معهد واشنطن – قادة الائتلاف الإسرائيلي يلتفون حول الاحتجاجات والقيود السياسية
معهد واشنطن – بقلم ديفيد ماكوفسكي *- 16/1/2022
في الوقت الذي يمارس فيه الناخبون الإسرائيليون ضغوطاً إضافية بشأن قضايا حزبية خلافية، بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيت وعضو الكنيست منصور عباس يشعران بجوانب الضعف الكامنة في ائتلافهما الذي لا يزال هشاً.
مع وصول ولاية الحكومة الإسرائيلية المختلطة إلى عتبة السبعة أشهر، تهدّد الاحتجاجات الشعبية ومقاطعات جلسات البرلمان بإشعال فتيل أزمة في الائتلاف الناشئ حديثاً. ففي منطقة النقب، خرج مئات المحتجين في تظاهرات شبه يومية على خلفية حقوق أراضي البدو وسط مبادرة التشجير الأخيرة للحكومة في المنطقة. وعلى الرغم من إعلان المسؤولين تعليق الخطة مؤقتاً لإعادة تقييم الوضع، إلا أنه من غير المرجح زوال التوتر الأساسي. وفي القدس، احتج بضعة آلاف من المستوطنين أمام مكتب رئيس الوزراء نفتالي بينيت في 13 كانون الثاني/يناير، وحثوه على عدم إخلاء المباني غير القانونية في بؤرة استيطانية بالضفة الغربية حيث لقي أحد المستوطنين حتفه في اعتداء إرهابي في 16 كانون الأول/ديسمبر.
وهذه الحوادث هي نموذج مصغر للتوتر الأوسع نطاقاً الذي تشهده هيكلية حكومة الائتلاف. وسيتوقف نجاح بينيت على قدرته على إقامة توازن بين مطالب الأحزاب والحفاظ على تماسك التحالف الذي يضم 8 أحزاب ويتمتع بأغلبية ضئيلة للغاية في الكنيست.
معضلة بينيت
تمثل المبرر الأساسي لهذه الحكومة في إنهاء الجمود السياسي الذي وضع إسرائيل في أربع دورات انتخابية غبر حاسمة بين عاميْ 2019 و2021. وأصبحت هذه الضرورة أكثر ألحاحاً مع تزايد المخاوف من تصميم رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو على تقويض المعايير الديمقراطية واستقلالية القضاء تدريجياً لتحقيق رغبته في تجنّب الإدانة في قضية فساد لا تزال قائمة ضده. وبناءً على ذلك، تضافرت جهود الأحزاب من مختلف ألوان الطيف السياسي بطريقة غير مسبوقة.
والخبر السار بالنسبة لبينيت هو أن الجمهور يقدّر إلى حد كبير على ما يبدو نبرته العلنية الموحدة، وقدرته على دفع عملية تطوير اللقاح قدماً وإبقاء الاقتصاد مفتوحاً خلال موجات وباء فيروس كورونا (“كوفيد-19”)، ونجاحه في تعزيز العلاقات مع الزعماء الرئيسيين في الخارج. وهذا النجاح الأخير الذي حققه لم يكن أمراً مفروغاً منه – فنتنياهو شنّ حملة انطلاقاً من المبدأ بأنه الوحيد القادر على العمل بشكل وثيق مع زعماء مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمصري عبد الفتاح السيسي. ومع ذلك، لم يحافظ بينيت على العلاقات القائمة فحسب، بل قام أيضاً بتحسين العلاقات المتوترة جداً مع العاهل الأردني الملك عبدالله وقام بزيارة ناجحة للاجتماع مع ولي عهد الإمارات الأمير محمد بن زايد الشهر الماضي. والأكثر أهمية، أنه أقام علاقة مستقرة مع إدارة بادين على الرغم من خلافاتهما حول المفاوضات النووية مع إيران، وحول القضية الفلسطينية إلى حدّ ما.
وينبع نجاح حكومة بينيت إلى حد كبير من التزامها بتجنب القضايا السياسية المثيرة للجدل أو التعامل معها بحذر. ولكن هنا تكمن المعضلة التي تواجهها حكومته التي تتمتع بغالبية ضيقة. فاثنان من أحزابها الرئيسية – “يمينا” الموالي للاستيطان الذي يرأسه بينيت و”القائمة العربية الموحدة” بقيادة منصور عباس – يدعمان علناً مصالح حزبية ضيقة، مما دفع ببعض الأعضاء إلى ربط النجاح بشكل أكبر بالتنازلات عن الأراضي التي يمكنهم ضمانها لناخبيهم وليس بكيفية توجيههم الحكم الوطني الشامل. بالإضافة إلى ذلك، يشهد الحزبان انقسامات داخلية حول ما إذا كانت المشاركة في الائتلاف الحالي ستساعدهما على تحقيق أهدافهما الخاصة.
ويقيناً، لدى كل من بينيت وعباس تعريفهما الأوسع للنجاح. فعلى ما يبدو هما فخوران حقاً بالشراكة بين رئيس وزراء يهودي متدين وحزب عربي، باعتبارها رسالة ضرورية للمصالحة داخل المجتمع الإسرائيلي. فغالباً ما ترصدهما عدسات الكاميرا وهما يبتسمان ويمزحان في الكنيست أمام الكاميرات. كما أنهما مدعومان من واقع سعي دوائرهما الانتخابية حالياً إلى الحصول على تنازلات في مناطق مختلفة – حيث يركز مناصرو حزب “يمينا” على الضفة الغربية، بينما ينصب تركيز مناصري “القائمة العربية الموحدة” على وضع البدو في النقب حالياً.
ومع ذلك، لا يشارك زملاء عباس وبينيت وجهات نظرهما بصورة دائمية – وفي الواقع، يرى البعض أنهما يتعرضان لهجمات متزايدة بسبب عدم تقديمهما ما يكفي لناخبيهم. وحيث تتمتع الحكومة بغالبية ضئيلة للغاية، فقد يتحدد بقاءها في النهاية من قبل أولئك البرلمانيين الساخطين بدلاً من قادة أحزابهم.
التحدي الذي يشكله المستوطنون
ساهم تقرير مسرّب عن اجتماع عقده حزب “يمينا” في وقت سابق من الأسبوع الثاني من الشهر الحالي في توضيح هذه النقطة. فقد اشتكى أعضاء الحزب من تعرضهم لهجمات قاسية من قبل “حزب الليكود” وعناصر أخرى من المعارضة اليمينية بسبب “تخليهم” عن الحركة الاستيطانية في الضفة الغربية – وهو شعور زاد حدته بسبب الحادثة التي شهدتها بؤرة التوتر الاستيطانية في حومش التي تمّ إخلاؤها في عام 2005 ولكنها بقيت منذ ذلك الحين هدفاً للعديد من جهود إعادة الإعمار والمعارك القانونية والحوادث العنيفة.
وخلال الاجتماع، تردد أن وزيرة الداخلية أييليت شاكيد قالت إن بينيت يعمل بصورة غير علنية على تحقيق هدفين للمستوطنين: إقامة مدرسة دينية في مستعمرة إيفياتار في الضفة الغربية، التي تمّ إخلاؤها بأمر من المحكمة، وإيصال الكهرباء للبؤر الاستيطانية في الضفة الغربية، وهي خطوة غير قانونية في الوقت الراهن. وأعربت هي وزملاؤها عن سخطهم لعدم نسب الفضل إليهم علناً في هذه الجهود، على ما يبدو بسبب رغبة بينيت في الحفاظ على علاقات وثيقة مع إدارة بايدن. لذلك، قرر أحد أعضاء حزب “يمينا” لم يتمّ الكشف عن هويته تسريب الأمر لوسائل الإعلام. وقد تكون النجاحات التي حققها بينيت في مسائل السياسة الأوسع نطاقاً كافية لإخفاء مثل هذه الخلافات، ولكن إلى متى؟
تحدي البدو
تُعتبر السياسة الحزبية التي ينتهجها منصور عباس مشحونة على نحو مماثل. فنحو ربع الأصوات التي حصلت عليها “القائمة العربية الموحدة” في العام الماضي كانت من البدو في النقب، وكثير منهم يشاركون النزعة المحافظة الاجتماعية للحزب الإسلامي. وبالتالي، لا يمكن النظر إلى الحزب على أنه يتجاهل قضاياهم.
فخلال العقدين الماضيين، ترك السكان البدو قرى معترف بها وانتشروا في مثلث النقب بين بئر السبع وعراد وديمونا. وتضم هذه المنطقة حالياً بين 200 و230 ألف نسمة تقريباً، يعيش العديد منهم في قرى ومناطق من الأكواخ غير معترف بها. وتمّ الاعتراف بسبع قرى قديمة في الماضي، بالإضافة إلى خمس قرى جديدة تمّ الاعتراف بها على ما يبدو بموجب اتفاق الائتلاف الذي توصل إليه بينيت مع وزير الخارجية يائير لابيد الذي سيخلفه في إطار التناوب على رئاسة الوزراء. وكانت حكومات متعاقبة قد تعهدت بحل هذه المسألة بشكل حاسم، وذلك جزئياً لتسهيل التخطيط الحضري من جهة، ولأن مسؤولي الأمن قلقون من أن أي أعمال خارجة عن القانون في النقب يمكن أن توفر أرضاً خصبة للتطرف.
وعادت هذه القضية إلى الواجهة مرة أخرى هذا الشهر لسببين؛ أولاً، أدى قرار الحكومة بزرع غابات جديدة في المناطق التي تضمّ قرى بدوية غير مسجلة إلى اندلاع احتجاجات شعبية كبيرة وتهديدات بمقاطعة جلسات البرلمان.
ثانياً، هذه أول حكومة يكون فيها ممثلو البدو جزءاً من الائتلاف الحاكم. ومن وجهة نظرهم، فإن مبادرة التحريج ليست سوى طريقة تعتمدها الدولة من أجل تشريد بعض الناخبين من مجتمعاتهم التي لم يتمّ الاعتراف بها رسمياً بعد. وفي السابق، تراجعت حكومة نتنياهو عن مبادرات مماثلة وسط تهديدات البدو الذين يُعتبر نفوذهم أكثر قوة اليوم.
ويكمن تعقيد آخر في واقع أن عضواً بارزاً في “القائمة العربية الموحدة” الذي ناصر القضية توفي مؤخراً، مما أدى إلى ضغوط لتعيين رمز جديد في الحزب وإبقاء القضية قائمة. ففي بداية الأزمة الحالية، سعى عباس إلى التقليل من شأن الوضع، ولكن زميله في القائمة مازن غنايم نشر أنه “سيعارض هذه الحكومة إلى أن توقف جميع أنشطة غرس الأشجار”. وسرعان ما انضمت إليه النائبة عن “القائمة العربية الموحدة” إيمان الخطيب ياسين.
ووافقت الحكومة على وقف مساعي تحريج منطقة النقب وسط أمل بأن تتوصل الأطراف إلى حل معقول. وقد أدى ذلك إلى قيام تكهنات بأن النتيجة ستشمل الاعتراف بمزيد من القرى مع المضي قدماً في بعض أنشطة التشجير في الوقت نفسه. وبعد التوصل إلى الاتفاق، اعتمد عباس نبرة تصالحية. وكتب على موقع “تويتر” قائلاً: “لا يوجد رابحون وخاسرون، جميعنا معاً كمواطنين. إن اتفاق النقب يصب في مصلحتنا جميعاً، يهوداً وعرباً على حدّ سواء، وسوف نمضي قدماً بإجراء حوار سيؤدي إلى اتفاق يكون مقبولاً للجميع”. وكما كان متوقعاً، وبدون أي أثر للسخرية، ألقى نتنياهو اللوم على حكومة بينيت لـ”استسلامها” لتهديدات البدو.
الانشقاقات المحتملة وعامل نتنياهو
على الرغم من التسوية، لا تزال المشاكل قائمة ويبقى من غير الواضح كيف سيصطف أعضاء “القائمة العربية الموحدة” في التصويت في البرلمان إلى حين التوصل إلى تسوية مستدامة. فضلاً عن ذلك، رفض عضو “يمينا” نير أورباخ – الذي يُعتبر، على غرار شاكيد، من المؤيدين المترددين لبينيت – الانضمام إلى أصوات الائتلاف إلى حين إنهاء “القائمة العربية الموحدة” مقاطعتها. ومن المرجح أن ينخرط السياسيون المعارضون في كلا الحزبين في التبجح ولا يستعدون للإنشقاق، إلا أن التوترات واضحة.
وما يصب في مصلحة بينيت هو واقع إمكانه الحفاظ على حكومة أقلية قابلة للاستمرار في حال انشقاق نائبين. ومن شأن تطوّر مماثل أن يشكل هزيمة رمزية ولكن ليس ضربة قاضية. وكان حزب عربي منافس، “القائمة المشتركة”، قد رفض الانضمام إلى الائتلاف العام الماضي، ولكنه لا يزال ملتزماً بمنع عودة نتنياهو إلى الحكم، ومن المرجح أن يفعل ما هو ضروري لإبقاء بينيت في السلطة. ويتطلب اقتراح سحب الثقة لإسقاط الحكومة تصويت الكنيست بشكل متزامن لصالح حكومة بديلة، حيث لن يوافق أعضاء “القائمة المشتركة” الستة الذين يحتفظون بمقاعد في البرلمان على أي سيناريو يعيد نتنياهو إلى الحكم. ومع ذلك، لا يمكن استثناء احتمال قيام بعض النواب بالضغط لإجراء انتخابات جديدة.
وتتمثل عقدة أخرى في محاولة نتنياهو الذي وفقاً لبعض التقارير يريد التوصل إلى صفقة الإقرار بالذنب قبل تقاعد المدعي العام أفيحاي ماندلبليت من منصبه في 31 كانون الثاني/يناير، منطلقاً من اعتقاده بأن خلَفِه سيكون أقل تعاوناً. أما شرط ماندلبليت لمثل هذه المقايضة فهو أن يقرّ نتنياهو بارتكابه جريمة فساد أخلاقي ويبتعد عن السياسة لمدة سبع سنوات. وللمفارقة، من المرجح أن تزعزع هذه النتيجة استقرار ائتلاف بينيت – حيث إذا وافق نتنياهو على ترك “حزب الليكود”، فسوف يميل السياسيون اليمينيون في الحكومة الحالية إلى التنحي والانضمام إلى هذا الحزب من أجل المشاركة في الصراع القائم منذ فترة طويلة على الخلافة. ولا تزال معارضة نتنياهو العامل الرئيسي الذي يبقي الائتلاف المتباين صامداً، لذلك إذا خرج من المشهد السياسي، فقد تنهار الحكومة بسهولة.
التداعيات السياسية
لقد كُتب الكثير عن التطور الشخصي لبينيت من سياسي يميني متشدد إلى زعيم واقعي من يمين الوسط. وبالمثل، اتخذ منصور عباس خطوات لاقت ترحيباً نحو الاعتدال، بما في ذلك مقابلة تاريخية أعلن فيها أن إسرائيل “وُلدت كدولة يهودية وستبقى كذلك”. ومع ذلك، يواجه زعيما كلا الحزبين قيوداً وانتقادات داخلية قد تؤثر في استعداد الاتئلاف العام لتلبية توقعات السياسة الأمريكية بشأن بعض القضايا.
على سبيل المثال، قد تساعد هذه القيود في شرح سبب عدم لقاء بينيت برئيس “السلطة الفلسطينية” محمود عباس (الذي لا تجمعه أي قرابة بمنصور عباس)، وبدلاً من ذلك طلب من وزير الدفاع بيني غانتس التعامل مع “السلطة الفلسطينية” بشأن القضايا الاقتصادية. فضلاً عن ذلك، حرص غانتس على تجنّب المفاوضات حول القضايا الأساسية المشحونة سياسياً و”المنطقة ج” المثيرة للجدل في الضفة الغربية. وطالما بقي بينيت قلقاً بشأن الانشقاقات في حزب “يمينا”، فسيشعر أنه مضطر للبحث عن أساليب لاسترضاء المستوطنين الساخطين. وعملياً، يعني ذلك التصرف بهدوء نيابة عنهم وتجنب الخطوات التي تتحدى علناً إدارة بايدن. بدورها، ستسعى واشنطن إلى القيام بما هو ممكن على صعيد القضية الفلسطينية والإقرار بالقيود السياسية في الوقت نفسه.
وبالمثل، سيحاول منصور عباس إبقاء الائتلاف متماسكاً، ولكن لا يُريد أن يُنظر إليه على أنه قد تخلى عن قواعده الانتخابية أيضاً. وبما أن كلاً من “القائمة العربية الموحدة” و”يمينا” يعتبران الترتيبات المناسبة على الأراضي أساسية لمؤيديهم، فلا بد لقضايا مثل التشجير في قرى البدو والبؤر الاستيطانية في الضفة الغربية أن تبقيهم على خلاف إلى أجل غير مسمى. وفي الوقت الحالي، من المرجح أن يبقى الائتلاف سليماً ولا يتفكك – فمعظم أفراده سيعارضون بشكل قاطع أي خطوة قد تؤدي إلى إجراء انتخابات في وقت مبكر جداً (أي قبل أن يتاح لهم الوقت لتقديم نتائج كافية لمؤيديهم). ومن المفارقات، قد تكون الانتخابات الجديدة السبيل الوحيد أمام بينيت وعباس لإعادة تنظيم صفوف حزبيهما وضمان أن تكون قوائهما الانتخابية متجانسة مع دعمهما المتجدد للمصالحة بين العرب واليهود.
* ديفيد ماكوفسكي هو زميل “زيغلر” المميز في “مشروع كوريت” التابع لمعهد واشنطن حول “العلاقات العربية الإسرائيلية” ومنتج برنامج البث الصوتي “نقاط القرار”.