ترجمات عبرية

معهد INSS – بقلم اوفير فينتر – قناة السويس : مسار لتنمية السلام مع مصر

معهد INSS – بقلم  اوفير فينتر  – 25/11/2019

في 17 تشرين ا¬لثاني 2019 أحيت مصر 150 سنة على فتح قناة السويس. فقد دشنت هذه في 1869 في احتفال كبير لمشاركة عظماء العالمواصبحت شريان ملاحة هام يمر فيه نحو 10 في المئة من التجارة العالمية. وارتفعت مكانة القناة اكثر فأكثر في عهد الرئيس السيسي، الذي دشن في آب 2015 “قناة السويس الجديدة” في حدث استهدف استعادة لحظة افتتاح القناة الاصلية، واعتبر تطوير القناة مثابة مشروع العلم لنظامه. وكان هدف المشروع مزدوجا: زيادة مداخيل القناة من خلال توسيع المواصلات فيها – مزيدا من السفن، سفن اكبر، في وقت اقل؛ تطوير مناطق خدمة وصناعة على طول القناة بهدف رفع الطاقة الاقتصادية الكامنة فيها الى الحد الاقصى.

الى جانب فضائل مشروع القناة الجديدة الاقتصادية فان لها أهدافا سياسية: أولا، تعزيز الشرعية الجماهيرية لنظام السيسي كمن يعمل على قيادة مصر الى عصر جديد من الازدهار. وانهاء المشروع في ظل الالتزام بجدول زمني متشدد لسنة، والتعاون الهندسي المركب واظهار قدرة حكم عالية، عرضت كنظرية مضادة على فوضى ثورات “الربيع العربي”؛ ثانيا، تحسين المكانة الدولية لمصر وتجنيد الدعم الخارجي لاستقرارها؛ ثالثا، رفع المعنويات الوطنية عبر تسويق المشروع كتجسيد لقدرة المصريين على الصمود امام التحديات التي يقفون امامها وبناء مستقبلهم معا.

ينقسم المشروع الهندسي الى قسمي: حفر قناة جديدة بطول 35 كيلو متر بالتوازي مع القناة القائمة، وتعميق وتوسيع قسم من مسار الملاحة القائم على مسافة 37 كيلو متر اخرى. في اعقاب المشروع اتيح عبور السفن في الاتجاهين على طول نحو 50 في المئة من محور القناة، وقل زمن العبور من 18 الى 11 ساعة وزمن الانتظار للعبور قصر من 8 الى 3 ساعات. وارتفع استيعاب القناة الاقصى من 49 الى 97 سفينة في اليوم، بما فيها السفن الضخمة. وبلغت كلفة المشروع نحو 8 مليار دولار وشاركت فيه 53 شركة، 40 الف عامل، كتيبتان عسكريتان و 75 في المئة من اساطيل سفن الحفر في العالم.

“قناة السويس الجديدة”: تقويم أولي

التقويم الاولي لانجازات “قناة السويس الجديدة” يظهر نجاحات الى جانب خيبات امل. رغم أنه في أربع سنوات عملها الاولى سجلت القناة المتطورة سلسلة من الارقام القياسية الجديدة، غير أنها لا تزال بعيدا عن الاهداف المحددة للمشروع للعام 2023. وتتعلق خيبة الامل الاساس بمداخيل القناة من مردودات العبور. فقد استند المشروع الى توقع يقضي بان تزداد المداخيل من 5.3 مليار دولار في 2014 الى 13.4 مليار دولار في 2023 (ارتفاع بمعدل 259 في المئة). اما حسب المعطيات الرسمية التي نشرتها سلطة القناة ففي العام 2018 بلغت المداخيل 5.9 مليار دولار (ارتفاع بنحو 11.2 في المئة مقارنة بالعام 2014) والربح المتوقع للعام 2019 يبلغ 6.1 مليار دولار فقط.

وينبع الارتفاع المعتدل في مداخيل القناة اساسا من الميول العالمية التي لا تسيطر عليها مصر، بما فيها الانخفاض في اسعار الوقود والذي مس بجاذبية القناة مقارنة بمسارات الملاحة البديلة وابطاء النمو في اقتصاد الصين والتجارة العالمية. وفي نفس الوقت، اكدت المعطيات المخيبة للامال الانتقادات التي رافقت المشروع من بدايته وقالت انه استند الى توقع كبير غير واقعي في حجم التجارة العالمية. وبينما يشدد نظام السيسي على الارتفاع التدريجي في مداخيل القناة، يرى منتقدوه في نتائج المشروع دليلا على أنه جاء مسبقا كي يخدم احتياجات سياسية قصيرة المدى، تم دون بحث مسبق كاف وحمل مصر عبئا زائدا في فترة من الازمة الاقتصادية.

أما بالنسبة لحجم عبور السفن في  القناة، فقد بلغ في 2018 نحو 50 سفينة بالمتوسط في اليوم مقابل 47 في 2014 (ارتفاع معتدل بنحو 6.3 في المئة). تحسن اكبر سجل في وزن البضائع التي مرت في القناة، والذي بلغ في 2018 نحو 1.14 طن (ارتفاع نحو 18.3 في المئة مقابل 2014). ومعنى هذا المعطى هو أنه دخلت الى القناة سفن أكبر تحمل وزنا أكبر، بعضها ما كان يمكنه أن يعبر قبل تعميقها. وهكذا تمت تلبية الميل العالمي لاستخدام متزايد لسفن تحميل اكبر مما يسمح بتوفير الوقود وبرسوم العبور. واستمر الارتفاع في عبور السفن في 2019 ايضا، حين سجل  في القناة رقم قياسي لمرة واحدة بعبور 81 سفينة في اليوم، واستضافت بعض سفن التحميل والمسافرين الاكبر في العالم.

المنطقة الاقتصادية للقناة: صورة الوضع

مع فتح القناة الجديدة أعلنت مصر عن اقامة 42 مشروع مرافق في منطقتها الاقتصادية، غايتها استنفاد الطاقة الكامنة للربح فيها. وشرح مسؤولون مصريون بان “ليس مناسبا انه منذ فتح القناة في 1869 اكتفت مصر بدور جباية رسوم العبور. وبالفعل، حسب الخطط التي طرحت في فترات سابقة، سعت مصر لان تنتج في القناة محركات نمو جديدة ومنحها قيمة اقتصادية مضافة عبر تحويلها الى مركز عالمي من الموانيء، النقليات، التحميل والتنزيل للبضائع، اصلاح وشحن بالوقود للسفن ومناطق صناعية وتجارية. ويفترض بالمشاريع المخطط لها أن توفر في المستقبل نحو 2 مليون مكان عمل لسكان مدن القناة ومحيطها.

تتبلور الانجازات الاولية للمشاريع المرافقة هي ايضا في صورة مختلطة. ففي الجانب الايجابي يمكن الاشارة الى نجاح مصر في تجنيد استثمارات بمبلغ نحو 25 مليار دولار. اضافة الى ذلك سجل تقدم حقيقي في اقامة “انفاق السويس” المشروع الذي تقدر كلفته بنحو 4 مليار دولار ويستهدف تسهيل الوصول الى المناطق الصناعية التي تبنى حول القناة وتسمح بربط جغرافي افضل بين شبه جزيرة سيناء وقلب الدولة. نفقان اوليان بطول نحو 6 كيلو متر فتحا في ايار 2019 في الاسماعيلية، وهما يسمحان بعبور سيارات سريعة بين ضفتي القناة. للمشروع – الذي يوصف كنجاح جديد للقناة – سينضم قريبا نفقان في بورسعيد، حيث اجريت سفرية تجريبية في تشرين الاول الماضي.

بالمقابل، فان الكثير من المشاريع في منطقة القناة لا تزال في مرحلة التنمية الاولية. مرحلة البناء الاولى في مشروع سهل التكنولوجيا في الاسماعيلية، والذي سيوفر نحو مليون مكان عمل، انتهت في ايار 2017 ومنذئذ لم يبلغ عن تقدمه. واتفقت مصر وروسيا في ايار 2018 على اقامة منطقة صناعية شرق بورسعيد ستخلق 35 الف مكان عمل. كما ترى الصين في تطوير القناة حلقة هامة في مبادرة “حزام واحد، طريق واحد”، في اطارها ستشكل مصر سوقا لبضائعها وتوفر قوة عمل رخيصة لمصانعها. شركة “تيدا” الصناعية وقعت في كانون الثاني 2016 اتفاقا لتطوير المنطقة الاقتصادية في القناة، وصحيح حتى اواخر 2019 تنشغل في المرحلة الثانية من المشروع الذي يفترض أن يخلق نحو 40 الف مكان عمل. المرحلة الاولى في بناء مدينة “الاسماعيلية الجديدة” دشنت في ايار 2019.

يوجد محور قناة السويس في رأس قائمة خطط التنمية الاقتصادية التي تظهر في رؤيا “مصر 2030” التي اعلنت عنها وزارة التخطيط المصرية في كانون الثاني 2018. ولكن في اللحظة التي يفترض فيها للمنطقة الصناعية في القناة ان تنتج في المستقبل نحو 25 مليار دولار في السنة، بلغت ارباحها الحقيقية 2018 نحو 136 مليون دولار فقط. الفارق بين الوعود وتحققها حتى الان يشدد على التحديات التي لا تزال امام النظام المصري كي يستوفي اهدافه بما فيها: تجنيد وجذب استثمارات اخرى لتطوير منطقة القناة؛ تقليص الحواجز البيروقراطية التي تردع المستثمرين؛ تأهيل قوة عمل نوعية مناسبة لاحتياجات سوق العمل.

فرص لتعاون اسرائيلي – مصري

بينما اعتبرت القناة في عهد الرئيس جمال عبدالناصر رمزا لصراع مصر ضد الاستعمار الغربي واسرائيل، ففي العصر الحالي طرأ تغيير في مكانتها: فقد باتت القناة ترمز اكثر من أي شيء آخر الى انفتاح مصر على العالم وتطلعها لان تكون حلقة تربط بين الشرق والغرب، لاكتساب ادوات العلم والتقدم وتنمية اقتصادها. وفضلا عن ذلك، فان القناة التي كانت في مركز حروب الماضي بين اسرائيل ومصر تعرض اليوم على الدولتين فرصا للتعاون متعدد المجالات – الامني، الاقتصادي والبيئي.

على المستوى الامني، يتعاون الجيشان منذ زمن بعيد في مكافحة الارهاب في سيناء. ونجح الجيش المصري حتى الان في منع المس بمحور القناة من جانب منظمات الارهاب السلفية – الجهادية، مما كان من شأنه ان يحلق ضررا اقتصاديا ومعنويا خطيرا. لاسرائيل مصلحة مباشرة في امن القناة، حيث تمر نحو 20 في المئة من التجارة الخارجية البحرية لها في طريقها الى الشرق الاقصى. اضافة الى ذلك، توجد لاسرائيل، مصر وغيرها من الدول مصلحة للتعاون في حماية مسارات الملاحة في البحر الاحمر مقابل تهديدات محتملة من جانب ايران وفروعها. كلما تعززت الثقة بين الطرفين، يمكن لاسرائيل أن تتقاسم مع مصر تكنولوجيات الدفاع السايبر لحماية منظومات الاتصال، النقليات، المعلومات والحواسيب التي تستخدم في القناة وفي موانئها.

على المستوى الاقتصادي، في اطار اتفاق كيز توجد على طول القناة ثلاث مناطق صناعية اسرائيلية – مصرية معروفة، في بورسعيد، في الاسماعيلية وفي السويس، معفاة من الجمارك لتصدير البضائع الى الولايات المتحدة. زخم التنمية في المنطقة الاقتصادية للقناة يمنح اسرائيل ومصر فرصة لتشجيع توسيع التعاون بينهما، بما في ذلك في المشاريع المشتركة في مجال التكنولوجيا العليا. ويمكن لمصر، اسرائيل والولايات المتحدة فحص ادخال الصين الى اتفاق كيز، في ضوء اهتمامها في اقامة مشاريع تتمتع بالاعفاء الامريكي من الجمرك. لتنمية المنطقة الصناعية في القناة اهمية امنية ايضا إذ ان زيادة فرص العمل للسكان المحليين في شمال سيناء ستساهم في ابعادهم عن النشاط الارهابي والتهريب الى قطاع غزة.

على المستوى البيئي، فان مواجهة الاضرار التي تلحقها قناة السويس بالبحر المتوسط هي مجال تعاون محدد ملح للغاية مطلوب من اسرائيل، مصر ودول البحر المتوسط التعاون فيه. فمن بحوث المختصين بالبيولوجيا البحرية وعلى رأسهم البروفيسورة بيلا جليل، يتبين أنه عقب توسيع القناة وتعميقها منذ ايام ناصر وحتى السيسي نشأ رواق بحري يعبر فيه مئات الانواع من البحر الاحمر الى البحر المتوسط مما يخل بالمنظومة البيئية وبالتنوع البيولوجي. مثال على ذلك هو الاسماك البحرية القارصة التي تقرص السياح على الشواطيء، والصيادين وتضر بمنشآت التحلية ومحطات توليد الطاقة في الحوض الشرقي من البحر المتوسط. ويتطلب وقف الضرر المحتدم تجندا اقليميا سريعا. احد الحلول هو ضخ الاملاح التي تخلفها منشآت التحلية في منطقة القناة الى البحيرات المريرة التي تفصل بين القسم الجنوبي والشمالي وذلك بهدف خلق مانع من الملوحة عن قسم من الانواع التي تمر فيها. في ضوء الالحاح في معالجة الموضوع هناك حاجة لان يتلقى اولوية عليا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى