مقال بقلم هاني المصري فيّاض الدّعمُ الكامل أو الاستقالة
بقلم هاني المصري – الايام – 6/11/2012
لوّح رئيس الحكومة سلام فيّاض بالاستقالة، وطالب بتشكيل حكومة فصائليّة تشارك فيها القيادات على أعلى مستوى لمواجهة تداعيات المرحلة القادمة، خصوصاً إذا ما حصل الفلسطينيون على دولة مراقبة ولم ينصاعوا للتهديدات الأميركيّة والإسرائيليّة. فماذا وراء هذا التهديد بالاستقالة؟ لم يعد خافياً أن فيّاض غاضب جداً على فصائل المنظمة، وخصوصاً “فتح”، التي من المفترض أنه رئيس حكومتها، وذلك بعد الاحتجاجات الشعبيّة وما رافقها من شعارات وانتقادات كبيرة وجهت ضد حكومته على خلفيّة ارتفاع الأسعار وتأخر صرف الرواتب. فيّاض يخشى من تكرار هذه الاحتجاجات والانتقادات وتوسعها على خلفيّة احتمال اتساع الأزمة الاقتصاديّة إذا ما نفذت الإدارة الأميركيّة والحكومة الإسرائيليّة تهديداتهما بقطع العلاقات مع السلطة، ووقف تحويل المساعدات والعائدات الجمركيّة. رسالة فيّاض لفصائل المنظمة: الدعم الكامل لحكومتي، أو الاستقالة، وما يمكن أن ينجم عنها من زيادة الموقف تدهوراً. هل ما سبق يعني أن التهديد بالاستقالة جديّ؟، لا أعتقد ذلك، خصوصاً بعد نفي فياض لتقديمها، وبعد الأنباء التي ترددت بأن الرئيس اتفق مع رئيس حكومته على تأجيل البحث في الأمر إلى ما بعد الحصول على الدولة المراقبة. لو أراد فيّاض الاستقالة لاستقال بعد توقيع اتفاق المصالحة، أو بعد “إعلان الدوحة”، الذي تضمن الاتفاق على تشكيل حكومة وفاقيّة برئاسة الرئيس، الأمر الذي أعطى رسالة سيئة إلى فيّاض بأنه غير مناسب في مرحلة الوفاق، بما يصوره وكأنه عنوان من عناوين الانقسام. صحيح إن فيّاض طرح فكرة الاستقالة أكثر من مرة، وأعلن أنه لن يكون عقبة أمام الوحدة، ولكن هناك فرقاً شاسعاً بين التهديد بالاستقالة أو الاستعداد لها والاستقالة فعلاً. أنا في تقديري – وكل تقدير يحتمل الصواب والخطأ- إن فيّاض لن يستقيل بسهولة، لأنه طموح وصاحب مشروع، ويرى بأن مشروعه هو اللعبة الوحيدة في المدينة. إن ما ساعد فيّاض على القيام بطرح رؤية متكاملة تضمنت التهديد بالاستقالة هو معرفته أن حاجة الرئيس و”فتح” إليه قد ازدادت بعد ابتعاد هدف تحقيق الوحدة، وفي ظل تفاقم الأزمة الاقتصاديّة التي تمر بها السلطة والمرشحة للاتساع كما أسلفنا. وتأكد ما سبق من خلال أن نتائج الانتخابات المحليّة أثبتت أن حجم الفصائل، باستثناء “فتح”، متواضع، ومفترض وفق فياض أن لا يسمح لها بالتنطح للتصدي للحكومة التي معظمها تشارك فيها، فلا يمكن أن تكون الفصائل مشاركة في الحكومة ومعارضة لها في نفس الوقت. أما “فتح”، فصحيح أنها على العموم فازت في الانتخابات، ولكن فوزها أشبه بهزيمة المنتصر، لأنه جاء من دون منافسة حقيقيّة، وفي ظل تغلب عدة قوائم محسوبة أو غير محسوبة على “فتح” على قوائمها في الانتخابات في مدن كبيرة، مثل رام الله ونابلس وجنين، كما أن نسبة المشاركة في المدن مقلقة، وتستحق الوقوف أمامها ودراسة أسبابها والعمل على علاجها. إن المقاطعة للانتخابات لا تعود أساساً