ترجمات أجنبية

معهد واشنطن – أنتوني سكينر – احتمال كبير أن يبقى المهاجرون بيادق في علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي في السنوات القادمة

معهد واشنطن – أنتوني سكينر –  17/3/2020

مع استمرار انتشار فيروس كورونا المستجد بفرضه القيود على حركة السفر، يعقد القادة الأوروبيون اجتماعًا افتراضيًا عبر شبكة الانترنت هذا الأسبوع مع القيادات التركية في محاولة لإنعاش وربما إدخال بعض التحسينات على “صفقة اللجوء “،التي كانت قد أُبرِمَت عام 2016 بفيضٍ من العيوب والتي قد آلت الآن إلى الفشل الفعلي. وتعتبر هذه المحاولة الثانية التي تأتى في أقل من شهر للتوصل إلى اتفاق، والتي تواكب زيارة الرئيس أردوغان لبروكسل في 9 مارس / آذار.  وكان قد أعلن المسؤولون الأتراك الشهر الماضي عن قرارهم بالتوقف عن منع اللاجئين من الهرب عبر الحدود التركية إلى اليونان وبلغاريا بعد سنوات من التهديدات المتكررة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإعادة فتح الحدود التركية ردًا على سياسات الاتحاد الأوروبي غير المواتية لتركيا، ما آثار حدة التوترات بين اللاجئين والسلطات اليونانية والبلغارية التي تواصل دورياتها كل من جانبها من الحدود.

يكمن هدف الاتحاد الأوروبي حاليًا في منع الرئيس أردوغان من تشجيع ملايين السوريين وغيرهم من المهاجرين على محاولة العبور من تركيا إلى أوروبا كما وفي انتزاع الضمانات منه بأن أنقرة لن تستخدم المهاجرين كبيادق في أي لعبة سياسية في المستقبل.

ويذكر أن قرر أردوغان التخلي عن صفقة اللجوء جاء بعد أن رفضت الدول الأعضاء في الناتو دعوات تركيا لإنشاء منطقة حظر طيران في شمال غرب سوريا لمنع الرئيس السوري بشار الأسد من استهداف القوات العسكرية التركية وتشريد مئات الآلاف من السوريين الذين اتجهوا نحو الحدود التركية.

ولكن، حتى وإن نجح الجانبان في التوصل إلى اتفاق، فمن غير المرجّح لهذا الأخير أن يبقى نافذًا أكثر من الاتفاق الذي سبقه عام 2016. حيث أنّه من المحتمل أن يعيد أردوغان استخدام تهديد تدفق المهاجرين إلى أوروبا ومعاناتهم مع حراس أمن الحدود الأوروبيين للضغط على السياسيين الأوروبيين في طيفٍ من القضايا في السنوات القادمة.

ويعلم أردوغان جيدًا كم أدّت جهود خفر السواحل وقوات الأمن البرية التركية دورًا مهمًا في ردع المهاجرين السوريين وغيرهم من بلوغ الحدود مع بلغاريا واليونان، إذ كما يوضح الرسم البياني أدناه، ساهمت صفقة عام 2016 إلى حد كبير في خفض تدفق المهاجرين إلى أوروبا.

ويرجع الانخفاض في عدد المهاجرين الوافدين في عام 2015 قبل أن توقع تركيا والاتحاد الأوروبي على ” صفقة اللجوء “، إلى بدء فصل الخريف يليه الشتاء، حيث تكون الظروف في البحر الأبيض المتوسط أكثر صعوبة.

ومن المحتمل أن تساعد الحكومة التركية من جديد المهاجرين للانتقال باتجاه الحدود اليونانية والبلغارية لدى بلوغ التوترات بين تركيا والاتحاد الأوروبي ذروتها.

الشكل: عدد المهاجرين الذين يدخلون أوروبا كل عام

الاتحاد الأوروبي مسؤول عن فشل صفقة اللجوء

لعل إحجام القادة الأوروبيين عن تلبية توقعات الرئيس أردوغان يشرح ولو بشكل جزئي لِمَ لا يجدر توقّع أن تتمكن أي صفقة لجوء أن تصمد أمام اختبار الزمن ولو تم تعديلها. إذ تتركّز توقعات أردوغان في أقسام اتفاق 2016 التي ما زالت لم تُطبّق؛ وهي على وجه التحديد السماح لحاملي جواز السفر التركي بدخول دول الاتحاد الأوروبي بلا تأشيرة دخول والالتزام بفتح صفحة جديدة في قضية محاولة تركيا المتعثرة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي كما وبذل الجهود الثنائية المكثفة لتوسيع الاتحاد الجمركي ما بين تركيا والاتحاد الأوروبي ولو بدرجة أقل. كما التزم الاتحاد الأوروبي بصرف مبلغ أولي قدره 3 مليارات يورو في إطار التسهيلات المقدمة للاجئين في تركيا، تلاه ضح دفعة أخرى من الأموال بقيمة 3 مليارات يورو بحلول نهاية عام 2018. في حين خصص الاتحاد الأوروبي ما يقرب من 6 مليارات يورو قد وعد بها المهاجرين السوريين في تركيا، كما تم إنفاق 3.2 مليار يورو فقط حتى الآن على المراكز الصحية والمدارس وما شابه ذلك. ويقول أردوغان إن التمويل المخصص غير كاف للمساعدة في تخفيف عبء المهاجرين الثقيل عن تركيا.

وكان القادة الأوروبيون قد وضعوا هذه الحوافز الملفتة على طاولة الحوار عام 2016 ليقنعوا أردوغان بالتفاوض معهم، لكنّ احتمال أن تُنفّذ من أصلها كان ضئيلًا منذ البدء. وفي حين أنّ الحكومة التركية ربّما لم تنجح في تلبية المعايير ومواءمة السياسات وتحسين سجلها في ما خص احترام حقوق الإنسان بالطرق التي من شأنها أن تفعّل تطبيق هذه المنافع، إلاّ أنّه كان يجدر بالأوروبيين أن يقرّوا بأن الوعد بمثل هذه الحوافز كان بمثابة فرض توقعات غير منطقية على النظام التركي. إذ ما كان يجدر أصلاً أن يُلقى بمثل هذه التوقعات اللامنطقية على طاولة. كما أن انعدام الثقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي يقيّد احتمال أن تدوم أي صفقة جديدة حتى ولو تم تضييق نطاق أحكامها إلى حد كبير.

وتمامًا كما لا فرصة لتركيا بأن تنضم إلى الاتحاد الأوروبي تحت حكم أردوغان، كذلك من المستبعد أن يسمح السياسيون الأوروبيون لحاملي جواز السفر التركي بدخول منطقة شنغن بلا تأشيرة دخول في السنوات القادمة. فلا مفر من أن تقوم الأحزاب والشخصيات اليمينية المناهضة للحكم في أوروبا باستغلال السماح للمواطنين الأتراك بالسفر إلى أوروبا بدون تأشيرة دخول إلى أقصى حد كما من المرجح أن يؤجج هذا الإذن الشكوك بالاتحاد الأوروبي وكراهية الإسلام. وعلى أي حال، تشهد منطقة شنغن تغيّرات داخلية حاليًا فيما تغلق الدول الأوروبية حدودها لاحتواء تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) لتبيّن عن قيود “فتح الاتحاد الأوروبي حدود دوله على بعضها البعض”.

وبغض النظر عن تبريرات الاتحاد الأوروبي لعدم التزامه بخريطة الطريقة الأصلية، سيستمر أردوغان بالإشارة إلى واقع صارخ، ألا وهو أنّ السياسيين الأوروبيين يبيّنون عن معايير مزدوجة في ما خص حقوق الإنسان عبر انتقاد إدارته على حكمها القمعي من جهة وعدم بذل ما يكفي من الجهود من جهة أخرى لدعم المهاجرين الوافدين من دول دمرتها الحرب. فالتزام تركيا بدعم المهاجرين السوريين الذين تستضيفهم أصلاً البالغ عددهم 3.6 مليون نسمة يتجاوز بأشواط الدعم الذي يقدّمه الاتحاد الأوروبي ككل. وبعد مضي عدة أعوام على هذه الترتيبات، ليس من المستغرب أن يطالب أردوغان أوروبا بتحمّل عبءٍ أكبر.

وتبقى الهجرة ورقةً رابحة في يد أردوغان في منطقة المتوسط

ليس بالضرورة أن تكون إعادة التفاوض على صفقة أمرًا أكثر فائدة من الوضع الراهن، أقلّه بالنسبة إلى أردوغان؛ فهذا الخلاف مع أوروبا حول سياسات الهجرة مفيد له دبلوماسيًا بشكل أو بآخر. وتبدو هذه الفوائد واضحةً في التوتر القائم حول غزوات تركيا الحالية في القيام بالحفر في المياه المتنازع عليها في شرق البحر المتوسط، علمًا أنّ أحد الأسباب الكامنة خلف عدم فرض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أي عقوبات كبيرة على تركيا على خلفية أعمال الحفر هذه هو تهديد أردوغان باستمرار السماح بتدفقات اللاجئين إلى الحدود الجنوبية لأوروبا لأسابيع أو ربما أشهر.

وربما تكون قضية المهاجرين قد أدت دورًا أيضًا في استجابة أوروبا المادية المحدودة إزاء إعلان الحكومة التركية في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 عن توقيعها مذكرة تفاهم بشأن ترسيم حدود بحرية مع حكومة الوفاق الوطني الليبية ومقرها طرابلس، مع الإشارة إلى أنّ الاتحاد الأوروبي لم يفرض بعد أي عقوبات قاسية على تركيا على الرغم من أن هذه الصفقة تتعدى بشكلٍ مباشر على المياه اليونانية على النحو المنصوص عليه في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، علمًا أنّ تركيا لم توقع على هذه الاتفاقية.

لذا، وبغض النظر عمّا قد يتم أو لا يتم إقراره هذا الأسبوع، من المرجح أن يستمر أردوغان بالاستفادة من وضع تركيا باعتبارها الدولة المضيفة لأكبر عدد من اللاجئين المسجلين في محاولةٍ منه لانتزاع المزيد من التنازلات من الاتحاد الأوروبي فيما يتطلع لتحقيق أهداف سياسته الخارجية في شرق البحر الأبيض المتوسط وأبعد. إذ يعلم الرئيس التركي جيّدًا أنّ الصور السلبية للمهاجرين وهم يُضربون عند حدود أوروبا الجنوبية ستبقى تشكل مشكلةً لسياسيي أوروبا في علاقاتهم العامة طوال سنوات كثيرة قادمة وعلى الاتحاد الأوروبي أن يتوقع منه أن يستمر في استغلال هذا الواقع إلى أقصى حد.

*أنتوني سكينر هو مدير منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في شركة فيريسك مابليكروفت الاستشارية للمخاطر، حيث يعمل على تغطية الأوضاع في تركيا لأكثر من 15 عامًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى