصاعد والمناهض المطلق لسطلة الدولة المركزية ويتزعمه رون بول الذي حقق تقدما ملحوظا بين الفئة الفتية من الناخبين (من سن 18 الى 29). الثانية، هي الجناح المسيحي/ اللاهوتي المحافظ تقليديا تزعمه “مؤقتا” السيناتور السابق ريك سانتورم. وما يميز هذا التيار ان تأثيره في الولايات الاخرى غير متكافيء مع ما ظهر منه من حضور قوي في ايوا، خاصة في ولاية نيو هامبشير التي ستعقد انتخاباتها مطلع الاسبوع المقبل. الفئة الثالثة هي التيار المحافظ التقليدي والذي ينضوي تحت عباءة المؤسسة الرسمية الحاكمة ويتزعمه ميت رومني – الذي فاز بفارق 8 أصوات فقط على منافسه سانتورم. والنتيجة العامة لهذا الانقسام الحاد تؤدي الى القول ان الرابح الاساسي لتلك الجولة هو الرئيس اوباما ذاته وذلك في ظل غياب مرشح منافس يحظى بدعم اغلبية واضحة من الناخبين الجمهوريين؛ خاصة اذا اخذ بعين الاعتبار رغبة رومني الجامحة بالفوز الكاسح للمرتبة الاولى دون منافس.
استنادا الى ما افضت اليه نتائج السباق الرئاسي الاولية، وبروز انشقاقات في قاعدة الحزب الجمهوري بشكل خاص، يمكننا القول ان هناك طرف/تيار ثالث في طريقه الى التبلور ويضع نفسه بديلا عن الحزبين التقليديين، وان كان برنامجه المعلن هلاميا ولا يستند الى قواعد علمية. على الرغم من ان المؤشرات الاولية لا تدل على تمثيله لقاعدة شعبية واسعة، بزعامة رون بول، الا انه يتجه نحو ابراز شخصية كفؤة تتزعمه وتحظى بقبول جماهيري معقول مثل حاكم ولاية نيومكسيكو السابق غاري جونسون.
وفيما يخص الصعود المفاجيء للسيناتور ريك سانتورم، فان زهوه بكأس الانتصار مرحليا قد يترجم الى دعم مالي اوسع لحملته الانتخابية مما قد يؤهله الاستمرار في السباق والمنافسة في الولايات الاخرى تباعا الى حين، لا سيما وان ولاية نيو هامبشير، المحطة التالية للانتخابات، تدعم توجهات سياسية ليبرالية تاريخيا اكثر من نظيراتها الاخريات. لكن بروزه السريع يعني ايضا انه فتح الباب على مصراعيه لوسائل الاعلام لتقفيه واجراء تحقيقات معمقة لسجله الشخصي والسياسي معا، وهو المعروف في واشنطن بمحاباته انشطة اللوبيات المختلفة ابان خدمته في مجلس الشيوخ مما اغدق عليه اموالا هائلة وثروة شخصية تعد بملايين الدولارات. علاوة على تصريحاته الهجومية والمناهضة “للزواج بين المثليين” والذين يمثلون قطاعا لا بأس به من الناخبين الجمهوريين والمستقلين على السواء.
وتشير النتائج ايضا الى ان رون بول، رغم ادائه المقبول وفرط حماس مؤيديه لم يتمكن من احتلال الصدارة اذ لم يتجاوز الدعم له ذات النسبة التي حققها في السباق الرئاسي قبل اربعة سنوات. اما الاخرين من المرشحين انعكس بؤس ادائهم في هبوط الدعم الشعبي: نيوت غينغريتش (بالرغم من شهرته الواسعة)، ريك بيري وميشيل باكمان التي “علقت” حملتها في الفترة الحالية وهي وصف ملطف لنية الانسحاب من السباق الرئاسي.
والى ولاية نيو هامبشير، اذ تشير استطلاعات الراي الحديثة الى توقع احتفاظ ميت رومني بالمرتبة الاولى محققا نسبة 38%، يليه رون بول بنسبة 24%، ثم ريك سانتورم في مرتبة ثالثة بعيدة بنحو 11% من الاصوات، وبقاء غينغريتش في السباق بدعم نحو 9% من الناخبين، وجون هانتسمان بنسبة 7%، واخيرا ريك بيري بنسبة 1% – اي نسبة شديدة التدني ولا تحسب عمليا.
ويبقى الفيصل بالنسبة للناخبين: اي من هؤلاء المرشحين باستطاعته اقناع الجمهور بصلاحية برنامجه الانتخابي وقدرته على منافسة الرئيس اوباما والفوز عليه. وهي المعادلة التي فشل فيها كل من غينغريتش وبيري وهيرمان كين (قبل انسحابه اثر فضائح جنسية) وميشيل باكمان. والصافي في المعادلة الانتخابية يؤشر على بروز التيارات السياسية الثلاث الواردة سابقا، مصحوبا بالتشكك والريبة من قدرة ريك سانتورم التغلب على العقبات التي تنتظره، سيما وان حضوره على المستوى القومي يعد الاضعف بين زملائه الاخرين.
التوتر في مضيق هرمز
لجأت ايران الى التهديد باغلاق مضيق هرمز امام الملاحة البحرية الدولية وذلك ردا على اجراءات العقوبات الاقتصادية ضدها من قبل الدول الغربية. ويبقى السؤال الاساسي هل تشكل تهديداتها خدعة سياسية ام ترجمة لقدرتها العسكرية على اغلاق المضيق.
الاجابة الاولية تقتضي الاعتراف بقدرة ايران على اثارة عقبات حقيقية امام الملاحة التجارية – مبنية على الافتراض بانها لن تواجه تحديات من قبل الاساطيل البحرية المنتشرة هناك. ومع ذلك، لا يعتقد ان ايران تمتلك القدرة المطلوبة لاغلاق المضيق بشكل تام ولفترة ممتدة في ظل معارضة دول مجلس التعاون الخليجي والدول الغربية معا. وفي هذا الصدد، يعرب معظم المحللين العسكريين الاميركيين، في ظل موازين القوى الراهنة، عن قناعتهم بان اقدام ايران على اغلاق المضيق سيترجم الى خطوة تسفر عن تعرض معظم قواتها البحرية للتدمير.
وبعيدا عن توفر الارادة السياسية لايران بلاغلاق من عدمها، لديها سلاحي بحرية متوازيين. سلاح البحرية التقليدي، الممتد الى ايام الشاه المخلوع، ويضم سفنا كبيرة وان كانت قديمة بعض الشيء ونطاق مهمته هو التجول في مياه خليج عمان والشواطيء المطلة على المحيط الهندي، اضافة الى شراكته نظيره الآخر في حماية مضيق هرمز من اعمال عدوانية. والثاني، سلاح البحرية التابع لإمرة الحرس الثوري المخول بحماية النظام وقياداته. ومهامه تقتصر على حماية مياه الخليج العربي ومضيق هرمز، ومحور اهتمامه الدخول في مهام الحرب غير المتوازية باستخدام اسراب من الاسلحة الصغيرة والزوارق سريعة الحركة.
ويمتلك سلاح البحرية الايراني نحو 177 قطعة نظريا، تتراوح مهامها من قتالية مائية الى خفر السواحل وزوارق حربية محملة بالصواريخ والقيام باعمال خدمات لوجستية. وهي تقريبا متساوية العدد مع ما تملكة اسلحة البحرية لدول التعاون الخليجي مجتمعة – نحو 184 قطعة. الا ان الارقام المجردة لا تعكس حقيقة مدى الفعالية، فبعض الزوارق يعود انضمامها للخدمة الى ايام الشاه المخلوع، اما ميزة البعض الآخر مثل الغواصات الروسية الثلاث من طراز “كيلو” فهي ذات مجال محدود الفعالية وبحاجة الى صيانة خارجية، كما ورد في المصادر الغربية.
واشترت ايران بعض القطع البحرية المسلحة بالصواريخ حديثة العهد نسبيا. ورغم ما تتمتع به من قوة وسرعة في الحركة واطلاق الصواريخ المضادة للسفن، الا انها لن تصمد طويلا ان تعرضت للقصف الجوي، كما ولديها قدرة محدودة للدخول في اشتباك مضاد للطيران وليس بوسعها ايضا البقاء طويلا في عرض البحر؛ لكنها الانسب بين الموارد المتوفرة لمراقبة وحماية السواحل.
الاهتمام بقوة بحرية صغيرة وزوارق سريعة الحركة يعد ترجمة واقعية لمباديء ايران في شن حرب غير متوازية ضد الاسلحة البحرية المعادية. واستثمرت ايران مواردها في الزوارق الصغيرة سريعة الحركة، التي تصل سرعتها الى 80-85 عقدة، ولديها قدرة على المناورة. فالهدف بالنسبة لايران هو الانقضاض على اهداف حيوية من جهات متعددة لارهاق انظمتها الدفاعية، والاعتماد ايضا على زرع الالغام البحرية.
تجدر الاشارة الى الميزة التي تتمتع بها ايران في اغلاق المضيق. اذ علاوة على موقعها المطل على الشواطيء الشمالية للمضيق، تتواجد قواتها في عدة جزر تطل على مداخله احتلتها سابقا (جزر سيري وابو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى) انشات فيها قواعد بطاريات صواريخ مضادة للسفن.
في حال اقدام ايران على غلق المضيق، فالامر يتطلب زرع الالغام البحرية واستخدام زوارقها الصغيرة لاعتراض الاهداف الحيوية الكبرى مثل ناقلات النفط. اما اذا اتخذت قرارا بالاشتباك مع القوات البحرية الاخرى، فمن المرجح ان تعتمد على ترسانتها من صواريخ مضادة للسفن واسراب من الزوارق الصغيرة (اما للقيام بمهام اطلاق الصواريخ او للهجمات الانتحارية).
وبعيدا عن عامل التدخل العسكري، فان عملية الاغلاق قد تستمر الى نحو اسبوعين من الزمن قبل تطور سير العمليات العسكرية لارغام ايران على تخفيض رقعة تواجد زوارقها البحرية. اما في حالة التدخل العسكري، فان عملية الاغلاق بحد ذاتها تنطوي على صعوبة كبيرة.
وفي هذا المضمار، راينا من المناسب التدقيق في احد احتمالين: تدخل عسكري لدول الخليج وتدخل عسكري خليجي غربي مشترك.
امكانيات تدخل دول مجلس التعاون الخليجي عسكريا
تعاني دول الخليج مجتمعة من تخلفها النوعي عن ما تملكه ايران، على افتراض قيام الدول بعمل مشترك ومنسق. ولو تم الامر، فلا يعني ذلك بالضرورة ان بوسعهم القيام باجراءات مضادة لايران في الخليج.
فالقوة الاكبر عدديا بين الاسلحة البحرية لدول الخليج هي سلاح البحرية الملكي السعودي، الذي يضم نحو 11 فرقاطة قتالية وتتمتع بقدرات اكبر وفترة بقاء اطول مما يتوفر لدى ايران. كما ولديه سبع قطع كاسحة للالغام، مما قد يحد من قدرات ايران على زرعها. ويأتي سلاح البحرية الاماراتي في المرتبة الثانية من ناحية القوة العددية، الا ان جزءا كبيرا من مهامه منصب على القتال والانزال البرمائي وسفينتين حربيتين من طراز كورفيت و لديه زورق اوحد للكشف عن الالغام.
بالنظر الى تلك القوة العددية، تستطيع دول الخليج فتح المضيق بالقوة امام الملاحة البحرية شرط عدم توفر الرغبة لدى ايران للقيام بمغامرة عسكرية وابقاء حركة السفن التجارية بمحاذاة الشواطيء الجنوبية للمضيق، مما يضعها تحت مظلة الحماية الجوية المتوفرة لدول الخليج. ومع ذلك، ليس باستطاعة الدول الخليجية المحافظة على وتيرة نشاطاتها لحماية الناقلات النفطية لفترة طويلة من الزمن.
اما وان قررت ايران اغلاق المضيق امام اي قوة بحرية تتبع الدول الخليجية، فالنتيجة غير مضمونة لا سيما وان الامر يعتمد الى حد كبير على تطور الاحداث والاشتباكات المرتقبة في المنطقة. القطع البحرية العائدة لدول الخليج اكثر حداثة من نظيراتها الايرانية، لكن قدرتها على مواجهة اسراب من الزوارق الحربية الايرانية الصغيرة وزوارق الانتحاريين سريعة الحركة تبقى موضع شك. اما العامل الحاسم فقد يكون باستخدام اساطيل اسلحتها الجوية لنشر مظلة حماية جيدة بغية فرض منطقة مرور آمنة في محيط قوافل النقل.
خلاصة الأمر لن يستطيع الطرفان الاستمرار في ذات الزخم العملياتي، اذ يستوجب تركيز ايران لجهودها في مهام زرع الالغام البحرية في المضيق ومقارعة واشغال ناقلات النفط كما فعلت ابان حربها مع العراق. اما دول الخليج فيتعين عليها تركيز جهودها الجمعية لحماية الملاحة البحرية الحيوية.
تأهب البحريات الغربية للتدخل العسكري
بناء على الاهمية الفائقة التي يحتلها استمرار تدفق النفط من المنطقة نحو الاسواق الغربية، من المحتمل اقدام الدول الغربية (خاصة اميركا وبريطانيا وفرنسا) اتخاذ اجراءات ميدانية لبقاء المضيق مفتوحا امام الملاحة الدولية.
ومن الطبيعي التسليم بتفوق عملياتي تتمتع به حاملة الطائرات الاميركية والقطع البحرية الاخرى المرابطة في القواعد العسكرية المنتشرة في دول الخليج على سلاح البحرية الايراني المتواضع. فحاملات الطائرات الاميركية الاخرى لن تقدم على دخول الخليج بل سترابط خارج مياهه الاقليمية بغية شن عملياتها الهجومية من هناك، واقامة منطقة آمنة للملاحة. وستنضم الفرقاطات والمدمرات الاميركية الى القطع البحرية لدول الخليج لحماية الملاحة البحرية، مصحوبة بحماية جوية، بينما تقوم كاسحات الالغام بتمشيط المضيق وضمان سلامة الملاحة البحرية. كما وستقدم طائرات الاواكس على مراقبة حركة الملاحة واشعار سلاح الجو بأي حركة للسفن الايرانية بغية زرع الالغام او التوثب لشن هجوم على احدى القوافل البحرية. وستسخدم فرق من القوات الخاصة لتفتيش السفن.
ويشكل هذا السيناريو نقيضا للاستراتيجية الايرانية المفضلة للاشتباك، اذ ان الزوارق الصغيرة تبقى هدفا سهلا لاصطيادها من الجو علاوة على ان انشاء منطقة ملاحة آمنة في الخليج سيحرمها من حرية حركتها واستهدافها للناقلات. وغير ذلك، لا يبقى متاحا لايران الا مغامرة عالية المخاطر لدخول المنطقة الآمنة بقوة واطلاق زخات من صواريخها المضادة للسفن بغية رؤية تمكن بعض الصواريخ والزوارق الاقتراب من القوافل. وتكلفة ذلك السيناريو عالية في العتاد والمجندين، علاوة على اتاحته الفرصة للدول الغربية شن هجمات انتقامية ضد ايران كما فعلت الولايات المتحدة في عقد الثمانينيات من القرن المنصرم في “عملية سجود مانتيس.”
وفي المحصلة، فان التهديد الايراني باغلاق مضيق هرمز مجرد تلويح وتهديد استعراضي. باستطاعة ايران مضايقة حركة الملاحة مؤقتا، بينما ينصب اهتمام سلاحها البحري للقيام بدوريات للزوارق السريعة ، والتي قد لا تصل مستوى استعراض وانخراط القوة اللازمة لاغلاق المضيق. وتجدر الاشارة هنا الى ان بعض مما ورد من تقديرات اعلاه يجري الترويج له من قبل مصادر مقربة من البنتاغون تعكس بعضا من رغباتها في التقليل من قدرات ايران الفعلية او في ممارسة الدعاية الاعلامية المضادة .
د.منذر سليمان / وكالة اخبار الشرق الجديد / 7/1/2012