للتجاوب مع مطالبة “حماس” بها، لأن حجم “حماس” كما تشير كل الاستطلاعات لن يتجاوز الـ20% في أحسن الأحوال، وإنما تعكس نوعاً من الإحباط العام في ظل انسداد الأفق السياسي، والأزمة الاقتصاديّة، وفقدان الثقة بالمستقبل، وبالقيادة والفصائل والأحزاب على اختلاف أنواعها، ودون تمييز بين “فتح” و”حماس” أو غيرهما. إضافة لما تقدم، فيّاض أصلاً غير متحمس لفكرة الذهاب إلى الأمم المتحدة، بالرغم من اعترافه بأنها حق للفلسطينيين، في ظل المعارضة الأميركيّة والإسرائيليّة ومن بعض البلدان الأوروبيّة الهامة، على أساس أن الحصول على الدولة المراقبة لن يضيف شيئاً جديداً نوعياً لما يوجد لدى الفلسطينيين، وسيسبب أضراراً فادحة، قد لا يمكن السيطرة على تداعياتها. ما دام الأمر كذلك، ما الذي أدى إلى تجميد استقالة فيّاض؟ أولاً. إنها ليست استقالة، وإنما تهديد بها، وفيّاض نفى مباشرة للرئيس وعبر المتحدث باسمه أن يكون قد استقال. ثانياً. هو أرسل الرسالة التي أرادها للفصائل، وهي أنها إذا كررت الانتقادات لحكومته فإنه سيستقيل، ويضع المهمة في حجرها، بما يجعلها تواجه الموقف المتأزم والمعرض للتفاقم من دونه. وما يعزز موقف فيّاض أن خطوة التوجه إلى الأمم المتحدة، بالرغم من أن شهر تشرين الثاني قد بدأ، لا تبدو أنها محسومة تماماً، مع أن الرئيس أصبح الآن أكثر تصميماً على الذهاب إلى الأمم المتحدة (بالرغم من نصائح معظم المقربين منه) بعد موجة الانتقادات العارمة لتصريحه الأخير عن حق العودة، وموقفه الشخصي حول حقه في الزيارة لا العودة إلى مدينته صفد، وبالرغم من معارضة دول عربيّة وأوروبيّة عديدة، كان بعضها مثل فرنسا مع التوجه بشروط العام الماضي، وأصبحت ضده في كل الأحوال في هذه المرحلة. المعارضون لتقديم مشروع القرار الآن في الأمم المتحدة يرون بأن الفلسطينيين انتظروا كثيراً، وبمقدورهم أن ينتظروا حتى الانتخابات الإسرائيليّة التي ستعقد في كانون الثاني المقبل، لاسيما إذا فاز باراك أوباما في الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة، لأن هذا الفوز يمكن أن يساعد الأحزاب الأقل تطرفاً في إسرائيل على الفوز، خصوصاً إذا عاد أيهود أولمرت إلى الحياة السياسيّة، وخاض الانتخابات بائتلاف يضم تسيبي ليفني وكاديما وعناصر أخرى، حيث أشارت الاستطلاعات بأن لدى مثل هذه القائمة فرصة للتغلب على تحالف نتنياهو – ليبرمان، فلا يزال الوهم حول المفاوضات، بالرغم من كل ما جرى، قائماً. إن الحصول على العضويّة المراقبة يمكن أن يكون خطوة مهمة إذا جاءت ضمن إستراتيجيّة متكاملة، وإذا أُخذت الاستعدادات الضروريّة لها، أما إذا جاءت ردة فعل وضربة يأس فإنها يمكن أن تؤدي إلى دولة فلسطينيّة (دولة ليست عضواً) تحت الاحتلال تعود إلى التفاوض من دون شروط، بحجة أن المكانة السياسيّة والقانونيّة للفلسطينيين قد تغيرت، وهذا غير صحيح، فوضع الأراضي الفلسطينيّة عام 1967 أنها محتلة وفقاً للقانون الدولي، وإذا حصلت فلسطين على الدولة المراقبة، فستكون دولة مراقبة تحت الاحتلال. إن هذا يعزز الموقف الفلسطيني إذا جاء من مسار جديد، أما إذا عاد الفلسطينيون إلى المفاوضات بعد أو قبل أن تستنزفهم العقوبات الأميركيّة والإسرائيليّة، ومن دون مرجعيّة ولا وقف للاستيطان؛ سيكون حالهم أسوأ من وضعهم الحالي. فيّاض معه حق فيما يقوله ضمناً حول قيمة التوجه إلى الأمم المتحدة في ظل الانقسام الفلسطيني، والمعارضة الأميركيّة والإسرائيليّة له ومن بعض الدول الأوروبيّة النافذة، خصوصًا إذا فاز أوباما. ويعزز هذا الرأي أن بعض الدول العربيّة لا تؤيد هذه الخطوة، وأن الأنظمة العربيّة بشكل عام لا تعطي الأولويّة في هذه الفترة للفلسطينيين لانشغالها بما يجري في سورية، ومصر، وليبيا، وتونس، وما يمكن أن يجري في لبنان، والأردن، وبقيّة البلدان العربيّة من دون استثناء، في ظل عاصفة التغيير التي انطلقت ولم تهدأ حتى الآن. هذا صحيح إذا جاءت خطوة التوجه ضمن الإستراتيجية المعتمدة حتى الآن، أما إذا جاءت ضمن خطة إستراتيجية جديدة فما يقتنع به فياض خطأ، لأنه يجعلنا نسير في نفس الطريق الذي سارت فيه القيادة الفلسطينية منذ توقيع اتفاق أوسلو، وأوصل الفلسطينيين إلى ما هم فيه الآن، وهو كارثة بكل المقاييس. الفلسطينيون في الوضع الحالي، وبعد عشرين عاماً من المفاوضات، في أسوأ وضع من دون مفاوضات، بالرغم من أن التجربة أثبتت أن المفاوضات من دون أوراق قوة وتغيير موازين القوى لا تقود سوى إلى التنازلات من دون توقف، لدرجة المساس بحق العودة، كما لاحظنا في تصريحات الرئيس الأخيرة، وذلك من دون مقابل، بل مجرد محاولة فاشلة للتأثير على الرأي العام الإسرائيلي الذي لا يرى ولا يسمع بما يقوله أو يفعله الفلسطينيون، لأن درجة التهديد الفلسطيني لإسرائيل أصبحت صفراً، كما أشار أحد التقارير الإسرائيليّة الأخيرة. التنازلات في ظل الانقسام والضعف وفقدان الرؤية والثقة والإرادة تؤدي إلى المزيد من التنازلات وفتح شهيّة الإسرائيليين للمزيد من التطرف لا للاعتدال. والفلسطينيون حالياً أصبحوا من دون مقاومة بعد تعليق المقاومة بعد سيطرة “حماس” على غزة، حيث أصبحت الأولويّة عندها الحفاظ على سلطتها وتعزيزها، والحصول على الاعتراف والشرعيّة العربيّة والدوليّة بها، أما القدس وفلسطين فقضيّة مؤجلة إلى حين أن يقف المارد الإسلامي على قدميه، ويبدأ الزحف لتحرير فلسطين، وهذا يؤدي إلى تحويل قطاع غزة إلى سلطة مستقلة، بما يعمق الانقسام ويحوله إلى انفصال. ولم ينفع التركيز على بناء المؤسسات، بل أظهر الضحيّة وكأنها مسؤولة عن استمرار الاحتلال، لأنها غير جديرة ولا تملك المؤسسات المؤهلة، ووضعت الفلسطينيين في اختبار لإثبات الجدارة مفتوح حتى إشعار آخر. كما لا ينفع التوجه إلى الأمم المتحدة إذا جاء استمراراً للإستراتيجية المعتمدة، ولن تنفع الدعوة إلى انتخابات من دون غزة، لأنها ستقود إلى تكريس الانقسام وتحويله إلى انفصال، خصوصاً في ظل تعزز سلطة “حماس” عربياً وإسرائيلياً ودولياً. لا بديل من مسار جديد، وإستراتيجيّة متكاملة، وإذا لم تقدر القيادة والفصائل على المبادرة إليها، فعلى الأقل لا تكون عقبة أمام بلورتها.