معهد دراسات الامن القومي – تحييد مشروع انفاق حزب الله، خطوة اخرى في المعركة ضد نفوذ ايران الاقليمي

قسم الملحق الاستراتيجي – نظرة عليا – بقلم يورام شفايتسر واوفيك راينر – 12/12/2018
في هذه الايام بدأت عملية “درع الشمال” من اجل تحييد الانفاق الاختراقية لحزب الله على الحدود الاسرائيلية اللبنانية بعد تعقب استخباري استمر بضع ¬سنوات. العملية ترافقها خطة محوسبة تدمج كشف استخباري، احباط هندسي ونشاط دبلوماسي واعلامي، هدفها خلق وضوح امام لبنان بشكل عام وحزب الله بشكل خاص فيما يتعلق بأهداف العملية وحجمها. هذا بهدف تقليص المخاطرة لاساءة فهم الخطوات الاسرائيلية، ومن اجل الحصول على دعم المجتمع الدولي للعملية. اختيار التوقيت لبدء العملية استند الى اعتبارات تنفيذية، تكنولوجية واستخبارية، تتعلق بالتقدير بشأن وصول الانفاق الى الجاهزية العملياتية، الى جانب اعتبارات سياسية داخلية في اسرائيل.
الانفاق الاختراقية هي لبنة في الخطة الهجومية البرية التي اعدها حزب الله ليوم صدور الأمر، المسمى من قبله “احتلال الجليل”. الخطة هي فقط احد المركبات في صورة التهديدات التي تأتي من جانب حزب الله تجاه اسرائيل، وعلى رأسها عشرات آلاف الصواريخ والقذائف بعيدة المدى التي تمت تخبئتها في المراكز السكانية في ارجاء لبنان، والتي زادها حزب الله منذ حرب لبنان الثانية بهدف تعزيز ميزان الردع قبالة اسرائيل. الانفاق التي حفرها حزب الله استهدفت تمكين خلايا وحدات الكوماندو التابعة له (الرضوان) من التسلل خلف حدود اسرائيل ومساعدته على تحقيق “صورة انتصار” عن طريق السيطرة (ولو مؤقتا) على مستوطنة، موقع عسكري أو طريق رئيسية. في الجانب الاسرائيلي، النشاط لكشف الانفاق وتدميرها ينضم الى مشروع انشاء السور في نقاط حساسة على طول الحدود، الذي بدأ قبل اكثر من سنة. اقامة السور وتدمير الانفاق الى جانب تطوير الوسائل الاستخبارية والاكتشاف، تضر بصورة كبيرة بخطة حزب الله لخلق تهديد بري حقيقي وهام امام اسرائيل.
إن سحب هذه القدرات من حزب الله يرسخ تفوق اسرائيل العسكري ويعمق الفجوة بينها وبين حزب الله، بصورة من شأنها أن تؤثر على ميزان الردع الثابت منذ العام 2006. مثلا، حسب رأي حزب الله، اذا شعرت اسرائيل بأنها محمية نسبيا من التهديدات التي يضعها حزب الله امامها فهي ستشعر أنها اكثر أمنا للعمل ضده وتحدي “خطوطه الحمراء” عن طريق مهاجمة لبنان – الامر الذي سيسرع وتيرة التصعيد. مع ذلك، لأن الردع المتبادل يستند الى عوامل كثيرة منها صدمة 2006 بالنسبة لاسرائيل وحزب الله، فان التهديد بالتدمير الكبير في لبنان، وفي المقابل اضرار صواريخ حزب الله لاسرائيل، وكذلك اضرار لاسرائيل يمكن أن يتسبب بها حزب الله من الاراضي السورية، من المعقول أن النشاط الاسرائيلي لاحباط تهديد الانفاق لن تكون له تأثيرات فورية بمعنى زيادة احتمالات المواجهة.
من ناحية ملموسة ايضا في نظر حزب الله، العملية الاسرائيلية ضد الانفاق التي تجري في اراضي اسرائيل هي عملية دفاعية مشروعة، طالما انها بقيت كما هي ولم تخترق الاراضي اللبنانية، فانها لا تشكل أي ذريعة لاندلاع الحرب. هذه الرؤية للامور تم التعبير عنها ايضا من قبل جهات لبنانية، منها رئيس البرلمان المقرب من حزب الله نبيه بري. اضافة الى ذلك، كشف الانفاق العابرة للحدود هو شهادة على أن حزب الله خرق في السنوات الاخيرة سيادة اسرائيل وقرارات الامم المتحدة ذات الصلة. اسرائيل من خلال امتناعها على معاقبة حزب الله على هذا الخرق الى جانب احباط تهديد الانفاق، فقد اعطت اشارات على أنها تنوي الحفاظ على الهدوء في منطقة الحدود. حزب الله من ناحيته أمر المتحدثين بلسانه بالصمت بسبب الحرج من عمق الكشف وسحب القدرة على التسلل الى اسرائيل من خلال الانفاق. ومن المحتمل أن ذلك بسبب الرغبة في منع التصعيد. يمكن التقدير أنه هو ايضا يعطي اشارات تشير الى أنه غير معني في هذه المرحلة بالتصعيد العسكرية مع اسرائيل. وذلك بسبب استمرار مشاركته العسكرية في الحرب في سوريا، التي كلفته حتى الآن ثمنا باهظا من الدماء والاموال (آلاف القتلى و8 آلاف مصاب وعائلات يجب مساعدتها). وازاء الوضع الحساس من الناحية السياسية في لبنان، حاول هناك زيادة تأثيره على الحكومة التي سيتم تشكيلها في المستقبل. هذا اضافة الى أن هجوم على اسرائيل بهدف جباية ثمن بسبب نشاطاتها في منطقة الحدود، من شأنه حسب رأيه أن يدخله الى “كمين استراتيجي”، وأن يستخدم كذريعة من قبل اسرائيل للقيام بعملية عسكرية على نطاق اوسع، مثل عملية ضد تهديد الصواريخ الدقيقة في لبنان.
انفاق حزب الله كما هو معروف هي دائرة واحدة في دوائر التهديدات التي تواجهها اسرائيل من قبل حزب الله، ايران ومحور المقاومة في الفضاء الشمالي لاسرائيل. هذه الدائرة تنضم الى مشروع انتاج الصواريخ الدقيقة في لبنان، والى تمركز ايران العسكري في سوريا، بما في ذلك محاولات انتاج وسائل قتالية متطورة على اراضيه، وترسيخ قوة عسكرية شيعية فيه، والى المشروع النووي الايراني.
في الوقت الحالي بؤرة اهتمام اسرائيل تتركز بشكل خاص على مشروع حرس الثورة الايراني وحزب الله لانتاج ونصب صواريخ دقيقة موجهة بعيدة المدى على الاراضي اللبنانية. عدد كبير من نشاطات اسرائيل في الفضاء السوري في السنوات الاخيرة استهدف احباط جهود حزب الله للتسلح بالصواريخ وتثبيت قذائف توجد بحوزته في لبنان على صواريخ دقيقة موجهة. العوائق السياسية والعسكرية التي تتزايد حول حرية عمل اسرائيل في سوريا، وكذلك الجهود الايرانية لنقل وسائل قتالية وتكنولوجية مباشرة الى بيروت دون استخدام الوسيط السوري، تنقل الصراع الى الساحة اللبنانية. لذلك فان اسرائيل زادت في الاسابيع الاخيرة محاربتها ضد جوانب اخرى من الظاهرة، بدء من خطاب رئيس الحكومة في الامم المتحدة الذي عرض فيه الوضع في بيروت، مشكوك فيه أنها تخدم المشروع وحتى اللقاء المستعجل الذي اجري في بروكسيل في 3 كانون الاول مع وزير الخارجية الامريكي مايك بومبيو، والذي في اطاره بحثا تقدم مشروع الصواريخ. هكذا تعطي اسرائيل اشارات للمجتمع الدولي بشكل عام وحزب الله بشكل خاص بأنها يمكن أن تتخذ خطوات اكثر شدة، أي مهاجمة لبنان من اجل ازالة التهديد.
اضافة الى أن الامر يتعلق بمحاولة لزيادة الضغط على حزب الله وتسريع حل الازمة بالطرق الدبلوماسية بواسطة المجتمع الدولي، فان اسرائيل يمكنها أن تصل الى لحظة الحقيقة التي فيها ستضطر الى تنفيذ هجوم وقائي ضد مشروع الصواريخ الدقيقة في لبنان. سيناريو كهذا يمكن أن يضع اسرائيل وحزب الله على مسار التصادم، في الوقت الذي فيه من شأن الاعمال التي تنفذ في المنطقة الحدودية في اطار تحييد الانفاق، أن تشكل اهدافا سهلة لحزب الله لتدفيع اسرائيل الثمن.
رغم أن تدمير الانفاق بحد ذاته لا يتوقع أن يؤدي الى تصعيد فوري، فان شبكة العلاقات المعقدة والقابلة للتفجر بين اسرائيل وبين ايران وحزب الله دخلت الى مرحلة حساسة تحتاج ادارة حكيمة ومحسوبة من اجل منع الانجرار الى حرب الطرفين غير معنيين بها. يجب على اسرائيل مواصلة عمليات احباط الانفاق حتى يتم سحق هذه القدرة لحزب الله وازالة التهديد البري عن السكان في المنطقة الحدودية. في هذا السياق اسرائيل تستخدم الاعلام المكشوف بصورة صحيحة، والقنوات الدبلوماسية غير المباشرة مثل قوات اليونفل، وذلك من اجل نقل الرسائل وتوضيح نشاطاتها فيما يتعلق باهداف العملية وحجمها بهدف الحفاظ على الاستقرار ومنع التصعيد.
الى جانب ذلك، فان كشف الخطة الهجومية لحزب الله يجب أن تستخدم كقاعدة لخطوات سياسية هامة. مثلا، طرح مطالب اسرائيلية من الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي: 1- زيادة الضغط على ايران وحزب الله للتوقف عن تشجيع نشاطات تآمرية تهدد استقرار سوريا ولبنان؛ 2- تحسين الظروف لقرار 1701 الصادر عن مجلس الامن من العام 2006 الذي دعا الى وقف اطلاق النار بين اسرائيل وحزب الله؛ 3- فحص امكانية فرض عقوبات اخرى على لبنان بصورة تجسد للحكومة والجمهور العلاقة بين نشاط حزب الله الارهاب والمعاناة اللبنانية؛ 4- مطالبة الحكومة الجديدة في لبنان عند تشكيلها بأن تضمن الخطوط الاساسية مباديء اعلانية لها قيمة تطبيقية بخصوص تحقيق سيادة الدولة والحفاظ على حدودها، مثلا بواسطة اصلاحات في الاشراف على الموانيء والمطارات بمساعدة غربية. تعزيز هذه الاجهزة يمكن أن يساهم بشكل كبير في منع التدهور الى حرب مدمرة للطرفين، من خلال السعي الى تقليص التهديدات التي تواجهها اسرائيل.
في حالة حدوث تدهور في الوضع الامني على الحدود اللبنانية، على اسرائيل أن تستخدم كشف الانفاق لنقل رسالة الى ايران بواسطة الولايات المتحدة وروسيا تقول بأنه يجب عليها العمل على كبح النشاطات الهجومية لحزب الله ضدها، وأنه يجب على ايران عدم التدخل في المواجهة العسكرية بين اسرائيل وحزب الله اذا اندلعت.