أقلام وأراء

مقال بقلم نواف الزرو : التشخيص الاستراتيجي لمعهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي..!

بقلم: نواف الزرو  – 8/11/2012

 ربما تكون شهادة اسرائيلية أحيانا في قضية معينة، أقوى وأبلغ ألف مرة من مئة شهادة فلسطينية أو عربية، خاصة فيما يتعلق ببعض عناوين الصراع، وعلى نحو خاص بما يتعلق بعملية المفاوضات والسلام، ففي الوقت الذي لا يجد الفلسطينيون والعرب خيارا سوى خيار السلام، تجمع المؤسسة الأمنية العسكرية السياسية الحزبية الاسرائيلية، على عبثية المفاوضات واستحالة السلام مع الفلسطينيين، بينما يفترض منطقيا أن تكون الصورة معاكسة تماما، اذ على الفلسطينيين والعرب أن يستخلصوا استحالة السلام مع كيان غاز مغتصب.

تصوروا ..!

السلام مستحيل من وجهة نظر صهيونية، هذا ما تؤكده دراسة صادرة عن معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي التابع لجامعة تل أبيب، وتقول: “إن التوصل إلى سلامٍ مع الفلسطينيين في المستقبل المنظور هو من رابع المستحيلات، ذلك لأن المجتمع الفلسطيني ليس مستعدا بعد للتخلي عن الهدف المشترك لجميع الدول العربية وهو الذي كان قائمًا حتى قبل تأسيس الدولة العبرية: منع دولة يهودية، والآن القضاء عليها”، فهل هناك ابتزاز بعد هذا الابتزاز…؟ وهل هناك وقاحة بعد هذه الوقاحة؟

وتقترح الدراسة على صنّاع القرار في تل أبيب من أجل السلام في المستقبل عدة اقتراحات، منها: رفض إسرائيل، رفضًا قاطعًا، الادعاء الفلسطيني بأنه لا توجد صلة تاريخية قديمة بين الشعب اليهودي و”أرض إسرائيل”، والتأكيد على أن الغرب، وتحديدًا أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، لا يرفض شرعية إسرائيل تحت أي ظرف من الظروف، أما الاقتراح الثالث فيؤكد شطب حق العودة من القاموس، وتأكيد قادة “اسرائيل” على أن “توطين اللاجئين”، يجب أنْ يتم خارج حدود الدولة العبرية، وترى الدراسة أنه تجب مناقشة الفلسطينيين حول حجم الأراضي التي يريدونها لإقامة دولة قابلة للحياة، (وهذا تضليل صارخ)، والاقتراح الأخير هو كي الوعي الفلسطيني بأن السلام ما زال بعيد المنال من جهة، ومن الجهة الثانية، التأكيد لهم على أنْ لا يفقدوا الثقة في إمكانية التوصل إلى سلامٍ مع الإسرائيليين. لكن الدراسة تقول مع أن الحقيقة الواقعة تؤكد “أن السلام ما زال بعيدا جدا، فعلى صناع القرار في تل أبيب أنْ يفحصوا جيدا هل الشعب الفلسطيني على استعداد لقبول سلامٍ مع إسرائيل ليس قائما على القضاء عليها، وبعد التحقق من هذه المسألة الحساسة جدًا-بحسب الدراسة- يجب على الحكومة الإسرائيلية ترتيب إستراتيجية جديدة للدفع باتجاه السلام مع الفلسطينيين”.

وتعترف الدراسة بأن ما أسمته بالتشخيص الإستراتيجي المعروض هنا لا يُثير التفاؤل، والسيناريو ليس إيجابيا، لكن المأمول هو أنْ ينشأ الجيل الفلسطيني الذي يقود شعبه بعيدًا عن الحروب، ولكن الدراسة تُشكك في وجود قيادات شابة على استعداد لأداء هذا الدور، ولفتت الدراسة أيضا إلى أن التشخيص الإستراتيجي المطروح في هذه الدراسة لا يُبشر بالخير للدولة العبرية، الأمر الذي يعني أنها ما زالت في وضع خطير، وربما سيزداد هذا الوضع سوءًا إلى حد كبير الأمر الذي سيجعل السلام مستحيلاً مع الفلسطينيين”.

ولم تكد استخلاصات هذه الدراسة الاستراتيجية تظهر لوسائل الاعلام، حتى عاجلنا استطلاع جديد للرأي العام الاسرائيلي، أجرته صحيفة هآرتس العبرية-2012/11/6-، تبين فيه أن 80% من الإسرائيليين لا يؤمنون بإمكانية التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين، في حين قال ثلثا المستطلعة آراؤهم إنه لا يوجد شريك فلسطيني لعملية السلام.

لا غرابة في ذلك..! فالاستراتيجية الصهيونية تقوم منذ بدايات الصراع، على كسب الوقت وبناء وتكريس حقائق الأمر الواقع الاستعماري التهويدي، وإحكام القبضة الأمنية العسكرية استراتيجيا على فلسطين والمنطقة، كما تسعى تلك الاستراتيجية تفاوضيا منذ بدايات عملية المفاوضات الى “خفض سقف الطموحات الفلسطينية”، وترفض “الجداول الزمنية والمواعيد المقدسة-الملزمة- في المفاوضات، وهناك إجماع سياسي اسرائيلي بين كافة الاحزاب المؤتلفة في الحكومة، وتلك التي خارجها على رفض الجداول والمواعيد، بينما تصر السياسة الاسرائيلية دائما على مواصلة المفاوضات…هكذا من أجل المفاوضات..وكسب الوقت…!

الى كل ذلك، ففي الوعي السياسي الصهيوني المبلور عبر الاجيال على مدى أكثر من ستة عقود من الزمن، فإن الصراع مع العرب وجودي ومفتوح، وإنه بدأ منذ أكثر من مئة عام، وقد يستمر مئة عام أخرى، حتى يستسلم العرب، ويعترفون بعجرهم عن تسلق الجدار الفولاذي الجابوتنسكي، والسياسات الصهيونية بنيت على ذلك، ولا تزال، فمن وجهة نظرهم “أن البحر هو البحر وأن العرب هم العرب”.

نعتقد أن على القيادات التي لا تزال متمسكة بوهم المفاوضات والسلام، ان تستيقظ من أوهامها، وان تقرأ بعمق هذا التشخيص الاستراتيجي لمعهد أبحاث الامن القومي الاسرائيلي، الذي تتبنى الحكومة الاسرائيلية توصياته بالكامل، كما عليها أن تبحث عن خيارات وادوات اخرى تحيي القضية الفلسطينية من جديد، وتعيدها على الاجندة العربية والدولية بقوة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى