#شؤون إسرائيلية

معهد دراسات الامن القومي – التحديات العشرة امام رئيس الاركان الوافد

بقلم  عاموس يدلين، ايتي برون واودي ديكل  – 17/1/2019

وظيفة رئيس الاركان

حسب القانون، فان رئيس الاركان هو المستوى القيادي الاعلى في  الجيش الاسرائيلي، يخضع لامرة الحكومة ويتبع لوزير الدفاع. ولكن هذا التعريف الموجز والغامض لا يعكس الحجم الهائل للوظيفة وتعقيداتها. فرئيس الاركان الاسرائيلي هو شخصية وطنية ذات وظيفة مميزة مشكوك أن يكون له مواز في دول اخرى. يتميز المنصب برؤية استراتيجية واسعة – اقليمية وعالمية – لساحة الحرب وكذا لرؤية عملية، فوق الذراعية، للساحات المختلفة. ومعانيه الاساس هي استخدام الجيش في مواجهة تحديات فترة ولايته وبناء القوة العسكرية لضمان جاهزية الجيش الاسرائيلي وملاءمته لتحديات المستقبل. كل هذا، في ظل اداة النزاعات الكبرى التي ينطوي عليها ذلك والحفاظ على ثقة الجمهور في الجيش الاسرائيلي.

ينبغي ان يضاف الى التعقيدات الاساسية لمنصب رئيس الاركان مزايا السياسة والمجتمع في اسرائيل في الوقت الحالي، قبيل الانتخابات القادمة التي ستعقد في نيسان 2019. فالواقع السياسي لفترة الانتخابات من شأنه أن يمس اكثر بكثير بشرعية قرارات القيادة السياسية في مواضيع الامن في أوساط قسم من الجمهور وان يحمل على القيادة العسكرية، ولا سيما على رئيس الأركان، مسؤولية زائدة في تحليل موضوعي ومهني للوضع. وذلك سواء حيال القيادة السياسية نفسها أم حيال الجمهور. ومن شأن الاستقطاب  السياسي في إسرائيل ان يصعد الجدال الجماهيري حول السياسة التي ينبغي اتخاذها بالنسبة للتحديات الأمنية والتسبب بالتشكيك في الدوافع التي في أساس القرارات السياسية – الأمنية.

تحديات الفترة

مواجهة التهديد الإيراني – النووي والتقليدي

في السنوات الأخيرة يتصمم في إسرائيل المفهوم الذين بموجبه ايران هي التي تشكل التهديد الأهم على أمن إسرائيل. حتى السنة الأخيرة امتنعت إسرائيل عن العمل مباشرة تجاه ايران، ولكنها عملت ضدها بشكل سري واعدت خيارا هجوميا تجاه البرنامج النووي الإيراني.

وحرك الانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في أيار 2018 موجات صدى من شأنها أن تؤدي أيضا الى تغيير في سياسة ايران في كل ما يتعلق ببرنامجها النووي. وبالتالي فهي تستوجب عودة الى بحث مبدئي حول غاية الخيار العسكري والسبيل السليم لتحقيقه.

في السياق التقليدي، تبدأ ولاية رئيس الأركان الوافد فيما أن اسرائيل وايران توجدان، لأول مرة، في مواجهة مباشرة تضمنت أيضا مصابين إيرانيين في ساحة ثالثة – سوريا. وضع الأمور هذا يستدعي بلورة استراتيجية عمل توضح الخطوط الحمراء لإسرائيل وتصر عليها، دون الوصول الى مواجهة واسعة في الساحة الشمالية.

يمكن للمواجهة المباشرة بين إسرائيل وايران ان تؤدي أيضا الى استخدام القوة الإيرانية، من أراضيها، ضد إسرائيل. بين إسرائيل وايران يوجد وضع من عدم التماثل في قدرة العمل. فقد بنت ايران قدرة صاروخية هامة تسمح لها بان تضرب إسرائيل سواء من محيط إسرائيل ام من أراضيها. اما حملة هجومية إسرائيلية في ايران، بالمقابل، فهي عملية مركبة وكثيرة المخاطر.

استمرار النشاط الهجومي في الساحة الشمالية

لقد كانت لاستراتيجية الحرب ما بين الحروب التي تنفذها إسرائيل بنجاح في الساحة الشمالية منذ العام 2013 إنجازات هامة، سواء في تأخير التموضع الإيراني في سوريا ام في تقليص نقل الوسائل القتالية الى حزب الله. ومع ذلك، ومع مرور ست سنوات، يجدر البحث أيضا في إمكانية ان تكون جملة من العناصر تستدعي اعتبار صيغة العمل هذه في الساحة الشمالية قد وصلت الى نقطة الذروة في النجاح وباتت تواجه “عبئا زائدا” من المخاطر وتقترب من استنفاد قدرتها على تحقيق الإنجازات دون اثمان باهظة.

يبدو انه مطلوب أيضا بحث مبدئي اكثر حول المنفعة العامة في المسعى لمنع (او تقليص) سياقات التعاظم التقليدية للعدو، مثل “مشروع الدقة” لحزب الله. فنقل مركز الثقل للمشروع من سوريا الى لبنان سيؤكد التحدي الذي  تقف امامه إسرائيل ومن شأنه ان يؤدي الى مواجهة بين إسرائيل وحزب الله، الذي أوضح من جهته بان سياسة رده على الهجمات في لبنان ستكون مختلفة عما كانت في الماضي.

الاستعداد لـ “حرب الشمال الأولى” المواجهة متعددة الساحات

بين إسرائيل وحزب الله يوجد، منذ حرب لبنان الثانية، ردع متبادل في كل ما يتعلق بمواجهة واسعة النطاق. ومع ذلك، تفيد التجربة بانه حتى في مثل هذه الوضع يحتمل تدهور من شأنه ان يؤدي الى “حرب لبنان الثالثة” التي ستكون اقوى بكثير من الاثنتين اللتين سبقتاها.

تؤدي نتائج الحرب الاهلية الى ان مثل هذه المواجهة يمكن ان تقع أيضا في اوصاف أخرى تختلف عن تلك التي ميزت المواجهات في هذه الساحة في العقود الأخيرة. فتعبير “حرب الشمال الأولى” يأتي لان يصف سيناريو مواجهة عسكرية مع لبنان، يمكن ان يتسع الى سوريا بل والى ايران والعراق (وفي السيناريو المتطرف الى الساحة الفلسطينية أيضا)، بمشاركة قوات مختلفة.

لا يدور الحديث  عن وصف يمد مقدرات إسرائيل الى عدد من الجبهات بل عن تقويض تام لفكرة استخدام القوة الإسرائيلية في الساحة الشمالية. والمعنى هو ان آليات الانهاء المعروفة من شأنها الا تكون ذات صلة بمثل هذه المواجهات المركبة.. هذا الوصف يستوجب إذن فكرة مختلفة لاستخدام القوة العسكرية.

بناء القوة لتحقيق “الحسم” و “الانتصار” – المناورة البرية

يدير الجيش الإسرائيلي منذ بضعة عقود بحثا في المسائل المتعلقة بآخر معاني مفاهيم “الحسم” و “النصر” واحتمال تحققها في الزمن الحالي بواسطة فكرة استخدام محدثة. في أساس المداولات يوجد السؤال: هل الحسم الواضح والذي لا لبس له والذي ميز الحروب الماضي ممكن في حروب من النوع الحالي؟

تشير استراتيجية الجيش الإسرائيلي (2018) على هذا السؤال بالإيجاب. هي تصف فكرة استخدام محدثة للحرب كقائمة على ساسا ضربة متعددة الابعاد، تدمج في نفس الوقت النار الدقيقة (ضد الاف الأهداف المخطط واللائحة) ومناورة برية سريعة، فتاكة ومرنة. ترى الفكرة في المناورة عنصرا حيويا وتولي لها دورا هاما: التسلل الى ارض العدو الى اهداف يعتبرها ذات قيمة.

نصوص مشابهة كتبت في الماضي أيضا. اما عمليا ففي كل المواجهات الأخيرة فضلت إسرائيل استخدام قوتها النارية من خلال سلاح الجو والمدفعية، وكانت مترددة وحذرة جدا في استخدام القوات البرية. وبالتالي فان على رئيس الأركان أن يتأكد من أنه لدى الجيش الإسرائيلي توجد قدرة عملية للمناورة البرية بحجم واسع ذات صلة باعداء مثل حزب الله وحماس، ويمكنها أن تتصدى لعملية طويلة السنين من تغلب الاضطرارات الاجتماعية والسياسية على استخدام القوة العسكرية.

في هذا السياق سيكون من الصواب مواصلة البحث باهتمام شديد بأداء اللواء احتياط اسحق بريك بشأن أهلية الجيش البري. في ضوء الانتقاد سيكون مطالبا من رئيس الأركان الوافد ان يحدد ما الذي يتوقعه من الجيش البري، كيف ينبغي فحص اهليته وكيف ينبغي بناؤه، ولا سيما في مواجهة اهداف المناورة وفي ضوء قيود المقدرات.

التصدي لحماس في غزة

مثل عوامل القوة الأخرى في المجال، حماس هي الأخرى غير معنية بمواجهة واسعة مع إسرائيل. ومع ذلك، فبعد اكثر من اربع سنوات من حملة “الجرف الصامد” تضعف جوانب معينة من الردع الإسرائيلي. فحماس مثلا مستعدة اليوم بقدر اكبر لاستخدام قوتها في ظروف ملائمة لها (التعبير الأكثر أهمية لذلك كان في جولة التصعيد التي وقعت بين 12 و 13 تشرين الثاني 2018، وفي اثنائها اطلق نحو الأراضي الإسرائيلية اكثرة من 500 صاروخ.

فضلا عن ذلك فان الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه قطاع غزة تعاني من حمل زائد من الأهداف عقب الخصائص الأساسية في المنطقة (احتكاك دائم بين الجيش الإسرائيلي والمتظاهريين الغزيين على طول الجدار، الوضع الاقتصادي السيء في المنطقة، كثرة الأساس المنطقي في عمل السكان المدنيين، حماس وفصائل أخرى نشطة في الميدان) تزيد الاحتمال لالية التصعيد وفي نهاية المطاف للمواجهة. وضع الأمور هذا يستوجب ان يكون لدى الجيش الإسرائيلي خطة عملية تبرر منفعتها اثمانها بحيث تؤدي – في حالة المواجهة – الى ردع حماس لفترة طويلة والمس بالمنظمة، مع التشديد على ذراعها العسكري.

الحفاظ على ثقة الجمهور في الجيش الاسرائيل/ إدارة توقعات الجمهور

يثبت مقياس الامن القومي، بحث الرأي العام لمعهد بحوث الامن القومي، بان الجمهور في إسرائيل يكن ثقة عظيمة جدا بالجيش الإسرائيلي. فثقة الجمهور الإسرائيلي بالجيش عاليةعلى نحو خاص في سياق  المواضيع التي تعتبر مهنية وعملياتية (الاستعداد للمواجهات العسكرية).

بالمقابل، تصبح الصورة اكثر تعقيدا عند الحديث عن موقف الجمهور من الجوانب الاجتماعية والقيمية التي يلبسها الجيش. في هذا السياق تظهر خلافات في أوساط الجمهور في مواضيع مثل خدمة النساء، مسائل الدين والجيش وحتى تعليمات فتح النار.  وضع الأمور هذا هو إشارة تحذير لمصاعب متزايدة في التمييز بين المسائل المهنية – العملياتية وبين المسائل القيمية، الأيديولوجية بل وحتى السياسية.

تحد آخر لثقة الجمهور بالجيش من شأنه ان يرتبط بنتائج مواجهة عسكرية واسعة النطاق. فصورة انتصار واضحة ولا لبس فيها في حرب سريعة قصيرة نجت في البعد الزمني ولا تزال تؤثر جدا على حكم الجمهور الإسرائيلي على الحروب ونتائجها. وعليه، فانه يضاف الى التحديات التي تتميز بها المواجهات الحالية التي يشارك فيها الجيش الإسرائيلي أيضا احباط متواصل من الفجوة الواضحة التي بين الصورة والنتائج عمليا. هذا الموضوع يستوجب اعدادا مناسبا للجمهور من اجل تقليص هذه الفجوة التي بين التوقع والنتيجة. ان مزايا المواجهات المستقبلية من شأنها أن تفاقم هذه الفجوة. فالجمهور الإسرائيلي يفهم بانه سيكون في الحرب مصابون في أوساط الجنود بل وفي الجبهة الداخلية. ولكن مشكوك ان يكون الجمهور جاهز اليوم، نفسيا ومن حيث الوعي، لواقع دمار واسع النطاق في المدن. في هذا السياق يبدو أن سقوط عدد كبير من الصواريخ مع رؤوس متفجرة ثقيلة في المراكز السكانية سيؤدي أيضا الى مس شديد وبعيد المدى باحساس الامن لدى الجمهور.

علاقات رئيس الأركان مع القيادة السياسية

في كتابه “القيادة العليا” (2003) كتب اليوت كوهن بان “رجال الجيش والسياسيين يجدون انفسهم في شبكة علاقات من التعاون مفعمة بالتوتر بل وبالكدية”. تدعم التجربة الإسرائيلية هذا الاستنتاج بالتأكيد. فسلسلة من رؤساء الأركان وصلوا الى مواجهات حادة مع القيادة السياسية التي كانوا يخضعون لامرتها (بدءا من المواجهات بين يغئال يدين ودافيد بن غوريون وحتى المواجهات بين غابي اشكنازي وايهود باراك وعلى ما يبدو أيضا بين غادي آيزنكوت وافيغدور ليبرمان.

تحدٍ هام لرئيس الأركان هو إذن  الحاجة الى الايضاح والترتيب لشبكة العلاقات المركبة هذه. نعم ينبغي السير على الخط بالنسبة للتعبير الغامض “القيادة السياسية” والوصول الى تفاهم مسبق  بالنسبة لجوهر علاقات رئيس الأركان مع كل واحد من عناصر “القيادة السياسية”: رئيس الوزراء (الذي لا يذكر على الاطلاق في القانون الأساس: الجيش)؛ وزير الدفاع (الذي يتبع رئيس الأركان له)؛  الحكومة كلها (التي بإمرتها يخضع رئيس الأركان)؛ والكابنت السياسي الأمني. فجوة واسعة توجد أيضا بين المكانة العملية لرئيس الوزراء وبين مكانته القانونية.

علاقات رئيس الأركان مع قادة المناطق

توجد مشكلة تتكرر في علاقات رئيس الأركان مع قادة المناطق. وتجربة الماضي تفيد بفجوات فكرية بين رئيس الأركان وبين قادة المناطق، سواء في سياقات التخطيط ام في اثناء إدارة القتال. واحيانا تصل هذه الفجوات الى مواجهات مباشرة بين رئيس الأركان وبين قائد المنطقة، بشكل يمس بقدرة إدارة المعركة بنجاعة.

يفيد تكرار هذه الحالات الى أن الحديث لا يدور عن موضوع شخصي فقط، بل عن مشكلة بنيوية تكمن في العلاقة بين رئيس الأركان وقادة المناطق، واساسا في اعقاب زوايا الرؤيا المختلفة لاصحاب المناصب. على رئيس الأركان الوافد ان يجد السبيل لتطوير أساس معرفي شامل مشترك وإدارة حوار لاستيضاح الفجوة سواء في الأوضاع العادية أم في الطوارئ.

التحدي المالي

مهامة مركزية لرئيس الأركان الوافد هي مواصلة بناء قوة الجيش الإسرائيلي في اطار خطة متعددة السنين مغطاة بالميزانية، تحل ابتداء من العام 2020 محل خطة “جدعون”. على مثل هذه الخطة ان تقر  الحكومة وان تشمل ميزانية متعددة السنوات. ويتعلق استقرار الميزانية، ويبدو أن الظروف ناضجة لاتخاذ قرار بشأن تعريف ميزانية الدفاع كنيسة من الناتج المحلي الخام بحيث يتوفر أساس حسابي بسيط يمنع الجدالات.

الخلاصة

الاختبار الأعلى لرئيس الأركان هو في الحرب او في الحملة العسكرية الكبيرة. وتفيد التجربة التاريخية بان إمكانية حرب او حملة عسكرية واسعة النطاق في فترة ولاية رئيس الأركان هي معقولة للغاية. منذ عهد رئيس الأركان اسحق رابين (حرب الأيام الستة)، وقعت حروب أو حملات عسكرية كبيرة نسبيا في عهد ولاية كل رؤساء الأركان تقريبا.

من هذه الناحية وفي نظرة مقارنة، فان فترة رئيس الأركان المنصرف، الفريق غادي آيزنكوت كان استثنائية. فقد كانت هذه فترة نشاط عملياتي مكثف جدا ولكن إسرائيل نجحت في الامتناع في اثنائها عن الخروج الى حملية عسكرية واسعة، مما اعتبر كمتعارض مع مصالحها. ما سمح بفترة الهدوء النسبي كان أيضا الردع المتبادل الذي نشأ بين إسرائيل وحزب الله بعد حرب لبنانية الثانية وبين إسرائيل وحماس بعد حملة “الجرف الصامد”. لقد استخدمت إسرائيل قوتها تجاه هاتين المنظمتين في السنوات الأخيرة أيضا. ولكن هؤلاء فضلوا عدم التدهور الى وضع من المواجهة الشاملة. حزب الله نفذ عمليته الأخيرة قبل قليل من دخول رئيس الأركان غادي آيزنكوت الى منصبه (في كانون الثاني 2015، جنديان قتيلان). اما حماس حين قررت تصعيد  المواجهة مع إسرائيل، في تشرين الثاني  2018، كانت إسرائيل هي التي فضلت عدم التدهور في الوضع.

يدخل رئيس الأركان الـ 22 الى منصبه في فترة متفجرة فيما أن عناصر التصميم المركزية لفترة الهدوء الطويلة نسبيا آخذة في الضعف. مشكوك أن يكون هناك وظيفة مركزية ومسؤولة اكثر من هذه في الواقع الإسرائيلي الحالي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى