معهد واشنطن: السياسة في شرق البحر المتوسط قد تؤدي إلى مزيد من التأخير في غاز قبرص
معهد واشنطن 5-9-2024، سايمون هندرسون: السياسة في شرق البحر المتوسط قد تؤدي إلى مزيد من التأخير في غاز قبرص
في 23 آب/أغسطس، منحت حكومة قبرص شركة الطاقة الأمريكية العملاقة “شيفرون” إشعاراً مدته ثلاثة أشهر لإنهاء اتفاقهما بشأن استغلال حقل الغاز الطبيعي البحري “أفروديت”. وتدّعي نيقوسيا أن الشركة قد تأخرت في الوفاء بالتزاماتها وعرضت مقترحات غير مرضية على مدى الأشهر القليلة الماضية. وفي المستقبل، سوف يسارع الطرفان إما إلى التوصل إلى حل وسط قبل الموعد النهائي، أو إرسال الأمر إلى التحكيم – وهو سيناريو قد ينطوي على تأخير طويل الأمد ويمنع قبرص من اختيار شركاء جدد للمشروع. كيف وصل الاتفاق إلى هذا الطريق المسدود المحتمل، وما هي المقترحات التي تبدو الأكثر احتمالية لجذب شريك مناسب لحقل “أفروديت”؟
إسرائيل ومصر تدخلان الصورة
تم اكتشاف حقل “أفروديت” في عام 2011، ويقع على بعد 150 ميلاً جنوب قبرص على حدود “منطقتها الاقتصادية البحرية الخالصة“، مع وجود جزء صغير من الحقل في “المنطقة الاقتصادية الخالصة” لإسرائيل. ومنذ البداية، كان استغلال الغاز يمثل تحدياً. ولقبرص عدد سكان صغير نسبياً، وبالتالي لا يوجد طلب كافٍ على الغاز، في حين أن تصديره إلى إسرائيل عبر خط أنابيب ليس منطقياً لأن إسرائيل ليست بحاجة إليه أيضاً ولديها قدرة محدودة لنقل الغاز إلى دول أخرى.
وتمت مناقشة سيناريوهين خياليين: ضخ الغاز القبرصي (إلى جانب احتياطيات شرق البحر الأبيض المتوسط الأخرى) إلى اليونان وبقية أوروبا عبر خط أنابيب، أو استخدامه لتوليد الكهرباء التي يتم نقلها بعد ذلك عبر كابل يمتد من إسرائيل إلى أوروبا. ومع ذلك، يقع الغاز عميقاً تحت قاع البحر في مياه يبلغ عمقها عدة أميال، مما يجعل الاستخراج والنقل و/أو التوزيع معقداً للغاية وربما غير مجدي من حيث التكلفة في كلا السيناريوهين.
إن الحل المقترح – من قبل اتحاد شركات يملك حقوق الإنتاج بقيادة شركة “شيفرون” – هو ضخ الغاز جنوباً إلى مصر عبر خط أنابيب بحري أقصر يبلغ طوله 150 ميلاً. وبمجرد نقله إلى الشاطئ، يمكن تسييله في أحد المصانع المصرية الحالية ثم تصديره إلى أي دولة في العالم بواسطة ناقلات خاصة لـ “الغاز الطبيعي المسال”. ومع ذلك، فإن الطلب المحلي في مصر ضخم ويتجاوز العرض الحالي، وبالتالي يمكن استخدام غاز “أفروديت” لتلبية هذه الحاجة. وفي الثاني من أيلول/سبتمبر، أفادت صحيفة “فايننشال تايمز” أن نقص الغاز أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي في جميع أنحاء البلاد، مما دفع القاهرة إلى استيراد “الغاز الطبيعي المسال”، الذي يُعد أكثر تكلفة من الغاز المنقول عبر الأنابيب.
إن الشركاء الحاليين في اتحاد الشركات الذي تقوده “شيفرون” هم الشركة متعددة الجنسيات “شل” (بحصة مماثلة تبلغ 35٪) والشركة الإسرائيلية “نيو ميد” (بحصة 30٪). وتبلغ تكلفة خطة التطوير المقترحة 4 مليارات دولار. وإذا انفصلت قبرص عن هذه المجموعة، فإن الشركات الأخرى التي قد تكون مهتمة بالحصول على الرخصة هي شركة “بي بي” (“بريتيش بتروليوم”) (بالشراكة مع “شركة أبوظبي الوطنية للبترول”، أو “أدنوك”) وشركة “إنرجيان”، وهي شركة يونانية مدرجة في بورصة لندن تستخدم حالياً سفينة إنتاج عائمة لاستغلال حقل “كاريش” الإسرائيلي بالقرب من الحدود البحرية مع لبنان.
ويتطلب الاهتمام التجاري بأي حقل غاز منظوراً طويل الأجل. وعادة ما تكون التراخيص لمدة تتراوح بين خمسة عشر إلى عشرين عاماً، ويتعين على الشركات تغطية نفقاتها الرأسمالية الخاصة. وفي حالة “أفروديت”، ستحتاج أي شركة إلى أربع أو خمس سنوات لإكمال البنية التحتية قبل أن يبدأ تدفق الغاز، وبالتالي لن تكون الفوائد المتعلقة بالطاقة والتجارة فورية لأي من الطرفين.
تدخل تركي؟
قد تُغير السياسات الإقليمية المتسارعة الحسابات أيضاً، حتى بعيداً عن الاشتباكات المستمرة بين إسرائيل و”حماس” و”حزب الله”. ففي الرابع من أيلول/سبتمبر، سافر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى أنقرة للقاء نظيره التركي – وهي أول زيارة للسيسي منذ اثني عشر عاماً. وقد طغت رؤية تركيا الحازمة فيما يخص حدود “المناطق الاقتصادية الخالصة” في شرق البحر المتوسط على استغلال الغاز المحلي لسنوات عديدة. وتتأثر قبرص بشكل خاص لأن القوات التركية تحتل المنطقة الشمالية ذات الحكم الذاتي في الجزيرة (غير المعترف بها دولياً باستثناء تركيا). كما قدمت أنقرة حجة مشكوك فيها مفادها أن دولة الجزيرة لا يمكن منحها كامل حقوق “المنطقة الاقتصادية الخالصة” الممنوحة للدول ذات الأراضي القارية.
ومع اقتراب موعد انتهاء مهلة طرد “شيفرون” من قبل قبرص، فمن المرجح أن تشهد الأسابيع المقبلة مفاوضات متوترة ومحاولات للتلاعب والمراوغة، حيث يتخذ وزير الطاقة القبرصي جورج باباناستاسيو موقفاً أكثر حزماً من أسلافه. ومن الصعب التنبؤ بالنتيجة، ولكنها لا تبشر بالخير للمستثمرين في المستقبل في احتياطيات الغاز التي تطالب بها قبرص.
سايمون هندرسون هو “زميل بيكر” ومدير “برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة” في معهد واشنطن.