ترجمات أجنبية

معهد واشنطن – تداعيات تأجيل الانتخابات الفلسطينية

معهد واشنطن –  بقلم  غيث العمري *- 30/4/2021

تحليل موجز

بعد إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن تأجيل الانتخابات البرلمانية، سيزيد قراره من التوترات على الأرض مع تسليط الضوء على العيوب الهيكلية داخل حركة «فتح» و “السلطة الفلسطينية”.

*أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس في ساعة متأخرة ليل الخميس، تأجيل الانتخابات البرلمانية التي كان من المزمع إجراؤها في 22 أيار/مايو وسط خلاف على التصويت في القدس الشرقية التي ضمتها إسرائيل وانشقاقات في حركة «فتح» التي يتزعمها.

وقال عباس في اجتماع لممثلي معظم الفصائل الفلسطينية في رام الله “حالما توافق إسرائيل” على السماح للفلسطينيين بالتصويت في القدس، “سنجري الانتخابات في غضون أسبوع”. وأضاف، إنها “ليست مسألة فنية، وإنما قضية سياسية أساسية”.

وقبل إعلانه هذا، كانت أطراف مهمة قد أبدت معارضتها لهذه الخطوة. وكشفت المناورة الانتخابية غير الحكيمة عن وجود اختلالات عميقة في النظام السياسي الفلسطيني، حيث حّولت ما قد اعتبره عباس – البالغ من العمر خمسة وثمانين عاماً – وسيلةً خالية من المخاطر لتجديد شرعيته إلى أمر قد يهدد قبضته على السلطة.

ولا يخلو قرار تأجيل الانتخابات من التداعيات. فعلى المدى القصير يجب إعطاء الأولوية لضرورة منع أي تدهور أمني قد يترتب عن التأجيل. ولكن على المدى الطويل، فإن عدم إجراء الانتخابات يسلط الضوء على التحديات الهيكلية التي تواجه “السلطة الفلسطينية” وحركة «فتح»، فضلاً عن الطبيعة الوهمية لمحاولة تحقيق الوحدة الفلسطينية في ظل الظروف الراهنة.

الخلفية

لقد كان تأجيل انتخابات “السلطة الفلسطينية” متوقعاً. فالانقسامات التي طال أمدها داخل حركة «فتح» ضمنت أن يكون للشخصيات المرتبطة بالحركة عدة قوائم انتخابية. فزعيم «فتح» السابق المثير للجدل محمد دحلان كان يدير قائمته الخاصة. وعلى نحو أكثر تحديداً مثّل قرار الزعيم الشعبي المسجون في حركة «فتح» مروان البرغوثي بالانضمام إلى المناصر المرموق لمؤسسة «فتح» ناصر القدوة أسوأ سيناريو لعباس، الذي واجه احتمالاً حقيقياً بانقسام أصوات الحركة، كما كان عليه الحال في انتخابات عام 2006.

ومن جهتها، انحرفت «حماس» عن مسار التفاهمات الأولية التي تمت بين نائب رئيس المكتب السياسي للحركة صالح العاروري وأمين سر اللجنة المركزية لحركة «فتح» جبريل الرجوب، بشأن تشكيلة قائمة «حماس» وطبيعة مرشحيها. وسواء كان ذلك عن قصد أو مجرد مؤشر على السياسات الداخلية لـ «حماس» والقيود المفروضة على تأثير العاروري داخل الحركة – إلى جانب تأثير شريكه التكتيكي، يحيى السنوار، زعيم «حماس» في غزة – أمر غير واضح ولكنه في النهاية غير ذي صلة، على الأقل فيما يتعلق بديناميات الانتخابات [التي تم تأجيلها الآن]. وخلاصة القول هي أن أن آمال عباس في الحصول على نتائج لانتخابات كانت محددة مسبقاً والتي كان من شأنها أن تجدد شرعيته – دون الإخلال بالوضع القائم مع «حماس» – قد أثبتت وهميتها.

وعلى الصعيد الدولي، يبدو أن عباس قد استخف بعمق العوائق القانونية والسياسية التي تحول دون مشاركة الولايات المتحدة مع “السلطة الفلسطينية” في حالة عودة «حماس» إلى بِنْياتها. وأدّى قرار «حماس» تسمية مرشحين متورطين بشكل مباشر في أعمال إرهابية قاتلة إلى صعوبة دعم الانتخابات من قبل دول [مختلفة]، حتى بالنسبة لتلك التي ربما كانت على استعداد لتفسير شروط الدعم الانتخابي بشكل فضفاض على النحو الذي حددته “اللجنة الرباعية” (الأمين العام للأمم المتحدة  و”الاتحاد الأوروبي” والولايات المتحدة وروسيا). وبينما امتنعت الأردن ومصر عن معارضة الانتخابات بشكل مباشر، فقد عبّرت عن مخاوفها على انفراد.

من جانبها، كانت إسرائيل قد اتخذت موقفاً سلبياً بصورة علنية (على الرغم من أنها نقلت مخاوفها على حِدة إلى عباس)، واختارت عدم التعبير عن معارضتها لإجراء الانتخابات ولكن أيضاً رفضت الرد على [مطالبة] “السلطة الفلسطينية” بشأن القضية المحورية حول إجراء انتخابات في القدس الشرقية. وفي الواقع، يرقى هذا الامتناع عن الرد بشكل فعال إلى رفض إجراء الانتخابات في القدس. ووفرت قضية القدس الشرقية المبرر لقرار “السلطة الفلسطينية” بتأجيل الانتخابات، على الرغم من أن “لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية” أشارت إلى وجود حلول فنية إذا منعت إسرائيل قيام انتخابات في القدس. ومع ذلك، تظهر معارضة قوية للتأجيل ليس من قبل «حماس» فحسب، بل  من قبل القدوة ودحلان وعدد كبير من المرشحين والأحزاب السياسية الأخرى أيضاً.

ما الذي يمكن أن يعنيه تأجيل الانتخابات

إن القلق الأكثر إلحاحاً هو أن قرار تأجيل الانتخابات قد يؤدي إلى عدم استقرار [سياسي]. فالوضع على الأرض، رغم هدوئه إلى حد كبير، ازداد تقلباً في السنوات الأخيرة. فالاشتباكات التي وقعت في القدس هذا الأسبوع وإطلاق الصواريخ من غزة هي تذكير بأن احتمال اندلاع مواجهات عنيفة ليس بعيداً أبداً. لكن هذا لا يعني أن الاضطرابات الجماعية هي أمر حتمي أو حتى محتمل بالضرورة: فالعنف ظاهرة معقّدة، وهناك عدة عوامل استقرار يجب أخذها بعين الاعتبار.

وفي غزة، لا تزال قيادة «حماس» ملتزمة بالترتيبات المعتمدة منذ بضعة أشهر: أي الهدوء مقابل تخفيف بعض القيود الإسرائيلية. وقد تقرر «حماس» إطلاق بعض الصواريخ على إسرائيل، ولكن إذا حدث ذلك فمن المرجح أن يتم معايرتها بطريقة لا تؤدي إلى تصعيد كبير. وقد تقوم فصائل أخرى في غزة بشن هجمات، لكن «حماس» أثبتت أنها قادرة إلى حد كبير على ممارسة سيطرة أمنية فعالة في القطاع. ومع ذلك، من الممكن بسهولة أن يَخرج التصعيد المدروس عن السيطرة.

لكن الوضع في الضفة الغربية أكثر تعقيداً. فـ «حماس»، التي تدهورت بنيتها التحتية الإرهابية بشكل حاد، ستسعى على الأرجح إلى التصعيد. أما فصائل «فتح» التي ستشعر مرة أخرى بالتهميش من قبل عباس فقد تلجأ أيضاً إلى الاحتجاجات. ولا سبيل لمعرفة ما إذا كانت التطورات في الضفة الغربية ستؤدي إلى تعبئة الجماهير وتتحول إلى مواجهات جماعية. وإذا حدث ذلك، فمن المستحيل أيضاً التكهن بما إذا كانت هذه الاحتجاجات ستبدأ ضد إسرائيل أو “السلطة الفلسطينية” (على الرغم من أنه إذا وقعت احتجاجات، فمن المرجح أن ينتهي بها الأمر إلى استهداف كليهما). فمكونات المزيج المتفجر موجودة، لكن السنوات الأخيرة أظهرت قلة الرغبة الشعبية في العودة إلى اضطرابات واسعة النطاق. كما أن قوات أمن “السلطة الفلسطينية” – بمفردها وبالتعاون مع قوات الأمن الإسرائيلية – أثبتت فعاليتها. لكن خلاصة القول هي أن الأيام القادمة – بعد تأجيل الانتخابات – ستكون متوترة للغاية.

وعلى الصعيد السياسي، ستبرز «حماس» بصورة المنتصر على المدى القصير. فبعد أن رفضت صراحة تأجيل الانتخابات، أصبحت في وضع جيد للادعاء بأنها تمثل إرادة كل من 76 في المائة من الفلسطينيين الذين طالبوا بإجراء الانتخابات و 61 في المائة الذين توقعوا إجراءها. ولكن بعد ارتفاعٍ أوّلي في شعبيتها، ستجد «حماس» نفسها حيث بدأت: أي معزولة إقليمياً، ومُلامة جزئياً على الانقسام في صفوف الفلسطينيين، وأمام طريق استراتيجي مسدود ناجم عن السيطرة على غزة دون مسار واضح لتحسين الأوضاع بشكل كبير في القطاع. وعلى الصعيد الداخلي، من المرجح أن يؤدي تأجيل الانتخابات إلى تقويض مكانة العاروري (وإلى حد ما، السنوار) في الحركة التي تفضل عناصر أخرى، لا سيما فيما يتعلق بقياداتها التي استعادت نشاطها في الشتات.

ومع ذلك، سوف تغرق «فتح» في أزمة سياسية عميقة. وسيُلقى اللوم حتماً على عباس حول تأجيل الانتخابات، وبذلك ستضعف مكانته المتردية أصلاً (68 في المائة من الجمهور يريدون استقالة عباس). كما سيواجه تحديات غير مسبوقة داخل «فتح». وقد كشفت الدعوة لإجراء انتخابات عن انقسامات طويلة الأمد داخل الحركة وقامت بتفعيل هذه الانشقاقات، ولن تعود تلك الانقسامات إلى السكون بمجرد تأجيل الانتخابات. وقد يكون الاعتماد الكبير لعباس على إقصاء قادة «فتح» وتهميشهم، والذين يعتبرهم غير مرنين بشكل كافٍ، سبب دفعهم خارج الهيكليات الرسمية للحركة. لكن، كما يتضح من قدرة البرغوثي والقدوة ودحلان على تشكيل قوائم منافسة، لم يختفِ هؤلاء القادة ولا ناخبوهم. ومن غير المعروف ما إذا كان عباس سيستنتج (1) أنه بحاجة إلى عكس مساره وتلبية مطالب هذه الفصائل وإعادة بعضها إلى صفه، أو (2) سيضاعف جهوده لتطبيق نهجه. ومع ذلك، لا يبشر سجله بالخير بالنسبة لاحتمالات اتباع نهج تصالحي. وفي السياق المتعلق بخلافة عباس، من المتوقع أن يكون الرجوب الخاسر الأكبر لأنه الشخصية الأكثر ارتباطاً بالانتخابات. وتُضيف هذه التعقيدات إلى التحديات القائمة والمتعلقة بانعدام ثقة الشعب في المسار الدبلوماسي الذي اختارته “السلطة الفلسطينية” والإحباط العميق من فسادها وحكمها الرديء.

وعلى الصعيد الوطني، يُظهر الإخفاق في إجراء الانتخابات صعوبة – بل استحالة – تحقيق المصالحة الداخلية بين الفلسطينيين. فقد فشلت المقاربات المختلفة – بما فيها محاولات التوصل إلى مصالحة شاملة، ومحاولات المصالحة المحدودة عبر تشكيل حكومة وحدة. وعلى الرغم من أن الظروف الخاصة بكل مقاربة تبرر فشلها، إلا أنه لا مفر من الاستنتاج بأن الوحدة الوطنية ليست خياراً وارداً في المستقبل المنظور. أما الاعتبارات العملية – بدءاً من سيطرة «حماس» الأمنية على غزة، ووصولاً إلى المصالح السياسية والبيروقراطية التي ترسخت على مدى عقد ونصف من الانفصال – بالإضافة إلى الأيديولوجيات التي لا يمكن التوفيق بينها، فقد تشكل عقبات يصعب تذليلها في الوقت الحالي.

التداعيات على السياسة الأمريكية

بينما من الصعب التنبؤ باحتمالات نشوب اضطرابات واسعة النطاق، إلا أن باستطاعة الولايات المتحدة – من خلال “مكتب منسق الأمن الأمريكي” – مساعدة إسرائيل والسلطة الفلسطينية على اجتياز هذه الفترة المتقلبة. وبالفعل، فإن مثل هذه الأوقات هي تذكير آخر بالعمل المهم، بل غير المرئي في غالب الأحيان، الذي قام به “مكتب منسق الأمن الأمريكي”، وبقيمة الوجود الأمريكي المستدام وطويل الأجل على الأرض.

وسيسمح تأجيل الانتخابات إلى مضي إدارة بايدن قدماً في خططها لتوسيع علاقتها مع “السلطة الفلسطينية” – من ناحية الدبلوماسية والمساعدات ككل – والتركيز على تذليل بعض العقبات الأخرى التي تواجه إعادة التواصل بين الجانبين. يجب على الإدارة الأمريكية أيضاً أن تستكشف المجالات التي يمكن أن يتقدم فيها التعاون الفلسطيني-الإسرائيلي بسرعة. فالتقدم السريع على الجبهتين الثنائية والثلاثية، خاصة إذا كان يركز على النتائج الملموسة، قد يسهم في إرساء الاستقرار على المدى المتوسط إذا ومتى انقضت فترة التقلبات الأولية.

ولكن على المدى الطويل، ستبقى أزمة الشرعية الحادة التي يواجهها النظام السياسي الفلسطيني، ولا سيما “السلطة الفلسطينية” وحركة «فتح»، عائقاً أمام أي احتمالات بظهور مبادرات أمريكية ودولية أكثر طموحاً لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. (أما السياسة الإسرائيلية فتطرح مجموعتها الفريدة من التحديات). وتجدر الإشارة إلى ان الولايات المتحدة ليست في وضع يؤهلها التأثير على السياسة الفلسطينية بشكل مباشر، ولن يكون من المُستحسن قيامها بذلك. وعوضاً عن ذلك، بإمكان الولايات المتحدة العمل مع الدول العربية الشريكة – خاصة الأردن ومصر والسعودية – لتشجيع عباس على السعي إلى إنعاش «فتح» وتوضيح عملية الخلافة. فضلاً عن ذلك، وبينما تواصل الولايات المتحدة استئناف تعاملها مع “السلطة الفلسطينية”، فمن الضروري إدراج قضية الإصلاح مرة أخرى على جدول الأعمال لتجنب التآكل المستمر لشرعية “السلطة الفلسطينية” على الساحة المحلية.

*تم تغيير بداية هذا المقال بعد إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن تأجيل الانتخابات الفلسطينية.

*غيث العمري هو زميل أقدم في “برنامج إيروين ليفي فاميلي” التابع لمعهد واشنطن حول العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وهو المدير التنفيذي السابق لـ “فريق العمل الأمريكي بشأن فلسطين”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى