ترجمات أجنبية

معهد واشنطن – ديفيد بولوك – الشعب الفلسطيني يُذعن لنتائج الانتخابات الإسرائيلية ويوجّه أنظاره نحو العرب الآخرين بدل التفكير في الخطوات المقبلة

معهد واشنطن – ديفيد بولوك *- 6/3/2020

لقد تحققت هذا الأسبوع الآمال البسيطة التي كان يعقدها الفلسطينيون المتابعون للانتخابات الإسرائيلية. فقد أفضى التصويت مرةً أخرى إلى نتيجة غير حاسمة بالكاد حافظ فيها حزب “الليكود” التابع لرئيس الوزراء الحالي على الصدارة وعجز عن حشد الأغلبية اللازمة لتشكيل ائتلاف حاكم مع حلفائه اليمينيين والدينيين المعتادين. بيد أن حزب “أزرق أبيض” الوسطي المعارض سجّل أداءً أسوأ من “الليكود” حيث أن المقاعد التي كسبها في البرلمان بالكاد تخطّت الربع. ويشار إلى أن كلا الحزبين صرّح عن قبوله بخطة ترامب للسلام التي أُعلنت في أواخر كانون الثاني/يناير وتنص على الإبقاء على المستوطنات الإسرائيلية وسيطرة إسرائيل على الضفة الغربية وترجئ إمكانية تحقيق الاستقلال الفلسطيني.

في استطلاعٍ للرأي العام الفلسطيني أجري خلال الحملة الانتخابية الإسرائيلية الأخيرة بين 23 كانون الثاني/يناير و11 شباط/فبراير، تبيّن أن ثمانية في المائة من سكان الضفة الغربية و22 في المائة من سكان غزة يعتبرون أن نتائج الانتخابات ستكون على الأرجح “أفضل للفلسطينيين”، فيما اعتبرت نسبةٌ أكبر، وهي ثلث سكان الضفة الغربية وقرابة نصف الغزاويين (46 في المائة) أن الانتخابات الإسرائيلية ستزيد الأمور سوءًا بالنسبة إليهم. أما النسبة المتبقية – أي نصف سكان الضفة وربع الغزاويين – فتوقعت أن “الانتخابات لن تُحدث على الأرجح أي فرق يُذكر بكافة الأحوال”. تساهم هذه التوقعات المختلطة إنما المتشائمة بمعظمها في تفسير ردود الفعل الشعبية الهامدة إلى حدٍّ كبير حتى الآن على النتيجة الفعلية.

بالمقارنة، كان موقف الفلسطينيين من إمكانية نيل الدعم من بعض الدول العربية المجاورة إيجابيًا على نحو مفاجئ. فالشعب الفلسطيني الذي لا يثق بإسرائيل وخاب أمله إلى حدٍّ كبير من حكّامه في كل من غزة والضفة، يبدو متجاوبًا مع حصول نوع من التعاون مع الدول العربية المجاورة. وأقله على المستوى الشعبي، بات المجال مفتوحًا بشكل أكبر أمام دول عربية معينة للاضطلاع بدور أكبر في الحث على التوصل إلى اتفاقات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أو أقلّه إلى التعايش. بالتالي، ومن منظور السياسات، يجب النظر بتمعن أكبر في هذا الخيار الذي غالبًا ما يتم التغاضي عنه.

على سبيل المثال، وافق ثلاثة أرباع السكان في كل من الضفة وغزة على هذا الطرح: “في الوقت الراهن، يجب على الفلسطينيين التوجه بشكل أكبر إلى الحكومات العربية الأخرى كالأردن ومصر لمساعدتهم على تحسين وضعهم”. كما أن نصف سكان الضفة و79 في المائة من الغزاويين يوافقون على هذا القول: “يجب على الدول العربية أن تضطلع بدور أكبر في عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وتقدم لكلا الطرفين الحوافز المناسبة لدفعهم إلى تبنّي مواقف أكثر اعتدالاً”.

والواقع أن شعور الفلسطينيين بهذا الرابط مع الأردن شائعٌ على نحو خاص. إذ يعتبر 42 في المائة من سكان الضفة الغربية أنه على الأردن الاضطلاع “بدورٍ مهم” في حلّ المشكلة الفلسطينية. والملفت هو أن هذه النسبة جاءت أعلى بين الغزاويين وبلغت 59 في المائة. كما أن نسبة تأييد العاهل الأردني الملك عبدالله تبلغ 64 في المائة بالضفة و69 في المائة بغزة. ولكن الوضع يختلف اختلافًا حادًا بالنسبة للأمير السعودي محمد بن سلمان الذي يحظى بنظرة إيجابية من نحو ربع الفلسطينيين فقط في كلا المنطقتين.

