أقلام وأراء

ملحم مسعود يكتب – الخليج في خطر …. وليس قطر

ملحم مسعود * – 21/7/2018

عاش جيلنا وكبر , وترعرع على وقع الوحدة والإتحادات وما بينهما , منذ أولى سنوات المدرسة وقبل أن نتعلم أي شيئ من الحياة وقبل أن نتعلم حتى كتابة الحروف الأبجدية والأرقام كنا نحفظ و نردد وننشد كلمات  طبعت في أذهاننا منذ الصغر: بلاد العُرْب أوطاني … وكل العُرْب إخواني

من قصيدة الشاعر السوري الثائر ضد الإنتداب الفرنسي آنذاك محمد فخري البارودي ، والذي دعا من خلالها إلى وحدة الصف العربي ضد كل أشكال العبودية والإستعمار والظلم وأننا أمة واحدة !!!!

بلغة واحدة وديانة واحدة ودماء عربية واحدة , فخري البارودي عندما كتب هذه القصيدة قبل عشرات السنين لم يدري أنه سيأتي زمن لن تكون بلاد العرب كلها أوطاني .. ولن يكون كل العرب إخواني وأن كل شخص منا سيعيش وحيدًا ويموت وحيدًا وأن الكراسي ستفرقنا كذلك المصالح والطمع والحسد في البترول والغاز…. سنتشتت وسيُمزّق جسد عروبتنا.

كنت في رحلة مدرسيىة ستبقى في ذاكرتي حية لأنها الرحلة الأولى ….وإلى القاهرة ….عاصمة الكنانة وزادت فرحتي وأنا أراها فرحة , مبهجة , متلألة —– وذلك في فبراير من عام 1958 حيث أعلنت دولة الوحدة  ” الجمهورية العربية المتحدة  ”  بين مصر وسوريا …. والباقي معروف.

عاش نبض الشارع العربي في الخمسينات والستينات من القرن الماضي  على وقع الوحدة …. والإتحادات وما أكثرها في ذلك الزمان , لكن إرتجاج الأنظمة هنا وهناك , لم تسعفنا لنرى تجربة حقيقية عاشت وأينعت ,  كما رأينا في تجارب اخرى طموحة ومدروسة لشعوب اخرى أوروبية وغيرها…. ويا أمة ضحكت من جهلها الأمم …. ( كما قال المتنبي )

في هذه الأجواء لاحت في الافق وبدات تتبلور فكرة تعاون وتنسيق بين دول  خليجية بمبادرة من امير دولة  الكويت  جابر الأحمد الصباح عام 1976. وكما هو معروف وبعد جهد طويل ,وفي 25 مايو 1981م توصل قادة كل من دولة الإمارات ، و البحرين ، والسعودية ، وسلطنة عمان ، وقطر ، والكويت في اجتماع عقد في ابوظبي إلى صيغة تعاونية تضم الدول الست تهدف إلى تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين دولهم في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها ،  وأكدت أيضا على تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون بين مواطني دول المجلس . وجاءت المنطلقات واضحة في ديباجة النظام الأساسي التي شددت على ما يربط بين الدول الست من علاقات خاصة ، وسمات مشتركة ، وأنظمة متشابهة أساسها العقيدة الإسلامية ، وإيمان بالمصير المشترك ووحدة الهدف ، وان التعاون فيما بينها إنما يخدم الأهداف السامية للأمة العربية والنظام .

بدت ذلك الوقت أنها تجربة واعدة , وربما الأكثر ثباتا وإستمرارية ,  من تجارب عربية سابقة رغم  ” المطبات ”  التي لم يكن سهلا إخفائها أمام المراقبين والمتابعين  ” التي أمكن تجاوزها ولو إلى حين  ”  لهذا التكتل  والأول من نوعه في المنطقة .

إستمرت التجربة الخليجية واعدة إلى أن وصلت على ما هي  عليه اليوم , إلى حد الصعوبة في تجاوز إمكانية التسوية أو التوافق…. في الحالة القطرية , وهل عجزت المؤسسة طوال هذه السنوات إدراك توجهات الريح لتصل إلى ما نحن عليه الآن ؟؟؟

وهل نسى القائمون عليها دروس التاريخ العديدة مثل :  حروب الأندلس التي  أنهت ألأندلس , والعباسيون والأمويون إنهاروا تحت حروبهم …الخ من النكبات والنكسات  والكبوات العربية.

داهمتنا الأحداث من حيث لا ندري … متسارعة بهذا الشكل وهذه الصيغة لفرض “حصار ….  “… وأي حصار …. حصار الإخوة …. على قطر إحدى دوله الصغيرة الفاعلة والحاضرة  …. ماذا نقول اليوم  لأعداء العرب والمسلمين الذين يحصارون الأراضي الفلسطينية منذ سنوات , والتنديد بهم في المحافل الدولية …. وأستمر  “حصار الإخوة ” لدولة قطر أكثر من سنة على هذا الحال  لنتساءل أخيرا  من يحاصر من ؟؟؟؟  

إن ” القصف ” الإعلامي الأسود لم يتوقف بل  يزداد سوءا , وعبثا , وتبادل التهم لم تتوقف , كالنفخ في الرماد , والتنبيش عن أشياء في لا شيء ….

وإذا استغاب أخو الجهالة عالماً *** كان الدليل على غزارة جهله

وإستمرت محاولات تحجيم وتعقيد  إندفاع الدولة الصغيرة قطر  … التي أرادت تثبيت موقعها وطموحاتها المشروعة في المنطقة والعالم , ضمن رؤيتها الواضحة , منسجمة مع جغرافيتها  وتاريخها , في إطار العالمية والتي قدمت وتقدم من ثروتها وإمكانياتها الكثير في مشاريع إقليمية وعالمية تفيد البشرية , وغدت مركزاعالميا للعلم والأبحاث والدراسات والمؤتمرات…ودون التقليل من عطاءالآخرين … والنتيجة أصبحنا جميعنا خاسرين .

إننا نتمنى للخيمة الخليجية حوارا انفع وأبقى ولا تتوقف ,  رغم الثقوب الكثيرة التي حلت بها… الأمر الذي يتطلب من الجميع  مراجعة جدية  ,  وأن يترك كل فريق كبرياءه خارج خيمة الحوار …. ونحيي ونبارك المبادرات والمحاولات  الدؤوبة والجادة , التي قام بها امير دولة الكويت ولم تتوقف , بما له من تجربة سياسية ودبلوماسية كبيرة , وإدراكه ووعيه لخطورة ما يحدث من تداعيات هذه الأزمة ,  وإنعكاساتها على الخليج  ودول المنطقة وشعوبها واكثر .

إن  المسألة القطرية , لم تعد أزمة قطرية بالمفهوم العادي  , حيث تجاوزتها قطر أكثر واسرع  مما ظنه البعض , إنها  أصبحت أزمة  الخليج ووحدته وإستقراره ومستقبله  ,و قضيتنا جميعا …. ولا إصطفاف مع الإخوة ضد الإخوة  …. وما زالت آمالنا معقودة على تجربة الإخوة في الخليج مما يعزز القدرات العربية في مواجهة التحديات المحدقة بها ومن حولها

وهنا يجدر الإشارة إلى أهمية تصريحات والدة أمير قطر الشيخة موزة بنت ناصر وهي ناشطة وحاضرة وفاعلة فرضت إحترامها على القاصي  والداني  لمجلة ” باري ماتش ” الفرنسية على سبيل المثال :دول الحصار حاولت التفريق بين الشعوب الخليجية ولكنهم لم ينجحوا وأنه حتى لو فرضوا علينا حصارا فلن يستطيعوا محو جيناتنا .وعن السعودية، قالت: “لدينا تاريخ طويل مع السعودية، هناك علاقات مصاهرة بيننا.. ومنطقتنا تعيش في شكل قبائل حتى إنه في وقت ما لم يكن بيننا حتى حدود، ويعيش أفراد من عائلاتنا في السعودية والبحرين والإمارات”.

وشددت على  أنه “لا يمكن إنهاء هذه العلاقات بين عشية وضحاها، حتى لو فرضوا حصارا”…. كذلت قالت “في يوم ما ستتضح الحقيقة.. لدينا تاريخ طويل مع السعودية، هناك علاقات مصاهرة بيننا.. ومنطقتنا تعيش في شكل قبائل حتى إنه في وقت ما لم يكن بيننا حتى حدود ويعيش أفراد من عائلاتنا في السعودية والبحرين والإمارات”.

ومن ضمن نشاطاتها وخلال كلمة في افتتاح النسخة الثامنة من مؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم “وايز 2017”: قالت “تُحاصر قطر منذ الخامس من يونيو الماضي في وقت أراده البعض أن يكون صعباً علينا وما كانت صعوبته إلّا عليهم، وقد أرادوا أن نتغير ونغيّر نهجـنا وما تغيّرنا وما غيّرنا”

يبدو أننا في حاجة للدبلوماسية الناعمة أيضا  …. لأن الخليج في خطر وليس قطر.

*ملحم مسعود – أول معتمد للثورة الفلسطينية في قبرص واليونان

أثينا 21.7.18

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى