ترجمات عبرية

مقالات وتقارير مترجمة من الصحافة الاسرائيلية ليوم 23-11-2012

 اسرائيل اليوم – من شلومو تسزنا وآخرين:23/11/2012

غانتس: “الواقع سيتضح بعد أن تترسب سحب الغبار../”القرار الاسلم”../

          انتهت حملة “عمود السحاب”، وساد الهدوء أمس، ولكن باستثناء قرار الطرفين وقف النار، فان تفاصيل الاتفاق بين الطرفين لا تزال محفوفة بالسر، وأحد لم يعلن ما هو بالضبط السبب لانهاء الحملة دون دخول بري.

          وتطرق وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان لذلك أمس فالمح قائلا: “لا يمكن تجاهل طلب الرئيس الامريكي ورؤساء دول الاتحاد الاوروبي الذين شكلوا ائتلافا دوليا وقف الى جانب اسرائيل”.

          يحتمل أن يكون بذلك تناول ما قاله الرئيس براك اوباما قبل بضعة أيام إذ قال: “توقع اسرائيل الا تطلق النار عليها هو شرعي تماما. اذا كان ممكنا تحقيق ذلك دون اجتياح بري، فهذا أفضل”.

          ومع ذلك فقد ادعى مصدر سياسي كبير أمس بان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لم يأمر بحملة برية خوفا من الغاء مصر لاتفاق السلام. وحسب هذا المسؤول، فان رسالة بهذه الروح نقلت الى نتنياهو عبر الوسيط الاسرائيلي الكبير الذي عمل مع القاهرة، رئيس الموساد تمير بردو. وجاء تأكيد لما قاله هذا المسؤول من جورج ميتشيل، المبعوث الامريكي الخاص السابق الى الشرق الاوسط. وتناول وزير الخارجية ليبرمان هذا الادعاء وقال: “هذا حقا غير دقيق على اقل تقدير. فهم لم يهددوا وهذا على الاطلاق ليس اعتبارا”.

          التهديد من القاهرة

          وسواء هددت مصر بالغاء الاتفاق أم لا، فقد وقفت القيادة السياسية أمس في الجبهة الاعلامية لتشرح لماذا اتخذ القرار الافضل من ناحية اسرائيل. “أعرف أنه يوجد مواطنون يتوقعون ردا أكثر حدة، ونحن نقدر هذا أيضا”، قال أمس رئيس الوزراء حين حل ضيفا على القيادة القطرية للشرطة. “نحن نختار، مثلما فعلنا في هذه الحملة، ان نقرر متى نعمل، ضد من نعمل وكيف نعمل. والان نحن نعطي فرصة لوقف النار. هذه هي الخطوة السليمة في هذا الوقت لدولة اسرائيل ولكننا جاهزون ايضا لامكانية الا يحترم وقف النار”.

          وأحصى نتنياهو انجازات الحملة بما فيها “الضربة الشديدة جدا لحماس وباقي المنظمات”. واضاف ان “الكثير من قادة الارهاب قتلوا، وصفينا الاف الصواريخ الموجهة نحو جنوب البلاد وتقريبا كل الصواريخ الموجهة الى مركز البلاد”.

          اما وزير الدفاع ايهود باراك فقال انه “اذا استؤنفت النار وهم لم يفوا بوعودهم، فسنضرب ضربات شديدة جدا. لن نسمح بمثل هذه الجولة في كل اسبوعين”. واشار باراك الى أنه رغم انه يبدو أن معظم الجمهور في اسرائيل فضل عملية داخل غزة، ولكنه أوضح: “لا ينبغي السماع للجمهور الاسرائيلي في هذه المواضيع. على القيادة أن تتخذ القرارات. لدى القيادة الادوات لرؤية كل الصورة ولديها المسؤولية والجدية اللازمتين. لم يحن الوقت للدخول واحتلال غزة. يحتمل أن نصل الى ذلك في المستقبل”.

          وأضاف ليبرمان: “واضح أن معظم الجمهور كان مع استمرار الحملة. انا فخور بالقيادة القادرة على اتخاذ القرارات المتعارضة مع مصلحتها الانتخابية. القوة ليست فقط في الضرب بل وايضا في ضبط النفس. هذه القصة في غزة تمت ولم تكتمل. واضح لي أنه في ظروف اليوم اتخذنا القرار الافضل الذي يمكن اتخاذه. لا يمكن اشراك الجمهور بكل الترددات”.

          وقال مصدر سياسي كبير أمس ان “اسرائيل حشدت شرعية أكبر للعمل في المستقبل”. وعلى حد قول هذا المصدر، فقد “نشأ ائتلاف دولي واسع دعم حق اسرائيل في العمل في غزة وشجع نار الصواريخ من غزة الى اسرائيل. لم ينشر اي بيان تنديد باسرائيل من الامم المتحدة أو من مجلس الامن رغم محاولات محافل عربية العمل على ذلك. ونشأ توثيق للعلاقة مع الادارة الامريكية. اسرائيل ومصر بقيادتها الجديدة، تعاونت بشكل ناجح كي تبقي الاحداث تحت السيطرة واحلال نتائج مرغوب فيها”.

          وفي الجيش الاسرائيلي أيضا بثوا على موجة مشابهة. فقد تجول رئيس الاركان الفريق بيني غانتس في جنوب البلاد وصرح امام وسائل الاعلام: “لقد تحققت أهداف الحملة واحدا واحدا. ووجه الجيش ضربة شديدة، حتى قاضية، لقدرات منظمات الارهاب في غزة الاستراتيجية”. وفي تناوله للمسألة التي تقلق الجميع اليوم كم من الوقت سيصمد الردع أشار غانتس: “لست نبيا ولست ابن نبي، ولكن النتائج ستثبت نفسها حين تترسب سحب الغبار”.

          هذا ولم تطلق امس نار نحو اسرائيل. اذا ما بقي الوضع على حاله هكذا حتى منتهى السبت، فستبدأ اسرائيل وحماس الاتصالات غير المباشرة لتحقيق تسوية برعاية مصرية وبضمانة امريكية.

————————————————-

هآرتس – مقال – 23/11/2012

كلينتون حذرت نتنياهو من انهيار السلطة

بقلم: باراك رابيد

بعد تهديد عباس بتسليم مفاتيح المقاطعة لنتنياهو في اليوم التالي للتوجه الى الامم المتحدة واجراءات اسرائيل العقابية، عادت كلينتون الى نتنياهو وحذرته من مغبة اجراءات متطرفة.

          حذرت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في محادثاتها في اسرائيل هذا الاسبوع من مغبة اتخاذ أعمال متطرفة ردا على التوجه الفلسطيني الى الامم المتحدة والتي من المتوقع أن يخرج الى حيز التنفيذ في 29 تشرين الثاني، كون الامر من شأنه أن يؤدي الى اسقاط السلطة الفلسطينية.

          بعد يوم من دخول وقف النار حيز التنفيذ في غزة، يتعين على اسرائيل أن تبدأ بالاستعداد للازمة القادمة التي قد تقع بعد ستة أيام – في 29 تشرين الثاني – في مقر الامم المتحدة في نيويورك. فرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (ابو مازن) سيرفع في حينه الى التصويت في الجمعية العمومية للامم المتحدة طلبه رفع مستوى مكانة فلسطين الى مستوى دولة مراقبة ليست عضوا كاملا في المنظمة.

          اذا جرى التصويت سيحظى الفلسطينيون باغلبية كبيرة من 150 دولة على الاقل من اصل 193 عضو في الامم المتحدة. ويتمثل التخوف في اسرائيل من أنه عندما يحظى الفلسطينيون بمكانة دولة، فانهم سيسعون الى الدخول كأعضاء في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي والى رفع دعاوى ضد اسرائيل، ولا سيما حول البناء في المستوطنات، الذي هو غير قانوني حسب القانون الدولي. وفي محاولة لردع ابو مازن، هددت اسرائيل بانها سترد باجراءات عقابية خطيرة ضد السلطة الفلسطينية.

          هذا والتقت وزيرة الخارجية كلينتون ليل يوم الثلاثاء في القدس برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وزير الدفاع باراك ووزير الخارجية افيغدور ليبرمان. وتركز الحديث في الاتصالات على وقف النار في قطاع غزة، ولكنه تناول ايضا التوجه الفلسطيني الى الامم المتحدة.

          وصباح يوم الاربعاء سافرت كلينتون الى رام الله والتقت برئيس السلطة محمود عباس (ابو مازن). وطلبت كلينتون من ابو مازن اعادة النظر في التوجه الى الامم المتحدة او على الاقل تأجيله الى ما بعد الانتخابات في اسرائيل.

          في اللقاء مع كلينتون وكذا في اللقاء مع الامين العام للامم المتحدة بان كي مون بعد وقت قصير من ذلك بدا ابو مازن مصمما على عدم التراجع عن التوجه الى الامم المتحدة. وقال لكلينتون ان من ناحيته “القطار غادر المحطة”. وحسب دبلوماسي غربي، قال ابو مازن للامين العام للامم المتحدة انه اذا عاقبت اسرائيل الفلسطينيين في اليوم التالي، فاني “سأدعو نتنياهو الى المقاطعة في رام الله واسلمه المفاتيح واذهب الى البيت”.

          وعادت كلينتون من رام الله الى القدس والتقت مرة اخرى بنتنياهو، باراك وليبرمان. وفي هذا اللقاء طرح التوجه الفلسطيني الى الامم المتحدة. وقالت كلينتون لنتنياهو انه يجب فحص كيف يمكن تعزيز ابو مازن في هذه الفترة، ولا سيما بعد الحملة في غزة، التي أدت الى تعزز حماس في الشارع الفلسطيني.

          واشار موظفان اسرائيليان كبيران ومسؤول كبير في الادارة الامريكية طلبوا عدم ذكر اسمائهم بسبب حساسية الموضوع، الى أن الرسالة الامريكية لاسرائيل كانت عدم تحطيم الاواني والتصرف بحكمة في اليوم التالي للتصويت في الامم المتحدة.

          “نحن نعتقد أنه يجب محاولة التقلص قدر الامكان للاضرار المحتملة من الخطوة الفلسطينية في الامم المتحدة”، قال المسؤول الامريكي. “خطوات متطرفة في اليوم التالي لن تجدي نفعا، بل ستفاقم الوضع فقط”.

          واشار موظف اسرائيلي كبير اطلع على اللقاء مع كلينتون الى أن وزيرة الخارجية الامريكية قالت لنتنياهو ان خطوات عقابية اسرائيلية حادة ستضعف فقط اكثر فأكثر السلطة الفلسطينية، الامر الذي لن يخدم المصلحة الاسرائيلية. وشددت كلينتون على أن خطوات مثل الغاء اتفاقات اوسلو أو تجميد أموال الضرائب الفلسطينية قد تؤدي الى مضاعفات خطيرة لدرجة انهيار السلطة الفلسطينية.

————————————————-

يديعوت – مقال – 23/11/2012

الحرب بدأت

بقلم: ناحوم برنياع

لم تُفض العملية العسكرية في قطاع غزة الى اتفاق فعلي وهذا الوضع مُنذر بتجدد الحرب بعد ذلك.

كتب لي صديق شاهد نتنياهو وباراك وليبرمان يُبشرون أول أمس بوقف اطلاق النار، رسالة قصيرة تقول: “كلامهم يُذكر بالايام الست ووجوههم بيوم الغفران”، وأصاب كبد الحقيقة. كان يفترض ان تخرج البشرى من أفواههم في الثامنة والنصف مساءا قبل البدء الرسمي للهدنة بنصف ساعة. وجاء عن ديوان رئيس الوزراء ان الاعلان تأخر لأنه يوجد ضغط كبير من مراسلين ومصورين يطلبون توثيق الحادثة. عند مدخل ديوان رئيس الوزراء لم يكن في ذلك الوقت أحد سوى عدد من المنتقين والحُراس. وتأخر الثلاثة لأن حماس استمرت في اطلاق القذائف الصاروخية على المنطقة كلها من أسدود الى بئر السبع. كان رئيس الوزراء يُعلن أننا انتصرنا وكان اعلانه يُقطع كل دقيقة بالصوت المعدني للقاريء: “صفارة الضوء الاحمر في منطقة اشكول، صفارة الضوء الاحمر في منطقة اشكول”؛ “فصفارة الضوء الاحمر في أسدود، فصفارة الضوء الاحمر في أسدود”، وهكذا دواليك.

لم يكن ذلك لذيذا.

نظر الوزراء الثلاثة الى الأمام. انتهت الحرب في الجنوب وبدأت حرب الانتخابات. ويحتاج كل واحد منهم الى موضعة نفسه والى صورة عنه تُحسن وضعه في نظر الناخبين. سيكون نتنياهو هو البالغ المسؤول الحازم لكن الحذر والمصمم لكن المرن والوطني لكن العالمي، أي والد الأمة؛ وسيكون باراك سيد الأمن وسيد اليقظة والشخص الذي كف بكلتا يديه قرارات خطيرة لحكومة يمينية؛ وسيكون ليبرمان هو الفعال. فهو سيعرض على الجمهور شخصية منقسمة، فهو باعتباره وزير الخارجية يؤدي دور الدبلوماسي ويمتدح بكلمات حارة مصر الاخوان المسلمين وامريكا اوباما ووزراء الاتحاد الاوروبي؛ وهو في نقاشات التسعة يؤدي دور الظهير الأيمن، ويدعو الى توسيع النشاط العسكري من غير ان يفهم لماذا وكيف، ومن غير ان يريد حقا لكن فقط من اجل جمع نقاط في جدالات سياسية ستأتي.

تأثر واحد من وزراء التسعة جدا بتصريحات ليبرمان المعتدلة بحيث بدأ يُسميه “ميتسي” لا في وجهه بالطبع بل من وراء ظهره.

اعتيد ان يُقال عن ليبرمان انه متطرف في العلن لكنه براغماتي في مباحثات مغلقة، وسلك هذه المرة سلوكا مخالفا. وكان شتاينيتس هو الذي انضم اليه. وفي مواجهة هذه البطارية وقف باراك ومريدور وبيغن ويعلون وانزاح نتنياهو الذي تبنى في بدء العملية التوقعات المحدودة والواقعية لباراك وقيادة الجيش الاسرائيلي العليا، انزاح الى اليمين بالتدريج. وقد علم ان الفرق بين الخطابة المتحمسة لوزراء الليكود وبين النتائج على الارض ستُعرضه لانتقاد من اليمين وسيخسر اصواتا لنفتالي بينيت من البيت اليهودي ومجموعة مستوطنيه. ولا يجوز له ان يظهر بمظهر من جُر وراء اهود باراك وهو الشخص الذي يحب الليكوديون كرهه.

نشك في ان نعلم ذات مرة هل كانت المباحثات بين الوزراء الثلاثة وفي حلقة التسعة حقيقية أو كانت تمثيلا. تناول الوزراء امكانية هجوم بري بجدية وتناوله الجيش الاسرائيلي بجدية. في يوم الثلاثاء اتجه رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أفيف كوخافي الى الجنوب وانتقل من لواء الى لواء للفحص عن الاستعداد الاستخباري قُبيل دخول القوات. وتغيرت الأوامر العسكرية من يوم الى آخر ومن ساعة الى اخرى احيانا، لكن بُذل فيها الكثير جدا مما يُبذل في الحرب النفسية. تم تجنيد 60 ألفا من قوات الاحتياط وهو ضعف ما تم تجنيده في “الرصاص المصبوب”. وكان يكفي تجنيد 15 ألفا لخداع حماس أو لخداع أنفسنا. وكان يوجد تشابه ما بين الاعداد لهجوم بري في غزة والاعداد لهجوم اسرائيلي على ايران: فقد صُب المال كالماء وتم العمل حتى النهاية لكن أحدا لم يؤمن بأن الهجوم هو الحل الصحيح. بين القتلى الاسرائيليين الستة في العملية قُتل ثلاثة براجمات صواريخ في اثناء نشر الجيش الاسرائيلي عند الجدار. لم تكن حاجة الى النشر وكانت الكلفة مُغضبة.

في يوم الجمعة في الساعة 3:50 بعد الظهر تلقى الوزير ايلي يشاي عضو التسعة إبلاغا من ديوان رئيس الوزراء ان عليه ان يسافر الى تل ابيب لمباحثة عاجلة. وأدرك يشاي ان الحديث عن حفظ الأرواح. وحصل على رخصة من الحاخام عوفاديا أن يُدنس حُرمة السبت. وفي 16:20 أمر مساعديه بأن يُعدوا له مكان مبيت في تل ابيب. وقبل ان يخرج هاتف ديوان رئيس الوزراء مرة اخرى وسأل هل ستُثار في المباحثة موضوعات خاصة. عارض يشاي من بدء العملية هجوما بريا وافترض ان هذا سيكون موضوع النقاش. أجابوه بـ لا، لن تكون موضوعات خاصة، وبقي يشاي في القدس.

المحور السني

كان التفاوض الذي تم في القاهرة متعدد الجنسيات، فقد كانت حماس من جهة وبازائها السلطة الجديدة الاسلامية في مصر. ومن وراء المصريين تركيا وقطر. وفي الخلف أعلى مستوى في الولايات المتحدة – الرئيس اوباما بمكالمات هاتفية لرئيس مصر مرسي ووزيرة الخارجية كلينتون. وفي المقابل رئيس الموساد الاسرائيلي تمير بردو، ورؤساء الاستخبارات المصرية هم شركاؤه ومن ورائه رئيس وزراء اسرائيل.

لم تحظ حماس قط بهذا التكريم حتى ولا في ايام التفاوض في صفقة شليط. حينما سيحللون في غزة قوائم الربح والخسارة سيُسجلون الاعتراف الدولي بالمنظمة وحاجاتها في قائمة الربح. فقد خرجت حماس من هذه الجولة قوية من جهة سياسية ويعترفون في الجيش الاسرائيلي بهذا ايضا، والسؤال أهذا جيد أم سيء بالنسبة لاسرائيل.

كان تفاوض ولم يكن اتفاق ويبدو انه لن يكون. التزمت اسرائيل بأن تجري في غضون زمن لم يحدد مباحثات مع مصر في حاجات حماس ومطالبها، فاذا ثبتت الهدنة فستضطر اسرائيل الى التخلي عن سياستها في المعابر وسيتم السماح باستيراد عدد من السلع التي يُحظر استيرادها الى غزة اليوم ويتم تليين الحصار. ويمكن ان يُغلق دائما كل ما يُفتح.

أدت مصر في الماضي دور وسيطة بين اسرائيل وحماس وستستمر في أداء هذا الدور في المستقبل، وكان التغير هو في العلاقات بين النظام المصري وحماس. فقد كان عمر سليمان وزير المخابرات المصرية يشتم في هدوء على مسامع مُحادثيه الاسرائيليين رجال حماس في غزة. وفرح بكل ضربة أوقعتها اسرائيل بهم وكان فرح مبارك أكبر. وكان يستطيع ان يندد علنا بعمليات اسرائيل العسكرية وان يحث الاسرائيليين في المقابل في لقاءات مغلقة على ضرب حماس أكثر.

انتهى هذا الامر. وكانت العملية في غزة أول امتحان للعلاقات بين النظام الجديد في مصر واسرائيل. لا توجد علاقة حميمة ولن تكون ولا يوجد غمز متبادل. فحكومة نتنياهو وحكومة مرسي تُداور الواحدة الاخرى في حذر، وتُداوران معا الادارة الامريكية.

شكلت الادارة الامريكية استراتيجية للشرق الاوسط تحاول ان تواجه نتائج الربيع العربي، فالهدف الآن بناء محور سني يواجه المحور المتطرف الشيعي الذي ترأسه ايران. والموضوع الساخن هو سوريا لا حماس. فامريكا تريد ان تفضي بمساعدة هذه الدول الى اسقاط نظام الاسد وان تضمن في الأساس ألا تسقط سوريا من بعده في أيدي جهات جهادية من النوع الذي ظهر في سيناء.

ان تركيا هي الشريكة الكبرى في المحور السني الى جانب مصر. وقد دُعي للانضمام اليه السعودية ودول الخليج والاردن والسلطة الفلسطينية وحماس مرشحة لتكون جزءا من هذا المحور. ان حماس أصبحت تبتعد عن ايران في السنة ونصف السنة الاخير – أو منذ كانت الثورة في مصر في واقع الامر، واستحثت العملية هذا السير. وستُثبت ايران منذ الآن موطيء قدمها في غزة مستعينة بمنظمة الجهاد الاسلامي وهي تنفق عليها 100 في المائة. وليس واضحا من أين ستحصل حماس على الصواريخ التي فقدتها، وليس واضحا كيف ستكون العلاقات بينها وبين الجهاد وكيف سترد مصر على هذه العلاقات.

كانت جهات في اسرائيل اعتقدت انه يجدر اجراء التفاوض من غير مصر.فالمصريون لم يعودوا وسطاء نزيهين، فهم أخوة لحماس، زعموا. وانتصر الموقف المضاد الذي قال إننا اذا تركنا مصر خارج الاتصالات فسندفع حكومتها الى ذراعي حماس وتوجد مظاهرات في الميادين وتنجر تركيا وقطر خلفها.

ان مرسي هو الوحيد الذي يستطيع الآن ان يزعم انه انتصر. فقد ثبّت مكانته باعتباره لاعبا اقليميا وشريكا للادارة الامريكية. وحسّن احتمالات حصوله على مليارات من الغرب. وبرغم أنه رعى حماس وبرغم انه لا يعترف باسرائيل ولا يتحدث مع حكومتها، فانه لم يُعرض نفسه للخطر بمواجهة مع اصدقاء اسرائيل في واشنطن، وهكذا فان مجموعة الضغط الاسرائيلية لن تمس به.

بقيت تركيا. لاسرائيل مصلحة واضحة في اعادة اصلاح العلاقات بها، وكلما كان ذلك أبكر كان أفضل. فهذا مهم بازاء القاهرة وبازاء واشنطن. وتوجد جهات غير قليلة في الادارة التركية معنية بالمصالحة وهي تُكثر من ارسال رسائل الى نظراء في اسرائيل.

ان مسودة الاتفاق موجودة، فقد صاغها المحامي يوسي تشحنوبر الذي مثل حكومة اسرائيل مع نظيره التركي وكان نتنياهو ينوي التوقيع عليها. قال واحد من العاملين في ديوانه انه تلقى في آخر لحظة استطلاعا للرأي بيّن ان أكثرية غالبة من الجمهور تعارض اعتذارا اسرائيليا فرفض نتنياهو التوقيع.

مسيرة سلام الآن

برهنت العملية بطريقة مؤلمة على تعلق اسرائيل العسكري والسياسي بالولايات المتحدة. وقد احتاجت اسرائيل للتعاون مع مصر الى اوباما الذي خصص جزءا كبيرا من رحلته التاريخية الى آسيا لمكالمات هاتفية مع الرئيس مرسي من اجل اسرائيل. وتطلب اسرائيل الآن مساعدة مالية خاصة للاستمرار في التسلح بمنظومة القبة الحديدية.

يصعب أن نسوي الجري الى امريكا – فقد أغرق نتنياهو اوباما بالمكالمات الهاتفية – مع تهديد اسرائيلي للهجوم على المنشآت الذرية في ايران برغم معارضة الولايات المتحدة. لأن دولة لا تستطيع ان تعالج حماس وحدها لن تتجرأ على ان تعالج وحدها قوة كايران في كبرها. وفهمت الادارة الامريكية هذا وفهمته ايضا الدول في المنطقة.

يدفعون ثمنا عن التعلق. ان هيلاري كلينتون لم تأت الى هنا لتشد على يدي نتنياهو بل أتت لتُبين له ان امريكا تتوقع تعاونا مع اجراءاتها التالية في المنطقة. والمادة الاولى في القائمة هي أبو مازن، فالعملية أضعفته وحان وقت تقويته الآن.

خلص الامريكيون الى استنتاج ان من المتأخر جدا منع أبو مازن من طلب مكانة دولة غير عضو في الامم المتحدة. وليس هذا وقت معاقبته بل يجب بدل ذلك مضاءلة الضرر وضمان ألا يتواجه الفلسطينيون واسرائيل في المحكمة في لاهاي، وتجديد مسيرة السلام.

آخر حديدة

حصل الجيش الاسرائيلي في نهاية الامر على العملية العسكرية التي أرادها وهي عملية محدودة من غير عملية برية لم تسعَ منذ البدء الى حسم. وكانت المعلومات الاستخبارية دقيقة ونسبة النجاح عالية. وحينما يستوعب قادة حماس الاضرار التي وقعت بهم فلن يسارعوا الى العودة لاطلاق القذائف الصاروخية ولن يسمحوا لمنظمات اخرى بمواجهة الجيش الاسرائيلي والمستوطنات الى ان تقول مصالحهم شيئا مختلفا أو الى ان تضعف ذكرى العملية.

ان قدرة حماس على الاستمرار في اطلاق الصواريخ فاقت التقديرات السابقة. لكن العملية ضربت الأهداف التي تم تحديدها وتوقعات الجيش.

فلماذا اذا يوجد شعور بالحموضة، سألت مسؤولا عسكريا رفيع المستوى أمس، فأجاب: “السؤال هو ما الذي توقعه الناس. كان تحديد الأهداف واعيا فقد أردنا ان نقطع الواقع. وعلمنا أننا قد نضطر جدا في غضون وقت ما الى ان نقوم بعملية اخرى في غزة تختلف اختلافا مطلقا.

“لم نكن نقصد الى سلب حماس قدرتها على اطلاق الصواريخ. بل كنا نقصد الى جعلها تقرر عدم تجديد اطلاق النار وان نفرض تهدئة على المنظمات الاخرى. سيحتاجون الى بضعة اشهر وسيقومون بالحساب لأن حجم الضرر كبير جدا.

“ان حماس تبذل جهدها في السنتين الاخيرتين في تثبيت حكمها في غزة أكثر مما تبذله في الارهاب. وكان القادة محتاجين الى الارهاب في الأساس لضروروات داخلية من اجل تعزيز مكانتهم في المنظمة”.

سألته: لماذا لم توقف اسرائيل اطلاق النار في نهاية الاسبوع. فالذي تم في اربعة ايام هذا الاسبوع لم يسهم ألبتة في انجازات العملية وكانت الكلفة على الاسرائيليين باهظة.

أجاب: “نحن طرف واحد فقط في هذا الامر. والى يوم الاربعاء لم ينشأ نظام نهاية يقبله الطرفان”.

بالنسبة للجبهة الاسرائيلية الداخلية تُنسب هذه الحرب الى القبة الحديدية. اليها والى الغرف الآمنة. كانت قدرات هاتين الوسيلتين مدهشة لكن مع كل الاحترام كان يوجد شيء ما اشكالي ولا يلائم كثيرا التراث الاسرائيلي في إدمان وسائل الدفاع. نجحت حماس في جعل محاربتها باهظة الكلفة جدا من جهة مالية ربما أبهظ من ان تُطاق. فالميزانية محدودة. والقبة الحديدية مخصصة لتكون آخر وسيلة بعد ان لا ينجح الجيش الاسرائيلي في احباط الاطلاق. وقد أصبحت أول وسيلة في حالات كثيرة جدا.

————————————————-

يديعوت – مقال – 23/11/2012

كل الطرق تؤدي الى القاهرة

بقلم: سمدار بيري

توسط الرئيس مرسي بين اسرائيل وحماس لاحراز وقف اطلاق نار برغم تحفظه من الجهتين.

       تلقى رئيس مصر محمد مرسي في منتصف الاسبوع انتقادا شديدا من حازم عبد الرحمن، وهو أحد كُتاب المقالات الرواد في صحيفة “الأهرام” اليومية. فقد ذكّره المحلل قائلا: “لم تُنتخب للحكم كي تشتغل بالقضية الفلسطينية. فقد جاءوا بك الى الحكم لتضمن الخبز والعمل وحياة أفضل. حذارِ ان تغرق في المستنقع الفلسطيني كأسلافك عبد الناصر والسادات ومبارك. ولا تنسى من الذين اغتالوا السادات ومن الذين أرسلوا القتلة”.

          ضاءلت صحيفة “الأهرام” هذا الاسبوع التقارير عن التفاوض من اجل وقف اطلاق النار بين اسرائيل وحماس، الذي تم بوساطة مصرية. والصحيفة ترى ان الكرامة القومية المصرية قد أُحرزت في اللحظة التي حصل فيها مرسي على تفويض لقيادة الاتصالات وانشأ مثلث القيادة مع تركيا وإمارة قطر. وضاءلت شبكة “الجزيرة” في قطر ايضا التقارير من غزة وحصرت عنايتها في المقابل في مذبحة الشعب التي ينفذها بشار الاسد في سوريا.

          “اذا كانت مصر تريد قطف الأرباح الاقتصادية فيجب عليها ان تحرص على عدم التنازل لحماس”، قال لي طارق عبد الجمال وهو رجل اعمال من القاهرة. “ان كل صفقة تؤدي الى فتح المعابر الحدودية ستورطنا فقط. تريد اسرائيل ان تطرح غزة علينا وان تجعلنا البالغ المسؤول في الحي لكننا لا نستطيع الاعتماد على حماس مع كل تأييد الاخوان المسلمين لها. يجب على مرسي ان يجد حلا جراحيا يوقف اطلاق النار وتهريب السلاح ويحافظ على بُعد عن غزة”.

          أعلن مرسي هذا الاسبوع ان “مصر اليوم ليست مصر الأمس”، وتطوع مسؤول كبير في المخابرات المصرية ليُبين لي ما القصد. “لنا حساب مفتوح مع حماس بسبب ما يحدث في سيناء”، قال. “نحن نعلم من الذين أرسلوهم الى سيناء وكيف يجري التهريب من السودان عن طريق أنفاق غزة وكيف ينوون المس باستقرار مصر الداخلي في الأمد المباشر والأمد البعيد ايضا”.

          يحاول مرسي الآن اذا الحفاظ على بُعد آمن عن حماس. وليست الفكرة فقط الابتعاد عن خالد مشعل وموسى أبو مرزوق بل عن آيات الله وحرس الثورة في ايران الذين يحاولون في زعم مسؤولين كبار في القاهرة توريط مصر في حرب مع اسرائيل. “عندنا معلومات استخبارية عن ايرانيين تسللوا الى غزة عن طريق الأنفاق”، قال هذا الاسبوع واحد من مقربي مرسي، “وهم يُهيجون حماس والجهاد الاسلامي على اسرائيل بغرض صرف الانتباه عن مذبحة الشعب التي يقوم بها الاسد في سوريا”.

          ان عملية “عمود السحاب” جعلت الايرانيين يكشفون عن مساعدتهم لغزة وعن وجود ناس الحرس الثوري الذين تسللوا الى القطاع عن طريق الأنفاق. وفي ذروة اطلاق الصواريخ حرص خالد مشعل على الخصوص على مضاءلة إظهار التدخل الايراني وتحدث عن دعم معنوي فقط. ومن الغد أبلغه رئيس مجلس الشعب الايراني علي لاريجاني ان ذلك غير كاف فقال لاريجاني: “نقول بفخر إننا نقلنا مساعدة عسكرية ومالية الى غزة. يجب على النظام الصهيوني ان يفهم ان القوة العسكرية لحماس والجهاد تنبع من القوة العسكرية لايران، فلولانا لسحق الصهاينة غزة. وقد نجحت العملية بمساعدتنا”.

          ولم يعتقد قائد الحرس الثوري علي جعفري ايضا ان هناك مكانا لاخفاء حجم المشاركة. “نقلنا الى غزة تقنية وعددا غير محدود من الصواريخ”، قال. “ان هذه الحرب أحدثت صلة وثيقة بين غزة وايران”.

          في ظهر أول أمس جلس ابراهام فوكسمان، المدير العام لرابطة مقاومة التشهير، في مكتبه في نيويورك وفحص عن تصريحات الايرانيين. بعد ذلك هاتف مسؤولين كبارا في الادارة الامريكية ليتحقق من أنهم لا يُضيعونها. وحينما كان ما يزال يُهاتف خرجوا في شوارع عاصمة ايران للاحتفال بـ “النصر الكبير”. قال لاريجاني “ربما يوجد عندنا تضخم مالي وبطالة. لكننا انتصرنا في غزة ولم يعد الشأن السوري يحتل العناوين الصحفية. نحن ننجح في تغيير المنطقة وهذا انجاز عظيم”.

          استمرت الثرثرة هناك في صباح أمس. “تبارك ايران وقف اطلاق النار”، ورد في الاعلام الرسمي، “لكن ايران غير متفائلة”، ومعنى ذلك ان طهران لا تنوي ان توقف ارسال السلاح والمال والخبراء. “يتحدث القادة العرب بلا توقف ويطلقون تصريحات”، قال الحاكم خامنئي ساخرا، “لكننا نفعل ما يجب على الارض”.

          لا شك في ان كل ذلك وصل الى القاهرة ايضا.

          خطأ الجعبري

          بعد اغتيال احمد الجعبري نقل الرئيس مرسي رسالة قاطعة تقول ان اتفاق السلام مع اسرائيل لن يُمس. وقد أعاد الى القاهرة السفير في تل ابيب، عاطف سالم، لكن سفير اسرائيل في مصر، يعقوب اميتاي، لم يُطرد، ولم يطلق أحد في القصر الرئاسي تصريحات حرب. بالعكس. قال السفير سالم أول أمس: “كان وضعي جيدا في اسرائيل وقد انشأت علاقات سريعا، ومحاربتها غير مطروحة ألبتة”. ان نغمة كلامه الايجابية أحدثت انطباع انه لم يُبعد لفترة طويلة.

          يتبين ان اسرائيل كانت تستطيع ايضا ان تختار قطر أو تركيا لتقودا الاتصالات من اجل وقف اطلاق النار في غزة برغم العلاقات غير السهلة بهما، لكن تقرر ان يُعطى “الجار القريب” اللجام. ما يزال مرسي بعد 110 ايام في الحكم غير قادر على التلفظ باسم دولة اسرائيل، لكن ناسه في اجهزة الاستخبارات عملوا معنا طويلا. فهم يعملون مع المحامي اسحق مولخو، مبعوث رئيس الوزراء نتنياهو، ومع عاموس جلعاد، رئيس الشعبة الامنية السياسية في وزارة الدفاع، ومع شخصين آخرين أحدهما في القدس والآخر في تل ابيب. ويتلقى مرسي كل التقارير ويقرؤها، وهم في البلاد يُقدرون انه قد أصبح ينظر نظرة مختلفة الى اسرائيل.

          “من الجيد أنكم اغتلتم الجعبري”، قال لي هذا الاسبوع البروفيسور فؤاد العجمي، وهو مختص من أصل لبناني، وهو مسلم شيعي، بشؤون الشرق الاوسط يسكن في نيويورك ويحظى بتقدير كبير من الادارة الامريكية.

          “أتفهم انه كان يجب عليكم اغتياله. فقد قام الجعبري بخطأ شديد حينما حاول ان يُصوَر بأنه مُخلص جلعاد شليط. لم يكن يجب ان يخرج الى عدسات التصوير في لحظة الافراج عنه، فذلك لم يساعده عندكم. كان يجب عليكم ان تُصفوا معه حسابا طويلا.

          “أنا أتوهم ان حماس ستحاول وقد تنجح ايضا في تنفيذ عملية انتقام”، قال العجمي قبل العملية في تل ابيب بأقل من يوم. “تدركون أنتم ومرسي ايضا ان حماس لن تقلب جلدها حتى بعد احراز وقف اطلاق النار بل حتى لو وجد اتفاق، فالذي كان هو الذي سيكون. ان حماس هي عدو لن تكف عن مضايقتكم ومضايقة مصر. وقد استوعب مرسي هذا الامر وهو يواجهها الآن بصورة مدهشة”.

          وقال ان القصر الملكي السعودي يتحفظ من حماس ايضا، ويزعم العجمي ان “السعوديين استقرت آراؤهم على الحفاظ على بُعد. وهم يتعمدون عدم التدخل في جهد الافضاء الى تهدئة في غزة. فهم يبغضون حماس بسبب مشاركة وحضور ايران في القطاع”. وكيف يفسر الصور التي يتصافح فيها مرسي واسماعيل هنية رئيس حكومة حماس في صداقة؟ “لا تتأثروا”، يوصي العجمي. “ان هذا العناق تمثيل غوغائي فقط يحاول ان يُهديء متظاهري ميدان التحرير”.

          تحت المائدة فقط

          يوشك هؤلاء المتظاهرون ان يعودوا الى الميدان بعد ثلاثة اسابيع في 12/12. فكثيرون منهم لم يُحسنوا حالهم منذ كانت المظاهرات السابقة، ومن المؤكد أنهم يخططون لمحاسبة الرئيس الذي تولى الحكم على أثرها. يعلم مرسي ان كثيرا منهم يُعادون اسرائيل وهكذا فان الصور مع هنية كانت ترمي الى التكيف معهم. يعتقد العجمي ان مرسي في الحاصل العام يلتزم بتوجه متوازن. “ان رئيس مصر يعاملكم بصورة موضوعية”، يقول، “وهو لا يتابع نهج مبارك الذي أصر على الزعم طوال السنين ان “قلوبنا مع الفلسطينيين”. لا يعني هذا انه ينتظركم شهر عسل أو تحول للعلاقات بمصر، لكن مرسي يجد مصالح مشتركة معكم”.

          يقترح العجمي على اسرائيل عدم محادثة حماس علنا. “حادثوا حماس فقط اذا وجب عليكم ذلك من تحت المائدة فقط مستعينين بوسطاء فقط. وحاولوا الاعتماد على مرسي ودعوه يقوم بالعمل”. وليس هو الوحيد الذي يوصي بذلك. ان خبيرا كبيرا في معهد ابحاث استراتيجية في القاهرة يتابع الدعوات في البلاد الى فتح قناة تحادث مع حماس ويعتقد ان ليس من الجيد فعل ذلك ويقول: “لا تحادثوا حماس. أُبذلوا جهدكم بدل ذلك سرا في بناء محور ثقة مع مرسي. فليست حماس شريكة لاسرائيل، أما مرسي في المقابل فليس عدوا. أُدرسوه وادرسوا سلوكه وستجدون ان له جانبا معلنا متشددا وقتاليا، لكن توجد قنوات سرية ايضا. لا تهاجموه ولا تضغطوا عليه”.

————————————————-

هآرتس –  احصاءات – من غيلي كوهن

الجدول الدوري

في نيسان 2001 سقط في سديروت صاروخ القسام الاول. بين فك الارتباط من غزة، سيطرت حماس على قطاع غزة، جولات القتال والتهدئة، اطلق منذئذ على اسرائيل اكثر من 7.361 صاروخ وقتل كنتيجة للقتال في الجنوب 59 اسرائيليا و 4.717 فلسطينيا.

          وحسب المعطيات التي جمعت من جهاز الامن العام، منظمة “بتسيلم” ومركز الاستخبارات والارهاب (الذي يستند على معطيات قسم العمليات في الجيش الاسرائيلي). ويذكر أن اعداد الصواريخ لا تتضمن قذائف الهاون.

            وهاكم المعطيات:

التاريخ

عدد الصواريخ

عدد القتلى الفلسطينيين

عدد القتلى الاسرائيليين

ملاحظات

2001

4

179

1

لاول مرة اطلقت قذيفة هاون نحو مستوطنة نتساريم. في نيسان: نار صاروخ قسام على سديروت

2002

34

373

 

 

2003

155

370

 

تصفية أحمد ياسين

2004

281

625

7

 

بداية 2005

105

66

4

 

آب 2005

6

1

 

خطة فك الارتباط

ايلول 2005

29

6

 

الجيش الاسرائيلي ينطلق الى حملة “مطر أول”

تشرين الاول 2005

8

11

 

 

تشرين الثاني 2005

15

5

 

 

كانون الاول 2005

16

14

 

 

كانون الثاني 2006

1

3

 

حماس تفوز في الانتخابات في غزة

شباط 2006

47

19

 

 

اذار 2006

69

9

 

لاول مرة: نار كاتيوشا على عسقلان

نيسان 2006

58

22

 

 

ايار 2006

45

18

 

 

حزيران 2006

134

37

2

تصفية جمال ابو سمهدانة

اختطاف جلعاد شليت

حملة “امطار الصيف” – دخول بري أول الى القطاع بعد فك الارتباط. استمر حتى تشرين الثانؤي 2006

تموز 2006

197

164

 

 

آب 2006

41

60

 

 

ايلول 2006

46

26

 

 

تشرين الاول 2006

68

48

 

 

تشرين الثاني 2006

182

117

3

حملة “سحب الخريف”

كانون الاول 2006

58

2

 

 

كانون الثاني 2007

28

3

 

 

شباط 2007

43

1

 

 

اذار 2007

31

2

 

 

نيسان 2007

25

6

 

 

ايار 2007

257

54

2

 

حزيران 2007

63

30

 

حماس تسيطر عسكريا على القطاع، اسرائيل تفرض الحصار

تموز 2007

61

22

 

 

آب 2007

81

36

 

 

ايلول 2007

70

28

 

صاروخ يضرب قاعدة الانفار زيكيم، اصابة نحو 70 جندي

تشرين الاول 2007

59

28

 

 

تشرين الثاني 2007

65

28

 

 

كانون الاول 2007

147

57

 

 

كانون الثاني 2008

297

80

 

 

شباط 2008

339

72

1

حملة “شتاء حار”

اذار 2008

304

106

 

 

نيسان 2008

196

69

 

 

ايار 2008

189

37

2

 

حزيران 2008

112

26

1

وقف نار لستة اشهر بين اسرائيل وحماس

تموز 2008

8

1

 

 

آب 2008

7

 

 

 

أيلول 2008

3

 

 

 

تشرين الاول 2008

4

 

 

 

تشرين الثاني 2008

148

15

 

 

كانون الاول 2008

361

427

4

حملة “رصاص مصبوب”

كانون الثاني 2009

412

973

9

 

شباط 2009

49

6

 

 

اذار 2009

50

7

 

 

نيسان 2009

6

2

 

 

ايار 2009

5

4

 

 

حزيران 2009

4

3

 

 

تموز 2009

1

2

 

 

آب 2009

2

4

 

 

أيلول 2009

17

8

 

 

تشرين الاول 2009

9

 

 

 

تشرين الثاني 2009

13

1

 

 

كانون أول

2009

9

3

 

 

كانون الثاني 2010

13

8

 

 

شباط 2010

5

1

 

 

اذار  2010

35

4

3

 

نيسان 2010

5

4

 

 

ايار   2010

14

1

 

الاسطول الى غزة

حزيران 2010

14

14

 

مصر تفتح لاول مرة معبر رفح لنقل العتاد والبضائع

تموز 2010

13

4

 

 

آب 2010

14

2

 

 

ايلول 2010

16

11

 

 

تشرين الاول

2010

3

3

 

 

تشرين الثاني

5

3

 

 

كانون الاول 2010

15

13

 

 

كانون الثاني 2011

17

3

 

 

شباط 2011

6

5

 

 

اذار 201

38

15

 

 

نيسان 2011

87

24

1

اطلاق صاروخ مضاد للدبابات نحو باص تلاميذ قرب جدول عوز

منظومة “قبة حديدية” تعترض صاروخ غراد لاول مرة

ايار 2011

1

2

 

مصر تفتح معابر الحدود بشكل أوسع

حزيران 2011

 

4

 

 

تموز 2011

20

3

 

 

آب 2011

143

29

9

هجوم ارهابي شمالي ايلات

ايلول 2011

8

1

 

 

تشرين الاول 2011

52

12

1

تحرير جلعاد شاليط

تشرين الثاني 2011

10

4

 

 

كانون الاول 2011

30

7

 

 

كانون الثاني 2012

9

2

 

 

شباط 2012

35

1

 

 

اذار 2012

173

26

 

 

نيسان 2012

10

1

 

 

ايار 2012

4

 

 

 

حزيران 2012

197

15

2

 

تموز 2012

18

2

 

 

آب 2012

21

1

 

هجوم ارهابي على حدود اسرائيل – مصر

أيلول 2012

17

8

1

 

تشرين الاول 2012

116

15

 

 

تشرين الثاني 2012

1.117

156

6

تصفية احمد الجعبري

حملة “عمود السحاب”

 

————————————————-

معاريف – مقال – 23/11/2012

انتصار حماس

بقلم: شلومي الدار

على التسوية التي ما كانت اسرائيل مستعدة لان توافق عليها قبل خمس سنوات، اضطرت الان الى التنازل وربما ايضا الى الاستيعاب بان السياسة اياها لم تثبت نفسها وعلى ما يبدو تسببت بضرر اكبر مما أجدت من منفعة أمنية. حماس ضربت بشدة، ولكن سكان القطاع لم يلفظوها من داخلهم.

          حملة أخرى انتهت في غزة. مرة اخرى تصريحات عن الانجازات، عن الردع الذي استعيد، عن الضربة التي تلقتها حماس ورهان لازم عن كم من الوقت سيصمد الترتيب المتحقق. “سحاب رصاص 2″، أو كيفما سميت الحملة التالية، توجد منذ الان في مراحل التخطيط. المشاهد والاصوات ستكون ذات المشاهد والاصوات: الصفارات، سكان اسرائيل في الملاجيء، الدمار، غارات الجيش الاسرائيلي الجوية، التصفيات والدم في القطاع وحول غلاف غزة، الذي اتسع نصف قطره أكثر فأكثر حتى اطراف تل أبيب.

          كيف بالضبط وصلنا الى هذا الوضع؟ كيف حصل أن في غضون أربع سنوات اضطررنا الى الخروج الى حملتين عسكريتين كبيرتين لم تغيرا شيئا غير تعميق سيطرة حماس في القطاع، سلطويا وعسكريا، وهذه المرة ايضا مع بداية اعتراف دولي؟

          في كانون الثاني 2006 انتخبت حماس في الانتخابات للسلطة الفلسطينية. وقرر اولمرت فورا فرض عقوبات على القطاع. في حزيران 2007، في أعقاب الانقلاب الذي نفذته حماس في القطاع، تحولت العقوبات الى اغلاق تام على غزة بقرار اتخذ مرة اخرى، في غضون ثوانٍ مثلما عرف اولمرت كيف يأخذ القرارات في مثل هذه الاوقات (انظر قيمة حرب لبنان الثانية). قلة فقط يتذكرون حقا السبب الحقيقي لفرض الاغلاق.

          الاغلاق لم يفرض في حينه خشية تهريب السلاح والصواريخ. معبر كرم سالم ومعبر كارني لم يكونا مفتوحين على مصراعيهما، وانفاق رفح عملت بحجم أصغر من المشروع الوطني – الغزي التحت أرضي الذي اقيم في حينه. احد لم يخشى حقا من بناء الخنادق من الاسمنت والحصي الذي نقلته اسرائيل حتى ذلك الحين الى القطاع. والمعاذير صدرت فقط بعد ذلك وتحولت الى سياسة متينة.

          الفكرة التي قبعت خلف القرار كانت أن السكان المخنوقين في القطاع سيتهمون حماس بوضعهم ويلفظوها من داخلهم. أما حماس، كما قدروا، فستستجدي اعادة المفاتيح بعد أن تكتشف بان ليس لديها القدرة لاطعام 1.5 مليون فم جائع، بعد أن أغلقت لها اسرائيل انبوب الاكسجين.

          بعد يومين من الانقلاب، في منتصف حزيران 2007، فهمت قيادة حماس بان اسرائيل تسمح بان تنقل في معبر كرم سالم مساعدات انسانية فقط. واتخذت حكومة حماس قرارا بمحاولة خلق اتصال مع الاسرائيليين من أجل البحث معهم في ترتيب مستقبل المعابر. ولكن من كان يتوسط حتى ذلك الحين بين اسرائيل والقطاع كانوا رجال فتح الذين فروا او طردوا الى الضفة. الفكرة الساذجة التي طرحت في حينه هي أن كل واحد من رجال حماس الصغار الذي عرف، او تعرف او التقى في ماضيه مع اسرائيليين، سيحاول خلق اتصال معهم الان والوصول بواسطتهم الى أصحاب القرار في اسرائيل. وكانت الرسالة التي طلب اليهم نقلها واضحة: حماس معنية بالحديث عن تسوية طويلة المدى لوقف الاتصالات ونار الصواريخ وضمان الهدوء على الحدود مع اسرائيل، وبالاساس أن يواصل الانبوب ضخ الاكسجين في شكل بضائع ومواد خام مثلما كان في الماضي. وتلقت الخطة الساذجة ضوء أخضر من اسماعيل هنية، الذي قال الناطق بلسانه في حينه د. غازي حمد: “نحن نقول هذا بشكل مباشر، وليس من تحت الطاولة، بل على الطاولة؛ ليس لرئيس الوزراء اي مشكلة في أن يلتقي ممثل لحماس مع ممثلين اسرائيليين لترتيب المعابر”. كل من عرف اي اسرائيلي اقام اتصالا هاتفيا معه وحاول أن ينقل عبره الرسالة الى حكومة اسرائيل. وهكذا مثلا، تلقى شوهم تلر، صاحب شركة ارتباط ووساطة تجارية وتنسق نقل البضائع بين اسرائيل وغزة، مكالمة من خالد كحلوت، نائب وزير الاتصالات الحماسي. وكان كحلوت في ماضيه تاجرا وعضوا في الجامعة الاسلامية.

          “رجالنا يريدون تنظيم لقاء في ايرز”، قال لها. “نحن نريد أن نتحدث عن فتح المعابر. تحدثي معهم. قولي لهم اننا مستعدون لعمل الكثير من أجل أن تكون المعابر مفتوحة”. فسألت: “من هم الاشخاص؟” فأجابها: “وزراء في الحكومة الجديدة”.

          سياسة الكزبرة

          تيلر، بالطبع، ما كان يمكنا أن تنظم لقاء كهذا. وأحد في الادارة المدنية ما كان يمكنه أن يفعل شيئا بناء على رأيه الشخصي فيقتحم سور المفهوم الذي بنته اسرائيل. كل المحاولات التي تمت من جانب كل الجهات، بمن فيهم مدراء المعابر أنفسهم، اصطدمت بسور منيع من الرفض. نائب وزير الدفاع افرايم سنيه حذر مدير معبر كارني من التجرؤ على الحديث مع مبعوثين من حماس ارسلوا اليه في محاولة لايجاد سبيل لكسر السياسة التي قررها رئيس الوزراء. “هذه منظمة ارهابية وممنوع على الاطلاق الحديث معها”، قضى سنيه، وآخرون اضافوا بنوع من الاستخفاف: “فليقولوا شكرا لاننا انسانيين بما فيه الكفاية ولا نغلق لهم كل شيء”. بعد ذلك جاء ايضا دور الكزبرة الشهيرة، التي اصبحت رمزا لسياسة الاغلاق، وقوائم المنتجات والبضائع التي اعتبرت ترفا. وحتى حقائب المدارس، الملابس والاقمشة اندرجت بداية في القوائم. احد ما في الادارة المدنية اعد حتى استعراضا ذكر فيه عدد السعرات الحرارية الدنيا التي ينبغي للفرد في غزة أن يستهلكها للبقاء، وكل ذلك من اجل الضغط على حماس بما يكفي من القوة، ولكن مع منع أزمة انسانية قد تثير العالم ضدنا.

          وهكذا، على مدى السنين حفروا مئات الانفاق بنجاعة مذهلة للالتفاف على الاغلاق وجعلوا هذا مشروعا وطنيا. اما نحن، من جهتنا فتباهينا بـ “قبة حديدية” ناجعة حظيت بجائزة أمن اسرائيل. كل واحد ومشروعه الطليعي. هم هربوا بسهولة الاف الصواريخ في الانفاق، ولكن ايضا كل منتجات الاستهلاك والمواد الخام التي منعتها اسرائيل في المعابر، ونحن حصنا بمليارات الشواكل بلدات الجنوب والسماء فوقها.

          طريقة العصا والجزرة في معابر غزة لم تجرب أبدا. والتناقض  أصبح صارخا بحيث أن اسرائيل فضلت ان تعمل المنطقة التجارية التحت ارضية المتفرعة في رفح بلا عراقيل تقريبا، على أن لا نخضع لحماس ونفتح لها المعابر.

          ثمن العنف

          من الجانب الاخر، حماس هي الاخرى اتبعت سياسة مغلوطة. فقد اعتقدت حماس، عن حق وحقيق، بانها اذا ما واظبت على اطلاق الصواريخ فانها ستجبر اسرائيل على المجيء الى طاولة المفاوضات برعاية مصرية. ولعل الطريقة نجحت، ولكن الثمن الذي دفعه مواطنو القطاع كان هائلا. فقد قتل الاف المواطنين في الحملات وفي الغارات الاسرائيلية، ودمرت المباني، وصفي النشطاء وعادت غزة سنوات جيل الى الوزراء. ولكن معظم الغزيين، بشكل مفاجيء، بقوا مخلصين لحماس وطريقها الذي اصبح من يوم الى آخر اكثر عنفا.

          من صيف 2007 وحتى شتاء 2012 لم تنشب فقط حملات وأسماء حملات بتواتر شديد بل وايضا عشرات الاف الصواريخ، القتلى، القلق، الضغط والمقاطعة الدولية، مرمرة، أزمة استراتيجية اقليمية مع تركيا وكراهية فظيعة بين الاسرائيليين والفلسطينيين لم يخلقها بعد الشيطان.

          في اتفاق وقف النار الذي وقع هذا الاسبوع في مصر يظهر البند التالي: المعابر ستفتح وستعطى تسهيلات لحركة الاشخاص والبضائع. لن تفيد حركة سكان غزة ولن تنفيذ محاولة المس بهم في منطقة الحدود. والامر سيتم في غضون 24 ساعة من لحظة دخول الاتفاق حيز التنفيذ. بعد خمس سنوات ونصف السنة من تلك المكالمات التي تلقتها شوهم تيلر، رجال آخرين من الادارة المدنية ومن الاسرائيليين، تتغير سياسة الاغلاق على غزة. ولكن الان يشارك في هذه اللعبة لاعبون استراتيجيون اكثر بكثير: مصر، الولايات المتحدة، تركيا وحماس كبيرة نجحت في أن تحقق بالقوة ما لم تنله في حينه بالاستجداء. على التسوية التي ما كانت اسرائيل مستعدة لان توافق عليها قبل خمس سنوات، اضطرت الان الى التنازل وربما ايضا الى الاستيعاب بان السياسة اياها لم تثبت نفسها وعلى ما يبدو تسببت بضرر اكبر مما أجدت من منفعة أمنية. حماس ضربت بشدة، ولكن سكان القطاع لم يلفظوها من داخلهم.

          واذا لم يكن هذا بكاف، ففي اليوم التالي للتوقيع والتفاهمات في القاهرة والتي تعرف بلا شك سيادة حماس في القطاع، بدأ الجيش الاسرائيلي موجة واسعة من الاعتقالات في الضفة الغربية. مسمار آخر في نعش ابو مازن، الرجل الذي كان ذات مرة واثقا من أنه سيعود للحكم في غزة. والان لديه سبب وجيه حقا لان يبكي في المقاطعة. ولنا يوجد سبب كهذا أيضا على ما يبدو.

————————————————-

اسرائيل اليوم – مقال – 23/11/2012

مرض الحروب المعلومة مسبقا، المزمن

بقلم: دوري غولد

يستعرض الكاتب كتابا للمؤلف فيرد إكلي عنوانه “كل حرب يجب ان تنتهي” كُتب على خلفية حرب فيتنام واستعرض المسارات الخاطئة التي سببت نشوب حروب.

       في الايام التي ينحصر فيها النقاش العام في اسرائيل في سؤال هل سيجلب وقف اطلاق النار معه حلا للأمد البعيد، يجدر ان ننظر في الكتاب الكلاسيكي في مجال العلاقات الدولية وهو كتاب “كل حرب يجب ان تنتهي”. كان مؤلف الكتاب فيرد إكلي نائب سكرتير وزير الدفاع الامريكي في ادارة ريغان واستاذا في المعهد التكنولوجي في ماساشوسيتس (إم.آي.تي)، ورئيس معهد “راند” الجليل الشأن في سانتا مونيكا.

          يستعرض الكتاب في واقع الامر المسارات الاستراتيجية التي تؤدي الى حروب لا يُحتاج اليها. كُتب تحليل إكلي في الحقيقة وبين يديه حرب فيتنام لكن تم تحديثه منذ ذلك الحين. ويبحث الكتاب في الأساس في طريقة مواجهة الدول لحرب عصابات. ان الفحص عن بعض المباديء فيه، في السياق الاسرائيلي، قد يُجنبنا أخطاءا قامت بها دول كثيرة اخرى.

          على حسب مبدأ إكلي الأول فان هدف استعمال القوة هو اخضاع قوات جيش العدو. وليس هذا الامر واضحا كما يبدو لأول وهلة. ان دولا كثيرة متورطة في حروب عصابات قاسية تنتقل في مرحلة ما الى استراتيجيات عقاب ترمي الى كسر قوة ارادة العدو. وهو يُسمي هذه الاستراتيجيات “السلام بواسطة التصعيد”.

          حينما توجد دولة في ما يبدو انه طريق مسدود، يوجد دائما تحمس يقوم على أمل ان يغير استعمال قوة أكبر الوضع تغييرا جوهريا.

          يُذكر إكلي قراءه بأن استعمال القوة على السكان المدنيين لا ينجح، فالمستبدون لا يسعون الى تسوية لأن جنودهم أو مواطنيهم يعانون من الحرب. جربت الولايات المتحدة استراتيجية العقاب في حرب كوريا على كيم إيل سونغ، وفي حرب فيتنام على تشي مين التي فشلت في محاولتها البحث عن خطة سلام لانهاء الحرب.

          وحاول الايرانيون ان يعاقبوا حليفات العراق في حرب ايران مع العراق بالمس بالبنى التحتية النفطية فيها، لكن توسيع الصراع في منطقة الخليج الفارسي جعل الولايات المتحدة تدخل المعركة عليهم.

          وهكذا فان استراتيجية العقاب قد تفضي الى نتائج غير متوقعة قد تصبح هدفا ذاتيا بسهولة. استعملت حماس في الجولة الحالية في غزة استراتيجية عقاب بأن وسعت دائرة المدن الاسرائيلية المهاجَمة.

          لكن نتيجة هذا القرار لم تُسبب ازمة بين الجمهور الاسرائيلي بل سببت انشاء تعاطف أوسع. وبدل ان تقسم حماس الجمهور الاسرائيلي وضعت تل ابيب وبئر السبع وسدروت في قارب واحد، وهكذا انشأت اجماعا اسرائيليا واسعا على عملية عسكرية عليها.

          ان المبدأ الثاني الذي يؤبد حروبا حديثة بحسب ما يرى إكلي هو تأييد خارجي لقوات العصابات التي تحاربها الدولة. ويمكن ان نضيف ان ليس الحديث عن تسليح أو تمويل فقط؛ وللتأييد الخارجي تأثير واسع في معنويات محاربي حرب العصابات الذين يحاربون جيشا مسلحا تسليحا جيدا. وفي المقابل اذا كانوا وحدهم ولا يحظون بتعزيز فسيميلون أكثر من جهة نفسية الى وقف القتال.

          اكتسبت اسرائيل تجربة كبيرة في هذا المجال في العقد الاخير. كان أحد الأخطاء الاستراتيجية الشديدة للانفصال في 2005 هو استقرار رأي رئيس الوزراء آنذاك اريئيل شارون على انهاء الوجود العسكري في محور فيلادلفيا الذي جر زيادة كبيرة لعدد الأنفاق.

          قبل الانفصال كانت توجد قذائف صاروخية لمدى قصير فقط كصواريخ القسام التي تم انتاجها في غزة. لكن في 2006 أُطلقت لأول مرة على عسقلان قذيفة صاروخية لمدى أبعد هي صاروخ غراد من ايران. وأثبت هذا العامل كيف غير تحسين مسارات تهريب حماس بالضرورة ميدان القتال ووسائله.

          ان ربط حماس بمصدر تسليح خارجي كايران جعل حسم الحرب وهزيمة حماس أصعب بكثير. وفي المقابل كان أحد اسباب اخضاع الجيش الاسرائيلي لحماس ولمنظمات اخرى في الضفة الغربية في 2002 في خلال عملية “السور الواقي” انه لم يكن لقواتها مصدر تسليح خارجي، فقد كان لاسرائيل سيطرة على الغلاف الخارجي للضفة الغربية، أي على غور الاردن، ولم تنسحب من هذه المنطقة الاستراتيجية كما فعلت في محور فيلادلفيا. وكان من نتيجة ذلك ان الحرب في غزة لم تتوقف قط تماما منذ كان الانفصال في حين لم تنشأ مواجهة عسكرية بقدر مشابه في الضفة الغربية.

          والمبدأ الثالث الذي يثيره إكلي هو التصور المتشائم الذي ضرب جذوره في الديمقراطيات الغربية وفحواه انه لا يمكن ان تُهزم قوات عصابات.

          ان هذا التصور العام جعل ناسا كثيرين قليلي الايمان بقدرة جيوشهم على الانتصار في حروب حديثة. ولهذا يميل تأييد حرب على قوات عصابات الى التلاشي سريعا.

          يعلنون في اسرائيل في احيان متقاربة بأن “مسيرة سياسية فقط تستطيع ان تهزم الارهاب”. لكن ما الذي يحدث لـ “حلول سياسية” حينما تواجه اسرائيل منظمة مثل حماس غير مستعدة للهوادة في العقيدة المتشددة لحركة المقاومة الاسلامية والكفاح المسلح ضد اسرائيل؟.

          أجرى يعقوب عميدرور، وهو اليوم رئيس مقر الامن القومي، بحثا يُثبت ان الغرب انتصر في حروب عصابات من ناحية تاريخية مع وجود شروط ما. فقد بحث انتصار الولايات المتحدة في الفلبين في 1954 وانتصار بريطانيا في الملايو في 1952 باعتبارهما حالتي فحص كلاسيكيتين.

          تمت في المدة الاخيرة المعركة التي أدارها الجنرال ديفيد باتريوس الذي حول ما كان يبدو انه هزيمة امريكية في غرب العراق الى نصر على القاعدة في 2007.

          أي مباديء تبنتها اسرائيل؟ من الواضح ان اسرائيل ركزت في القتال الاخير في غزة معظم جهدها العسكري على محاولة القضاء على أكثر المنظومة الصاروخية لحماس وعلى اصابة القيادة العليا. ان اسرائيل لا ترى نفسها مقيدة بعمل عسكري دفاعي حتى بعد الربيع الاسلامي الذي أحدث ظروفا تجعل عزلة حماس صعبة.

          ان القتال لم يحل مشكلة تدفق الوسائل القتالية الايرانية عن طريق سيناء، ويُشك كثيرا في ان يستطيع أي اتفاق جديد منع تسليح حماس من جديد. وفي الختام ستحتاج اسرائيل الى الاعتماد على القوة العسكرية وعلى منعتها القومية في جولة المواجهة العسكرية التالية.

————————————————-

اسرائيل اليوم – مقال -23/11/2012

من وقف اطلاق نار الى هدنة

بقلم: يوسي بيلين

يجب على الحكومة الاسرائيلية الجديدة بعد الانتخابات ان تسعى الى حل مع الفلسطينيين ذي شقّين الاول ان تتوصل الى تهدئة طويلة مع حماس في غزة بوساطة مصر والثاني التوصل الى اتفاق دائم مع م.ت.ف في الضفة الغربية.

       ان حقيقة انه لا يوجد الآن حل عسكري للوضع الحالي في غزة الذي قُدمت فيه السلطة على طبق فضي لحماس، لا تعني انه لا مكان لعمليات عسكرية. ان هذه العمليات التي ستتم في المستقبل ايضا كما يبدو ترمي الى المس بمخزونات السلاح والذخيرة للمنظمات المختلفة في القطاع وتذكيرها بأنها اذا استمرت في اطلاق الصواريخ والقذائف الصاروخية فانه يجب عليها ان تدفع ثمن ذلك.

          كلما كانت العمليات العسكرية أكثر تركيزا وأقصر، كانت كلفتها أقل من جهة الخسائر ومن جهة الثمن السياسي والدولي (ولا سيما في العالم الاسلامي) ومن جهة اقتصادية ايضا. وطول هذه العمليات الذي ينبع في الأساس من صعوبة انهائها من طرف واحد وصعوبة اعلان نصر واضح يزيد في احتمال أخطاء شديدة تفضي الى أثمان أبهظ.

          ان اجراءات برية في مواجهة منظمات ارهاب تحول العملية دائما تقريبا من مواجهة غير متكافئة لصالحنا الى مواجهة غير متكافئة لصالح الطرف الثاني الذي لا يملك دبابات ثقيلة وغير مهندمة، لكنه يعرف أفضل منا الأزقة واماكن الاختباء في غزة وهو قادر على الاصابة والاستنزاف.

          ولهذا من المهم انهاء هذه العمليات من غير توصل الى معضلة التوغل البري. ان وقف اطلاق النار الذي أنهى الآن عملية “عمود السحاب” لن يفضي الى ذلك التغيير الحاد الذي تحدث عنه الجميع في اثناء العملية. وهذه فرصة مهمة لاشراك محمد مرسي في الوساطة وضمان عودة السفير المصري – بذلك – الى تل ابيب.

          قد يتم احراز تهدئة لفترة أطول بقليل من تلك التي تعودنا عليها مؤخرا، لكن يجب ان تكون المرحلة التالية جهدا في التهيئة لنوع هدنة ما. والحديث عن اتفاق أكثر تفصيلا يمس القيود التي تفرضها اسرائيل على غزة وعمليات الاغتيال واطلاق الصواريخ ومسؤولية الادارة في غزة عن نشاط العصابات المسلحة المختلفة.

          لست على يقين من ان حماس ستكون معنية باتفاق كهذا، لكن ربما اذا أراد مرسي ان يدخل في ذلك (بسبب الصلة الاشكالية بين حماس في غزة وما يحدث في شبه جزيرة سيناء وبسبب عدم رغبته في ضم القطاع) فسيمكنه ان يفرض سلطته على حماس ويفضي الى اجراء مهم كهذا يمنحه نقاطا حيوية في واشنطن.

          ان التأليف بين هدنة بين اسرائيل وادارة حماس في غزة وبين تفاوض سياسي جدي مع م.ت.ف بقيادة محمود عباس سيفضي الى اتفاق دائم (يُحقَق في المرحلة الاولى في الضفة الغربية فقط) أو الى تحقيق المرحلة الثانية من خريطة الطريق على الأقل – وهي دولة فلسطينية في حدود مؤقتة. وقد يغير هذا الاتفاق بصورة حادة وضع اسرائيل السياسي في المنطقة وفي العالم ويضمن هدوءا طويلا. والعملية العسكرية مهما تكن ناجحة ليست بديلا عن الحل السياسي. سيكون الحل السياسي نتيجة سلسلة مفاوضات مباشرة وغير مباشرة يجب على الحكومة الجديدة ان تشتغل بها بعد الانتخابات فورا.

————————————————-

هآرتس مقال – 23/11/2012

انعطافة في القاهرة

بقلم: تسفي بارئيل

مصر حبست نفسها في داخل منظومة ملزمة من الحوار مع اسرائيل، لم تتمناها. هذا ثمن سياسي باهظ من ناحية الرئيس المصري الذي يمثل حركة ايديولوجية لا تزال ترى اسرائيل عدوا.

          نجاح الوسطاء المصريين، وعلى رأسهم الرئيس المصري ورئيس المخابرات رأفت شحاتة لتحقيق وقف للنار يمنح مصر مكانة عربية ودولية جديدة، تطلع اليها الرئيس مرسي منذ انتخابه، وكان “اعادة مصر الى قيادة العالم العربي” أحد أسس برنامجه السياسي الذي تحقق، حاليا على الأقل، من خلال الازمة التي لم يستدعيها وأراد منعها حتى قبل عملية “عمود السحاب”. ولكن هذا الانجاز أوضح لمرسي بأن قدرته على حل الازمات في المنطقة منوطة بالعلاقة الوثيقة مع الولايات المتحدة، وانه اذا كانت مصر تتطلع الى مواصلة منح الرعاية لحل المشكلة الفلسطينية فلا مفر أمامها من ادارة شبكة علاقات مستقرة مع اسرائيل وليس فقط على المستوى العسكري.

          الى جانب الانجاز السياسي يلقي الاتفاق بمسؤولية ثقيلة على مصر التي تحولت لتكون العنوان المتفق عليه لادارة وقف النار ومعالجة الشكاوى على خرقه. ليس واضحا من الاتفاق ماذا ستكون عليه آلية معالجة الخروقات، وماذا ستكون العقوبة في حالة الخرق، ولكن مصر حبست نفسها في داخل منظومة ملزمة من الحوار مع اسرائيل، لم تتمناها. هذا ثمن سياسي باهظ من ناحية الرئيس المصري الذي يمثل حركة ايديولوجية لا تزال ترى اسرائيل عدوا.

          على المستوى العملي فان علاقات مصر الوثيقة مع حماس، التي حظيت بمكانة حكومة مسؤولة، كفيلة بأن تفرض عليها تنفيذ الاتفاق. ومثلما تسيطر الحركة على معبر رفح وتشكل خلفية اقتصادية حيوية لغزة، فان لدى مصر ظاهرا رافعة ضغوط كفيلة بأن تهديء حماس. ولكن مصر ستجد صعوبة على مدى الزمن في مواصلة اغلاق معبر رفح أمام البضائع والصمود في وجه ضغط الجمهور المصري والعربي الكفيل بأن يطالب الآن بقوة أكبر بفتح المعبر للسماح بترميم غزة.

          ولكن حتى اذا ما نجح لي الأذرع لحماس والجهاد الاسلامي، فليس في ذلك ما يضمن في ان تتبنى منظمات صغيرة ومسلحة في غزة وفي سيناء مباديء الاتفاق. فهذه المنظمات لم تُدع للتوقيع على الاتفاق وهي لا تُذكر في الاتفاق. والأهم من ذلك، فان حماس والجهاد الاسلامي غير مطالبتين حسب الاتفاق بصد اعمال هذه المنظمات. وقد سبق لهذه المنظمات ان أثبتت بأنها قادرة على ان تستخدم حق النقض الفيتو العنيف حتى على اتفاقات توصلت اليها حماس مع اسرائيل. هنا تكمن الحلقة الضعيفة التي تُعرض الاتفاق للخطر ومن شأنها ان تُفرغه من محتواه. اذا قررت تلك المنظمات مواصلة العمل ضد اسرائيل، بشكل يجر اسرائيل الى رد عنيف، فان التصعيد قد يجر المنظمات الكبرى للرد ايضا. من اجل الحفاظ على شبكة العلاقات مع مصر وابقائها كوسيط، ستضطر اسرائيل الى اجراء تمييز دقيق بين نشاط حماس والجهاد وبين نشاط المنظمات الاخرى وألا تلقي المسؤولية على حماس بشكل جارف.

          هنا تكمن المفارقة في الاتفاق. بموجبه، فان حماس، بصفتها الحكومة، لا تصبح مسؤولة عن نشاطاتها ولا تلتزم بالعمل ضد منظمات مستقلة رغم أنها تعمل ضمن نطاق منطقة حكمها. كما ان مصر هي التي ستكون مطالبة بالمسؤولية فقط عن اعمال حماس وصد المنظمات في سيناء، ولكن ليس لها تحكم بالمنظمات الاخرى الممولة في بعض منها وموجهة من ايران.

————————————————-

معاريف مقال – 23/11/2012

ضربة روني دانييل المميتة

بقلم: ياعيل باز ميلميد

في الاستطلاعات الاخيرة لم يؤيد سوى 30 في المائة من الجمهور الدخول البري الى قطاع غزة. وهذا انقلاب هائل في الوعي، تحقق اساسا بعد “رصاص مصبوب”.

          كل حرب، حتى بمقياس الحرب الحالية، تخلق أبطالها. في الجولة الحالية تلعب “القبة الحديدية” دور النجم الاول، وفي مكان ما في الاسفل، عند نهاية القائمة، يوجد المحلل العسكري لـ “اخبار2” روني دانييل. وليس صدفة. الرجل القاطع والغاضب هذا اكثر بكثير من مهرج.ليس لانه يمثل ظاهرا موقف اولئك الذين على مدى أيام عديدة يغذون شعلة القبيلة. واضح للجميع أنه لا يفعل. فالى جانبه يجلس دوما أمنون أبرموفتش، الذي يطرح مواقف معاكسة لمواقف دانييل، بحيث أنه لا يوجد “خطر” في أن يعتقد المشاهدون بان القناة 2 مع دخول كثيف لعملية برية. ولا حتى من مغبة ان تؤثر اقواله القاطعة حقا على أصحاب القرار. والدليل هو أنها لم تؤثر، على الاقل صحيح حتى أمس.

          روني دانييل يمثل، بقدر كبير، اسرائيل القديمة. تلك التي لم تعرف حدودا للقوة، والتي اعتقدت بانه يوجد حل لكل مشكلة في نزاعنا الدموي مع الفلسطينيين، والحل يكمن في تفوق الجيش الاسرائيلي على العدو، وانه فقط اذا ما سمحوا للجيش الاسرائيلي بالانتصار، فانه سيقدم لنا الواقع المعدل على طبق من فضة. ولولم ننشغل بالحروب والدمار والمصابين لكان يمكن القول بانه يوجد قدر لا بأس به من الرومانسية في النهج الدانييلي. بمعنى معين فان فهمه الامني، مثلما وجد تعبيره في التكرار الذي لا ينتهي لضرورة توجيه ضربة قاضية لحماس، مما يبعث الشوق لايام اخرى، كنا لا نزل نؤمن فيها جميعا باننا، نحن الاخيار، سننتصر نصرا مظفرا على الاشرار.

          وبالفعل، تتحدث الارقام من تلقاء نفسها. فمعطيات شعبية اخبار 2 متماسة عند 30 في المائة منذ ايام عديدة، رغم أن اخبار القناة 10 تقوم بعمل ممتاز ولديها صحفيون جديون وهامون ولا توجد معلومة يمكن أن يتوقعها الناس في قناة 2 ولا تبلغ عنها القناة 10. ومع ذلك، فان معطيات شعبيتها بعيدة عن معطيات اخبار 2. وروني دانييل هو أحد اسباب ذلك. وكذا ايهود يعاري، وبالطبع امنون ابرموفتش.

          خلافا لكل ما يمكن أن نتوقعه، فان الجمهور يفضل الشعر الشائب. فجأة انقلبت النوازع وانتقل التفضيل الى الصحفيين القدامى، ممن اختبروا الكثير من المعارك السابقة وجمعوا اقدمية وتجربة و “هم يعرفون بالضبط عما يتحدثون”. اما الشقاوة وروح الشباب فمتروكة للانترنت والشبكات الاجتماعية. عندما نتحدث عن الاخبار، فاننا نريد العالم القديم. النظام القديم الذي يقضي بان من يريد أن يطلع على ما يجري حقا، فان عليه ان ينصت للصحفيين. فهم المرجعية.

          وتوجد أيضا عودة للصحافة الاصيلة. تلك عديمة الادعاء، التي لا تحرص على المظهر الخارجي ولا تحاول بالضرورة ان تقول ما يريد الجمهور أن يسمعه. وهنا افضلية دانييل الكبرى. لديه مذهب، لديه موقف واضح – وهو يتمسك به ولا يتخلى عنه. وحتى لو بدا أنه جلب هذا الموقف من “البيت” فانه غير مقتنع بان يكون مخطئا. يمكن أن نغضب من هذا، يمكن أن نتهمه بعدم القدرة على رؤية الامور على نحو سليم، ولكن لا يمكن الادعاء للحظة بانه غير مقتنع مائة في المائة بان الاخرين مخطئون وانه هو وحده المخطيء.

          كلنا كنا هكذا ذات مرة، قبل سنوات عديدة وحروب وحملات كثيرة. فقد اعتقد معظمنا بانه يمكن تغيير الواقع بالقوة. يجب أن نعترف بان الحياة كانت في حينه أسهل بكثير. ولكننا نضجنا منذئذ. صحونا. اليوم نحن نعرف بان القصة أكثر تعقيدا بل وربما بلا حل – وبالتأكيد طالما ان الكثيرين جدا يفكرون بالضبط مثل روني دانييل. ومع ذلك، ففي الاستطلاعات الاخيرة لم يؤيد سوى 30 في المائة من الجمهور الدخول البري الى قطاع غزة. وهذا انقلاب هائل في الوعي، تحقق اساسا بعد “رصاص مصبوب” ولكن ليس فقط بعدها. لا يزال من السابق لاوانه ان نتنبأ ما الذي سيكتوي به الوعي الجماعي بعد “عمود السحاب”. قد يكون هذا الاعتراف بان كل ما يمكن تحقيقه هو فقط فترة من الهدوء. ليس أكثر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى