معهد INSS – بقلم يورام شفايتسر و اورنا مزراحي – حزب الله والمظاهرات في لبنان ، الكفاح لحفظ مكانة المنظمة

نظرة عليا – بقلم يورام شفايتسر واورنا مزراحي – 4/12/2019
ان أحداث الاحتجاج الواسعة التي نشبت بشكل عفوي في لبنان في 17 تشرين الاول تتواصل، في دعوة دائمة لاتخاذ خطوات بعيدة الاثر لتغيير النظام السياسي القائم وتحسين الوضع الاقتصادي للمواطنين. ويوجه اساس غضب المتظاهرين، الذين يضمون كل الطوائف في الدولة ضد النخبة القديمة والفاسدة، دون تمييز بين زعماء الطوائف المختلفة: “كلن يعني كلن”. ويطالب المتظاهرون بتغيير القيادة الحالية فوريا وتعيين حكومة جديدة بدلا منها تتشكل من التكنوقراطيين دون مشاركة السياسيين الفاسدين المعروفين. وهم يطالبون بمحاكمة النخبة التي استغلت الاقتصاد اللبناني على مدى السنين ولم تحرص على تحسين ظروف معيشة المواطنين الذين يعانون من بنى تحتية متهالكة وغياب المداخيل. في اعقاب المظاهرات شلت المنظومة الحكومية، البنوك ومؤسسات التعليم لا تعمل بشكل منتظم، والاقتصاد على حافة الانهيار. وبعد استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري في 29 تشرين الاول تجري اتصالات لتشكيل حكومة جديدة، ولكن بدون نجاح حتى الان، عقب الصعوبة التي لا تجعل من يمسكون بدفة الحكم للتخلي عن مكانتهم وبسبب الخلافات حول التشكيلة الحكومية ايضا.
حزب الله كفيل بان يتضرر من كل تغيير في الوضع الراهن في لبنان، الذي يسمح له من جهة بالتأثير على المنظومة السياسية، ومن جهة اخرى ان يواصل تطوير مكانته الخاصة كحزب توجد له ميليشيا عسكرية ايضا. لقد تمكنت المنظمة من الحفاظ على قوتها، وبالاساس الحفاظ على قوتها العسكرية واستقلال قرارها بالنسبة لاستخدام هذه القوة، في ظل استمرار تعاظمه العسكري بمساعدة سيدتها، ايران، ووفقا لمصالحها ومصالح ايران. كما يقيم حزب الله منظمة اقتصادية اجتماعية لمنفعة السكان الشيعة المؤيدين له، بشكل مستقل ومنفرد عن المنظومة السلطوية القائمة.
في الانتخابات التي اجريت في ايار 2018 للبرلمان اللبناني، فاز المعسكر المتماثل مع حزب الله بالاغلبية. ويعد هذا انجازا هاما للمنظمة التي يهدد الاحتجاج بضعضعة الاستقرار السياسي والمس بها. في الحكومة التي تشكلت في كانون الثاني 2019 بعد مداولات طويلة نال معسكر حزب الله (معسكر الثامن من اذار) اغلبية الوزراء (18 من اصل 30). هكذا صار بوسع حزب الله أن يتصدر تبني القرارات التي تنسجم مع مصالحه، وفي نفس الوقت يمنع قرارات اشكالية بالنسبة له، وكذا ان يستخدم وفقا لاحتياجاته ميزانيات الوزارات، التي بمسؤولية مندوبيه. فضلا عن ذلك، فان دوره في الساحة السياسية في لبنان والمصلحة الاقليمية والدولية في استقرار لبنان وابقائه كدولة، كل هذا يشكل درعا لحزب الله في وجه انتقاد اكثر حدة وعقوبات أكثر ايلاما من تلك التي توجه ضد المنظمة ومسؤوليها، ولا سيما من جانب الولايات المتحدة.
يتجه غضب المتظاهرين لرئيس الوزراء السني، الرئيس المسيحي، رئيس البرلمان الشيعي وكذا وزراء بعضهم ينتمون لحزب الله ويتماثلون مع معسكره. الامر مريح لنصرالله، الذي ليس منتخبا من الجمهور ولهذا فلا توجد مطالبة مباشرة لاستبداله، رغم ان اسمه يذكر احيانا من جانب المتظاهرين كجزء من المسؤولين عن الوضع. رغم أن المتظاهرين لا يميلون لان ينسبوا لحزب الله المسؤولية عن الوضع الصعب في لبنان، باستثناء هتافات عفوية ضد المنظمة وزعيمها، تخشى المنظمة من اثار الاحتجاج على مكانتها المسيطرة في الدولة. والتطلع لانهاء المظاهرات وحفظ النظام القائم واضح جيدا في الخطابات الاربعة التي القاها نصرالله منذ نشوب الاحتجاج. ومنذ خطابه الاول، اوضح نصرالله بان حزب الله لا يؤيد استقالة الحكومة أو اقامة حكومة تكنوقراط، ولا تقديم موعد الانتخابات للبرلمان. وبقي هذا الخط في كل خطابات نصرالله الذي عاد وحذر من ان استمرار الاحتجاج وتبني كل التغييرات التي يطالب بها المتظاهرون سيلحق مخاطر حقيقية باستقرار لبنان بسبب انهيار الاقتصاد والصراع العنيف الذي قد يتدهور الى حرب اهلية. وعلى حد قوله، بدلا من سياقات التغيير التي ستستغرق سنوات، يجب اتخاذ خطوات فورية، بينها معالجة الفساد والمؤسسات الفاشلة، الى جانب خطوات في صالح الجمهور. كما عاد نصرالله واعرب عن حرصه على الشعب اللبناني وشدد على دور حزب الله كدرع للبنان في ظل ابراز قوته وقدرته على مواجهة “التهديد الاسرائيلي”. في خطاب القاه في الاول من تشرين الثاني اعلن نصرالله بان “لدينا الكثير من الصواريخ التي لا نعرف اين نضعها”.
يدعي حزب الله بانه تشارك في اشعال الاحتجاج جهات اجنبية، وبخاصة السعودية، اسرائيل واساسا الولايات المتحدة. في 24 تشرين الثاني، جرت مظاهرة عنيفة لرجال حزب الله امام السفارة الامريكية في بيروت وعضو البرلمان عن حزب الله، حسن فضل الله، ادعى في 25 تشرين الثاني بان الولايات المتحدة تثير الاحتجاج وتحاول فرض اجتدتها على لبنان بهدف اضعاف المنظمة.
حزب الله غير المعني بتصعيد الاحتجاج رغم تخوفه منه، امتنع حتى الان من استخدام القوة ومن اتخاذ خطوات عنيفة واسعة لوقف المظاهرات. ومع أنه سجل عدد من حالات المواجهة بين مؤيدي حزب الله، الذين اتخذوا العنف تجاه المتظاهرين (29 تشرين الاول، 24 تشرين الثاني) وجنود من الجيش اللبناني تدخلوا وفصلوا بين الصقور حفظا على النظام، الا ان المنظمة تبنت سياسة “التقية” (وهو موقف تقليدي من الاخفاء تتخذه الطائفة الشيعية، المضطهدة على مدى التاريخ من الاغلبية السنية) والسياسة.
والى ذلك، يشارك مندوبو المنظمة من خلف الكواليس في كل الخطوات السياسية في اطار محاولات الاستجابة لمطالب المتظاهرين، في ظل الجهد لمنع احداث تغييرات جوهرية، في حالة اتخاذها، كي لا تهدد مكانتها. وكان حزب الله حاول حتى منع استقالة الحريري، خصمه السياسي القديم، الذي التقى مع نصرالله قبل بيانه العلني بالاستقالة. كما تشارك المنظمة في الاتصالات لتشكيل الحكومة الجديدة وكما أسلفنا، مع رفاقه في المعسكر واساسا الحزب المسيحي للرئيس ميشيل عون، والذي يعارض مطلب المتظاهرين، الذي يؤيده الحريري لاقامة حكومة تكنوقراط. يبدو أن مطلب حزب الله ومعسكره هو العقبة المركزية في المساعي المتواصلة لتشكيل الحكومة الجديدة. ويؤيد جهود حزب الله هذه رفاقه في معسكر 8 اذار ايضا. هكذا مثلا، الرئيس عون، اعلن بان احدا لا يمكنه أن يمنع حزب الله من العضوية في الحكومة الجديدة في ضوء دوره المركزي في الدولة كممثل عن ثلث السكان. كما ادعى عون بان حزب الله يحرص على تنفيذ قرار مجلس الامن 1701 من العام 2006 واوضح بان العقوبات المفروضة على حزب الله لا تؤثر سلبا على الاقتصاد اللبناني.
المعاني لاسرائيل
ليس لاسرائيل مصلحة في التدخل في شؤون لبنان الداخلية، ولكن عليها أن تتابع عن كثب الاحداث وامكانية الانزلاق الى العنف خلف حدود الدولة. كلما استمر الاحتجاج في لبنان فانه يفاقم ازمة حزب الله، الذي يعيش مصاعب اقتصادية وضغط متزايد في الساحة الدولية، ومما يجذبه للانشغال في التطورات الداخلية في لبنان. وبالمقابل، يحتمل أن تختار المنظمة في هذه الظروف صرف النار نحو جهات خارجية، مثلما يتهم الولايات المتحدة بالنبش في الاحتجاج في لبنان بل وتوجد امكانية، وان كانت معقوليتها متدنية بسبب ثمن التصعيد، ان يبادر حزب الله الى خطوات عسكرية محدودة ضد اسرائيل، لحرف الرأي العام في لبنان ضده وتهدئة الاحتجاج الداخلي. فالنار التي اطلقتها المنظمة في 31 تشرين الاول ضد طائرة مسيرة اسرائيلية في جنوب لبنان يمكن تفسيرها كمثال على هذا المزاج، ومن هنا يفترض الاستعداد لامكانية احداث مشابهة، بل اكثر حدة.
كما أنه في اثناء الاحداث برز الدور الباعث على الاستقرار والمهديء للجيش اللبناني، في الحفاظ على حدود الاحتجاج والتوتر بين المواطنين من كل الطوائف تجاه الحكومة، في ظل استخدام وسائل غير عنيفة (حتى الان لم يقتل الا شخص واحد بنار رجل امن). يؤكد سلوك الجيش هذا مرة اخرى المعضلة الاسرائيلية بالنسبة للمساعدات الخارجية التي يتلقاها لبنان من الولايات المتحدة، وفي هذا الوقت بخاصة، في ضوء المداولات الجارية في الادارة الامريكية بشأن تحرير المساعدة للجيش اللبناني، بمبلغ 105 مليون دولار، والتي توقفت في اعقاب الاحتجاج. من جهة، معروفة اهمية تعزيز الجيش اللبناني كالقوة اللبنانية الوحيدة القادرة على ان تشكل وزنا ضد قوة ميليشيا حزب الله العسكرية. ومن جهة اخرى، بقي على حاله التخوف من ان يقاتل الجيش اللبناني، كله او بعضه ضد اسرائيل الى جانب حزب الله اذا ما وعندما تنشأ مواجهة واسعة.