ترجمات أجنبية

معهد واشنطن – مايكل نايتس و الكسندر ميلو – تقوية حكومة الكاظمي (الجزء الأول) : قضايا الحماية والأمن

معهد واشنطن –  مايكل نايتس  و الكسندر ميلو * – 13/7/2020

“فيما يلي القسم الأول من المرصد السياسي المكون من جزئين حول دعم الإدارة الجديدة لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في مواجهة التحديات الملحة. وسيركز الجزء الثاني على الاتصالات الحكومية والقدرات الإعلامية”.

تتعرّض الحكومة العراقية حالياً لهجماتٍ شبه يومية تقوم بها الميليشيات الإجرامية أمثال «كتائب حزب الله». ويشكل اغتيال المستشار الخارجي هشام الهاشمي في 6 تموز/يوليو أحدث حلقة في سلسلة من الأحداث التي تظهر عجز الحكومة عن حماية نفسها في قلب بغداد – وهو وضع غير مستدام سيؤدي إلى تدهور سريع في قدرة الدولة إن لم يتم إيقافه. لكن لحسن الحظ، هناك بعض الإصلاحات التكتيكية السريعة وغير المكلفة [التي ما زالت] ضمن قدرات العراق وشركائه الدوليين [والتي يجب القيام بها للحفاظ على حكومة الكاظمي الحالية].

التعرض لترهيب الميليشيات

عارضت «كتائب حزب الله» وميليشيات أخرى تدعمها إيران علناً تسمية الكاظمي لرئاسة الحكومة، ولا تزال معارضتها الصريحة له مستمرةً حتى اليوم. على سبيل المثال، بعد الإفراج مؤخراً عن عناصر من «كتائب حزب الله» مرتبطة بهجمات صاروخية مخطط لها، قامت تلك العناصر باستعراض أنفسها وهي تدوس على صور رئيس الوزراء – على الرغم من كونها عناصر رسمية وناشطة في القوات المسلحة العراقية، الأمر الذي يجعل الكاظمي قائدها العام. وفي 26 حزيران/يونيو، وجّه المسؤول الأمني لـ «كتائب حزب الله»، أبو علي العسكري، تحذيراً علنياً إلى الكاظمي بالتوقف عن عرقلة الأنشطة الإرهابية [التي تقوم بها «الكتائب»] ضد الأهداف الأمريكية، وهي نقطة رددها بعد ذلك قيس الخزعلي، قائد ميليشيا «عصائب أهل الحق» ذات التفكير المماثل. والأسوأ من ذلك، استُكملت هذه الميول بتهديدات أمنية ملموسة لن يتم قبولها في أي مجتمع متقدّم:

الاغتيالات: لا يمكن فعلياً اعتبار مقتل الهاشمي على يد مجموعة من عناصر «كتائب حزب الله» وحلفائها بالعمل الفريد من نوعه – فقد قُتل أيضاً العديد من الأكاديميين الآخرين، ونشطاء المجتمع المدني، والشخصيات الاجتماعية المنتقدة للميليشيات. ولم يكن الهاشمي ضمن دائرة المستشارين الرسميين المقرّبين من الكاظمي ولكنه كان عند أطرافها، مما يؤكد التهديد الذي يواجهه أولئك الذين يقدمون المشورة أو الخدمة للحكومة.

المضايقات والاعتقالات: اعتقلت الميليشيات مئات المتظاهرين بصورة غير قانونية بعد بدء المظاهرات الحاشدة في تشرين الأول/أكتوبر 2019. وحتى أن الميليشيات ترصّدت لأعلى القيادات في البلاد، بمن فيهم الكاظمي نفسه عندما كان رئيساً لـ “جهاز المخابرات الوطني” العراقي. وفي آخر استعراضات القوة التي قام بها تنظيم «كتائب حزب الله»، عمد موكبٌ تابع له مؤلف من ثلاثين آلية مجهزة بمدافع رشاشة ثقيلة ومدافع مضادة للطائرات من عيار 23 ملم بالتطواف حول “المنطقة الدولية” في 26 حزيران/يونيو، مروراً بمقر إقامة الكاظمي وأماكن مهمة أخرى.
الاستبعاد عن المرافق الرئيسية: يتعذّر على المسؤولين العراقيين استخدام مقر رئيس الوزراء بأمان بسبب وجود عناصر من «كتائب حزب الله» في المباني والمجمّعات القريبة التي سيطرت عليها الميليشيات. حتى أن القصر الجمهوري، الذي يُفترض أن يستقبل فيه رئيس الوزراء الزوار الرسميين للبلاد، غير آمن للسبب نفسه. وإجمالاً، تشغل «كتائب حزب الله» ومليشيات أخرى 22 عقاراً رئيسياً داخل المركز الحكومي، ولديها ما بين 2000 إلى 5000 مسلح هناك. وبالمثل، أثبتت منشآت أخرى في “المنطقة الدولية” أنها لم تكن آمنة في الماضي – فقد نَهبت رموز تابعة لجماعة مقتدى الصدر مجلس النواب في أيار/مايو 2016، وكانت المليشيات حرة في إقامة معسكرات لها خارج السفارة الأمريكية ومهاجمة محيطها الخارجي في كانون الأول/ديسمبر الماضي.

حماية المسؤولين العراقيين

يعيش العديد من المسؤولين والمستشارين العراقيين في أماكن غير آمنة ويفتقرون إلى أدنى مقومات ومعدات الحماية الشخصية. ومن المؤسف أنه كان من الممكن أن يبقى الهاشمي على قيد الحياة في الهجوم الذي تعرّض له يوم 6 تموز/يوليو، لو كان وضعه الأمني مختلفاً بعض الشيء – لو كان يتمتع بمهارات القيادة الدفاعية أو كان بإمكانه الاعتماد على شخص يتمتع بتلك المهارات، إو إذا كانت نافذة سيارته وبابها مقاومَين للرصاص، أو إذا كان المستجيب الطبي الأول متواجداً في موقع الحادثة، وما إلى ذلك.

والواقع أنه من السهل على قدرات “مكتب الأمن الدبلوماسي الأمريكي” أن تساعد بغداد على حماية المسؤولين العراقيين، لا سيما أولئك الذين ليس لديهم بالفعل مفرزة أمنية شخصية. وتستطيع الحكومة الأمريكية، بناءً على طلب العراق، أن تقدّم له على الفور وبتكلفة قليلة وبالتشارك مع المخابرات العراقية وقوات مكافحة الإرهاب بعضاً من أدوات الدعم التالية:

التدريب على الوعي الأمني، بما في ذلك المراقبة المضادة

تدريب السائقين العاملين لدى الحكومة

التدريب الأساسي المنقذ للحياة لمساعدة السائقين والمسؤولين في الحفاظ على أنفسهم أو الآخرين على قيد الحياة إلى حين وصولهم إلى المستشفى

السترات الواقية من الرصاص

توفير معدات تحصين السيارات الشخصية بأدوات بسيطة كالملحقات المصفّحة للأبواب، والزجاج المسطّح الصفائحي المقاوم للرصاص عند النوافذ، والإطارات التي يمكنها السير مفرغة من الهواء

أنظمة الكاميرات اللاسلكية للوحة القيادة في السيارات والمداخل/الأبواب

إقامة مناطق آمنة

على الرغم من وجود الميليشيات بشكل كبير داخل المركز الحكومي، إلا أنها ليست في كل مكان. وقد يكون أحد الخيارات هو إقامة “مناطق خضراء صغيرة” عن طريق إغلاق الشوارع، ولكن ذلك قد يتعارض مع الاتجاه الحالي المتمثل في فتح الطرق وتجنب الحواجز الدائمة أمام حركة المرور.

وبناءً على ذلك، يجب على الحكومة الأمريكية مساعدة بغداد على تركيب نظام حواجز هيدروليكية ذات آلية تحكّم مركزية في “المنطقة الدولية” (أي أعمدة خرسانية ترتفع من تجاويف في الأرض)، ولطالما استُخدمت مقاربة “الطوق الفولاذي” في عواصم العالم كوسيلة سريعة لمنع دخول المركبات الآلية في الحالات الطارئة. وطالما يتم تشغيلها عن بُعد، فستشكل تحدياً تكتيكياً كبيراً أمام تحركات الميليشيات داخل المركز الحكومي وستقلّص الخطر على حرّاس الحواجز الضعيفة. كما أن تركيب هذه الحواجز الهيدروليكية سريع وقليل الكلفة، طالما لا تُمعن الحكومتان الأمريكية والعراقية في تعقيد الأمور.

يجب على [حكومة] بغداد أن تفكر أيضاً في جمع بعض المسؤولين والقضاة في أماكن سكنية أكثر أماناً. وأحد الخيارات المتاحة في هذا الشأن هو “بيت ضيافة” رئيس الوزراء، وهو عبارة عن فندق حكومي قليل الاستعمال يحتوي على ثمانية وخمسين غرفة، من بينها أربعة عشر جناحاً وجناحان رئاسيّان. وتُستخدم هذه المنشأة بالفعل لإيواء بعض المسؤولين الذين لا يملكون أماكن إقامة شخصية في العاصمة، على الرغم من ضرورة تشديد شروط الدخول إليها إذا تم إيواء المزيد من المسؤولين فيها (بإمكان الجهات الفاعلة في الميليشيات الدخول إليها بسهولة تامة في الوقت الحالي). وثمة أماكن أخرى يمكن استعمالها بكل سهولة بدلاً من الفندق أو بالإضافة إليه.

استرداد المركز الحكومي

في الوقت الحالي، يتم حماية المركز الحكومي من قبل فرقة “القوات الخاصة للمنطقة الدولية” (اللواءين 56 و 57)، وهي وحدة في الجيش العراقي تعمل تحت قيادة “مركز العمليات الوطني” التابع لرئيس الوزراء. ولكن هذه الوحدة لا تشكل “قوات خاصة” إلا بالاسم، على الرغم من اقتصار مهمتها الرئيسية في السنوات الأخيرة على تجهيز حواجز التفتيش بالعناصر، ولذلك هناك دافع قوي لاستبدالها بوحدات قتالية متمرّسة بحاجة إلى الراحة من قتالها على الجبهات الأمامية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش»). وقد يتم أيضاً تعزيز هذه الوحدة المتجددة بوحدة للرد السريع مفروزة من “جهاز مكافحة الإرهاب”؛ ويمكن لهذا “الجهاز” أن يقوم بعد ذلك بإجراء تمارين منتظمة يتم فيها نشر تعزيزات إضافية من قاعدته في “مطار بغداد الدولي” إلى المركز الحكومي، وبذلك يوجّه رسالة قوية إلى الميليشيات ويقلّل حساسيتها تجاه هذه التحركات.

في هذا السياق، يستطيع الجيش الأمريكي تزويد وحدة الرد السريع التابعة لـ “جهاز مكافحة الإرهاب” بعددٍ صغير من المركبات القتالية المدرّعة الخفيفة والمجهّزة بالمدافع أو بأنظمة مماثلة، يتم توفيرها دون أي تكلفة باعتبارها أصنافاً دفاعية إضافية. وسوف يكون لهذه المركبات قيمة رمزية وتكتيكية كبيرة لأنها تتفوق على أي مركبة من مركبات الميليشيات. كما سيكون من الأسهل صيانتها واستخدامها من المركبات المجنزرة (الدبابات وناقلات الأفراد) الموجودة حالياً في المركز الحكومي، والتي نادراً ما تتحرك ولم تعد لها قوة رادعة.

وعلى المدى الطويل، يجب تطهير المركز الحكومي من جميع القوات المسلحة التي لا تقع تحت السيطرة العملياتية المباشرة لـ مركز العمليات الوطني”، علماً بأنه سبق وأن اتخذت الحكومة هذه الخطوة في الماضي (وإن كان ذلك بنوايا أقل نبيلة) خلال عهد رئيس الوزراء نوري المالكي. وتتمثل إحدى المقاربات التي يمكن اتباعها هنا في تعيين “«قيصر» للمركز الحكومي” يتولى جرد كافة الممتلكات والأسلحة المتواجدة داخل “المنطقة الدولية”، ثم العمل تدريجياً على تقليص عدد الميليشيات التي تقبع بشكل غير قانوني في المساكن الحكومية، بالإضافة إلى عدد الأسلحة الموجودة هناك وأنواعها. ويمكن وضع قواعد جديدة لبطاقات وشروط الدخول. وليست هذه المهمة صعبة – فقد سبق اتخاذها في الماضي، أما الابتكارات، مثل الحواجز الهيدروليكية، فستجعل العملية اليوم أكثر ذكاءً.

مبادئ للسياسة الأمريكية

يجب على واشنطن أن تستبق الأمور بتذكير حكومة الكاظمي بأن “اتفاقية الإطار الاستراتيجي” بين الولايات المتحدة والعراق تهدف إلى مساعدة البلاد على الدفاع عن نفسها ضد جميع التهديدات وليس فقط ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». وعلى الرغم من أن “مجموعة المستشارين العسكريين” – التي تشارك فيها ثلاث عشرة دولة – متواجدة في العراق لأغراض الحملة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، إلّا أن لدى السفارة الأمريكية مهمةً أوسع تشمل مكافحة الإرهاب، والتعاون الاستخباراتي، وإصلاح القطاع الأمني، وتقديم المعدات العسكرية الأمريكية من خلال مبيعات [الأسلحة] الدفاعية والتحويلات بدون كلفة. وفي هذا الإطار، تشكل أجهزة الاستخبارات في كلا البلدين قناةً أخرى للتعاون كما هو محدّد في الفصل 50 من القانون الأمريكي. وستوفّر أي من هذه القنوات المقتصرة على الولايات المتحدة وغير التابعة لـ “مجموعة المستشارين العسكريين” آليات كافية لدعم جهود الحكومة العراقية لحماية نفسها بصمت (أو بشكل صارخ).

لدى الولايات المتحدة لائحة طويلة من الخطوات وهي تحض بغداد باستمرار على القيام بها، ولكن كما تظهر الأحداث الأخيرة، فإن العراقيين هم عادةً من يدفعون الثمن – وغالباً ما يكون ذلك حياتهم. يجب أن تكون واشنطن أكثر استباقية في طرح أفكار لتعزيز الحماية، إلى جانب المساعدة الملموسة مثل الاستخبارات التحذيرية والتدريب والعتاد. إن أيّ عملٍ لا يرقى إلى هذا المستوى سيدعو حكومة الكاظمي إلى التخلي عن الأمل في كبح الميليشيات، والانهيار ببطء – مسؤول واحد بعد الآخر – في ظل الإرهاب القاتل.

*مايكل نايتس هو زميل أقدم في معهد واشنطن . ومنذ عام 2003، أجرى أبحاثاً مكثفة على الأرض في العراق إلى جانب قوات الأمن والوزارات الحكومية. أليكس الميدا هو محلل الأمن الرئيسي في شركة استشارية رائدة في مجال المخاطر. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى