ترجمات أجنبية

معهد واشنطن – وور أون ذي روكس – باربارا أ. ليف و دانا سترول – المثلث المعني بطائرات إف – 35 أمريكا وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة

معهد واشنطن –   وور أون ذي روكس  – باربارا أ. ليف  و دانا سترول  – 15/9/2020

برز الشرق الأوسط من خلال الصدمات غير السارة التي يشهدها منذ عقود: حرب الأيام الستة عام 1967، وغزو العراق للكويت عام 1990، وحرب صيف عام 2006 المعروفة بـ”حرب تموز” بين إسرائيل و«حزب الله»، واستيلاء مقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية» على معظم شمال العراق في عام 2014. وإلى جانب النتائج القاتمة لتورط أمريكا في العراق والتداعيات المخيبة للآمال للحركة التي تم التهليل لها سابقاً تحت مسمى “الربيع العربي”، لم تمنح المنطقة الأمريكيين أسباباً كافية للتفاؤل. ولكن هذا الصيف، فاجأ البيت الأبيض العالم بخبر يبعث على الأمل ضمن أنباء الشرق الأوسط، وهو: أن الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل ستعملان على تطبيع العلاقات بينهما، الأمر الذي لم يكن ممكناً تصوّره في يوم من الأيام.

ويمكن لهذه الخطوة تحويل الديناميكيات الإقليمية بشكل ملحوظ وتعميق العلاقات السرية حتى الآن عبر الطيف الكامل للقطاعات المدنية، من الأعمال التجارية إلى العلوم والزراعة وحتى الفضاء. ويستند الاتفاق الإماراتي – الإسرائيلي إلى سنوات من التعاون “تحت الطاولة” بين خبراء الأمن والاستخبارات المندفعين نحو التوافق الاستراتيجي من خلال تصوّر مشترك للتهديد الإقليمي الرئيسي، ألا وهو إيران.

وبالنسبة إلى الإمارات، الدولة العربية الثالثة فقط التي تقيم علاقات مع إسرائيل، يبدو أن “المُحلّي” الأمريكي هو التزام الولايات المتحدة ببيعها “مقاتلات الضربات المشتركة” من طراز “إف-35” (F-35)، بالإضافة إلى أسلحة متطورة أخرى  كان ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد قد سعى للحصول عليها منذ فترة طويلة. وهناك سوابق لتجهيزات عسكرية أمريكية تم تسليمها مقابل السلام: عندما أبرمت مصر اتفاقية سلام مع إسرائيل في عام 1979، حصلت على ثاني أكبر حزمة مساعدات عسكرية في الشرق الأوسط بعد إسرائيل، وهي مستمرة في الحصول عليها حتى يومنا هذا. وعندما وقّع الأردن اتفاقية سلام مع إسرائيل في عام 1994، ترافق الإعلانمع تخفيف الديون وبيع طائرات مقاتلة من طراز “إف-16” (F-16)، وعلى غرار مصر، ما زال الأردن متلقياً رئيسياً للمساعدات الأمريكية. وبالنسبة إلى كلتي الدولتين، تشكل معاهدات السلام التي عقدتاها مع إسرائيل عوامل حاسمة في دعم الحزبَين الجمهوري والديمقراطي المستمر منذ عقود في الولايات المتحدة لمواصلة المساعدة والتعاون الأمني.

وركزت ردود الفعل على الحيازة الإماراتية لطائرات “إف-35” إلى حد كبير على ما إذا كانت إسرائيل ستدعم عملية البيع هذه والشرط ذي الصلة المنصوص عليه في القانون الأمريكي المحلي والذي يقضي بضمان التفوق العسكري الإسرائيلي على جميع الدول الأخرى في الشرق الأوسط. إن المصطلح المعتمد في السياسة منذ وقت طويل، والذي تم تدوينه لاحقاً في القانون، هو “التفوق العسكري النوعي”. ومن وجهة النظر الإماراتية، إذا أقامت أبو ظبي علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل – مع وعد بـ “سلام دافئ”، على حد تعبير المسؤولين الإماراتيين – بينما تتشارك الدولتان منظور التهديد ذاته، ينبغي إذاً على إسرائيل أن تثق بأنه لن يتم توجيه هذه الأسلحة ضدها ولا تعترض بالتالي على عملية البيع. علاوةً على ذلك، بخلاف مصر والأردن، لم يسبق للإمارات أن هاجمت إسرائيل قط.

وعندما حضر قادة من كلا الحكومتين حفل التوقيع على اتفاق التطبيع في البيت الأبيض، بحث المراقبون المقربون عن إشارات على مضي عملية بيع طائرات “إف-35” قدماً بموافقة إسرائيل. لكن هذا التركيز الضيق يغفل السؤال الأهم: فيما يتخطى الرئيس الأمريكي ومستشاريه المقربين، هل هناك دعم كافٍ لهذا البيع في واشنطن؟ كمسؤولتان حكوميتان سابقتان خدمتا في وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكتين وفي الكونغرس الأمريكي أيضاً، نحن واثقتان بأن العملية المستقبلية ستكون فوضوية وستستغرق وقتاً طويلاً، لا سيما وأن القضية الحالية تمثل سابقة من نواحٍ كثيرة.

ولا تشكل حماية التفوق العسكري الإسرائيلي سوى واحدة من سلسلة عوامل سيأخذها صانعو السياسات في الفرعين التنفيذي والتشريعي للحكومة الأمريكية بعين الاعتبار. وبنفس القدر من الأهمية، إن لم يكن أكثر من ذلك، هو السجل الإماراتي لاستخدام الأسلحة الأمريكية الأخرى وحمايتها، وكيف تندرج عملية البيع ضمن السياق الاستراتيجي الأوسع نطاقاً لأهداف الأمن القومي الأمريكي والسياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط. بعبارة أخرى، ستكشف عملية بيع طائرات “إف-35” للإمارات تفاصيل عن شراكة واشنطن مع أبو ظبي أكثر بكثير مما ستكشفه عن العلاقات الإماراتية الإسرائيلية المتطورة.

الأمن والأعمال التجارية

يُفترض أن تمثل عملية بيع طائرات “إف-35” لدولة معينة إشارة إلى أن الولايات المتحدة لديها أعلى درجة من الثقة في القدرات القتالية لتلك الدولة وعملية صنع القرارات المتعلقة باستخدام القوة والالتزامات بحماية التكنولوجيا الحساسة من قبلها. ولكن السجل الإماراتي في كل من تلك القضايا لا يوحي “بأعلى” درجات الثقة، إذ أنه سجل مختلط.

ومن شأن “مقاتلات الضربات المشتركة” من طراز “إف-35” أن تغيّر قواعد اللعبة. فلا يمكن مقارنتها في سوق الأسلحة العالمية بأي سلاح من أي مصدر بيع آخر. وهي تشكل أكبر وأغلى برنامج توريد للبنتاغون، وكما ورد على لسان أحد مسؤولي الدفاع الأمريكيين، بأن “اعتبار هذه المقاتلات الجيل التالي من الطائرات المقاتلة المباعة لحكومات عربية أخرى لا ينصف النقلة النوعية التكنولوجية التي تمثلها”. فمقاتلات “إف-35” تتمتع بميزة التخفي وتطير بسرعات تفوق سرعة الصوت وهي مزودة بأجهزة استشعار على متنها تتيح للطيار رؤية شاملة لساحة المعركة، تمتد على مئات الأميال. ووفقاً لإحدى المقالات بإمكان “طائرات “إف-35″ رصد وقتل مقاتل عدو أو موقع رادار أو بطارية صاروخ قبل [أن يتم] اكتشافها [الطائرة]” – باختصار، ستوفر طائرة “إف-35” ميزة عسكرية حاسمة للمقاتل في ساحة القتال. وعند اتخاذ قرار بتصدير طائرة “إف-35” إلى دولة أجنبية، يجب أن تكون واشنطن واثقة من أن عملية البيع تُلبّي مصالح الأعمال التجارية والأمن القومي على حد سواء.

وتعتبر عمليات بيع الأسلحة مجالاً رائداً للمنافسة في الشرق الأوسط، وعلى حد تعبير مساعدة سابقة لوزير الخارجية الأمريكية بالوكالة للشؤون السياسية والعسكرية تينا كيدانو:

“تشكل عمليات نقل الأسلحة جزءاً من السياسة الخارجية. فعندما ننقل نظاماً أو قدرة إلى شريك أجنبي، فإننا نؤثر على موازين القوى الإقليمية – أو الداخلية الأجنبية؛ ونحن نرسل إشارة دعم؛ ونقوم بإنشاء أو المحافظة على علاقات قد تستمر لأجيال وتقدم فوائد لفترة طويلة من الزمن”.

ويستفيد المنافسون الأمريكيون في قطاع تصدير الأسلحة العالمي – خصوصاً روسيا والصين – أيضاً من مبيعات الأسلحة، ولكن بصورة عامة من دون قيود على استخدامها. فالحكومتان المذكورتان تستخدمان مبيعات الأسلحة لتحدي الهيمنة الأمريكية على السوق وتقويض الشراكات الأمريكية في المنطقة.

وفي ظل هذه المنافسة بين القوى العظمى من خلال مبيعات الأسلحة، تتواجد الحكومات المعادية على الأرض في الشرق الأوسط يومياً وتعمل مع الجيوش الأجنبية بالقرب من الأنظمة الأمريكية والقوى العاملة لديها. ففرص السرقة غير المشروعة أو النقل المتعمد لتكنولوجيا الدفاع الحساسة من طائرات “إف-35” هي [خطوات] خطيرة وتستوجب شركاء لديهم سجلات مثبتة في حماية أنظمة الأسلحة الأمريكية. وقد تضمّن تقرير الطاقة الصينية لعام 2020 الصادر عن البنتاغون قسماً يشير إلى أن الصين قد درست على الأرجح إمكانية بناء منشأة لوجستية عسكرية في دولة الإمارات لدعم عملياتها العسكرية. وستلعب هذه القاعدة بلا شك دوراً في استراتيجية الصين الرامية إلى تقويض التفوق القتالي للمؤسسة العسكرية الأمريكية، وستشكل منصة لمواصلة ممارسة الصين للتجسس الدفاعي. وبالتالي، فإن قدرة الإمارات على حراسة طائرات “إف-35” هي مسألة حماية استثمارات الولايات المتحدة وشركائها، بالإضافة إلى حياة العسكريين الأمريكيين الذين سيقودون مثل هذا الطائرات في القتال. فهناك مخاطر متأصلة في نقل نظام سلاح إلى دولة أخرى، ولكن في حالة طائرات “إف-35” على وجه التحديد – نظراً لعدم إمكانية مقارنتها بأي سلاح آخر في سوق الأسلحة العالمية – يجب أن تكون الولايات المتحدة واثقة جداً من قدرة الإمارات على حمايتها قبل السماح بمثل عملية النقل هذه.

وفي انعكاس لوجهة نظر السياسة الأمريكية القائمة منذ فترة طويلة، وأثناء جلسة الاستماع إلى مبعوث واشنطن إلى أبو ظبي بمناسبة ترشيحه لهذا المنصب، أشار الأخير إلى أن الإمارات تمثل “قوة اعتدال واستقرار في واحدة من أكثر مناطق العالم تقلباً”. فدولة الإمارات تبرز بين الجيوش الأخرى في المنطقة لمساهمتها بقوات عسكرية في العديد من التحالفات التي قادتها الولايات المتحدة منذ حرب الخليج الأولى – كوسوفو (أواخر التسعينيات)، الصومال (1992)، أفغانستان (منذ عام 2003)، ليبيا (2011) والتحالف المناهض لتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» (2014 إلى 2015). وفي الواقع، وضع جاريد كوشنر، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي ترامب، خلال زيارته الأخيرة إلى الشرق الأوسط، سابقة جديدة لتأطير الشراكة الأمريكية الإماراتية عندما ساواها فعلياً بالشراكة بين أمريكا وإسرائيل، واصفاً إياها بأنها “مميزة” على حد سواء.

ولكن السياسات الإماراتية في المنطقة شكلت مصدر قلق متزايد في الكونغرس في السنوات الأخيرة، مع التركيز إلى حد كبير على الخطوات التي اتخذتها البلاد في اليمن وليبيا. فمنذ بداية تدخل الائتلاف بقيادة السعودية في اليمن عام 2015، ركزت معظم إجراءات الكونغرس على الدور السعودي في الصراع وليس على الدور الإماراتي. ولكن في عام 2018، بلغ قلق الكونغرس ذروته رداً على الخطط الإماراتية لشن هجوم للسيطرة على ميناء الحديدة اليمني. ورفضت إدارة ترامب لاحقاً تقديم الدعم العسكري للعملية الإماراتية، نظراً لمخاطر تأجيج أزمة إنسانية حادة بالفعل، والمخاوف المتعلقة بتعقيدات العملية العسكرية المقترحة، واحتمال وقوع إصابات كبيرة في صفوف المدنيين. وقد سلطت المنظمات الإنسانية ومنظمات حقوق الإنسان الضوء على – كما حاول الكونغرس التحقيق في – المزاعم المتعلقة بعمليات نقل إماراتية غير مصرح بها لمعدات أمريكية المنشأ إلى مجموعات غير حكومية في اليمن؛ وتعذيب المعتقلين اليمنيين في مرافق تديرها الإمارات؛ والانتهاكات الإماراتية لحظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على ليبيا، وذلك بالتعاون مع روسيا؛ والتواطؤ الإماراتي في إيقاع ضحايا مدنيين من جراء الضربات الجوية وضربات الطائرات بدون طيار في ليبيا. وفي كل من اليمن وليبيا، لم تنجح أبو ظبي في الاستفادة من استثماراتها العسكرية القوية باتجاه العمليات السياسية التي من شأنها إنهاء الصراعات. وفي كلا السياقين، ينبغي مراعاة السياسات المتباينة للولايات المتحدة والإمارات – بما في ذلك استخدام القوة العسكرية والسلوك في القتال واستخدام معدات الدفاع الأمريكية – في إطار المداولات المتعلقة بطائرات “إف-35”.

وجهة نظر الكونغرس

يتطلب قرار بيع سلاح لأي دولة أجنبية التشاور ضمن الفرع التنفيذي للحكومة الأمريكية، وبينه وبين الكونغرس. وبموجب القانون، يتعين على الإدارة الأمريكية إخطار الكونغرس بنية بيع سلاح بقيمة 14 مليون دولار أو أكثر، مما يعني بدء مهلة ما بعد الإخطار أمدها 30 يوماً. وخلال فترة الثلاثين يوماً، يتمتع الكونغرس بصلاحية عقد جلسات إحاطة ومشاورات مع وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين حول كافة جوانب عملية البيع، بما في ذلك استعداد الدولة لحماية التكنولوجيا الدفاعية للسلاح، الأمريكية المنشأ، وسجل الدولة فيما يتعلق بالاستخدام المسؤول والفعال للأسلحة التي تم بيعها سابقاً، والتزام الجيش الأجنبي بمعايير معينة في إدارته للحرب، وكيفية تماشي بيع الأسلحة مع أهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة وحمايته للأمن القومي الأمريكي، وفي الشرق الأوسط، التداعيات على التفوق العسكري الإسرائيلي. وإذا انتهت الفترة التي أمدها 30 يوماً ما بعد الإخطار من دون اتخاذ إجراء من قبل الكونغرس، يحق للفرع التنفيذي المضي قدماً في مفاوضات العقود لعملية بيع الأسلحة.

ويمكن لأعضاء الكونغرس فرض “قيود” مؤقتة على مبيعات الأسلحة المقترحة إذا لم يتم التعامل مع أسئلتهم ومخاوفهم بشكل مناسب من قبل الإدارة الأمريكية أو إذا اعتُبرت المخاطر على الأمن القومي للولايات المتحدة عالية جداً بعد مراجعة شاملة. وقد التزم الفرع التنفيذي بهذه القيود كما جرت العادة وعمل مع أعضاء الكونغرس الأمريكي على معالجة المخاوف. ولكن تجدر الإشارة إلى أن الكونغرس يواجه عراقيل كبيرة للغاية في منع أي عملية بيع أسلحة، لأن ذلك يتطلب من كل من مجلس الشيوخ ومجلس النواب الأمريكيين تمرير قرارات عدم الموافقة مع تصويت ثلثي المجلسين على القرار من أجل تجاوز الفيتو الرئاسي – كل ذلك في غضون 30 يوماً. ومع وجود أغلبية ديمقراطية في مجلس النواب وأغلبية جمهورية في مجلس الشيوخ، من غير المرجح أن يتمكن الكونغرس من حشد الأغلبية المطلوبة في كلا المجلسين لمنع عملية بيع محتملة لطائرات “إف-35”.

ولكن التركيز فقط على الخطوات المطلوبة قانوناً لموافقة الكونغرس على بيع الأسلحة يخطئ الصورة الأكبر – فبالنسبة لمبيعات الأسلحة البارزة يُستحسن أكثر بكثير أن تحظى بدعم الكونغرس. فغياب الدعم من الحزبين يدعو إلى اتخاذ إجراءات تشريعية لإبطاء المبيعات المتتالية وحتى وضع قضايا غير ذات صلة بهذه المبيعات كرهينة. علاوةً على ذلك، يمكن للنقاش العام الناقم بشأن عملية بيع معينة أن يلطخ المبيعات المستقبلية وأن يؤدي حتى إلى إرباك العلاقة الثنائية. وكان النقاش الذي دار عام 1981 حول قرار إدارة ريغان الذي قضى ببيع طائرات “أنظمة الإنذار المبكر والسيطرة المحمولة جواً” من طراز “إي-3 إيه سينتري”” (E-3A Sentry) للمملكة العربية السعودية، خير مثال على ذلك.

ومنذ بداية حرب اليمن في عام 2015، أعرب أعضاء في الكونغرس عن مخاوفهم بشأن الصراع والدعم الأمريكي للائتلاف الذي تقوده السعودية، والذي كانت أبو ظبي شريكة فيه وساهمت فيه عبر إرسال قواتها حتى انسحابها في صيف عام 2019. إن هذه المخاوف، ورفض إدارة ترامب معالجتها، بلغت ذروتها بقرار الكونغرس الذي قضى بالتكليف بإعداد تقرير عن الخطوات التي اتخذتها الحكومتان لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين والامتثال للقوانين والاتفاقيات التي ترعى استخدام الأسلحة الأمريكية المنشأ – مما يشير إلى تشكيك في قيام أي من الدولتين بذلك. فضلاً عن ذلك، هناك سجل واسع من مخاوف الكونغرس، وعلى وجه التحديد فيما يتعلق بعمليات نقل الأسلحة إلى أعضاء الائتلاف الذي تقوده السعودية. ورداً على ذلك، أعلنت إدارة ترامب في أيار/مايو 2019 “حالة الطوارئ” من أجل الالتفاف على فترة مراجعة الكونغرس التي أمدها 30 يوماً والضغط باتجاه تمرير عمليات بيع الأسلحة إلى السعودية والإمارات. وأدت هذه الخطوة إلى تفاقم التوتر بشدة بين الفرعين التنفيذي والتشريعي بشأن مبيعات الأسلحة، ومهدت الطريق لمواجهة بين البيت الأبيض والكونغرس حول ما إذا كانت عملية بيع طائرات “إف-35” للإمارات تخدم مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة.

وجهة نظر إسرائيل

كما هو الحال مع مراجعة الكونغرس، تقوم حماية التفوق العسكري لإسرائيل على متطلبات قانونية وخطوات سياسية وعملياتية قائمة منذ فترة طويلة، وهي غير مفروضة بموجب القانون، إلا أنها مهدت الطريق لعقود من موافقة كلا الحزبين في الكونغرس على مبيعات الأسلحة في الشرق الأوسط، من بينها الطائرات المقاتلة المتطورة. وتم تكريس مطلب حماية “التفوق العسكري النوعي” لإسرائيل في قانون نقل السفن البحرية لعام 2008، على الرغم من تنفيذه كسياسة بين واشنطن والقدس منذ الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973. ومن العناصر المهمة في قانون 2008 “قدرة [إسرائيل] على مواجهة ودحر أي تهديد عسكري تقليدي موثوق من أي دولة منفردة أو تحالف محتمل للدول… مع تحمل الحد الأدنى من الأضرار والخسائر، من خلال استخدام وسائل عسكرية متفوقة”.

ويُفترض أن االدخول في علاقات رسمية بين الإمارات وإسرائيل، يؤكد أن الأولى لا تشكل مثل هذا التهديد العسكري. ومع ذلك تعقّد المنظور الإسرائيلي في الوقت الحالي بسبب الغموض المستمر حول ما إذا كان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قد بارك التزام الولايات المتحدة ببيع طائرات “إف-35” للحكومة الإماراتية – من دون علم وزير دفاعه. وقد أدت التوترات في الائتلاف الحاكم الهش بزعامة نتنياهو والضجة الأكبر في مؤسسة الدفاع الإسرائيلية إلى توتر محرج بين المسؤولين الأمريكيين والإماراتيين والإسرائيليين. ورداً على المخاوف التي أعربت عنها مؤسسة الدفاع الإسرائيلية، صرح نتنياهو بشكل قاطع خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في 24 آب/أغسطس أنه لم يوافق على أي صفقة أسلحة كجزء من التطبيع. ونظراً لعلاقة نتنياهو الوثيقة مع ترامب، من الآمن القول أنه لا أحد في أي من البلدين يجد هذا الادعاء ذا مصداقية. وتصاعد الخلاف العام حول موافقة إسرائيل على حيازة الإمارات على طائرات “إف-35” عندما تعهد نتنياهو علناً بالذهاب إلى الكونغرس لمعارضة البيع، ورداً على ذلك، ألغت الإمارات اجتماعاً كان مخطط له بين السفيرين الإسرائيلي والإماراتي لدى الأمم المتحدة.

ومن الناحية القانونية، سيكمن التحدي لإدارة ترامب في طرح قضية بيع طائرات “إف-35″، في الإثبات بأن لدى إسرائيل “وسائل عسكرية متفوقة”. فليس هناك نظام أسلحة واحد متاح حالياً للبيع يستوفي هذا الشرط. وبالتالي، ينبغي توقع مناقشات مكثفة بين الخبراء الفنيين والعسكريين الإسرائيليين والأمريكيين للاتفاق على المزيج المناسب من التعويضات لضمان التفوق العسكري الإسرائيلي. وقد تتضمن التعويضات مناقشات حول الكمية (عدد طائرات “إف-35” التي سيحصل عليها الإماراتيون مقابل الإسرائيليين)، أو الاختلافات التقنية في منصة طائرات “إف-35″، أو مبيعات ومساعدة إضافية لإسرائيل. وهذا التحدي ليس مستحيلاً، لكنه سيستغرق وقتاً طويلاً ويمتد إلى ما بعد الدورة الانتخابية الأمريكية القادمة. ومن المؤكد أن الموعد النهائي لشهر تشرين الثاني/نوفمبر يحرك جميع أصحاب المصلحة في عملية البيع هذه، بما أن الانتخابات ستُدخل أعضاء جدد إلى الكونغرس، وقد تؤدي أيضاً إلى تغيير في الإدارة الرئاسية والسيطرة على مجلس الشيوخ. وتنذر هذه التغييرات المحتملة في [الحزب] الحاكم في واشنطن بتحولات في نهج ودعم بيع طائرات “إف-35” والمفاوضات مع إسرائيل بشأن التعويضات العسكرية.

في الماضي، كانت عملية المشاورات العسكرية مع إسرائيل بشأن نظام أسلحة معين تستغرق عادةً عدة سنوات من الدبلوماسية المكوكية الدفاعية المكثفة، وتكتمل قبل إخطار الكونغرس رسمياً بصفقة بيع الأسلحة. وحددت إدارة أوباما المعيار لهذا المستوى من التشاور مع إسرائيل قبل المضي قدماً في صفقات بيع الأسلحة لدول أخرى في المنطقة – أولاً في عام 2011 مع بيع طائرات مقاتلة من طراز “إف-15” إلى السعودية، ولاحقاً في عام 2013 مع بيع طائرات مقاتلة من طراز “إف-16” إلى الإمارات إلى جانب أسلحة مواجهة لكل من السعوديين والإماراتيين. وبالتزامن مع مبيعات عام 2013، تفاوضت إدارة أوباما على صفقة لإسرائيل للحفاظ على تفوقها العسكري، تضمنت طائرات “في-22 أوسبري” (V-22 Osprey)، وناقلات تزود بالوقود متطورة، وصواريخ الدفاع الجوي.

وعادةً، لا يؤيد البيت الأبيض بيع سلاح متطور إلى أي دولة في الشرق الأوسط قبل الانتهاء من تقييم تقني صارم، على يد خبراء فنيين إسرائيليين وأمريكيين. وفي هذه الحالة، يبدو أن إدارة ترامب مستعدة لتسريع عملية الإخطار الرسمية للكونغرس “قبل” المفاوضات التقنية الثنائية المعتادة بين إسرائيل والولايات المتحدة. وتم عكس هذه العملية عن التقليد الطويل الأمد، وإن لم يكن ملزماً قانوناً: وتتمثل خطة ترامب بالإسراع في الخطوات المطلوبة قانوناً من خلال الكونغرس قبل انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر، والتفاوض بشأن السياسة والتفاصيل التقنية لاحقاً. ويشكل هذا التسلسل سابقة في ممارسة الأعمال التجارية لجميع الأطراف المعنية: الإماراتيون والإسرائيليون والأمريكيون وصناعة الدفاع الأمريكية.

وعلى الرغم من أن إسرائيل ليس لها الحق القانوني في منع الولايات المتحدة من بيع سلاح إلى دولة أخرى في الشرق الأوسط، إلّا أن الدعم الإسرائيلي أمر بالغ الأهمية، لا سيما خلال فترة إخطار الكونغرس. وسيتشاور أعضاء الكونغرس من كلا الحزبين مع الحكومة الإسرائيلية، وسيفضلون دعم عملية بيع تحظى بضوء أخضر واضح من قبل الحكومة الإسرائيلية. ومن المرجح ألا يرضى الأعضاء عن ردود إسرائيل الغامضة والفاترة على مسألة بيع طائرات “إف-35” للإماراتيين، وعلى وجه التحديد لأن المحادثات التقنية لم تبدأ بعد. وتخاطر جميع الأطراف بأن تكون عالقة بين السياسات الانقسامية في الوقت الحالي، والاعتبارات السياسية المطولة والمتداولة التي تنطوي عليها عادةً صفقات نقل الأسلحة، مما يمهد الطريق للمزيد من التدهور في التعاون الحزبي الثنائي بشأن قضية رئيسية ذات أهمية للأمن القومي الأمريكي – ماذا ومتى وكيف تتخذ الولايات المتحدة قراراً بتقديم أنظمة أسلحة متطورة لدول شريكة في الشرق الأوسط.

ثمن التطبيع

ينصبّ التركيز اليوم على السياسات والعملية: (1) التفاعل الفوضوي بين التوقعات الإماراتية المتعلقة بالمعدات العسكرية من جهة وارتقاء ووضع العلاقة المتطورة؛ (2) المخاوف الأمنية الإسرائيلية المتعارضة مع الرغبة بالمزيد من التكامل الإقليمي؛ و(3) تذبذب إدارة ترامب حول إغراءات بيع الأسلحة مقابل فوز استراتيجي في السياسة الخارجية.

ومع ذلك، تلوح في الأفق أسئلة تتعلق بالسياسة والاستراتيجية: هل سيولّد الاتفاق توقعات لدى حكومات أخرى في المنطقة تؤدي إلى الضغط على التفوق العسكري الإسرائيلي مقابل تحقيق التوازن في التطبيع؟

على غرار الإمارات، تحافظ عدة دول في المنطقة بالفعل على علاقات قويّة “تحت الطاولة” مع إسرائيل، بما فيها السعودية. ونظراً للدور الأمريكي الوسيط في الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، تتابع العواصم العربية عن كثب ما إذا كانت الولايات المتحدة ستمضي قدماً بالتزامها الظاهر ببيع طائرات “إف-35” (وأنظمة متطورة أخرى متنوعة) إلى أبو ظبي، وما إذا كانت الأسلحة الأمريكية المفترض تسليمها جذابة بما يكفي للتفكير بإخراج علاقاتها مع إسرائيل إلى العلن. فلدى كل حكومة عربية قائمة أمنيات لواشنطن – وهي مزيج من التغييرات في السياسات الأمريكية والحوافز الاقتصادية والمعدات الدفاعية. ويتمثل السجل التاريخي بدءاً بمصر ثم الأردن وصولاً إلى الإمارات حالياً – عبر إدارات كلا الحزبين السياسيين – بأن العلاقات الرسمية مع إسرائيل تسهل الاتساق الاستراتيجي من قبل واشنطن.

وعلى العكس من ذلك، قد قد تُترك إسرائيل تفكر فيما إذا كانت طائرات “إف-35” وغيرها من الأسلحة التي قد تخرق تفوقها العسكري قد أصبحت العتبة الجديدة التي يجب الارتقاء إليها في صفقات التطبيع اللاحقة. فهل ستطلب مصر والأردن طائرات “إف-35” في ضوء معاهدتي السلام الموقعة بينهما وبين إسرائيل؟ وهل ستطلب دول أقرب جغرافياً، كالمملكة العربية السعودية، طائرات “إف-35” وأسلحة أمريكية متطورة إضافية كجزء من صفقة التطبيع الخاصة بها؟ وتُثير هذه الأسئلة سلتين من المخاوف الجوهرية: (1) الحاجة إلى إعادة صياغة المقاربة للحفاظ على التفوق العسكري لإسرائيل بينما تركب دول أخرى في المنطقة قطار التطبيع، و(2) الاستقرار طويل الأمد للدول التي تحصل حتى على أسلحة أكثر تطوراً. وبالنسبة إلى إسرائيل، تشكل إيران وتركيا أمثلة تبعث على الذهول في هذا الصدد، إذ كانت هاتان الدولتان سابقاً شريكتين أمنيتين قويتين ضمن هيكليات حكم مستقرة على ما يبدو، لتصبحا معاديتين لاحقاً.

أخيراً، هناك تحديات جيوسياسية أكبر ومخاطر طويلة الأمد فيما يتعلق بتفوق إسرائيل العسكري في المنطقة. فقد ساهم الالتزام الأمريكي بأمن إسرائيل في أن يصبح جيش الدفاع الإسرائيلي القوة القتالية الأكثر فعالية في المنطقة وشكّل رادعاً ناجحاً في وجه الجهات الحكومية التي تفكر باستخدام القوة ضد إسرائيل. لكن هذا التفوق العسكري يواجه خطر التلاشي مع توجه الحكومات العربية، سواء مُنعت من شراء أسلحة معينة من الولايات المتحدة أو بالإضافة إلى حيازتها لها، نحو الصين وروسيا وغيرهما من مُصدّري الأسلحة غير الملزمين بالحفاظ على التفوق العسكري لإسرائيل. وتزداد حدة المنافسة في الشرق الأوسط بين الولايات المتحدة وخصومها  – لا سيما في حلبة بيع الأسلحة – في الوقت نفسه الذي قد تتحول فيه موجة التطبيع من توقع طموح إلى توقع واقعي.

وظاهرياً، يزيل اتجاه التطبيع مع إسرائيل بعض المخاطر على أمنها ويوسع مجال التعاون مع الحكومات العربية في وجه التهديد المشترك المتمثل بإيران. ولكن إذا اقترن كل اتفاق تطبيع بطلبات جديدة للحصول على عتاد عسكري أمريكي حتى أكثر تطوراً من أي وقت مضى، فقد تجد واشنطن نفسها في حلقة تصعيدية – وغير مستدامة – تقوم على زيادة ورفع مستوى الدعم والتكنولوجيا والتعويضات العسكرية الأخرى لإسرائيل. وفي هذا المزيج، قد تجد الحكومتان الإسرائيلية والأمريكية نفسيهما قريباً على مفترق طرق استراتيجي، عبر اضطرارهما إلى إعادة تعريف التفوق العسكري النوعي لإسرائيل في هذا السياق المتطور للقرن الحادي والعشرين.

* باربارا ليف هي “زميلة لابيدوس” في معهد واشنطن وسفيرة الولايات المتحدة السابقة لدى الإمارات العربية المتحدة في الفترة 2014 – 2018. دانا سترول هي “زميلة كاسين” في المعهد، وعضو أقدم سابق من الملاك المهني في “لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي”، كما عملت في مكتب وزير الدفاع الأمريكي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى