معهد واشنطن :المقاومة الإسلامية التابعة لـ «حزب الله» اللبناني في سوريا
فيليب سميث، معهد واشنطن ٢٦-٤-٢٠١٨م
انتشرت جماعات الميليشيات الشيعية في ساحة الحرب السورية منذ عام 2012. وفي حين لا تشكّل جميع هذه الميليشيات امتدادات لـ «حزب الله» اللبناني، غير أن عدداً منها يتّبع نهج «حزب الله» وحصل على مساعدات واسعة من الجماعة. وتصنِّف هذه المنظمات نفسها على أنها “المقاومة الإسلامية في سوريا” أو “«حزب الله» في سوريا”، ويجب اعتبارها بالفعل جزءاً لا يتجزأ من «حزب الله» اللبناني.
الخلفية
في الفترة 2012-2013، بدأ «حزب الله» اللبناني بتدريب جماعات مختلفة من المقاتلين الشيعة السوريين، والعديد من هذه الجماعات أُقيم في البداية على شكل ميليشيات طائفية محلية. وقد مارس البعض منها عملياته في دمشق والبعض الآخر في حمص وما زال آخرون في قرى شيعية بالقرب من حلب. ومع ذلك، فمع تطوّر هذه المنظمات، امتدت حملات التجنيد التي قامت بها إلى ما هو أبعد من مناطقها الأصلية.
وبحلول عام 2014-2015، تشكّلت على ما يبدو منظمة جامعة تضم جماعات فرعية مرتبطة فيما بينها وتروج لزعمائها، وشعاراتها، ولافتاتها. وغالباً ما كانت هذه الجماعات تردّد اللغة الأيديولوجية نفسها التي يستخدمها «حزب الله» اللبناني، وتبجّل الأمين العام للحزب حسن نصر الله، وتقاتل إلى جانب قادة «حزب الله» أو تحت قيادتهم. وإلى جانب رمزياتها الخاصة، استخدمت جميع هذه الجماعات تقريباً رايةً أو شارة تضمّ شعار «حزب الله» اللبناني، ولقب “المقاومة الإسلامية في سوريا”، وشعار “لبيك يا زينب!”، في إشارة إلى حفيدة النبي محمد وإلى المقام الذي يحمل اسمها بالقرب من دمشق. وكان الدفاع عن الضريح ضد الجهاديين السنّة نقطة حوار أساسية في تجنيد جهاديين شيعة سوريين وأجانب.
وفيما يلي بعض الأمثلة البارزة للجماعات السورية على غرار «حزب الله»:
“قوات الرضا” (“لواء الإمام الرضا”). هي إحدى أوائل هذه الجماعات التي تشكّلت، وغالباً ما تجنّد المقاتلين من القرى الشيعية في منطقة حمص. وقد نشرت قواتها في جميع أنحاء سوريا.
“الغالبون”: “سرايا المقاومة الإسلامية في سوريا”. هي جماعة غامضة مكونة أساساً من السوريين المعتنقين للمذهبين الشيعي والعلوي، وغيرهم من الشيعة السوريين. وتصبّ جماعة “الغالبون” الكثير من اهتمامها على تجنيد المقاتلين من مناطق المرتفعات القريبة من الساحل، حتى وإن كانت قد استدرجت عناصر من جميع أنحاء سوريا. وفي عام 2015، قاتلت هذه الميليشيا في الجولان ودرعا. وفي السنوات الأخيرة، أصبحت خطاباتها تتسم بالهدوء النسبي، غير أنها لا تزال نشطة.
“لواء الإمام الباقر” (“لواء الباقر”). تأسست هذه الجماعة بين عامي 2013 و2015، ويتألف أعضاؤها وقادتها من القبائل السورية المعتنقة للمذهب الشيعي. وقد حاول “لواء الباقر” أيضاً تجنيد مقاتلين من قبيلة “البقارة” الكبيرة في سوريا. وفي نيسان/أبريل 2018، أعلنت الجهاد ضد الولايات المتحدة وحلفائها السوريين.
ومن بعض النواحي، تعكس الجهود التي يبذلها «حزب الله» اللبناني لرعاية هذه الجماعات النامية في سوريا، النشاط السابق للحزب في العراق. [فعلى سبيل المثال] أُرسل القائد في «حزب الله» اللبناني علي موسى دقدوق – الذي تم احتجازه من قبل القوات الأمريكية في البصرة عام 2007 – إلى العراق لتدريب مقاتلين، وتنظيم هجمات، وتقديم توجيه أيديولوجي للمسلّحين المدعومين من إيران الذين شكلّوا فيما بعد الميليشيا الشيعية العراقية القوية حالياً «عصائب أهل الحق». ومن الناحية الهيكلية والأيديولوجية، تُعتبر «عصائب أهل الحق» استنساخاً لـ «حزب الله» اللبناني، على الرغم من أنّها استقلّت عنه بعض الشئ في النهاية.
وبالمقارنة مع جماعات مثل «عصائب أهل الحق»، لن تؤدّي على الأرجح تجليات «حزب الله» اللبناني في سوريا إلى النوع نفسه من التحركات المستقلّة. ويمكن أن يُعزى ذلك إلى القرب الجغرافي للقاعدة اللبنانية لـ «حزب الله»، والوجود المكثّف لـ «حزب الله» في سوريا، والروابط الاجتماعية الوثيقة في كثير من الحالات بين «حزب الله» اللبناني والمجتمعات الشيعية السورية. وبالتالي، فإنّ «حزب الله» اللبناني في وضع جيّد يسمح له الحفاظ على السيطرة المباشرة على الجوانب الاستراتيجية والتكتيكية لجماعاته السورية المستنسخة. وبالنسبة إلى «حزب الله» اللبناني، توفر سوريا المزيد من العمق الإستراتيجي والموارد البشرية، التي تشمل قوات محلية للمساعدة في تأمين مناطق «حزب الله» في لبنان فضلاً عن قوة عسكرية مضافة للتصدي لأعداء إقليميين مثل الولايات المتحدة وإسرائيل والدول العربية السنية.
«حزب الله» باسم آخر
تُشكّل “قوات الرضا” مثالاً رئيسياً على سيطرة «حزب الله» اللبناني على وحدة “المقاومة الإسلامية في سوريا”. وبالفعل، تُظهر روابط عديدة بين الاثنين كيف أنّ “قوات الرضا”، التي تروّج لعلاقة وثيقة مع «حزب الله»، هي جهة فاعلة أقل استقلالاً وأكثر من مجرد فرع ملحق بالمنظمة اللبنانية.
ووفقاً لسيرته الذاتية الرسمية في «حزب الله»، قُتل حمزة إبراهيم حيدر في 29 حزيران/يونيو 2013، أثناء قيادته هجوماً في “الخالدية” – حيّ في حمص متاخم للمدينة القديمة. وقد استفاد هذا التقدّم من مقاتلي «حزب الله» إلى جانب شخصيات من “قوات الرضا” الناشئة. أما بالنسبة إلى حيدر، فإنّ علاقته بكلتا الجماعتين واضحة جداً. فقد كان قائد جماعة النخبة “فوج الرضوان” التابعة لـ «حزب الله»، بالإضافة إلى “قوات الرضا”، التي أثنت على زعيمها الذي سقط في إحدى المعارك من خلال نشر إعلان عن شهادته، وإشارتها إلى أنّه “أشرف على تأسيس الميليشيا وتدريبها”.
وهناك تداخل إضافي واضح بين «حزب الله» اللبناني و”قوات الرضا” تَمثل بأشخاص مثل علي فوزي طه (المعروف أيضاً باسم الحاج جواد)، وهو قائد في «حزب الله» اللبناني من مدينة صور جنوب لبنان. وقد ورد اسمه في المنشورات شبه الرسمية على “الفيسبوك” من قبل مؤيدي الجماعتين على أنه “قائد” في “قوات الرضا”. وأشادت منشورات عديدة لـ”قوات الرضا” على مواقع التواصل الاجتماعي بِطَه “لاستشهاده” في نيسان/أبريل 2016.
ولعل أكثر ما يلفت النظر هو العلاقة بين علي محمد بيز (المعروف أيضاً بأبو حسن بلال) و”قوات الرضا”. وقد قُتل بيز في محافظة حمص في أيار/مايو 2017، وكان قائداً في «حزب الله» اللبناني يسكن في ضاحية بيروت الجنوبية. وبرز بيز أيضاً بدوره القتالي والقيادي واللوجستي في جميع أنحاء سوريا. ووفقاً لسيرة ذاتية نُشرت على أحد مواقع التواصل الاجتماعي الذي يديره ابنه، وصُف قائد «حزب الله» اللبناني الذي قتل في إحدى المعارك بأنه “أحد أهم قادة المقاومة في سوريا”، بالإضافة إلى كونه أحد “مؤسسي” “قوات الرضا”، وقائد الوحدات المتخصصة داخل الجماعة. وتم نشر صور جنازة بيز على مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بـ”قوات الرضا” التي صنفته على أنه “قائد شهيد”.
التجنيد المباشر في سوريا
إلى جانب الدعم الذي يوفّره «حزب الله» اللبناني للنسخ السورية من تشكيلته، قام الحزب بتجنيد مقاتلين لصفوفه مباشرة من المجتمعات اللبنانية-السورية والسورية الشيعية، ومعظمهم من الشيعة الاثني عشرية الذين يقيمون بالقرب من الحدود، حول المناطق المحيطة بالمدينتين السوريتين حمص والقصير. وهذا يبدو منطقياً نظراً لقرب المنطقة الجغرافي من معقل «حزب الله» في وادي البقاع اللبناني، والروابط العشائرية، فضلاً عن الأعداد الكبيرة من الشيعة الذين يعيشون على جانبي الحدود.
وفي هذا الإطار، تجسّد قرية “زيتا” السورية – على الجانب الآخر من بلدة “القصر” اللبنانية – التجنيد الذي يقوم به «حزب الله» في المناطق الحدودية. وعلى الرغم من أنها تقع على الجانب السوري، إلاّ أنّ معظم سكان “زيتا” هم من الشيعة اللبنانيين ولديهم روابط عائلية وثيقة مع لبنان. وفي أعقاب سلسلة من عمليات الخطف والقتل الطائفية بين عامي 2012 و2013، شكّل سكان القرية ميليشيات مخصصة كإجراء للتصدّي لمثل تلك العمليات. وبعد أن استولت عليها قوات التمرد السورية في عام 2012، قامت قوات «حزب الله» في عام 2013 باستعادة “زيتا” إلى جانب بعض القرى الشيعية المجاورة، حيث كانت تتمتّع سابقاً بنفوذ قوي فيها. ثم قام «حزب الله» بتسليح سكان هذه القرى وتدريبهم ليصبحوا جماعات دفاعية قبل ضمّهم إلى صفوفه في النهاية.
ونذكر أيضاً أحد سكان “زيتا” السابقين، وهو شيعي لبناني -سوري يبلغ من العمر اثنين وعشرين عاماً يُدعى مهدي عبد الله إدريس (الملقب أبو صلاح)، كان يقاتل ضمن “فوج الرضوان”، جماعة النخبة التابعة لـ «حزب الله» والتي تنتمي إلى شعبة تحمل الإسم نفسه المذكور سابقاً. وقد قُتل إدريس في تموز/يوليو 2016 بينما كان يقاتل في “هريرة”، وهي بلدة تقع في منطقة القلمون الجبلية شمال دمشق. ووفقاً لسيرة استشهاده الذاتية شبه الرسمية، كان إدريس قد “شارك في جميع معارك المقاومة في سوريا منذ بداية الأزمة”. ومن بين “شهداء” «حزب الله» الآخرين القادمين من المنطقة الحدودية وائل حسين زعيتر (الذي قُتل عام 2017) وعلي ديب زعيتر (الذي قُتل عام 2015)، وكلاهما من “حاويك”، وهي بلدة أخرى ذات أغلبية شيعية تقع في شمال “زيتا”.
ويجدر بالذكر أيضاً، حسن ملحم أسد الذي نشأ من قلب محافظة حمص، وهو شيعي سوري من قرية “الربوة”، بالقرب من مدينة حمص. وقد أُدرج أسد كـ “قائد”، مما يدل على أنّ دمج المقاتلين السوريين في صفوف «حزب الله» يزداد بشكل كبير. وفي صور نُشرت للقائد الذي سقط في إحدى المعارك، تظهر رايات لـ “المقاومة الإسلامية في سوريا” أثناء ما يمكن أن يكون محاضرة لمجندين سوريين. وقد تم دفن ملحم أسد، الذي قُتل في 12 أيار/مايو 2017، وهو ملفوف بأعلام سورية وأخرى تابعة لـ «حزب الله». كما أصدر المكتب العسكري المركزي لـ «حزب الله» شريط فيديو لعمليته الاستشهادية.
التداعيات السياسية
في الوقت الذي تواصل فيه الحكومة الأمريكية فرض عقوبات على الأفراد المرتبطين بالشبكات التابعة لـ «حزب الله» اللبناني، يجب أن تلقي النظر بصورة أكثر على ما يبدو أنها جماعات مستقلة أو نمت محلياً على غرار «حزب الله» في سوريا. وفي الواقع، إن عدداً من هذه الكيانات هي ليست فروع أو جماعات مستقلة مرتبطة بـ «حزب الله» اللبناني فحسب، بل هي عناصر أساسية منه. ونتيجة لذلك، ينبغي النظر إلى الحوادث المحتملة التي ينخرط فيها أفراد أمريكيين بطريقة أو بأخرى مع جماعات تعمل تحت مظلة “المقاومة الإسلامية في سوريا” أو «حزب الله» السوري على أنها تعمل كجزء من «حزب الله» اللبناني.