معهد واشنطن – الدبلوماسية القطرية : الكشف عن أزمة معقدة
معهد واشنطن – سايمون هندرسون – 8/3/2018
منذ اندلاع الخلاف الدبلوماسي بين قطر والتحالف الذي يضم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين في حزيران/يونيو الماضي، فشلت جهود متعددة لحلّ هذا النزاع. ولكن خلال الأسبوع الماضي، بدا أنّ واشنطن قد أطلقت جولةً جديدة من الدبلوماسية الأمريكية.
أولاً، أفادت بعض التقارير أنّ البيت الأبيض يعتزم دعوة جميع الدول الست الأعضاء في «مجلس التعاون الخليجي» إلى اجتماع قمّة في كامب ديفيد في أيار/مايو. وفي 27 و28 شباط/ فبراير، أجرى الرئيس الأمريكي ترامب اتصالات هاتفية منفصلة مع كلّ من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وولي العهد الإماراتي محمد بن زايد من أبوظبي (الإمارة الرائدة في الدولة الاتحادية)، وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني. وكانت قراءات البيت الأبيض للمحادثات الثلاث متشابهة بشكل أساسي، فقد شُكر كل أمير على إبرازه وسائل تسمح لجميع دول «مجلس التعاون الخليجي» بـ “التصدّي لنشاطات إيران المزعزعة للاستقرار وهزيمة الإرهابيين والمتطرفين بشكل أفضل”.
وفي 4 آذار/مارس، تحدث الرئيس ترامب مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وأشارت القراءة هذه المرة إلى “روسيا وإيران ودعمهما غير المسؤول للهجمات الوحشية [التي يشنها] نظام الأسد ضد المدنيين الأبرياء”، وكذلك إلى التعهد “بالعمل معاً على .. تدعيم الوحدة العربية والأمن في المنطقة”. وحتى الآن لم يصدر أي تقرير عن قيام الرئيس ترامب بالاتصال بالزعيم الرابع للتحالف العربي، ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة.
ما هو السياق؟
تُعتبر المملكة العربية السعودية أكبر مُصدّر للنفط في المنطقة؛ وتأتي الإمارات في المرتبة الثانية. أما قطر فهي أكبر مُصدّر للغاز الطبيعي المسال في العالم وتتقاسم مع إيران في أكبر حقل للغاز [في العالم]. وبحُكم العدد الصغير لسكان قطر البالغ 300,000 نسمة، تتمتع الإمارة أيضاً بأعلى دخل للفرد في العالم، وقد استخدمت هذه الثروة لتبنّي سياسة خارجية مستقلة، على سبيل المثال دعوة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى قمة دول «مجلس التعاون الخليجي» في الدوحة عام 2007. وفي الوقت نفسه، تستضيف قطر 10,000 جندي أمريكي في “قاعدة العديد الجوية”، حيث تقوم الطائرات الأمريكية بصورة منتظمة بشن ضربات على أهداف تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا.
من هي العناصر الفاعلة الرئيسية؟
إن الشخصيتين الأكثر أهمية في حل النزاع هما وليا عهد السعودية وأبو ظبي، المعروفان على التوالي بأنهما القائدان الفعليّان لبلديهما. ويبدو أن محمد بن زايد قد اضطلع بدور ريادي في هذا الشأن. وعلى الجانب القطري، لا يتمتع الأمير تميم بنفس القوةعلى الساحة الإقليمية، ولا يُعتبر والده حمد بن خليفة عنصراً مهماً من قبل الدبلوماسيين الأجانب في الدوحة، على الرغم من إدعاءات دولة الإمارات بأنه يقوم بدور حاسم. ويتزعم الدبلوماسية الأمريكية وزير الخارجية ريكس تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتيس. كما يجاهد أمير الكويت صباح الأحمد الصباح منذ عدة أشهر لحل الأزمة.
ما هو الخلاف؟
أصبح الكشف عن أكثر الخلافات صلة بين التحالف العربي وقطر معقداً بشكل متزايد. فعدائهما التاريخي يسبق اكتشاف الاحتياطيات المحلية من النفط والغاز. كما أن الأزمة الحالية تبدو وكأنها عودة مرة أخرى إلى الشجار السابق في أوائل عام 2014، عندما سحبت السعودية والإمارات والبحرين سفرائها من قطر لعدة أشهر بعد اتهامها بالتدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول. وعندما حدث الانشقاق الأخير، أعدّ التحالف العربي لائحةً بثلاثة عشر مطلباً (تمت إعادة صياغتها لاحقاً بستة “مبادئ”) وأغلَقَ حدود قطر البرّية وممراتها الجوية.
وفي بعض الأحيان، يبدو أنّ المشكلة الرئيسية – خاصة لمحمد بن زايد، ولكن لمصر أيضاً – هي سمعة الدوحة كونها سمحت لأعضاء منفيين من جماعة «الإخوان المسلمين» بالعيش في قطر. وترتبط مطالب أخرى بتقييد بثّ قناة “الجزيرة” الفضائية التحريضية في أغلب الأحيان ووقف الدعم للإرهاب. إلّا أنّ البند الأول على لائحة التحالف يتمحور حول إيران بالكامل. فقد أُمِرت الدوحة على وجه التحديد بالقيام بما يلي: “كبح العلاقات الدبلوماسية مع إيران وإغلاق بعثاتها الدبلوماسية هناك، وطرد أعضاء «الحرس الثوري» من قطر وقطع أي تعاون عسكري مشترك مع إيران. ويُسمح بوجود تجارة وتبادل تجاري مع إيران شرط أن تمتثل [طهران] للعقوبات الأمريكية والدولية”.
ما مدى عمق الخلافات؟
علّق الأمير محمد بن سلمان هذا الأسبوع بقوله إنّ الأزمة مع قطر “قد تدوم لوقت طويل”، مقارناً إيّاها بالحصار الأمريكي على كوبا. إلّا أنّه بالنسبة إلى مدى جدّية الخلاف بين الأطراف أنفسهم، فإن بعض تصرّفاتهم حتّى الآن تبدو تافهة بالنسبة إلى من ينظر إليها من الخارج. فعلى سبيل المثال، عرض القسم المخصص للأطفال في “متحف اللوفر” الجديد في أبوظبي مؤخراً خريطةً لجنوب الخليج أُزيلت منها شبه الجزيرة القطرية. ووصف المتحف هذا الإغفال بالـ”سهو”، إلّا أنّ المشكلة برزت مرة أخرى في الأسبوع الماضي عندما زوّدت شركة نفط سعودية تملكها الدولة، قناة “بلومبرغ” التلفزيونية بخريطة كررت فيها الحذف نفسه (بعد يوم من ذلك، عرضت قناة “بلوميرغ” اعتذاراً عن طريق البث المباشر). وفي غضون ذلك، يستضيف الشيخ محمد بن زايد أعضاء ثانويين محبطين من العائلة المالكة القطرية في أبوظبي؛ وقد غادر أحدهم في كانون الثاني/يناير بعد احتجاجه على احتجازه ضد إرادته، وقد استُقبل عضو آخر من العائلة في 20 شباط/فبراير.
أين موقع تقارير القرصنة الأجنبية من ذلك؟
استخدمت كلّ من قطر والإمارات الحرب الإلكترونية خلال فترة الخلاف. ففي مرحلة معيّنة، تمّ اختراق حساب البريد الإلكتروني الشخصي لسفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة من قِبل أفراد يُفترض أنّهم تصرّفوا نيابة عن الدوحة. وفي أيار/مايو الماضي، وبعد أن أشاد ترامب بوحدة دول الخليج في قمّة عُقدت في الرياض، اخترق عدد من المقرصنين “وكالة الأنباء القطرية” وأرسلوا خبراً داعماً لإيران، مما أثار غضب الإمارات والسعودية. وأُفادت بعض التقارير بأنّ مسؤولين أمريكيين خلصوا إلى أنّ عملية القرصنة قد نُفّذت من قِبل الإمارات أو نيابة عنها.
هل هناك خلافات حول السياسات داخل إدارة ترامب؟
بدت التغريدات الأوّلية للرئيس ترامب حول الخلاف وكأنّها تصطفّ إلى جانب السعودية والإمارات، في حين بدا وكأنّ تيلرسون وماتيس ينظران إلى الأزمة على أنها تشتّت الانتباه عن الأولويّة الأساسية في المنطقة بالنسبة لواشنطن، وهي: دعم الحلفاء الخليجيين ضدّ التهديد الإيراني. إلّا أنّه يبدو أنّهم يتشاركون الآن وحدة الهدف.
ففي كانون الثاني/يناير، استضاف تيلرسون وماتيس سويةً أول حوار استراتيجي بين الولايات المتحدة وقطر، والذي أُفيد بأنّه تكلّل بنجاح كبير. وعندما يزور الأمير محمد بن سلمان البيت الأبيض هذا الشهر، ستكون قطر على جدول الأعمال. وقد يحاول الرئيس ترامب فصله عن الشيخ محمد بن زايد حول هذه القضية. وقد تمت دعوة محمد بن زايد نفسه لعقد اجتماع في البيت الأبيض بعد بضعة أيّام، في حين من المقرّر أن يزور الأمير تميم البيت الأبيض في نيسان/أبريل. وقد تتوقف إمكانية الرئيس ترامب التوسط في التوصل إلى اتفاق على مدى افتخار القادة الثلاثة بعلاقتهم معه ومع الولايات المتحدة. ومن غير المحتمل أن تنعقد القمّة المقترحة في كامب ديفيد في أيار/مايو ما لم يتمّ التوصل إلى حل للأزمة بحلول ذلك الوقت.
هل الأزمة قابلة للتفاوض؟
إنّ مطلب التحالف بأن تقطع قطر علاقاتها الدبلوماسية مع إيران هو شائك بشكل خاص نظراً لعلاقات طهران المعقدة مع العديد من أطراف النزاع. وعلى الرغم من أنّ السعودية والبحرين قد قطعتا علاقاتهما الرسمية مع الجمهورية الإسلامية بعد الاعتداء على السفارة السعودية في طهران على يد مثيري شغب في عام 2016، إلا أن الإمارات حافظت على علاقاتها الرسمية معها. ولدى إيران قنصلية كبيرة في دبي التي تعيش فيها نسبة كبيرة من المواطنين الإماراتيين ذوي التراث الإيراني. كما تُعد إيران ثاني أكبر سوق لصادرات دولة الإمارات، حيث تشكّل حوالي 9 في المائة من تجارة صادراتها، التي تبلغ قيمتها نحو 30 مليار دولار أمريكي سنوياً.
وفي الوقت نفسه، كانت علاقات قطر مع إيران مبالغاً فيها في بعض الأحيان. فمن المرجح أنّ يكون مطلب التحالف بطرد جنود «الحرس الثوري» الإيراني مرتكزاً على تقارير إخبارية خاطئة حول تمركز مثل هذه العناصر خارج القصور في الدوحة. ويقول دبلوماسيون أجانب في العاصمة القطرية أنّه لا صحّة لهذا الادعاء، وأنّه لا توجد علاقات عسكرية أو سياسية مهمة بين البلدين. وقد زادت التجارة الثانئية بينهما بشكل هامشي فقط خلال الأشهر القليلة الماضية ولا تزال منخفضة للغاية. واليوم، مع إغلاق حدودها مع السعودية، على قطر استيراد كل ما تحتاجه عن طريق البحر أو الجو. ويُباع الحليب الإيراني في المحال التجارية القطرية، وكذلك الحليب من تركيا وبريطانيا.
هل هناك زاوية إسرائيلية؟
لإسرائيل حصة في الخلاف نظراً لمخاوفها الخاصة بشأن إيران والإرهاب، لكنّ علاقتها مع الأطراف الخليجية معقّدة أيضاً. ففي أواخر كانون الثاني/يناير الماضي، وبعد زيارة يهود أمريكيين بارزين للدوحة على نفقة قطر، غرّدت السفارة الإسرائيلية في واشنطن ما يلي: “نعارض تواصل قطر مع يهود موالين لإسرائيل”. وفي الوقت نفسه، كان لإسرائيل مكتب دبلوماسي في الدوحة، ولا يزال يُسمح لحاملي جوازات سفرها بالدخول لحضور مؤتمرات في قطر. كما تشعر إسرائيل بالامتنان لدعم قطر المالي لجهود إعادة الإعمار في غزة ودور الوساطة الموازي مع «حماس». ولكن في الوقت الذي يتعين فيه تمرير هذه الأموال عبر القنوات الإسرائيلية الرسمية، لا تزال هناك مخاوف من تسرّب بعضها إلى «حماس» وجماعات مماثلة للقيام بعمل إرهابي.
وعلى الجانب الآخر من الخلاف، تُعتبر الإمارات العربية المتحدة أساسيةً لما يطلق عليه الدبلوماسيون الإسرائيليون “استراتيجية الجبل الجليدي”، التي تستدعي إقامة روابط سرّية مع دول الخليج المهددة من قبل إيران. والإمارات هي الدولة الخليجية الوحيدة التي تتمتّع بوجود دبلوماسي إسرائيلي رسمي على شكل مكتب تمثيلي في “الوكالة الدولية للطاقة المتجددة” التي مقرّها في أبو ظبي.
هل هناك زاوية أمريكية محلّية؟
في نهاية الأسبوع الماضي أفادت صحيفة “نيويورك تايمز” بأنّ المستشار الخاص روبرت مولر كان يحقق مع رجل الأعمال اللبناني الأمريكي جورج نادر بشأن محاولات الإمارات العربية المتحدة شراء نفوذ سياسي عبر دعم مالي لحملة ترامب الرئاسية. ويبدو أنّ نادر تلقّى تقريراً مفصّلاً من أحد أهمّ جامعي التبرّعات لترامب وهو إليوت برويدي، حول اجتماع في المكتب البيضاوي حثّ فيه برويدي الرئيس الأمريكي على لقاء محمد بن زايد على انفراد، ومساندة السياسات التي تتبعها الإمارات في المنطقة، وإقالة وزير الخارجية تيلرسون. وقد اتّهم برويدي قطر باختراق رسائله الإلكترونية للحصول على هذا التقرير.
*سايمون هندرسون هو زميل “بيكر” ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.