أما في ما يخص الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فتتفاوت الآراء بشأنه بشكل ملفت بين الضفة وغزة. إذ أنّ نسبة الأصوات المؤيدة له في الضفة لا تتعدى 11 في المائة، مقارنةً بـ 56 في المائة في غزة. ولعل هذا الفارق الكبير يعود إلى قرب غزة الجغرافي من مصر واعتمادها على تلك الدولة، وربما أيضًا إلى العداوة التي تجمعهما تجاه حكّام “حماس” في غزة. ولكن الأسباب الفعلية لهذا الانقسام المفاجئ في المواقف بحاجة إلى المزيد من البحث.

إلا أن هذا كله لا يعني أن الفلسطيين – سواء في غزة أم في الضفة – يرغبون في عودة السيطرة المصرية أو الأردنية التي كانت قائمة قبل العام 1967، بل على العكس، فقد أعرب 9 في المائة فقط في الضفة و5 في المائة في غزة عن الرغبة في “التوجه نحو إقامة اتحاد كونفدرالي مع مصر أو الأردن، بما في ذلك اتحاد يحظى فيه الفلسطينيون بالحكم الذاتي”.

فضلاً عن ذلك، ينظر نصف أهالي غزة والضفة تقريبًا نظرةً واقعية إلى مصلحة الدول العربية الشخصية في المشكلة الفلسطينية وتعبها منها. ويوافق 47 في المائة من سكان الضفة و53 في المائة من الغزاويين على الطرح الجدلي الآتي: “الدول العربية تهمل الفلسطينيين وتبادر إلى إقامة علاقة صداقة مع إسرائيل لأنها تعتبر أنه على الفلسطيين أن يكونوا أكثر استعدادًا للقيام بالتنازلات”. ويعكس هذا الاكتشاف الجديد الفريد من نوعه مستوى عالي ومدهش من الوعي العام الفلسطيني حول التحول الكبير في الديناميات الإقليمية، سواء على مستوى النخبة أو “الشارع”.

في الواقع، كشفت نتائج استطلاع منفصل أجرته مؤسسة الزغبي الدولية في أيلول/ سبتمبر 2019 أن 70٪ من الشعوب في أربع دول عربية رئيسية – مصر والأردن والسعودية والإمارات العربية المتحدة –قد وافقوا على أن “بعض الدول العربية يجب أن تكون لها علاقات مع إسرائيل، حتى بدون اتفاق فلسطيني. مع ذلك، يشعر نحو نصف سكان الضفة و82 في المائة من الغزاويين أنه “على الفلسطينيين الضغط على الحكومات العربية لكي تدعم نيلهم كامل حقوقهم، وعند ذلك ستقدّم الحكومات بمعظمها هذا الدعم”. ويعود ذلك إلى أن النسب نفسها تقريبًا تعتبر أن “الحكومات العربية ربما تريد أن تنسى أمر الفلسطينيين، ولكن شعوبها لن تسمح لها بذلك”.

ومن بين الأطراف الفاعلة غير العربية في المنطقة، يحظى الرئيس التركي أردوغان باستحسانٍ كبير تصل نسبته إلى 64 في المائة في الضفة و74 في المائة في غزة. والنقطة المعبّرة هي أن نسبة تأييد المرشد الأعلى الإيراني آية الله الخميني، الذي يدافع كلاميًا عن القضية الفلسطينية، تتدنى كثيرًا بالمقارنة مع أردوغان. فنسبة 12 في المائة في الضفة و33 في المائة في غزة تعرب عن نظرة إيجابية “نوعًا ما” تجاهه، وهذا لا يعود إلى تفاوت طائفي بحت بين السنة والشيعة، فحليف إيران الشيعي في لبنان، أي “حزب الله” الذي يزعم أنه يهدّد حدود إسرائيل الشمالية، يحظى بنظرة إيجابية لدى نسبة أعلى، وبشكل لافت، من الفلسطينيين، بحيث تبلغ 35 في المائة في الضفة و59 في المائة في غزة.

يستند هذا التحليل إلى استطلاعٍ أجراه المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي القائم في بيت ساحور برعاية معهد واشنطن. وقد استُخدمت فيه المقابلات الشخصية مع عينة تمثيلية مؤلفة من 500 فلسطيني من الضفة الغربية و500 فلسطيني من غزة، وتم اختيار المشاركين وفقًا للتقنيات النموذجية للاختيار الجغرافي العشوائي. ويُذكر أنّ الكاتب سافر شخصيًا إلى المنطقة للتشاور مع فريق الاستطلاع المحلي ومتابعة انطلاق المشروع وضمان الالتزام التام بأعلى معايير الدقة والنزاهة والسرية، مع الإشارة إلى أن هامش الخطأ الإحصائي لكل منطقة يقارب الأربعة في المائة. تتوفر التفاصيل الإضافية حول منهجية العمل عند الطلب.

*ديفيد بولوك زميل أقدم في معهد واشنطن يركز على الحراك السياسي في بلدان الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى