أقلام وأراء

مكرم محمد أحمد يكتب – لا أمل ولا سلام بدون أُفق سياسي للقضية الفلسطينية

بقلم  مكرم محمد أحمد 17/11/2018

يبدو أن توصل إسرائيل وحماس بمساعدة أساسية من مصر إلى العودة إلى تفاهمات الجرف الصامد عام 2014، واتفاقهما بعد يومين من الاشتباكات الدامية على قرار شامل بوقف إطلاق النار في قطاع غزة، لم يحظ بمساندة وزير الدفاع الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان الذي سارع إلى تقديم استقالته والانسحاب بحزبه من تحالف الليكود الحاكم، وفتح الباب أمام أزمة سياسية عميقة في إسرائيل سوف يترتب عليها يقيناً سقوط تحالف الليكود والذهاب إلى انتخابات برلمانية مبكرة، يأمل رئيس الوزراء نتنياهو في كسبها ليعود مرة أخرى إلى حكم إسرائيل على حين يستعد وزير الدفاع المستقيل لمنافسة نتنياهو في الانتخابات المبكرة على منصب رئيس الوزراء لاعتقاده ان نتنياهو بات ضعيفا يمكن هزيمته هذه المرة..

وبرغم أن تفاهمات الجرف الصامد التي توافق عليها كل من حماس وإسرائيل تؤكد الوقف الشامل لإطلاق النار، وفتح المعابر إلى قطاع غزة لدخول البضائع، وتوسيع منطقة الصيد في القطاع، ونقل المساعدات الطبية إلى غزة، والبدء في إجراء مباحثات لإقامة ميناء ومطار يخدمان القطاع، إلا أن قليلين فقط هم الذين يعتقدون أن الجانبين، حماس وإسرائيل، يمكن أن يحافظا على تهدئة شاملة طويلة الأمد دون أُفق سياسي واضح يقود إلى دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وأن الأمر لا يعدو أن يكون مخاطرة تكتيكية من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، لان وقف إطلاق النار الذي تم بالفعل أثار غضب سكان البلدات الإسرائيلية في محيط غزة فضلاً عن قطاعات واسعة من الرأي العام الإسرائيلي تعتقد أن القرار غير مبرر, ويعكس تراجعاً سريعاً من جانب حكومة نتنياهو.

والواضح من التسريبات التي خرجت من اجتماع مجلس الوزراء المصغر الذي بحث قرار وقف إطلاق النار، أن قراراً بالإجماع لم يصدر عن المجلس المصغر كما لم يحدث اي تصويت على القرار، وأن عدداً من الوزراء غير وزير الدفاع اعترضوا على القرار، في مقدمتهم نفتالي بينيت وزير التعليم ورئيس حزب البيت اليهودي, وأن رئيس الوزراء نتنياهو لقي خلال الاجتماع الذي استمر 6 ساعات مساندة كاملة من قادة جميع الأجهزة الأمنية الذين حضروا الاجتماع وبينهم رئيس الشاباك، وأكدوا بوضوح أنه لا يوجد مبرر لخوض الحرب الآن في غزة حتى بعد إطلاق 460 صاروخاً وقذيفة هاون من داخل القطاع خلال يومي الاشتباكات.

والواضح أيضاً من التسريبات أن رئيس الوزراء الإسرائيلي أكد خلال الاجتماع أن القيام بعملية برية في غزة الآن سوف تكلف إسرائيل ثمناً باهظاً لغياب عنصر المفاجأة كما أنها سوف تزيد الموقف تعقيداً، وسوف تكون ردود أفعالها في مصر غضباً شديداً ينبغي تجنبه، وثمة مخاوف اخرى عبر عنها نتنياهو من ألا يكون هناك من يتولى السلطة في غزة إن قامت إسرائيل بإبعاد حماس!، فضلاً عن أن العملية في غزة سوف تشوشر على جهوده لتحسين صورة إسرائيل في منطقة الخليج.

ويبدو من ردود أفعال الرأي العام الإسرائيلي أن نتنياهو يتعرض لغضب قطاعات واسعة من الوسط واليسار إلى حد أن صحيفة (هاآرتس) قالت في مقال افتتاحي, إن وقف إطلاق النار الذي علم به الإسرائيليون كالمعتاد من الإعلام الفلسطيني يشكل تراجعا إسرائيليا سريعا أمام حماس، وأن المؤيدين الأقوياء والمخلصين لنتنياهو الذين هم على استعداد لأن يغفروا له كل شيء، ابتداء من الشبهات بتلقيه رشاوي وهدايا، إلى الزوجة الجشعة المتهمة بالاحتيال على الأموال العامة، والابن صاحب الفُم القذر، ورضوخه المعتاد للحريديم المتطرفين الدينيين اليهود لكن هؤلاء الأصدقاء لا يستطيعون استيعاب قراره بقبول وقف إطلاق النار الذي أغضب سكان مدينة سدروت ,الذين أطلقوا فى مظاهرتهم الأخيرة رسالة واضحة مفادها, أنهم مستعدون لدفع الثمن إذا خرجت إسرائيل لعملية عسكرية واضحة تستهدف وقف إطلاق القذائف الصاروخية القادمة من غزة لكنهم ليسوا على استعداد لأن يقبلوا رداً إسرائيلياً ضعيفاً، يعني أن الوضع يمكن أن يتكرر مرات ومرات. والواضح أن غياب أُفق سياسي لعملية وقف إطلاق النار يثير مخاوف غالبية الفلسطينيين والإسرائيليين من احتمالات أن يتكرر الأمر مرات ومرات لغياب أُفق سياسي يجدد الأمل في إمكان قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية تعيش في أمن وسلام إلى جوار إسرائيل، رغم إصرار مصر على أن ذلك هو الطريق الصحيح والوحيد إلى تسوية سلمية لأزمة الصراع العربي الإسرائيلي تبقى وتستمر.

والأمر المؤكد أن بقاء تحالف الليكود في الحكم بعد استقالة وزير الدفاع ليبرمان يكاد يكون مستحيلاً خاصة مع حملته الشديدة على نتنياهو، واتهامه بالاستسلام وشراء الهدوء قصير الأمد بثمن باهظ على حساب أمن إسرائيل على المدى البعيد، ورغبة ليبرمان الجارفة في أن ينافس نتنياهو على منصب رئيس الوزراء، وثمة ما يشير ايضا إلى أن مصادر مهمة في حزب الليكود ترى أنه لا معنى لاستمرار ولاية الكنيست والحكومة بعد الذي حدث، وليس أمام رئيس الوزراء سوى تحديد موعد مبكر للانتخابات، ويزيد من هذا الاحتمال توقع أن يعلن وزير التعليم ورئيس حزب البيت اليهودي نفتالى بينيت استقالته في أي لحظة خاصة أنه كان أحد المعارضين لوقف إطلاق النار، ومن المؤكد أنه كان يطمح في أن يتولى مسئولية وزارة الدفاع خلفاً لأفيجدور ليبرمان لكن نتنياهو قطع الطريق عليه، عندما أعلن أنه سيتولى حقيبة وزير الدفاع بشكل فوري عقب استقالة ليبرمان.

ثم جاءت تصريحات عضوة الكنيست شولى معلم من حزب «البيت اليهودي» لتقطع الشك باليقين، عندما أكدت أن رئيس الحزب نفتالي بينيت يستحق تولى حقيبة الدفاع عقب استقالة ليبرمان، وبدون حصول حزبها على حقيبة الدفاع لن يواصل الحزب بقاءه في الحكومة، وإثر هذا الإعلان أكد المحللون الإسرائيليون أن تحالف الليكود الحاكم الذي يستند إلى 61 عضواً في الكنيست, ويعتمد على فارق صوت واحد سيواجه صعوبات ضخمة ولن يستطيع تمرير القوانين في الكنيست، ومن ثم فإن إجراء إنتخابات مبكرة يكاد يكون الحل الوحيد الصحيح.

والحقيقة أنه لم يعد باقياً من تحالفات الأحزاب الإسرائيلية من يرى استمرار حكومة الليكود، بعد أن أعلنت كتلة «ميرتس» أنها سوف تتقدم للهيئة العامة للكنيست الأسبوع القادم باقتراح قانون لحل الكنيست وعقد انتخابات مبكرة، كما دعت رئيسة المعارضة تسيبي ليفني رئيس الوزراء إلى حل الحكومة والذهاب إلى انتخابات مبكرة.

وكتبت هاآرتس أن الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة أعلنت أنها استجابت لجهود الوساطة المصرية ووافقت على وقف إطلاق النار مع إسرائيل، وفي بيان مشترك قالت الفصائل إنها ملتزمة بقرار وقف إطلاق النار مادامت أن إسرائيل لا تنتهك القرار، بينما قال مصدر سياسي إسرائيلي أن حماس أرسلت عبر أربعة وسطاء طلبات إلى إسرائيل بوقف إطلاق النار من الأمم المتحدة ومصر والنرويج وسويسرا، كما أعلنت حماس في بيان لها أنها تشكر وتقدر الجهود المصرية والدولية والأدوار التي لعبها النرويجيون وقطر في تحقيق وقف إطلاق النار.

وعلى الجانب الإسرائيلي قال الوزير يواف جلائط، «إنه ليس هناك ما يستدعي اختلاق بطولات زائفة، لقد وافق كل الوزراء في المجلس المصغر على وقف إطلاق النار، وانحصر الخلاف بينهم حول الخطوات المستقبلية في قطاع غزة، لكننا على يقين من أننا سنصل أخيراً إلى معركة واسعة وفقاً لشروطنا وليس شروط حماس، وعلينا كإسرائيليين أن نضبط أنفسنا إلى أن تحين اللحظة المناسبة».

ودعت مجموعات واسعة من الإسرائيليين إلى التظاهر في تل أبيب احتجاجاً على وقف إطلاق النار ورفضاً للتهدئة مع قطاع غزة، كما تبادل بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع المستقيل الشتائم، كل منهما يتهم الآخر بالكذب على حين يتهم وزير التعليم بنيت الاثنين بالكذب في عملية ردح لم تصل أبدا إلى مستوى هذا الانحطاط. وفي تطور أخير، أعلنت قيادة الجبهة الداخلية فى إسرائيل عن رفع جميع القيود المفروضة على البقاء في مناطق مفتوحة أو في المناطق المحمية المحيطة بقطاع غزة، كما أعلنت بلدية بئر سبع ومجلس أشكول عن استئناف الدراسة في المدارس ومؤسسات التعليم العالي، وبرغم الدعوات المحمومة إلى مظاهرات كبيرة في تل أبيب احتجاجاً على موقف نتنياهو المتخاذل.

ينتاب الجميع إحساس بالقلق والخوف من القادم، ولهذا تجىء تأكيدات مصر المستمرة ضرورة التوافق على أُفق سياسي لحل الصراع يقوم على حل الدولتين، ومع الأسف لم تجرؤ أي من القوى السياسية في إسرائيل أن ترفع عقيرتها للمطالبة بقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية للخروج من دائرة الاستنزاف المتبادل للطرفين، وعلى حماس أن تعرف أن هذه المكاسب التكتيكية لن تمكنها من قيام الإمارة الإسلامية في قطاع غزة، ولن تمكنها من الخلاص من سيطرة إسرائيل على القطاع، وأن أي تقدم حقيقي في القضية الفلسطينية رهن بوحدة الصف الفلسطيني قبل أي شيء آخر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى