مقالات وتقارير مترجمة من الصحافة الاسرائيلية ليوم 22-11-2012
هآرتس – من براك ربيد وآخرين:22/11/2012
اسرائيل وحماس اتفقتا على وقف نار برعاية مصرية../
بعد ثمانية ايام من القتال في قطاع غزة، وفي نهايتها مساعي دبلوماسية دولية لانهاء المعارك بقيادة مصر والولايات المتحدة، دخل أمس في الساعة التاسعة مساءا الى حيز التنفيذ وقف للنار. ورغم ذلك، حتى بعد ذلك، استمرت النار من داخل غزة نحو بلدات الجنوب. في وثيقة التفاهمات التي تبلورت في القاهرة تقرر ان تكون الحكومة المصرية هي الراعية لوقف النار والمشرفة على تطبيقه.
وجاءت الموافقة الاسرائيلية على الوثيقة بعد ظهر أمس في ختام جلسة وزراء التسعة. وفي الساعات ما قبل الجلسة وفي اثنائها، أدارت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون محادثات مكثفة في القدس وبعد ذلك في القاهرة مع القيادة الاسرائيلية والمصرية.
وتابع الرئيس الامريكي براك اوباما الاتصالات من طائرته في طريق العودة الى واشنطن وبعد ذلك من البيت الابيض، وضغط على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ليرد بالايجاب على الاقتراح المصري. وفي ختام جلسة التسعة، بعد السادسة مساءا، اتصل نتنياهو باوباما وأبلغه بقراره. وفي بيان البيت الابيض وبيان مكتب رئيس الوزراء على حد سواء تم التشديد على ان نتنياهو “استجاب لتوصية” اوباما “لمنح فرصة للاقتراح المصري بوقف النار”.
وحصل نتنياهو على مقابل امريكي. فقد شدد اوباما بأن لاسرائيل حق الدفاع عن النفس اذا ما خُرق وقف النار. ووعد بأن تزيد الولايات المتحدة المساعدة الامنية لاسرائيل، ولا سيما فيما يتعلق بمنع تهريب السلاح الى غزة، كما وعد اوباما بأنه ملتزم بايجاد تمويل لشراء منظومات اخرى من القبة الحديدية ووسائل دفاع اخرى ضد الصواريخ.
وتعهدت اسرائيل في الاتفاق بالكف عن كل هجوم على غزة وكذا بوقف الاغتيالات لقادة منظمات الارهاب والامتناع عن اجتياح الاراضي الفلسطينية. وأشار مصدر سياسي رفيع المستوى الى انه اذا ما شخصت اسرائيل استعدادات لعملية من قطاع غزة، فانها تحتفظ لنفسها بحق الدفاع عن النفس وستعمل على احباطها. من الجهة الاخرى، تعهدت حماس والمنظمات الفلسطينية بوقف كل الهجمات ضد اسرائيل من قطاع غزة، بما في ذلك نار الصواريخ والهجمات على خط الحدود.
ويعكس الاتفاق انجازا لحماس التي طالبت منذ بداية المفاوضات بتعهد اسرائيلي بألا يكون اجتياح لأراضي القطاع ولا حتى للمنطقة الامنية الخاصة قرب الجدار. انجاز آخر لحماس يكمن في ان التفاهمات لم تُلقِ عليها مسؤولية فرض وقف النار على باقي المنظمات.
ومثلما في “الرصاص المصبوب”، هذه المرة ايضا تلقت اسرائيل ضمانات من الولايات المتحدة لمعالجة تهريب السلاح الى غزة، ولكن التقدير هو ان القدرة العملية لعمل ذلك ستكون محدودة للغاية.
وقررت صيغة التفاهمات بأنه في غضون 24 ساعة من لحظة دخول وقف النار الى حيز التنفيذ، تبدأ المداولات على فتح معابر الحدود بين قطاع غزة واسرائيل وقطاع غزة ومصر. وستعنى المداولات ايضا بازالة القيود المفروضة على حركة السكان الفلسطينيين في المنطقة الامنية الخاصة المحاذية للجدار الفاصل. وفي هذه المحادثات يمكن لكل طرف من الطرفين أن يطرح مزيدا من المسائل، كمشكلة تهريب السلاح الى غزة.
وحسب صيغة التفاهمات، اذا كانت ملاحظات لدى أي من الطرفين، فانه يتوجه الى القاهرة – راعية وقف النار – التي “ستشرف لى تطبيقه”.
وأثنى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وزير الدفاع ايهود باراك، بل وحتى وزير الخارجية افيغدور ليبرمان على مصر في التصريحات لوسائل الاعلام أمس. وقال ليبرمان: “ان الرئيس محمد مرسي يستحق الثناء على قدرته اتخاذ القرارات بشكل مسؤول”.
وفي كلمة ألقاها نتنياهو، بدأ يرسم الخط الاعلامي للانتخابات القادمة وعرض حملة “عمود السحاب” بانها كثيرة الانجازات لاسرائيل. ورد نتنياهو على الانتقاد الذي يطلق في مدن الجنوب في اليوم الاخير ضد وقف النار ودافع عن قراره عدم الخروج الى عملية برية في غزة. وقال: “أعرف بان هناك مواطنين يتوقعون عملية عسكرية أكثر حدة ويحتمل جدا أن نضطر اليها، ولكن في هذا الوقت، فان الامر الصحيح هو استنفاد الفرصة لتحقيق وقف نار طويل”.
وفي الطرف الفلسطيني أيضا عرضوا الايام الثمانية من القتال في غزة كانتصار. رئيس المكتب السياسي لحماس، خالد مشعل، أشار في مؤتمر صحفي في القاهرة الى أن “الهجوم الاسرائيلي فشل وقادة العدو فشلوا في مغامرتهم. ثمانية أيام من القتال أجبرتهم على الخضوع لشروطنا. والدمار الشديد الذي خلفه الاسرائيليون لا يغير من حقيقة أن المقاومة انتصرت”. واضاف مشعل بان تطبيق الاتفاق سيكون تدريجيا ولكن في غضون وقت قصير.
وعلى حد قوله، “فان الاستنتاج الناشيء هو أن خيار المقاومة هو الذي انتصر. اسرائيل ستخسر وستهزم. حققنا الاهداف… السلاح الذي بواسطته صمدنا في وجه اسرائيل هو من انتاج محلي ولكن ايضا من دول صديقة وعلى رأسها ايران. نحن سنرحب بكل مساعدة لوجستية ونقل السلاح للمقاومة”.
——————————————————
يديعوت – من يوسي يهوشع:22/11/2012
نهاية مفتوحة../
نهاية حملة “عمود السحاب” تبقي الجيش الاسرائيلي مع الكثير من الاسئلة المفتوحة: فضلا عن مسألة الردع التي لم تفحص الا على مدى الزمن، سيضطر الجنود والقادة في الميدان للتصدي للكثير جدا من الثقوب في الاتفاق. في هذه المرحلة بقي الجيش دون أجوبة واضحة كيف يتصرف ابتداء من اليوم حيال التطورات والقتال ضد منظمات الارهاب في غزة.
الاتفاق الذي تحقق ملزم بشكل خاص كون الولايات المتحدة هي عرابته، ولكنه يبقي القوات في الميدان في وضع من عدم اليقين. أولا، يتحدث الاتفاق عن الهدوء مقابل الهدوء، ولكن يبقي للطرفين مواصلة المناوشة على الجدار الفاصل مثلما كان الوضع في الفترة الاخيرة التي سبقت حملة “عمود السحاب”. ومثل هذا النشاط، دون مساحة أمنية من بضع مئات الامتار في داخل القطاع، من شأنه أن يؤدي الى اصابات في الطرف الاسرائيلي كنتيجة لاعمال تخريبية مثل زرع عبوات او نار صواريخ مضادة للدبابات. ليس واضحا هل يمكن للجيش الاسرائيلي في حالة اصابات في مثل هذه الاعمال ان يرد وكيف.
مسائل اخرى بقيت مفتوحة هي مسائل الاستخبارات والتهريبات: كيف سيعمل الجيش الاسرائيلي حيال معلومة استخبارية مؤكدة عن تخطيط لعملية تنطلق من القطاع أو عن نار صاروخية محتملة نحو اسرائيل، هل يمكنه أن يعمل ضد مخططل الاعمال، هل وكيف يمكنه أن يعمل تجاه معلومات استخبارية عن تهريب صواريخ فجر أو سلاح متقدم آخر (مثل صواريخ مضادة للطائرات أو صواريخ شاطيء – بحر) الى القطاع. واضح أن ضرب مثل هذه الارسالية قد تشعل النار من جديد، ولكن بالمقابل لا يمكن للجيش الاسرائيلي أن يجلس مكتوف الايدي.
اضافة الى ذلك، ستدرس في جهاز الامن اذا ما وكيف تنجح حماس في فرض وقف النار على المنظمات العاقة في القطاع ولا سيما على الجهاد الاسلامي – المنافس المباشر. في السنة الاخيرة تحدت الجهاد الاسلامي حماس، وعمليا جرتها الى الجولة الاخيرة دون أن تكون ترغب فيها حقا وأخذت منها قيادة المقاومة حيال اسرائيل. ونقلت ايران مركز تأييدها الى الجهاد الاسلامي – سواء بالميزانيات ام بالوسائل القتالية – وليس واضحا كيف ستنجح حماس في التصرف معها اذا ما وعندما تستخدم ايران ثقل وزنها كي تخلق تصعيدا اضافيا. كما أن المنظمات الاخرى في القطاع لا تخضع لامرة حماس، وخلافا لما اعتقده الجيش الاسرائيلي في البداية وجدت المنظمة صعوبة حتى في العمل تجاه هذه المنظمات. ليس الجميع في الجيش الاسرائيلي مقتنعين بان حماس ستنجح في مواجهة التحدي حيال كل تلك المنظمات ومنعها من اطلاق النار.
في هذه الاثناء لا يزال الجيش الاسرائيلي لا يسرح رجال الاحتياط الذين يتواجدون في منطقة قطاع غزة الى أن يتبين بشكل نهائي بان الاتفاق مطبق على الارض بالفعل. وحول القطاع لا يزال يوجد عشرات الاف الجنود الذين ينتظرون هناك على مدى أيام طويلة امكانية أن يدخلوا في حملة برية. وحسب مصادر عسكرية، اذا ما احترم الهدوء فانهم سيسرحون بالتدريج، ولكن في كل الاحوال سيتعين على الجيش الحرص على الابقاء على مستوى الثقة مع الجنود الذين جندوا ولكنهم لم يستخدموا.
في الجيش الاسرائيلي يعربون عن الرضى من الحملة في ضوء الاهداف، وراضون عن “القبة الحديدية” التي ألمحت لايران وحزب الله بالقدرات المتطورة للدفاع الفاعل في سلاح الجو في وجه الصواريخ بعيدة المدى. كما أن الجيش راض ايضا عن أداء الجبهة الداخلية. فرغم النار الكثيفة بنحو 1.500 صاروخ، فان عدد الاصابات منخفض نسبيا.
ومع ذلك، بعد اسبوع من القتال، تخرج حماس مع سلسلة من الانجازات لم تقدر اسرائيل على ما يبدو انها ستحظى بها: حتى انتهاء الحملة ثبت ان حماس صمدت على قدميها وأدت دورها العملياتي. فقد هاجم الجيش نحو 1.600 هدف ولكنه لم ينجح في ايقاع ضربة ذات مغزى بنشطاء الارهاب باستثناء رئيس أركان حماس احمد الجعبري. وبالاجمال قتل في هذه الحملة نحو 110 مخرب، وهذا عدد قليل بالنسبة لعدد الهجمات وبالتأكيد بالنسبة لحملات سابقة للجيش الاسرائيلي في القطاع. لقد نجحت حماس في أن تطلق الى تل أبيب والقدس صواريخ بعيدة المدى رغم أن الجيش قدر بانه ضرب معظم منصات اطلاق الصواريخ في بداية العملية الجوية.
——————————————————
يديعوت – مقال افتتاحي – 22/11/2012
حامض حلو
بقلم: ناحوم برنياع
تدلت من فوق قاعة اعلام ديوان رئيس الوزراء أمس سحابة حموضة. تمدح نتنياهو بانجازات العملية العسكرية لكنه علم انه لم يكن يأمل بهذه الانجازات وهذه النتيجة.
أثنى الثلاثة بعضهم على بعض بشفاه متشنجة. ولم تستطع الاطراءات اخفاء حقيقة ان استقرار الرأي على وقف اطلاق النار قد تم اتخاذه بعد مشاحنة شديدة بين الوزراء التسعة. فقد طلب ليبرمان بمساعدة شتاينيتس الاستمرار في القتال بطريقة كان يمكن ان تتطور كما تقول جهات امنية الى عملية برية؛ وطلب باراك بتأييد بيغن ومريدور قبول اقتراح وقف اطلاق النار وتلوى نتنياهو فقد علم ان موقف باراك يعتمد على موافقة واسعة لقيادة الجيش الاسرائيلي العليا. وقد ناوأ باراك وقبل الحكم في نهاية الامر.
بخلاف الانطباع الذي نشأ أمس لا يوجد اتفاق وقف اطلاق نار ويبدو انه لن يكون ايضا، بل يوجد التزام متبادل لوقف اطلاق النار ستجري بعده مباحثات بين مصر واسرائيل في حاجات حماس ومطالبها وحاجات اسرائيل ومطالبها. اذا ثبت وقف اطلاق النار فقد تأذن اسرائيل باستيراد عدد من المنتوجات الى القطاع لا يجوز استيرادها اليوم أو تُبطل بعض عناصر الحصار وما يُفتح قد يُغلق ولا يتوقع أي شيء حاد في هذا المجال.
ان احتمال ان تنضج هذه المباحثات لتصبح تفاهمات بين اسرائيل وحماس غير كبير، فهم في حكومة اسرائيل يفترضون انها لن تنضج. ويتعلق طول ثبات وقف اطلاق النار بطول ذاكرة الطرفين. فما بقيت حماس تتذكر وتستوعب قتلى مستواها القيادي، وما بقيت تُحصي الصواريخ التي تم القضاء عليها والبيوت التي هُدمت والمعاناة التي جلبتها على السكان فهناك احتمال ان تحجم عن تجديد اطلاق الصواريخ وتكف جماح المنظمات الاخرى؛ وما بقوا في حكومة اسرائيل يتذكرون الخسائر والدمار المادي والثمن المالي الباهظ لاسبوع العملية فهناك احتمال ألا تُغرى الحكومة باجراءات تتحرش بالطرف الثاني.
كل ذلك متعلق بنوع الذاكرة.
ان التغييرات المهمة التي قد تحدث عقب العملية تتجاوز المجال الضيق لعلاقات اسرائيل بحماس.
- · بيّنت الادارة الامريكية لاسرائيل في اثناء زيارة هيلاري كلينتون ان لها منظومة مصالح خاصة في الشرق الاوسط. وهي تعتمد على مصر وتركيا الاسلاميتين. وقد انتخبت حكومتاهما انتخابا ديمقراطيا. وهما مع الحكومات السنية الاخرى – السعودية والاردن والسلطة الفلسطينية وإمارات الخليج – تريان ايران الشيعية العدو اللدود. وهما في تحالف واحد مع الولايات المتحدة على سوريا الاسد.
يتوقع الامريكيون من اسرائيل ان تساعدهم على تعزيز الكتلة العربية المعتدلة وان تفعل ذلك فورا. يجب عليها أولا ان تجعل سياستها مرنة مع أبو مازن. ويجب عليها ان تجد سبيلا للتخفيف عن تركيا اردوغان وعن مصر مرسي. وهذا يعني توقع تحول حقيقي في السياسة الخارجية لحكومة نتنياهو، ويحدث هذا في وقت غير مريح عشية انتخابات.
- · تتناول المادة الاولى من المطالب الامريكية توجه الفلسطينيين الى الامم المتحدة ليتم الاعتراف لهم بدولة غير عضو. وبيّنت كلينتون ان أبو مازن عازم مصمم على فعل ذلك، فلا داعي لمحاولة عقابه. يجب بدل ذلك مضاءلة الضرر وضمان ألا يتواجه الفلسطينيون واسرائيل في المحكمة في لاهاي، والشيء الأساسي هو تجديد مسيرة السلام.
- · برهنت العملية العسكرية بطريقة مؤلمة على تعلق اسرائيل العسكري والسياسي بالولايات المتحدة. واحتاجت اسرائيل لانجاز تعاون مع مصر الى اوباما الذي خصص جزءا كبيرا من رحلته التاريخية الى آسيا لحديث هاتفي مع الرئيس مرسي من اجل اسرائيل. وتطلب اسرائيل الآن مساعدة مالية خاصة للاستمرار في التسلح بالقبة الحديدية.
- · بخلاف الكلام الذي قاله ليبرمان أمس، برهنت العملية العسكرية على تدهور علاقة الحكومات باسرائيل. ففي عملية “الرصاص المصبوب” لحكومة اولمرت قبل اربع سنين جاء الوزراء الى اسرائيل لتأييدها. وقد أيدوا اسرائيل بلا تحفظ برغم القتل في غزة وبرغم العملية البرية. وقد جاءوا هذه المرة للضغط عليها ومنع عملية برية.
- · في خلال العملية العسكرية تصرفت مصر وتركيا وقطر على أنها وكيلة حماس. وخطت حكومة حماس في غزة خطوة واسعة جدا نحو اعتراف دولي فعلي إن لم يكن نظري بحكمها في القطاع، وليس هذا الشيء سيئا لاسرائيل بالضرورة لكنه يلقي ضوءا سيئا على تصريحات “اسقاط” سلطة حماس.
- · ان التقارب بين حكومة مصر الاسلامية وحماس حقيقي وهو يضائل مجال مداورة اسرائيل، ومع ذلك تكمن فيه فرصة ايضا لأنه اذا أرادت حكومة مصر ان تكف جماح حماس فعندها احتمال جيد لفعل ذلك.
- · لم تدفع العملية الى الأمام بحل مسألة التهريب من سيناء. ان إشراك الامريكيين في جهد منع التهريب غير جديد، فقد اشتملت عليه ايضا المذكرة التي أنهت “الرصاص المصبوب” وإن كان تم الحديث هناك عن تهريبات عن طريق البحر. لا يوجد للمشاركة الامريكية وزن حقيقي لأن كل شيء متعلق بارادة حكومة مصر وبمستقبل العلاقات بينها وبين اسرائيل.
- · مع كل الثناء على القبة الحديدية كان يوجد شيء جديد جدا غير اسرائيلي في إدمان وسائل الدفاع. فقد نجحت حماس في جعل محاربتها باهظة الكلفة جدا من جهة مالية ربما أبهظ من ان تحتمل. خُصصت القبة الحديدية لتكون الوسيلة الأخيرة بعد أن لا ينجح الجيش الاسرائيلي في إبطال مجرد اطلاق الصواريخ، وقد أصبحت هي الوسيلة الاولى في حالات كثيرة جدا.
- · أثبتت حماس قدرة على الصمود وقدرة على اطلاق أكبر مما توقعوه في الجيش الاسرائيلي. ان العملية لم تنته بتعادل من جهة عسكرية فقط بل خلفت وراءها تركة حربية تستطيع المنظمات في غزة ان تفخر بها.
- · ان نتنياهو يتولى رئاسة الوزراء منذ سبع سنوات ولايتين مستقلتين. ولم توجد حرب ولا عملية عسكرية طوال سنوات ولايته كلها كما قال هو نفسه – بفخر. كانت “عمود السحاب” هي العملية الاولى التي أدارها، فهل أدارها؟ نشك في هذا كثيرا. يشير تلخيص أولي للعملية الى عدة نقاط: ترك نتنياهو لباراك والجيش الاسرائيلي ان يديرا العملية كما يشاءان. وكانت الأهداف التي تم تحديدها متواضعة قابلة للتنفيذ وكان التنفيذ حذرا. وكانت مراوحة أخرت نهاية القتال بلا فائدة لكن استقرار الرأي على الامتناع عن عمل بري وقبول وقف اطلاق النار كان صحيحا. ان الشيء الصارخ الى السماء هو الفرق بين خطابة نتنياهو حينما كان رئيس معارضة وسياسته بالفعل. يُسمي نتنياهو هذا “مسؤولية” – فرئيس الوزراء المسؤول يتنكر لكل ما وعد به حينما كان رئيس معارضة غير مسؤول. وهذا تفكير فاسد غير جدي. قال ليبرمان ان الحكومة لم تأمر الجيش الاسرائيلي باسقاط حماس بسبب قرب الانتخابات. وهذا الزعم ايضا كاذب ويُحقر المسيرة الديمقراطية ايضا.
——————————————————
معاريف – مقال – 22/11/2012
غُرست البذرة للجولة القادمة
بقلم: عمير ربابورت
المشكلة الاكبر هي أنه في “تفاهمات عمود السحاب” غُرست البذرة لجولة القتال التالية. “عمود السحاب” لن يجلب سنتين وشهرين من الهدوء التام حيال غزة مثل حملة “رصاص مصبوب”.
أمس، بالضبط في 21:00، خرج من المخابيء زعماء الذراع العسكري والقيادة السياسية لحماس، ممن نجوا من الهجوم العسكري الاسرائيلي. الهجوم الاعلامي للجيش الاسرائيلي تنبأ أن يذهلوا من حجم الدمار الذي خلفه الهجوم على غزة. ربما.
ولكن، بالضبط في ذاك الوقت استمر اطلاق الصواريخ على النقب الغربي. وحتى لو اجتهدنا كثيرا، يصعب علينا ان نتجاهل بانه رغم الضرر المادي الجسيم في غزة (وبالطبع، تصفية أحمد الجعبري وضرب منصات اطلاق الصواريخ بعيدة المدى)، فقد سجلت حماس سلسلة من الانجازات ذات المغزى من ناحيتها.
أولا وقبل كل شيء، حظيت بالشرعية الدولية بفضل حقيقة أن اسرائيل أدارت مع المنظمة مفاوضات غير مباشرة بوساطة مصرية.
تفاصيل اتفاق وقف النار، كما عرضتها امس حماس ومصر، مقلقة على نحو خاص: فحماس تدعي بان اسرائيل تعهدت، ضمن امور اخرى، بوقف التصفيات المركزة، بالامتناع عن النشاط في “القاطع الامني” غربي الجدار الفاصل المحيط بقطاع غزة والسماح بمرور مزيد من البضائع والاشخاص في المعابر الى القطاع.
التصفيات حقا تتوقف، هذا صحيح. فابتداء من يوم أمس دخلت الى حيز التنفيذ تعليمات فتح النار التي تتيح النار في قطاع غزة فقط نحو تهديد يعرض للخطر بشكل مباشر قوات الجيش الاسرائيلي أو الجبهة الداخلية الاسرائيلية.
بالنسبة للتفاهمات بشأن “القاطع الامني” وفتح المعابر – اذا كان الحديث يدور بالفعل عن جزء من الاتفاق، فان حماس تكون حققت بوسائل عسكرية انجازات ذات مغزى كبيرة على الارض. وهذه سابقة. وحتى لو لم يكن هذا صحيحا – هكذا يفهمون الوضع في الشارع الفلسطيني وفي الشرق الاوسط باسره (باستثناء اسرائيل).
وتشدد القدس على أنه لم يوقع اي اتفاق مع حماس. هذا أيضا صحيح. ولكن المصريين يدعون بانهم سيكونون الجهة التي يتوجه اليها الطرفان في حالة الخروقات. اذا كان يوجد بالفعل مثل هذا البند في الاتفاق، فانه يذكر بتفاهمات “عناقيد الغضب” الفظيعة في التسعينيات. مكان حزب الله في التفاهمات اياها، تحتله، هذه المرة، حماس.
لقد أدارت القيادة السياسية والجيش الاسرائيلي حملة “عمود السحاب” بشكل موزون ونجحت في احلال وقف للنار دون التورط في عملية برية ودون إثارة الانتقاد الدولي الشديد على اسرائيل. المشكلة هي أن هذا الانجاز كلف مليارات الشواكل (كلفة الحملة على الجيش والاقتصاد)، ومعاناة ملايين المواطنين الذين كانوا تحت النار.
وحتى اليوم القتالي “الرسمي” الاخير في “عمود السحاب”، امس، لم يكن سهلا من ناحية اسرائيل.
لقد اصيب ضابط احتياط بجراح خطيرة جراء صاروخ كاتيوشا اطلق نحو قاطع اشكول؛ العملية في الباص في تل أبيب لم تكن متزامنة مع وقف النار، بل انطلقت، أغلب الظن، من قبل خلية غافية من يهودا والسامرة، بدأت الاستعداد للعملية بعد وقت قصير من تصفية أحمد الجعبري (المخابرات لا تزال تحقق في ملابسات العملية).
المشكلة الاكبر هي أنه في “تفاهمات عمود السحاب” غُرست البذرة لجولة القتال التالية. ليس لحماس مصلحة في الخروج الى مثل هذه الجولة في الفترة القريبة القادمة (بعض الردع حيالها تحقق بالفعل)، ولكن اذا لم تنتهي مطالباتها في التخفيف من الحصار على غزة على مدى الزمن، أو اذا ما كان الجيش الاسرائيلي مضطرا الى احباط مركز في غزة لمنع عملية مخطط لها من سيناء، مثلا، فستبدأ عملية تصعيد يمكن أن تكون سريعة جدا.
في كل الاحوال، فان “عمود السحاب” لن يجلب سنتين وشهرين من الهدوء التام حيال غزة مثل حملة “رصاص مصبوب”. اذا كان ممكنا ضمان سنة كاملة من الهدوء ابتداء من الان، فان ضباطا في الجيش وعلى ما يبدو أيضا رئيس الوزراء، وزير الدفاع ووزير الخارجية – كانوا سيوقعون على ذلك.
——————————————————
هآرتس – مقال – 22/11/2012
تصرف نتنياهو بشجاعة برغم الثمن السياسي
بقلم: يوسي فيرتر
اتخذ نتنياهو قرار وقف اطلاق النار برغم الاعتراض على ذلك في اليمين وفي الشارع الاسرائيلي وقد يضر هذا به لكنه لن يجعله يخسر رئاسة الوزراء في الانتخابات القادمة.
أوحى القادة الثلاثة الذين حضروا هذا المساء (الاربعاء) أمام عدسات التصوير وعلى رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أوحوا بالاعتدال وضبط النفس والذكاء، بل أوحوا بقدر ما من التواضع. فلم يتجرأ نتنياهو على ان يُخرج من فمه كلمة “انتصار” لأنه يعلم أننا لم ننتصر، فالامر بعيد عن ذلك. انه يبدو الآن مثل تعادل. وسيتبين لنا جميعا في الاسابيع القادمة هل كان يوجد هنا مع كل ذلك نوع من الانتصار بحسب الطريقة التي ستسلك فيها منظمات الارهاب في غزة التي تلقت ضربة قاسية لكنها لم تستسلم ولم تنهَر. وكان انجازها الرئيس كسر حظر اطلاق الصواريخ على تل ابيب والقدس من غير ان تشتعل غزة بعد ذلك بساعة واحدة.
تتطلب هذه القضايا زمنا، فقد كانت حرب لبنان الثانية تبدو فشلا فظيعا عسكريا وسياسيا، لكن حزب الله منذ آب 2006 وهو يوقف اطلاق النار ويتنفس زعيمه هواء المكيفات المصفى تحت الارض. وكانت “الرصاص المصبوب” تبدو نجاحا لكن مواد الاتفاق الذي أنهى العملية في مطلع 2009، وهي اربعون في العدد، تلاشت كأنها لم تكن بعد زمن قصير.
ان نتنياهو واهود باراك وافيغدور ليبرمان باستقرار رأيهم على الموافقة على وقف اطلاق النار بهذه الشروط ساروا بعكس الريح وبعكس حماسة الشارع اليميني واستوديوهات تلفاز ما. ومن المؤسف أنهم لم يُظهروا شجاعة مماثلة ولم يوافقوا على الجواب عن اسئلة وسائل الاعلام. أُصبنا بدهشة حينما سمعنا كلام ليبرمان، فقد اقترح قبل نحو من عشر سنوات قصف سد أسوان وشتم الرئيس مبارك. وأمس مدح رئيس مصر محمد مرسي وأثنى عليه بسبب اسهامه الايجابي في اتصالات وقف اطلاق النار. فلو لم نكن نعرف ليبرمان لشككنا في انه يسعى الى احراج مرسي والاضرار به بين اخوانه المسلمين.
في الميزان السياسي، قبل الانتخابات بستين يوما، يوجد هنا رابح محتمل وخاسر مؤكد وواحد يبدو انه لن يربح ولن يخسر. أما الرابح فهو اهود باراك لأن من المحتمل ان نفترض ان يتجاوز على رأس حزبه الاستقلال نسبة الحسم. ومن الصعب ان نرى كيف يُبعده نتنياهو وليبرمان اللذان أثنيا عليه أمس على أدائه عن وزارة الدفاع في شباط 2013 قبل اشهر معدودة من المواجهة العسكرية الحتمية مع ايران التي سيبدو فيها كل ما حدث في الايام الثمانية الاخيرة مثل نزهة في متنزه.
وأما الخاسر فهو ليبرمان، فلو لم يكن اليوم في قائمة مع الليكود لجذب اسرائيل بيتنا اليه خائبي الآمال من نتنياهو. ان جميع الساذجين والأغبياء الذين توقعوا ان يسلك رئيس الوزراء نتنياهو سلوك رئيس المعارضة نتنياهو (“ان حكومة برئاستي ستسقط سلطة حماس وتقضي عليها”، كانون الثاني 2009) كانوا سيجدون بيتا سياسيا في حضن ليبرمان الدافيء.
وأما الثالث فهو نتنياهو الذي يغضب كثيرون من مصوتيه عليه اليوم. فقد أرادوا ان يروا دبابات تُسرع في الانطلاق في أزقة غزة تسحق وتطلق النار وتُبيد كل ما يعترضها في طريقها. ولو ان جثث الجنود كانت بدأت بالعودة الى البلاد بلا انجاز حقيقي لانقلب رأيهم. ان نتنياهو بتشجيع باراك ونصيحته وهو الذي تحفظ دائما من حروب طويلة نازفة، استطاع ان يرى الصورة العامة ومنع تورطا لا داعي اليه حتى لو كان ثمن ذلك فقدان فخامة الشأن والمنزلة عند جمهور مصوتيه. وهو يستطيع ان يتحمل ذلك. ففي غياب خصم جدي ذي وزن يتحداه يصعب ان نتخيل سيناريو لا يُنتخب فيه نتنياهو مرة اخرى رئيسا لكتلة اليمين ورئيسا للوزراء في الثاني والعشرين من كانون الثاني 2013.
——————————————————
معاريف – مقال – 22/11/2012
ماذا حققنا؟
قليل جدا
بقلم: الون بنكاس
الحكومة التي لم تجري اي نوع من الحوار، مع كل الشكوك بجدواه ومنفعته، مع السلطة الفلسطينية، والحكومة التي رفضت البحث في خطة الجامعة العربية (“المبادرة السعودية”) او اقتراح أفكار بديلة ما، فان نهايتها أنها أدارت مفاوضات مع حماس وعززتها.
على فرض أنه في ليل أمس تحقق “وقف نار” واتفق على “تفاهمات” وعلى الرغم من أنه لا يوجد اتفاق مكتوب فالحديث يدور عن “صيغة توافق متبادل”، وعلى فرض أن الاتفاق لن يخرق في غضون ساعات، يطرح سؤال بسيط: ماذا حققت اسرائيل بعد ثمانية ايام ونصف من الحملة، ما كان يمكن لها ان تحققه بعد 12 ساعة؟
الجواب العلني هو أن رئيس الوزراء، وزير الدفاع ووزير الخارجية، الى جانب مصر البناءة، جديرون بجائزة نوبل على التعاون بينهم.
الجواب البسيط هو تصفية أحمد الجعبري ومنصات فجر 5، الذي هو أمر جيد، ولكنه كان صحيحا أيضا بعد 12 ساعة. النتيجة غير المقصودة هي تعزيز حماس، ورفع مستواها الى مستوى الجهة التي لا يمكن للساحة الدولية بعد اليوم أن تتجاهلها، والاخطر من ذلك، اضعاف السلطة الفلسطينية. حكومة نتنياهو – باراك – ليبرمان ضحت على المدى البعيد بسلام فياض في صالح اسماعيل هنية.
وهذا أقل جودة بكثير.
الكثير من الامور ستقال في الايام القريبة القادمة عن “ترميم الردع”، ضربة قاضية لحماس، قواعد لعب جديدة، حرب ضد الارهاب، العلاقة المحتمة مع ايران وتفاصيل جديدة وفاخرة تعرف على نحو افضل ثمن اطلاق الصواريخ وما شابه. اما عمليا فهذه ثرثرات متبجحة.
في السنوات الستة الاخيرة كانت اسرائيل تقف أمام معضلة سياسية – امنية في غزة في أساسها معادلة بسيطة:
انهيار حكم حماس وتصفيتها العسكرية يتطلبان اجتياحا لغزة وبقاء لعدة سنوات. المعاني والآثار العسكرية، السياسية، الاقتصادية، الديمغرافية والاقليمية أكبر من المنفعة المشكوك بها، وعليه فان اسرائيل، وعن حق، لا تفكر بخطوة بعيدة الاثر كهذه.
من الجهة الاخرى من المعادلة، يمكن الشروع في حوار سياسي متواصل مع حماس على نظام أمني وربما تسويات سياسية بالنسبة لغزة. واذا أخذنا بالحسبان الطابع الايديولوجي لحماس، وميزاتها الارهابية والتأثير الذي سيكون لذلك على استمرار وجود السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، فهذه ليست امكانية معقولة أو مرغوب فيها. وعليه فان اسرائيل تقف أمام وضع ليس لها فيه خيار بين بديلين سيئين، بل رفض مطلق لكليهما. من هنا، لم تكن لاسرائيل امكانية غير تحديد أهداف ضيقة ومتواضعة.
يوجد هنا النقيض التام لكارل فون كلاوزفتس. فالحرب ليست استمرارا للسياسة الخارجية (أو استمرار للسياسة الداخلية، بالترجمة الالمانية الادق)، بل ان السياسة الخارجية هي نتيجة مصادفة لمدى النجاح النسبي للحملة العسكرية. الحملة التي بتعريفها كانت محدودة وتكتيكية، دون اي هدف او قيمة استراتيجية.
وبالاخذ بالحسبان للقطيعة التي بين غزة والضفة الغربية، فان حكم الاخوان المسلمين الجديد في مصر، غياب قنوات الحوار الناجعة والمعضلة آنفة الذكر، يمكن أن نفهم ضائقة أصحاب القرار في اسرائيل. فالمعضلة ليست من انتاج أو من خطيئة الحكومة الحالية، بل هي وضع معطى.
شيء واحد لا يغتفر. حملة محقة بحد ذاتها انطلقت على الدرب دون اي هدف سياسي وعمليا دون أي سياق سياسي. فالحكومة بادرت الى ضربة عسكرية محقة بحد ذاتها، ولكن بينما يكون الاثر السياسي الواضح هو تعزيز حماس. إن الحكومة التي ورثت من حكومة اولمرت، سابقتها، انجازا – العزل التام لحماس ونزع شرعيتها – جعلتها جهة مركزية في نظر مصر، تركيا، قطر وبشكل غير مباشر الولايات المتحدة أيضا.
ان الحكومة التي لم تجري اي نوع من الحوار، مع كل الشكوك بجدواه ومنفعته، مع السلطة الفلسطينية، والحكومة التي رفضت البحث في خطة الجامعة العربية (“المبادرة السعودية”) او اقتراح أفكار بديلة ما، فان نهايتها أنها أدارت مفاوضات مع حماس وعززتها.
بالاخذ بالحسبان لمجال المناورة المحدود والانجازات المحدودة كنتيجة مباشرة لذلك، فان ما تحقق رغم ذلك كان يمكن اجماله بعد 12 سنة.
——————————————————
هآرتس – مقال – 22/11/2012
أُحرزت أهداف “عمود السحاب”
اذا تم احترام الاتفاق
بقلم: الوف بن
كان لاسرائيل من عمليتها هدفان هما اعادة التهدئة وامتحان العلاقة بمصر وقد نجحت في احراز هدفيها.
كان لعملية “عمود السحاب” هدفان استراتيجيان هما تجديد وقف اطلاق النار مع حماس في غزة الذي تضعضع في الاشهر الاخيرة بجولات قتال متوالية من تبادل الضربات؛ والحفاظ على اتفاق السلام مع مصر بقيادة الاخوان المسلمين. ان التفاهمات التي عُرضت أمس (الاربعاء) تشهد في ظاهر الامر على ان هذين الهدفين تم احرازهما اذا احترم الطرفان ما تم الاتفاق عليه.
تُفرد اسرائيل لحماس في غزة دورا يشبه الدور الذي يؤديه من اجلها حزب الله في لبنان وهو حفظ الحدود وعدم اطلاق النار وفرض متشدد للتهدئة على منظمات مسلحة اخرى. ولا تعتمد هذه التسوية على حب أو اعتراف متبادل أو تماهي عقائدي بل على اشتراك في المصالح معزز بتوازن رعب. فهناك قوة النيران الجوية وتهديد الجيش الاسرائيلي بغزو بري في مقابل قدرة صواريخ حزب الله وحماس على اصابة الجبهة الداخلية الاسرائيلية.
أعلن وزير الدفاع اهود باراك أمس ان “حماس مسؤولة عن فرض لجم الآخرين”. فاسرائيل تتوقع اذا ممن حل محل احمد الجعبري ان يؤدي مثله دور المقاول الثانوي وان يضمن الهدوء على الحدود. فاذا أهمل أو رفض فانه ينتظره مصير يشبه مصير رئيس اركان حماس الذي اغتيل في الاسبوع الماضي. وهذا هو معنى تجديد الردع الذي يتمدح به رؤساء المستوى السياسي والجيش الاسرائيلي.
على حسب صيغة التفاهمات التي نشرها المصريون، وافقت اسرائيل على الكف عن عمليات عسكرية في داخل القطاع وعن اغتيالات، ووافقت حماس على الكف عن اطلاق الصواريخ على اسرائيل وعن اطلاق النار على الحدود. ومعنى ذلك ان تنسحب اسرائيل من الشريط الامني بعرض 300 متر على الجانب الحماسي من الحدود حيث عمل الجيش الاسرائيلي على مواجهة الشحنات الناسفة والأنفاق وأطلق النار على الفلسطينيين الذين اقتربوا من الجداي.
نشبت المواجهة الحالية بعد ان حاولت حماس ان تنشيء شريطا حدوديا مقابلا في الجانب الاسرائيلي حينما أطلقت صاروخا مضادا للدبابات على جيب عسكري وجرحت اربعة جنود. وقد نجحت حماس الآن، في هذه الاثناء على الأقل وبثمن باهظ من الخسائر والدمار، في ان تُبعد عن ارضها دوريات الجيش الاسرائيلي. كان هذا هو هدفها من الحوادث المتوالية على طول الجدار وقد تم احرازه بعد اسابيع قليلة من اعلان باراك في جولة في فرقة غزة أنه يجب “اعادة الردع وتعزيزه على نحو يُمكّننا ايضا من العمل في شريط حدودي على طول الجدار”.
وكان هدف اسرائيل الثاني الفحص عن العلاقات بمصر بقيادة الاخوان المسلمين في حال مواجهة عسكرية مع الفلسطينيين. وقد أثبت الرئيس محمد مرسي انه يفضل المصالح على الايديولوجيا فهو غير مستعد لاتصالات معلنة باسرائيل وينوي اجراء الصلات بها في قنوات مخفية عن الناظر: فقد كان المندوب الاسرائيلي لمحادثات وقف اطلاق النار هو رئيس الموساد لا وزير الخارجية أو مبعوثا مدنيا.
لكن مرسي بيّن حتى من غير لقاءات مغطاة اعلاميا مع رئيس الوزراء نتنياهو ان السلام مع اسرائيل هو مصلحة مصرية بل انه يخدم مصر في سعيها الى العودة الى مكانة الزعامة في المنطقة. وقد بيّن نتنياهو انه يمكن قصف غزة وقتل رئيس اركان حماس بغير مس بالسلام مع القاهرة. وهذا ايضا غير قليل في المحيط الاستراتيجي الجديد الذي انشأه الربيع العربي.
——————————————————
هآرتس – مقال – 22/11/2012
مصر في دور حرس حدود اسرائيل
بقلم: تسفي بارئيل
بفضل الحملة في غزة، تتوثق جدا العلاقة بين مصر الاخوان المسلمين والولايات المتحدة اوباما، التي لم يعد يمكنها أن ترى مصر كدولة متعلقة برحمتها فقط، بل ترى فيها شريكا استراتيجيا مساعده حيوية لتهدئة المنطقة.
آخر ما حلم به محمد مرسي هو أن يكون حارس حدود اسرائيل. الزعيم المصري، الذي رأى قبل بضعة أشهر في المقاومة المسلحة طريقة العمل المرغوب فيها للوقوف ضد اسرائيل، يجد نفسه الان في دور الرجل الذي مهمته هي صد المقاومة، تحقيق وقف النار مع حماس والجهاد الاسلامي، بل ومنح ضمانات لتطبيقه.
مع أن مبارك كان يمقت حماس ويرى فيها تهديدا على الامن المصري، ضمن أمور اخرى، بسبب علاقات المنظمة مع ايران، ولكن عندما طولب بالعمل ضد تهريب السلاح، قصرت يده. في زمنه ازدهرت صناعة الانفاق. وعندما طلبت الولايات المتحدة منه السماح بتركيب جساسات على طول الحدود، رفض. أما الان، تقول مصادر مصرية، فيبدو أن مرسي أعطى الاذن للامريكيين بتركيب الجساسات كجزء من التعاون الذي طولب به، في إطار شروط وقف النار. وتضيف ذات المصادر بان مرسي كفيل بان يفتح بالتدريج معبر رفح، مقابل موافقة حماس على هدم الانفاق. هذه التفاصيل لم تجمل بعد، ولكنها ستكون جزءاً من المبادىء التي تقوم عليها المفاوضات التفصيلية بين الاطراف.
أن يكون الضمان لاسرائيل والولايات المتحدة لتنفيذ وقف النار – هذا ضفدع مستعد مرسي لان يبتلعه، وذلك لان لاول مرة تعتبر مصر وسيطا نزيها، سواء في نظر حماس أم في نظر اسرائيل. وهكذا تقف مصر متساوية المكانة مع واشنطن، التي يفترض بها أن توفر الضمانات على السلوك الاسرائيلي. والنتيجة هي معادلة كل خرق للاتفاق فيها – اذا ما تحقق – سيعتبر ليس فقط خرق بين اسرائيل وحماس، بل وأيضا مس بمكانة الراعين.
بفضل الحملة في غزة، تتوثق جدا العلاقة بين مصر الاخوان المسلمين والولايات المتحدة اوباما، التي لم يعد يمكنها أن ترى مصر كدولة متعلقة برحمتها فقط، بل ترى فيها شريكا استراتيجيا مساعده حيوية لتهدئة المنطقة. في هذا السياق ليس غنيا عن البيان الاشارة الى غياب السعودية عن الاتفاق المتبلور، والى أنه لم يأتِ أي مندوب سعودي الى المداولات في القاهرة، او الزيارة الاستعراضية لوزراء الخارجية العرب الى غزة.
مهم أن نرى بان التخوف من المس المصري باتفاقات كامب ديفيد او الغائها دحر الى الزاوية، في ضوء الفهم في مصر بانه بفضل هذه الاتفاقات يمكن لمصر أن تواصل إدارة المفاوضات المباشرة مع اسرائيل. ليس فقط في الازمة في غزة بل وايضا التأثير على اسرائيل كي تفهم وتراعي المصلحة المصرية.
في هذا السياق هامة أقوال السفير المصري في اسرائيل، عاطف سالم، الذي يتواجد في القاهرة للتشاور. في مقابلة مع الصحيفة المصرية الليبرالية “الوطن”، سُئل السفير اذا كان هناك تخوف من أن ترغب اسرائيل في الغاء اتفاقات كامب ديفيد، فهل هي تدق طبول الحرب مع مصر. أجاب بان اسرائيل لا تدق طبول الحرب وأنها ترى في مصر وفي السلام معها ذخرا استراتيجيا. “الاسرائيليون يحتسبون جدا العلاقات مع مصر، إذ أن هذه علاقات استراتيجية لا يريدون ان يفقدوها. وهم يقولون لي افتحوا لنا المزيد من القنوات كي نتمكن من تطوير العلاقات”. بل وأجاب ايضا: “يعتمد موقفي على تاريخ العلاقات مع اسرائيل، التي تعيش 34 سنة بسلام مع مصر كنتيجة لاتفاقات كامب ديفيد، بمعنى، أكثر من نصف عمر اسرائيل. أحد أسس الامن القومي لاسرائيل هو السلام مع مصر وهم لن يتنازلوا عنه”.
الدور الدولي والعربي وضرورة المرور بالقاهرة عبورا لكل حل، كفيلان بان يؤثرا أيضا على نتائج النقاش في الجمعية العمومية للامم المتحدة في مسألة قبول فلسطين كدولة غير عضو. مصر تؤيد مثل هذا الاعتراف وتدفع به الى الامام، مثلما تعمل على تطبيق اتفاق المصالحة بين حماس وفتح والذي كان وقع في عهد مبارك. حزام التأييد الدولي لمصر كفيل الان بان يجعل من الصعب على اسرائيل تطبيق تهديداتها على السلطة الفلسطينية في حالة تمسكها – وهي ستتمسك، كما تعهدت، بتحقيق الاعتراف بالامم المتحدة. فاحدى نتائج الرعاية المصرية للتطورات في غزة هي ان السلطة الفلسطينية أيضا، شاءت أم أبت، ستكون من الان فصاعدا جزءاً من دائرة النفوذ المصري.
——————————————————
اسرائيل اليوم – مقال – 22/11/2012
حماس اختارت البقاء
بقلم: ايال زيسر
تبين لحماس ان عندها الكثير مما تخسره اذا استمرت على مواجهة اسرائيل العسكرية ولهذا اختارت البقاء وحفظ مؤسساتها وبنيتها التحتية.
لا يجب ان نعجب اذا أثار الجمهور الفلسطيني في الايام القريبة اقتراح ان تغير حماس اسمها. تعلمون ان حماس بالعربية اختصار لـ “حركة المقاومة الاسلامية”. بيد أنه لم يبق بعد أمس الكثير من تلك المقاومة وذلك النضال ضد اسرائيل اللذين من اجلهما نشأت المنظمة. فقد وقعت حماس لأول مرة منذ تم تأسيسها على اتفاق التزمت فيه ان تضع سلاحها وتنهي نضالها لاسرائيل. هذا الى ان المنظمة وافقت ايضا على ان تكون شرطيا لاسرائيل يلتزم بالحفاظ على الهدوء على طول الحدود ومنع فصائل فلسطينية اخرى من العمل على مواجهة اسرائيل.
يمكن ان نفسر الاعتدال المفاجيء الذي تظهره حماس في الايام الاخيرة بصورة جزئية على الأقل بالاصابة الشديدة التي تلقاها ناسها في الايام الاخيرة في قطاع غزة. ففي حين انحصرت برامج التلفاز في اسرائيل بطبيعة الامر في اصابة مواطني اسرائيل في المنطقة الممتدة من تل ابيب الى الجنوب، نظر مشاهدو قنوات التلفاز العربية الى الوجه الثاني من قطعة النقد، الى اصابة دولة حماس وجيش حماس اللذين دأبت المنظمة في انشائهما في السنوات الاخيرة.
لا يمكن تدبير أمور دولة حماس من ملجأ تحت الارض ولا يمكن ايضا تدبيرها مع بحث دائم عن مخبأ من سلاح الجو الاسرائيلي. ولا يمكن تدبير امور دولة حماس مع تبديل يومي للقادة العسكريين الذين يفترض ان يدافعوا عنها ويحفظوا الاستقرار فيها من الأعداء في الداخل أولا وهم من حركات اسلامية أكثر تطرفا من حماس أو حتى من فتح.
حينما اضطرت حماس الى الاختيار بين حفظ سلطتها وتقويتها في القطاع والتخلي عن شعار نضال اسرائيل، اختارت حماس توجها براغماتيا يرمي الى البقاء ومحاولة احراز أرباح في الساحة السياسية لا العسكرية على الخصوص. يصعب ان تترجم الاصابة المنهجية في الايام الاخيرة لنظام البنى التحتية العسكرية لحماس الى صورة انتصار كتدمير ربع الضاحية في بيروت في حرب لبنان الثانية حتى ولا كالتدمير الذي أصاب قطاع غزة في خلال عملية “الرصاص المصبوب”. لكن التقارير الفلسطينية تُظهر صورة لا تحبها حماس بيّنت كما يبدو لقادتها ان عندهم – لا عند اسرائيل وحدها – الكثير مما يخسرونه اذا لم يتم وقف اطلاق النار على حدود القطاع.
——————————————————
هآرتس – مقال – 22/11/2012
رغم المعاناة في غزة، تعززت مكانة حماس
بقلم: عميرة هاس
جانبا واحدا هاما في انتصار حماس هو في التعزيز الواضح لمكانتها في أوساط ابناء شعبها.
من الطبيعي ان يقول كل واحد من الطرفين الصقرين انه هو المنتصر في وقف النار. من ناحية ميزان القتلى وحجوم الدمار واضح من هو المنتصر، وهناك من لا يزال يجري هذه الحسابات الساخرة – في ظل طمس الاعداد العالية للنساء والاطفال الفلسطينيين بين القتلى والجرحى. ولكن اذا كان “النصر” سيقاس حسب تأييد كل طرف لقيادته، يبدو أنه يمكن ان يقرر بان كأس الفوز لدى حماس بالفعل.
لخيبة أمل الكثير من الاسرائيليين، لا يوجد هجوم بري ووقف النار تحقق قبل أن تبدي وسائل اطلاق الصواريخ من غزة بوادر التعب. يختلف الوضع لدى الفلسطينيين في غزة، الذين يؤيدون وقف النار – وليس فقط لان قصف الجيش الاسرائيلي أعطى مؤشراته والخوف من تواصل ارتفاع عدد القتلى بمتواليات هندسية.
حتى بعد هجوم “رصاص مصبوب” أعلنت حماس عن النصر، ولكنها في حينه لم تنجح في اقناع الجمهور الغفير في غزة. “انتصار آخر كهذا فاننا سنرى رفح من بيت حانون”، هكذا تفكهوا بمرارة وقصدوا الدمار الهائل الذي خلفه الجيش الاسرائيلي وراءه. كما ان الناس لاحظوا أن وعود حماس بمفاجآت عسكرية كانت تطلقها قبل الهجوم البري وفي اثنائه كانت مجرد تبجحات فارغة. وقبل أربع سنوات ايضا طلبت حماس رفع الحصار الغاشم وفتح رفح امام العبور الحر للاشخاص، وفشلت. ما بدأ يتشقق في حينه في الموقف الاسرائيلي ويجعل غزة موضوعا لا يشطب عن جدول الاعمال العالمي كانت الصدمة من مشاهد الهجوم وأعمال التضامن الدولية، وذروتها اسطول مرمرة.
هذه المرة، حتى من لا يؤيد حماس يقدر الانجاز السياسي الكامن في المفاجآت العسكرية التي كانت لحماس. فالقدرة على مواصلة اطلاق النار حتى في اثناء الهجوم المكثف تشير الى قدرة تخطيط هذه الحركة وقدرتها على التعلم من اخطائها. والفلسطينيون لم يروا فقط بطولة في مواصلة اطلاق الصواريخ من كل الانواع، بل لاحظوا ايضا تفكيرا للمدى البعيد لدى حماس، وهي ميزة تنقص برأي الكثيرين جدا لدى الحركة الخصم – فتح، ولا سيما منذ تحولت الى حركة سلطة مقيتة. وهكذا، فان جانبا واحدا هاما في انتصار حماس هو في التعزيز الواضح لمكانتها في أوساط ابناء شعبها. ليس مؤكدا انه من المجدي لفتح أن تصر في الزمن القريب القادم على اجراء انتخابات عامة للمجلس التشريعي.
واضح ان التفكير للمدى البعيد ما كان سيساعد حماس لولا صعود الاخوان المسلمين الى الحكم. ولكن جزء من الثقة بالنفس التي ميزت حماس في تآمرها ضد حكم السلطة كان توقع الانتفاضات الشعبية – الاسلامية في المنطقة العربية. في م.ت.ف يقولون دوما ان القضية الفلسطينية هي القضية المركزية في الاستقرار والسلام الاقليمي إن لم يكن العالمي، ولكن هذه المنظمة أبقت هذه الحجة لرحمة احداث عرضية لا سيطرة لها عليها.
وتعتمد حماس على قدرة الاحتمال التي لا تنضب لدى الغزيين بشكل خاص، حين وجهت قطاع غزة نحو كيان منفصل ينفتح على العالم العربي والاسلامي. وكجزء من الاخوان المسلمين فانها تفعل اليوم أمرين: تعيد القضية الفلسطينية لتكون مركز الاهتمام الدولي، وتتصرف ايضا كقوة اقليمية يجب مراعاة قدرتها ورأيها.