معهد واشنطن: تنظيم «الدولة الإسلامية» يستهدف تونس قبل الانتخابات
معهد واشنطن – هارون ي. زيلين – 30/4/2018
تمثّل الانتخابات البلدية الأولى التي ستقام في تونس في 6 أيار/مايو، معلماً هاماً في السعي إلى وضع المؤسسات الديمقراطية موضع التنفيذ وتوفير المزيد من الفرص للشعب التونسي لاتخاذ القرارات المتعلقة باحتياجاتهم، وهما هدفان يتعارضان، بشكل غير مفاجئ، مع رؤية الجماعات السلفية الجهادية في المنطقة ومصالحها وايديولوجيتها. وقد أشارأعرب تنظيم «الدولة الإسلامية» بأنه يأمل في تعطيل عملية التصويت، مع تركيز دعايته الرسمية على تونس للمرة الأولى منذ صيف 2016.
لقد كان نشاط الجماعة في تونس مقيَّداً إلى حد كبير على مدى العامين الماضيين، إلّا أنّ الهجمات استمرت داخل محافظة القصرين بشكل غير ظاهر. وتمثل الانتخابات رهاناً كبيراً لتشجيع المقيمين في هذه المنطقة المنسية وتمكينهم، لذا سيكون من الحكمة أن تركز الحكومة التونسية على ضمان أمن الأهداف ذات الاهتمام الأكبر في العاصمة والمناطق الساحلية، فضلاً عن مواقع الاقتراع في المناطق الداخلية. ويمكن لهذه الجهود أن تزيد من إضفاء الشرعية على العملية الديمقراطية، وتظهر للسكان المحليين المتشكّكين أن السلطات المركزية تتواصل معهم ببطء ولكن بدأب حول شؤون الحكم والقضايا الأخرى.
انتقاد تنظيم «الدولة الإسلامية» للإسلاميين
يعتبر الجهاديون السلفيون الديمقراطية ديناً يتعارض فيه البشر مع سيادة الله عن طريق محاولة سن قوانينهم الخاصة. ومن خلال وضع أنفسهم بمنزلة الله، ينتهك بذلك السياسيون، بمن فيهم الإسلاميون، مبدأ “التوحيد” الأساسي، مما يجعلهم مشركين.
وتستند حملة تنظيم «الدولة الإسلامية» المناهضة للديمقراطية وللأحزاب الاسلامية المشاركة فيها على هذه الإيديولوجية في تونس. وقد استهدف مقال ورد في العدد 123 من صحيفة “النبأ” الأسبوعية الصادرة في منتصف آذار/مارس، ضمنياً حزب “حركة النهضة” الإسلامي الذي يتصدر الأحزاب الإسلامية الأخرى في البلاد. ومن دون ذكر أي أسماء، دحض تنظيم «الدولة الإسلامية» الحجة القائلة بأن “الديمقراطية هي أفضل طريقة لإقامة الدين”، في إشارة إلى التفسير الذي اعتمدته حركة “النهضة” وغيرها من الجماعات الإسلامية لتبرير مشاركتها في الانتخابات.
كما جادل المقال بأن العملية الديمقراطية لا تؤدي إلا إلى “ادعاءات باطلة”، بتلميحه إلى حقيقة أنه عندما كانت حركة “النهضة” الحزب الرئيسي في الحكومة التونسية بين عامي 2011 و 2014، لم تراعِ مطالب إسلامية رئيسية مثل استخدام الشريعة كمصدر قانون في الدستور، وإعطاء المرأة وضع قانوني مختلف عن الرجل، وفرض عقوبات على التجديف. ومع ذلك، لم تفشل الحركة في تطبيق هذه الإجراءات بسبب عدم محاولتها ذلك، بل نتيجة حصولها على أكثرية الأصوات في المجلس التشريعي وليس الأغلبية. والأهم من ذلك، تم رفض مثل هذه المقترحات لأن الجماعة السلفية الجهادية تنظيم «أنصار الشريعة في تونس» كانت في ذلك الوقت ترتكب أعمال عنف عام منخفض المستوى وتُظهر قوتها، مما حفّز الأحزاب اليسارية العلمانية على إعاقة العمل التشريعي خشية من قيام حركة “النهضة” ببناء دولة إسلامية محافظة بصورة بطيئة.
بالإضافة إلى ذلك، ينبع نقد تنظيم «الدولة الإسلامية»، جزئياً على الأقل، من القرار الذي اتخذته حركة “النهضة” في أيار/مايو 2016 حين أعلنت أنها لم تعد حركة إسلامية، بل “حزب ديمقراطي مسلم” يفصل “الدعوة” عن السياسة. ويبقى السؤال حول ما يعنيه ذلك عملياً ومدى تغير حركة “النهضة” على المستوى التنفيذي، إلا أن تنظيم «الدولة الإسلامية» استغل ذلك الإعلان للتشكيك في مصداقية الحزب.
إنكار حقوق المرأة
لقد استهدف أيضاً المقال الصادر في آذار/مارس مقترحات تونس الأخيرة بشأن قوانين المساواة في الميراث بين المرأة والرجل، مع إشارة إلى “قانون الأحوال الشخصية” للبلاد لعام 1956. ويُذكر أن هذا “القانون” الذي أصدره الرئيس المؤسس، الحبيب بورقيبة، وعززه خليفته زين العابدين بن علي، قد ألغى تعدد الزوجات، واعتمد مبدأ الزواج المدني القائم على الموافقة المتبادلة، إلى جانب إجراءات طلاق قانونية وضعت حداً لممارسة “الطلاق الشفهي”، ونظّم أيضاً عملية تبني الأطفال. ومن منظور تنظيم «الدولة الإسلامية»، تعارضت هذه الإجراءات مع قانون الله ومهّدت الطريق لمزيد من التجاوزات مثل أحكام المساواة في الميراث.
ولإثبات حجته، ذكر المقال الآية 4:11 من القرآن الكريم: “يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثلُ حظّ الأنثيين”. وعلى نطاق أوسع، أعلن تنظيم «الدولة الإسلامية» أن الأحداث في تونس “قد أثبتت أن الديمقراطية ليست خيانة لعظمة الله فحسب، بل يهيمن عليها [أيضاً] حكم الطغاة الوثنيين.”
ولا ينبغي اعتبار هذه الصيغة من الكلام مجرد خطاب، حيث استخدم المقال لاحقاً الآية 16:106 من القرآن الكريم لتبرير الاجراءات الشرعية بحق المسلمين الذين ينتهكون قانون الله: “من كفر بالله من بعد إيمانه … فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم.” فمن وجهة نظر تنظيم «الدولة الإسلامية»، إن هذه المقتطفات تجيز العنف في تونس، لذا ينبغي أن تؤخذ تحذيرات الجماعة على محمل الجد.
تركيز أوسع على الديمقراطية الإسلامية والانتخابات
تتماشى أيضاً انتقادات المقال للديمقراطية التونسية مع الدعاية الأخيرة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» وأعمال العنف التي يقوم بها والتي تهدف إلى تقويض شرعية الانتخابات في دول أخرى في المنطقة. وفي منتصف شباط/فبراير، خلال الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية في مصر، نشر الفرع المصري لتنظيم «الدولة الإسلامية» “ولاية سيناء” شريط فيديو أدان التصويت ودعا المسلمين “الحقيقيين” إلى تجنب التجمعات الكبيرة في يوم الانتخابات، ولمّح إلى استهداف مراكز الاقتراع.
وفي عددها رقم 128 الصادر في نيسان/أبريل أعلنت صحيفة “النبأ” مسؤوليتها عن ثلاث هجمات على مقار الأحزاب وقادتها في محافظات الأنبار وديالى وكركوك العراقية، كجزء من حملة أوسع مُناهِضة لـ “الديمقراطية المشركة”. وقد دُعمت أعمال العنف هذه برسالة صوتية في 22 نيسان/أبريل من قبل المتحدث باسم تنظيم «الدولة الإسلامية» أبو الحسن المهاجر دعا فيها إلى شن هجمات على أي شخص له علاقة بالانتخابات البرلمانية العراقية المقرر إجراؤها في 12 أيار/مايو.
وفي اليوم نفسه الذي نُشرت فيه رسالة المهاجر، أعلنت “ولاية خراسان” التابعة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» مسؤوليتها عن مهاجمة مركز تسجيل الانتخابات في كابول، أفغانستان. وبعد يومين، نشر تنظيم «الدولة الإسلامية» أيضاً مقطع فيديو عن فرع “ولاية الفرات” على الحدود العراقية السورية، عرض فيه جهود الحوكمة المستمرة للجماعة والمنافع المفترضة للسكان المحليين تحت حكمها مقارنة بنظام الديمقراطية كبديل “غير شرعي”. وتمثّل هذه الجهود مجتمعة تركيز المنظمة في الآونة الأخيرة على زعزعة ثقة المسلمين في الانتخابات والعمليات ذات الصلة.
ماذا يعني ذلك بالنسبة لتونس؟
لا تطرح نية تنظيم «الدولة الإسلامية» السؤال الأكبر في السياق التونسي، بل قدرته الفعلية على اتخاذ إجراءات ضارة هناك. وفي أفغانستان والعراق، قام التنظيم بشن هجمات بالإضافة إلى إصداره تهديدات، لكن تحذيراته في مصر لم تنذر بالقيام بأعمال عنف في يوم الانتخابات. إن تحديد ما قد يحدث في تونس هو عامل يتغير بتغير الوضعية الحالية للتنظيم هناك وقدرة الدولة على منع الهجمات.
بلغ عنف تنظيم «الدولة الإسلامية» في تونس ذروته في الفترة من أوائل عام 2015 وإلى أوائل عام 2016، مع شنّ هجمات واسعة النطاق ضد “المتحف الوطني باردو”، و”شاطئ سوسة”، وأفراد “الحرس الرئاسي” التونسي، إلى جانب وعلى مواقع عسكرية وأمنية في بلدة بنقردان. ومنذ ذلك الحين، تم حصر نشاط تنظيم «الدولة الإسلامية» في المناطق الجبلية، في الداخل مثل جبل المغيلة. وبدلاً من شن هجمات واسعة النطاق على المدنيين أو محاولة الاستيلاء على الأراضي، يستهدف مقاتلو تنظيم «الدولة الإسلامية» حالياً قوات الأمن أو الرعاة الذين يرفضون منحهم المؤن. ويشير ذلك إلى أن شبكة الجماعة المؤلفة من النشطاء التونسيين المتمركزين في صبراتة في ليبيا، والذين ساعدوا في إعداد الهجمات التي وقعت في عامي 2015 و2016 المذكورة أعلاه، قد ضعفت بشكل كبير. ويبدو أن تنظيم «الدولة الإسلامية» أصبح يعتمد الآن على الشبكات المحلية في تونس التي لا تتمتع بنفس حرية العمل التي تمتعت بها في ليبيا.
وعليه، إذا شن تنظيم «الدولة الإسلامية» هجمات في تونس في الأيام المقبلة، فقد يركز على المراكز الانتخابية أو الأحزاب السياسية في الداخل. وكان الجهاديون السلفيون قد حاولوا إحداث مثل هذه الاضطرابات من قبل، حيث كان «أنصار الشريعة في تونس» متورطين في أعمال التحريض والشغب واستخدام القوة خارج إطار القانون في الفترة التي سبقت الانتخابات التشريعية في تشرين الأول/أكتوبر2011. كما واعتدوا على عدد من السياسيين في الداخل في الفترة 2012-2013. وكاد اغتيال الجماعة للزعيمين السياسيين اليساريين شكري بلعيد ومحمد البراهمي أن يوقف عملية صياغة الدستور والانتقال الأوسع نطاقاً على حد سواء.
واليوم، يشكك العديد من المقيمين في الداخل في الحكومة المركزية والمناطق الساحلية بسبب التاريخ الطويل من التهميش، لذا قد يسعى تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى مضاعفة هذا الشعور من خلال هز ثقتهم في العملية الانتخابية. وفي المقابل، ستشكّل عملية التصويت الناجحة، التي تتنازل عن سلطة أكبر لصالح قاعدة أوسع نطاقاً من السلطات المحلية، إنجازاً هاماً في ترسيخ الديمقراطية في تونس. لذا ينبغي على واشنطن أن تتناقش مع شركائها في تونس حول أفضل السبل لضمان أمن جميع مناطق البلاد، وليس القاعدة التقليدية على الساحل فقط.
*هارون ي. زيلين هو زميل “ريتشارد بورو” في معهد واشنطن، ومؤلف دراسته الحديثة بعنوان “الآخرون: المقاتلون الأجانب في ليبيا”.