ترجمات أجنبية

معهد دول الخليج العربية – آفاق توسيع التعاون الروسي مع دول الخليج بشأن سوريا

معهد دول الخليج العربية –  بقلم  صموئيل راماني * – 25/3/2021

زار وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” السعودية والإمارات وقطر من 8 إلى 12 مارس/آذار، وكان من المتوقع أن يركز خلال رحلته على الحفاظ على اتفاقية “أوبك+” بقيادة بلاده والسعودية، وتعزيز الرؤية الأمنية الجماعية لروسيا في الخليج، وتوسيع التعاون الاقتصادي الروسي مع حكومات الخليج.

بالرغم من هذه التوقعات، ظهرت سوريا بشكل مفاجئ كنقطة محورية في جولة “لافروف” الخليجية، حيث دعا وزير الخارجية الإماراتي “عبدالله بن زايد آل نهيان” إلى عودتها إلى جامعة الدول العربية، وانتقد عقوبات الولايات المتحدة بموجب قانون “قيصر” لحماية المدنيين في سوريا. كما عُقد اجتماع ثلاثي تاريخي بين روسيا وقطر وتركيا بشأن سوريا في الدوحة، نتج عنه توقيع الدول الثلاث على بيان مشترك بشأن الحاجة إلى حل سياسي للحرب الأهلية السورية.

كانت الاختراقات الدبلوماسية التي ترأسها “لافروف” خلال زيارته للمنطقة تتويجًا لـ 5 سنوات من الدبلوماسية المكوكية الروسية مع دول الخليج العربية بشأن سوريا، وبالرغم من أن كل دول الخليج، باستثناء عمان، دعمت الإطاحة بالرئيس السوري “بشار الأسد”، فقد اتبعت كل دولة سياسات مختلفة، وفي بعض الأحيان متضاربة، بشأن سوريا.

أدى التدخل العسكري الروسي نيابة عن “الأسد”، والذي بدأ في سبتمبر/أيلو 2015، إلى تفاقم الاستقطاب. وقد شجبت السعودية وقطر سياسة “الأسد”، واتهمته بأنه يفتقر إلى الشرعية، وبحسب ما ورد كثفتا مساعدتهما العسكرية لمختلف الجماعات المتمردة السورية.

واعتبرت الإمارات أن الضربات الروسية في سوريا ضد الجماعات المتشددة المرتبطة بالقاعدة والدولة الإسلامية في العراق والشام هي أعمال عسكرية ضد “عدو مشترك”، فيما قدمت البحرين عبارات المديح لما تقوم به روسيا في سوريا. وأجرت الكويت محادثات مع روسيا حول حل النزاع في سوريا وشددت من تركيزها على القضايا الإنسانية، مثل وضع اللاجئين السوريين، فيما وسعت عمان انخراطها الدبلوماسي مع نظام “الأسد”.

استغلت روسيا هذه الانقسامات بسبب تدخلها العسكري في سوريا من خلال الانخراط بانتظام مع الإمارات وعمان والكويت والبحرين بشأن الصراع السوري، وكان “الكرملين” يأمل في أن يؤدي التأثير المعتدل لهذه الدول والنجاحات العسكرية “للأسد” إلى دفع السعودية وقطر إلى تعليق دعمهما لحركات المعارضة في سوريا.

كما صوّرت روسيا نفسها على أنها حصن محتمل طويل الأمد ضد النفوذ الإيراني والتركي في سوريا. ومع ذلك، كانت هناك نقاط ضعف في استراتيجيتها فيما يتعلق بتركيا؛ حيث نما نفوذ أنقرة في سوريا بطرق مهمة منذ تدخل روسيا.

ومع ذلك، أثمرت جهود روسيا إلى حد كبير؛ حيث أعادت الإمارات والبحرين فتح سفارتيهما في دمشق في ديسمبر/كانون الأول 2018، وتعهدت الكويت بإعادة فتح سفارتها في دمشق إذا تم قبول سوريا في جامعة الدول العربية، فيما خفضت السعودية وقطر بشكل كبير دعمهما العسكري والمالي لحركات المعارضة السورية، وفتحت هذه التحولات السياسية المجال لروسيا للتعامل بشكل بنّاء مع دول الخليج العربية بشأن سوريا.

يؤدي توسيع المشاورات الروسية الخليجية بشأن سوريا إلى دفع مصالح موسكو بعدة طرق. فعلى المدى القصير، يمكن لروسيا إشراك الدول العربية بشكل أكثر فاعلية في خططها للسلام في سوريا.

وتوقفت عملية “أستانا” للسلام، التي تضم روسيا وإيران وتركيا كضامنين مشاركين؛ بسبب النقاشات الدستورية التي أججها إحجام النظام السوري عن المشاركة بشكل متعمد. وأدرجت روسيا العراق ولبنان كمراقبين في المحادثات، لكنها فشلت في إشراك حلفاء محتملين آخرين، مثل مصر أو الإمارات.

يمكن أن يؤدي نمو الحوار الروسي الإماراتي بشأن سوريا والصيغة الروسية-القطرية-التركية، إلى تعزيز مكانة روسيا كحكم في العالم العربي، بغض النظر عن مدى محاولة بعض المسؤولين الأمريكيين رفض مصداقية هذا الدور الروسي.

وعلى المدى الطويل، تأمل روسيا أن يؤدي إشراك دول لخليج العربية إلى تشجيع استثماراتها في عملية إعادة إعمار سوريا وتسهيل عودتها إلى جامعة الدول العربية، فقد طوّرت روسيا أيضًا استراتيجيات أكثر استهدافًا للانخراط مع دول الخليج بشأن الأزمة السورية.

أسس فكرية مع الإمارات

تعتبر العلاقة الروسية الإماراتية في سوريا عميقة بشكل خاص، حيث إنها تستند إلى أسس فكرية وجيوستراتيجية. تماشيًا مع الروايات الروسية عن سوريا، وصف وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية آنذاك  “أنور قرقاش”، في أبريل/نيسان 2018،  الصراع السوري بأنه صراع بين “الأسد” و”المعارضة التي انضم إليها الجهاديون وحتى العديد من العناصر الإرهابية”. ويتماشى هذا التصريح مع وجهات النظر السلبية لروسيا والإمارات بشأن إرث الربيع العربي والمخاوف من أن تؤدي ثورة شعبية ناجحة في سوريا إلى تمكين العناصر المتحالفة مع جماعة الإخوان المسلمين في المعارضة السورية.

كما تماشى تسهيل روسيا لتحالف تكتيكي بين “الأسد” و”قوات سوريا الديمقراطية الكردية” ضد تركيا خلال هجوم عملية “نبع السلام”، الذي شنته أنقرة في أكتوبر/تشرين الأول 2019، في شمال سوريا، مع دعوات الإمارات المتزامنة للتضامن العربي مع سوريا ضد تركيا.

وبالمثل، فإن مشاركة الشركات الإماراتية في معرض دمشق التجاري الدولي في أغسطس/آب 2019، والتي انتُقدت بشدة من قبل الولايات المتحدة، تتماشى إلى حد ما مع الدعم الروسي الحماسي لعملية إعادة الإعمار السورية التي يقودها “الأسد”.

بالإضافة إلى تقارب وجهات النظر، فإن التعاون الأمني ​​بين روسيا والإمارات في سوريا ينمو أيضًا؛ حيث ناقش سكرتير مجلس الأمن الروسي “نيكولاي باتروشيف”، في يناير/كانون الثاني 2019، تبادل المعلومات حول الجماعات الإرهابية في سوريا مع مستشار الأمن القومي الإماراتي “طحنون بن زايد آل نهيان”.

وأضاف التحالف بين قائد الجيش الوطني الليبي الجنرال “خليفة حفتر” و”الأسد” ضد “التهديد التركي”، والذي تم الإعلان عنه في مارس/آذار 2020، بعدًا جديدًا للتعاون الروسي الإماراتي بشأن سوريا.

وقد برز اعتماد متبادل بين المتعاقدين العسكريين الخاصين التابعين لمجموعة “فاجنر” الروسية في ليبيا (والتي يُقال إنها تمول من قبل الإمارات)، والمرتزقة السوريين المتحالفين مع الأسد (الذين تم تجنيدهم من قبل مجموعة “فاجنر”)، والمرتزقة السودانيين والتشاديين المتحالفين مع الإمارات (الذين يقاتلون مع الجيش الوطني الليبي) بشكل كبير منذ أوائل عام 2020.

سيسمح هذا الترابط الناشئ لروسيا والإمارات بتعزيز التعاون بطريقة متزامنة بشأن ليبيا وسوريا، إذا التزمت الحكومتان بمثل هذا الجهد.

مساحة مشتركة مع السعودية

يقيد الخلاف المستمر بين روسيا والسعودية حول درجة شرعية “الأسد” نطاق التعاون بين موسكو والرياض بشأن سوريا. ومع ذلك، لا يزال هناك بعض المساحة للمشاركة.

فعلى النقيض من مزاعمه المتكررة بأن إيران تشكل عائقًا أمام السلام في سوريا، أكد وزير الخارجية السعودي “فيصل بن فرحان” على أهمية التنسيق مع روسيا بشأن عملية السلام السورية، وذلك خلال زيارة “لافروف” إلى الرياض في 10 مارس/آذار.

ويدعم ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان”، الذي قيل إنه أعطى الضوء الأخضر للتدخل العسكري الروسي في سوريا، باستمرار المشاركة مع روسيا، وقد التقى في 9 مارس/آذار بالمبعوث الروسي الخاص إلى سوريا، “ألكسندر لافرنتييف”.

غموض مع قطر

في حين يستند تفاعل روسيا مع الإمارات بشأن سوريا إلى أفكار مشتركة، كما أن الحوار مع السعودية مرتبط بتطلعات موسكو لوضع الإقليمي، فإن دوافع التعاون الروسي القطري بشأن سوريا أكثر غموضًا؛ حيث يؤكد دعم قطر لاستبعاد سوريا المستمر من جامعة الدول العربية، وانتقاداتها اللاذعة لانتهاكات “الأسد” بخصوص حقوق الإنسان في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن سوريا في 3 مارس/آذار، استمرار اختلافها مع روسيا بشأن سوريا.

ومع ذلك، لا تزال روسيا وقطر تريان أن الحوار بشأن سوريا مفيد للطرفين، ونظرًا لأن الدوحة قدمت مساعدات مالية وعسكرية مكثفة لقوات المعارضة السورية، فمن المحتمل أن يكون تعامل روسيا مع الدوحة بعد لحظات من التصعيد، مثل الهجمات الكيماوية في أبريل/نيسان 2017، مدفوعًا بتخفيف التهديدات.

في الآونة الأخيرة، ارتبط التعاون الروسي القطري بشأن سوريا بتطلعاتهما الدبلوماسية الأوسع. واعتبرت قطر مشاركتها في منصة ثلاثية بشأن سوريا مع روسيا وتركيا، دليلاً على مكانتها كوسيط، فيما اعتبرت روسيا مشاركة الدوحة في هذه المحادثات بمثابة بوابة للتعاون بشأن أفغانستان.

الكويت وعمان

من زاوية أخرى، كان تعاون روسيا مع الكويت وسلطنة عمان بشأن سوريا محدودا بدرجة أكبر. فقد كانت الكويت مكانًا للحوار الروسي الخليجي حول سوريا، وقد وقعت على اتفاقيات تطوير قطاع الزراعة الروسي مع سوريا.

لكن في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، استخدمت روسيا حق النقض ضد مشروع قرار صدر في ديسمبر/كانون الأول 2019، شاركت الكويت في رعايته، وكان من شأنه أن يسمح بتسليم المساعدات الإنسانية عبر الحدود عند نقطتين على طول الحدود التركية السورية، وقد وافق مجلس الأمن في النهاية على أحد هذه المعابر.

وكانت العلاقات الروسية العمانية بشأن سوريا أكثر تعاونًا على الدوام، ففي اجتماع في فبراير/شباط 2019 مع نظيره العماني، وزير الدولة للشؤون الخارجية آنذاك “يوسف بن علوي”، ادعى “لافروف” أن روسيا وسلطنة عمان لديهما “موقف مشترك بشأن سوريا”، وأن مسقط تدعم خطط موسكو لإعادة اللاجئين السوريين من الدول المجاورة.

في الوقت الذي تسعى فيه روسيا إلى الاستفادة من المخاوف المتزايدة بين دول الخليج بشأن فك ارتباط الولايات المتحدة بالشرق الأوسط، من المرجح أن يستمر التعاون الروسي الخليجي بشأن سوريا في استكمال عملية السلام في أستانا.

إن دافع روسيا لإطلاق التطبيع الدبلوماسي لنظام “الأسد”، وإطلاق عملية إعادة إعمار ذات مغزى، يمكن أن يفتح حنفية مليارات الدولارات في شكل صفقات وعقود ومساعدات لسوريا، وسيؤدي هذا بالتأكيد إلى قيام روسيا بالضغط من أجل تعاون أقوى مع دول الخليج بشأن سوريا.

وإذا أتى هذا التعاون بثماره المرجوة، فمن المرجح أن لا يعتمد فقط على مستوى الجهود الروسية الخليجية، ولكن على ما إذا كان صناع السياسة الأمريكيون سيغيرون المسار ويتوقفون عن إعاقة مثل هذه التطورات.

* صموئيل راماني هو مرشح لنيل درجة الدكتوراه في قسم العلاقات الدولية في كلية سانت أنتوني بجامعة أكسفورد. وهو أيضاً محلل ومعلق جيوسياسي، يكتب بانتظام في الواشنطن بوست وفورين بوليسي والمونيتور ومؤسسة كارنيجي للسلام الدولي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى