معهد دراسات الامن القومي الاسرائيلي (INSS): غزو بري في الجبهة الشمالية: معان وتداعيات
معهد دراسات الامن القومي الاسرائيلي (INSS) 2/10/2024، عوفر شيلح وغاي حزوت: غزو بري في الجبهة الشمالية: معان وتداعيات
في ايلول 2024، بعد حوالي سنة على الحرب التي كانت فيها جبهة اسرائيل الاساسية هي جبهة الجنوب، قررت حكومة اسرائيل نقل الجهد الاساسي للجيش الاسرائيلي الى الشمال، من خلال اضافة الى اهداف الحرب، كما تم تحديدها في تشرين الاول 2023 (تدمير حكم حماس وقدراتها العسكرية؛ ازالة تهديد الارهاب من القطاع، بذل الجهود الكبيرة لحل قضية الرهائن والدفاع عن حدود اسرائيل ومواطنيها)، هدف آخر وهو عودة سكان الشمال الى بيوتهم.
مقاربة اسرائيل الجديدة هدفت الى تغيير المعادلة التي تطورت في الشمال، التي في اطارها تبادل النار بين اسرائيل وحزب الله يحدث تحت مستوى الحرب الشاملة، وبناء على ذلك فهو محدود من حيث حجمه. رغم أن الجيش الاسرائيلي نجح تكتيكيا في خطة الدفاع في الشمال منذ 8 تشرين الاول الماضي، وقام بالحاق اصابات كبيرة بحزب الله، اضافة الى عدد قليل من المصابين في الطرف الاسرائيلي، فانه على المستوى الاستراتيجي نجح حزب الله في خلق حزام امني في شمال اسرائيل، و80 ألف اسرائيلي اصبحوا لاجئين في بلادهم.
منذ اتخاذ القرار فان الجيش الاسرائيلي يبذل في لبنان جهود كبيرة من لكمات النار الدقيقة على البنى التحتية لحزب الله، بما في ذلك، حسب منشورات اجنبية، عملية تفجير البيجرات والاجهزة اللاسلكية التي اصابت حوالي 1500 من نشطاء حزب الله حسب اعترافه هو نفسه. اضافة الى ذلك ضرب سلاح الجو كبار قادة حزب الله في قلب الضاحية الجنوبية، معقل الحزب في بيروت، ونفذ عدد كبير من الهجمات ضد منظومات النار حادة المسار للمدى القصير والمتوسط، وقدرات استراتيجية اخرى للحزب. ذروة هذا الهجوم كانت تفجير مقر قيادة حزب الله في الضاحية الجنوبية في 27 أيلول، الذي قتل فيه رئيسه المؤثر جدا، حسن نصر الله. عمليا، تقريبا كل القيادة التنفيذية العليا في حزب الله تمت تصفيتها، وحجم كبير من قدراته اصيب.
في العمليات الاخيرة في لبنان فان اسرائيل تستعرض تفوقها الكبير في جمع المعلومات لفترة طويلة، التي اوجدت “بنك اهداف” مثير للانطباع، وبواسطة قصف سلاح الجو الذي يسلب من حزب الله قدرات كثيرة. الهدف الفوري للعملية هو فصل العلاقة التي اوجدها حسن نصر الله بين القتال في قطاع غزة وبين استمرار اطلاق النار نحو اسرائيل، والفصل بين الساحات، والسماح بعودة سكان الشمال الى بيوتهم بأمان.
يجب التذكير بأن قرار اخلاء سكان الشمال تم اتخاذه في ظل الانطباع القاسي لاحداث 7 تشرين الاول، والخوف من غزو مشابه لقوة الرضوان لأراضي اسرائيل (ما سمي في حزب الله “خطة احتلال الجليل”). خلال ايام اوجدت قيادة المنطقة الشمالية منظومة دفاع سميكة على الحدود الشمالية، لكن في المقابل، اخلاء المستوطنات الاسرائيلية في منطقة الحدود الشمالية مكن حزب الله من اطلاق عدد كبير من منظومات النيران حادة المسار والصواريخ المضادة للدروع على بيوت فارغة والتسبب بتدمير كبير في البلدات القريبة من الجدار. الوزراء الذين شاركوا في هذا القرار، مثل اعضاء كابنت الحرب في حينه بني غانتس وغادي ايزنكوت، اعترفوا بعد ذلك بأن هذا كان خطأ رافقه ثمن استراتيجي باهظ وغير محتمل.
في الوضع الذي نشأ فان اعادة سكان الشمال الى بيوتهم مرهون ليس فقط بازالة التهديد باقتحام البلدات، بل ايضا تحييد تهديد النيران مستوية المسار والصواريخ ثقيلة الوزن وقصيرة المدى عن هذه البلدات. اضافة الى ذلك هذا يقتضي ايضا تجديد الثقة والشعور بالأمان لدى السكان بعد سنة من المعاناة والاحباط، اذا تمكنوا من اتخاذ قرار باعادة العائلات قريبا من خط الحدود. في الوقت الحالي يجب السعي الى تسوية سياسية تؤدي الى وقف اطلاق النار في الشمال، ويمكن أن ترتبط ايضا بصفقة لتحرير المخطوفين المحتجزين لدى حماس وتغيير الوضع في قطاع غزة. اذا كانت هناك مثل هذه التسوية فانه من الواضح أن اسرائيل ستصمم على ابعاد قوات حزب الله الى ما وراء المدى الفعال للاقتحام أو اطلاق الصواريخ المضادة للدروع على البلدات في الشمال.
اذا تمت بلورة مثل هذه التسوية فعندها المعركة في الشمال ستكون انجاز عملياتي مؤثر، حيث أن جزء كبير من الواقع المهدد في 6 تشرين الاول، حزب الله ينتشر قرب الجدار وقوة الرضوان على بعد خطوة من اقتحام كبير لاراضي اسرائيل ومنظومة صواريخ تهدد بشكل غير مسبوق كل اراضي اسرائيل، سيتآكل بشكل كبير، بفضل معركة قصيرة وقوية ترتكز الى معلومات دقيقة وسرية تم تجميعها خلال فترة طويلة وتم اظهار فيها قدرة تنفيذية لسلاح الجو.
هذه العملية، التي هي تجسيد لنظرية أمن اسرائيل الكلاسيكية التي تعتمد على المبادرة والتحايل ونقل الحرب الى ارض العدو وتحقيق انتصار عملياتي حازم في فترة قصيرة، سيكون لها تأثير بعيد المدى على استعادة ردع اسرائيل، ليس فقط امام حزب الله الذي تم اضعافه، بل ايضا امام “محور المقاومة” برئاسة ايران.
لكن هناك احتمالية ملموسة وهي أن مثل هذه التسوية لن تكون، بسبب عدم رغبة أي طرف من الاطراف ذات الصلة. المعركة بالنيران يمكن أن تفقد النجاعة عند استنفاد الاهداف المهمة كما كانت في السابق، وستكون قريبة من استنفاد الجدوى منها، في حين أن حزب الله من ناحيته، بقيادته الجديدة عديمة التجربة ومن خلال ضغط البقاء، والذي لا يعترف بالهزيمة العملية ويفقد ما بقي من مكانته كحامي لبنان وكمنظمة حققت نجاحات كثيرة ضد اسرائيل، يتوقع أن يصمم على مواصلة الاطلاق الى داخل اسرائيل طالما استمر القتال في قطاع غزة.
النجاح العملي والرد المنضبط نسبيا لحزب الله (حتى كتابة هذه السطور) يمكن أن يزيد شهية اسرائيل من اجل استغلال الانجازات حتى الآن لتعميق المس بكل “محور المقاومة” وحتى تحطيم مرفقه. يجب فحص هذه الرغبة، وفي نفس الوقت من المهم ذكر أن “التاريخ الامني لاسرائيل مليء بالنجاحات العملياتية التي خلقت الشعور بـ “الرغبة بالمزيد”، وفي الحالات الصعبة التوقف ومحاولة تجسيد الانجازات بوسائل سياسية من اجل الوصول الى وضع محسن لفترة طويلة. هكذا كان الامر بعد حرب الايام الستة، وبعد طرد ياسر عرفات ورجال منظمة التحرير من لبنان في ايلول 1982، وبدرجة اقل بكثير بعد عملية “وزن نوعي” في حرب لبنان الثانية.
يجب عدم نسيان أن المعركة هي ضد “محور المقاومة”، وهدفها الاستراتيجي هو خلق ثقل مضاد قوي، بدعم ناجع من الولايات المتحدة ضد “المحور”، وايران في مركزه. العملية في لبنان غير منفصلة عما تقوم به اسرائيل وما ستقوم به في قطاع غزة، وعن الجهد الشامل لاستغلال النجاحات العملياتية لاضعاف وكبح “المحور” لفترة طويلة جدا.
على فرض أن هزيمة عسكرية مطلقة لحزب الله ومحور المقاومة غير محتملة في الفترة الحالية، ومن خلال الاعتراف بأن البقاء الطويل في اراضي لبنان سيضر بالجيش الاسرائيلي والشرعية الدولية والداخلية لاسرائيل بسبب هذا البقاء، يجب السعي الى تسوية سياسية امام الولايات المتحدة والعالم وربما حتى أمام دولة لبنان، على اساس موقف قوة اسرائيل الحالية. هذا هو الخيار المفضل لاسرائيل. هذه الوثيقة تتناول بدائل لعملية برية في حالة أن هذا الوضع لن يكون قابل للتحقق في ظل الظروف المفضلة لاسرائيل وبقوة عمليات النار فقط. ويمكن تلخيص ذلك بالتوصية بأحدها كطريقة العمل المفضلة.
شروط ضرورية لكل اتفاق
من اجل اعادة الامن لسكان الشمال فانه يجب على اسرائيل التأكد من أنه في أي وضع، بواسطة تسوية أو بعملية عسكرية، ستتحقق الشروط التالية:
- تدمير البنى التحتية الهجومية لحزب الله، وابعاده عن المنطقة الامنية، التي سيدمرها الجيش الاسرائيلي أو برقابة اسرائيل في غضون بضعة اسابيع.
- التواجد الدولي وراء الحدود سيتم تعزيزه بقوات من الدول الضامنة للاتفاق.
- الحفاظ لاسرائيل على حرية عمل من اجل منع اعادة تسلح حزب الله بالقدرات التي تضررت، ومنع زحفه نحو الحدود كما حدث بعد حرب لبنان الثانية، خلافا لقرار مجلس الامن رقم 1701.
بدائل العملية البرية
فيما يلي سنذكر البدائل بالترتيب حسب الانجازات المطلوبة من اجل تحقيقها.
1- هزيمة حزب الله عسكريا بواسطة احتلال معظم دولة لبنان وتدمير البنى التحتية له والقضاء على معظم مقاتليه (بما يشبه ما نفذه الجيش في قطاع غزة).
2- احتلال المنطقة واقامة حزام امني ي جنوب لبنان بما يشبه الحزام الامني الذي اقيم في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.
3- سلسلة من الاقتحامات البرية لمواقع حزب الله في جنوب لبنان من اجل تقليص قدرته وردعه.
4- احتلال المناطق التي تسيطر على خط الحدود وايجاد فضاء آمن للمستوطنات الاسرائيلية جنوب الحدود، ومنع الاطلاق المباشر بكل اشكاله وافشال امكانية اقتحام قوة الرضوان لهذه المستوطنات.
5- تعرية خط التماس من قدرة الاغارة لقوة الرضوان (بما يشبه الخيار الرابع، لكن على مساحة أصغر. وخلافا للخيار الرابع، عدم بقاء قوات الجيش الاسرائيلي بعد انتهاء المهمة والى حين تحقيق التسوية السياسية).
المعايير الثلاثة لتحليل البدائل
1- تحقيق هدف الحرب في الشمال – استخدام العملية البرية كأداة ضغط على حزب الله من اجل هزيمته عسكريا، أو من اجل تحقيق اتفاق 1701 محسن وقابل للتنفيذ، الذي يدفع حزب الله الى شمال نهر الليطاني ويزيل تهديد اطلاق النار بشكل مباشر واقتحام مستوطنات الشمال.
2- احتمالية تنفيذ البديل – القوى البشرية، حجم القوات والوسائل (ذخائر، قطع غيار ومنصات)، شرعية داخلية وخارجية لاسرائيل.
3- القدرة على تنفيذ البديل لفترة طويلة.
افتراضات عمل البدائل الموجودة لتفعيل القوات البرية في الجيش الاسرائيلي
1- الجيش الاسرائيل يوجد منذ سنة في حالة حرب. القوات البرية راكمت تجربة عملياتية كبيرة في قطاع غزة وفي الدفاع في الجبهة الشمالية ايضا.
2- مستوطنات الشمال فارغة من السكان والجيش الاسرائيلي مستعد وينتشر في حالة دفاع بحجم قوات، ثلاث فرق، ومنطقة جنوب لبنان فارغة تقريبا من نشطاء حزب الله في اعقاب الخوف من المس بهم.
هذه الحقائق الثلاث يمكن أن تخفف على الجيش الاسرائيلي الانتقال من حالة الدفاع الى الهجوم.
3- قيادة المنطقة الشمالية انتهت من اجراء قتالي طويل لعملية برية في لبنان، ويوجد لها خطة منظمة.
4- وحدات السلاح البري اجتازت في الاشهر الاخيرة تدريبات شاملة على العملية البرية في لبنان.
5- القوات البرية توجد لها قيود كثيرة. فالقوى البشرية في الجيش النظامي وفي الاحتياط تآكلت بعد سنة من الحرب، ونظام القوات البرية في الجيش الاسرائيلي محدود النطاق، ومخزون السلاح وقطع الغيار محدود ويعاني من فجوات كثيرة (ايضا ازاء الحصار الجزئي الذي فرض على اسرائيل والذي قد يتفاقم مع فقدان شرعية نشاطاتها الحالية في لبنان).
6- الشرعية الداخلية في اوساط المجتمع الاسرائيلي للعملية البرية في الشمال بعد سنة على حرب استنزاف، مرتفعة. مع ذلك، القدرة على تكبد خسائر كبيرة محدودة، بعد سنة من الحرب واكثر من 1500 قتيل. ايضا القتال بقوة زائدة في لبنان سيضاف الى مواصلة القتال في قطاع غزة والحرب المتزايدة ضد الارهاب في يهودا والسامرة.
7- الشرعية الدولية لاحتلال مناطق في لبنان لفترة طويلة، والتسبب بالتدمير وقتل المدنيين في لبنان نتيجة العملية البرية الاسرائيلية، اضافة الى الاستمرار في القصف لكل ارجاء لبنان، محدودة جدا مقارنة مع الحرب في قطاع غزة. خلافا للقطاع يوجد لدول كثيرة، التي دعمها حيوي بالنسبة لاسرائيل وعلى رأسها امريكا وفرنسا، مصلحة واضحة في الحفاظ على النظام في لبنان وتقليص المس بالمدنيين ومنع الفوضى في الدولة التي هي مضعضعة حتى الاساس. كل ذلك صحيح، لا سيما ازاء الانتخابات الرئاسية القريبة في امريكا، وشبكة العلاقات المتوترة اصلا بين الادارة التاركة (التي ستستمر ولايتها حتى شهر كانون الثاني 2025) وبين حكومة اسرائيل الحالية.
8- سكان الشمال لن يعودوا الى بيوتهم في ظل أي بديل لا يعمل على ازالة خطر اطلاق النار بشكل مباشر على المستوطنات، وتهديد الاقتحامات، واذا لم يكن لديهم شعور بالأمان في قدرة الجيش الاسرائيلي على حمايتهم من هذه التهديدات لفترة طويلة. أي تسوية سياسية ستستقبل بعدم الثقة، الامر الذي سيكون له مبرر على خلفية تجربة الماضي.
الاستنتاجات من فرضيات العمل
1- خلافا لقطاع غزة امام حماس فانه ليس للجيش الاسرائيلي القدرة على التسبب بهزيمة عسكرية لحزب الله من خلال احتلال منطقة واسعة في لبنان (مرورا ببيروت على الاقل)، والبقاء فيها لفترة طويلة، وهو الوضع الذي سيعمل على تآكل حتى النهاية ايضا الشرعية الدولية للعملية، ومع مرور الوقت سيضر ايضا بالشرعية الداخلية كما حدث في حرب لبنان الاولى وفي اعقابها.
2- في كل بديل، باستثناء الهزيمة العسكرية لحماس، لن يتم اعطاء رد كامل لتهديد المسيرات والمنظومات حادة المسار الموجهة للجبهة الداخلية في اسرائيل. التقليل من هذه التهديدات يتم بالتوازي مع عملية برية عن طريق الاستمرار في ضربات النيران، لكنه لن يزيلها.
الانجاز المطلوب من العملية البرية، بناء على ذلك، هو ازالة واضحة – اعادة ثقة السكان بأنه يمكنهم العودة بأمان الى بيوتهم – لتهديدين. الاول هو تهديد الاقتحام البري لحزب الله. والثاني هو تهديد النار “القريبة” مستوية المسار والصواريخ المضادة للدروع.
تحليل البدائل
البديل الاول – الهزيمة العسكرية
في هذا البديل الجيش الاسرائيلي يجب عليه احتلال دولة لبنان بما يشبه خطة “اورانيم الكبيرة” في حرب لبنان الاولى، وتطهير اراضيه من البنى التحتية لحزب الله ومن نشطائه. ولأن حزب الله ينتشر في ارجاء لبنان، ويوجد له مراكز تبعد عشرات الكيلومترات عن الحدود، في بيروت وفي البقاع، فانه ستكون حاجة الى احتلال منطقة واسعة حتى مداخل بيروت على الاقل، والاحتفاظ بها لفترة طويلة.
في كل ما يتعلق بتحقيق اهداف الحرب في الشمال فان هذه الخطة ستكون الاكثر نجاعة. اسرائيل ستقوم بازالة التهديد الاستراتيجي والتكتيكي لذراع ايران الاخطبوطي الاقوى، وسترمم الردع الذي تضرر في 7 اكتوبر، وسكان الشمال يمكنهم العودة الى بيوتهم بدون خوف.
في المقابل، لا توجد لهذه الخطة أي احتمالية من ناحية القوى البشرية وحجم قوات الجيش الاسرائيلي، الجيش النظامي والاحتياط. في حرب لبنان الاولى دخل الجيش الاسرائيلي الى لبنان بثماني فرق، المقارنة التاريخية غير دقيقة بالطبع ولكنها تمنح تناسب لحجم القوات المطلوبة. في هذه المرة الجيش الاسرائيلي سيحتاج الجيش الى تنفيذ المهمة في الوقت الذي ما زال يحتفظ فيه بقوات كبيرة في قطاع غزة (فرقتين على الاقل)، وفي يهودا والسامرة (في آذار 2024 تم ابقاء هناك على 23 كتيبة).
منظومة الجيش النظامي والاحتياط ستدخل الى العملية البرية بعد سنة قتال، قتل فيها اكثر من 700 جندي واصيب الآلاف بشكل يمنعهم من العودة الى الخدمة. رجال الاحتياط الذين سيتم استدعاءهم للخدمة خدموا فعليا عدة اشهر، حتى لو كان من غير الممكن التشكيك في دافعيتهم ازاء اهمية المهمة، لكن هناك شك كبير اذا كان يمكنهم مواصلتها لفترة طويلة (كما حدث ايضا في العام 1983).
اضافة الى ذلك، لا يوجد للجيش الاسرائيلي ما يكفي من الوسائل القتالية (منصات اطلاق، قطع غيار، ذخيرة) لشن حرب كهذه. الشرعية الدولية لهذه الحرب ستكون صفر. وضمن ذلك امكانية أن تقوم الادارة الامريكية الحالية التي تعيق الآن تزويد اسرائيل بالقنابل ثقيلة الوزن والاجهزة الدقيقة، بزيادة شدة الضغط في هذا المجال. ايضا في الداخل ستكون شرعية لعملية هزيمة كهذه في البداية، ولكن كلما مر الوقت ستزداد الخسائر وسيتولد شعور المراوحة في المكان، ايضا هذه الشرعية ستتلاشى بالتدريج كما حدث في حرب لبنان الاولى.
بناء على ذلك لا يوجد إلا الاستنتاج بأنه لا يوجد لاسرائيل وللجيش الاسرائيلي أي احتمالية حقيقية لتطبيق هذا البديل، ويجب شطبه من جدول الاعمال.
البديل الثاني – احتلال مناطق واقامة حزام امني في جنوب لبنان
هذا البديل توجد له مرحلتان. الاولى هي احتلال مناطق: عمق القطاع الذي سيتم احتلاله سيحدد بواسطة الاعتبارات التكتيكية والعملياتية. ولكن الحد الادنى المطلوب هو السيطرة على خط رؤية مباشر لمستوطنات الشمال، أو أن لديه امكانية اطلاق الصواريخ والقذائف المضادة للدروع نحوها – تطهير هذه المناطق من البنى التحتية لحزب الله ومن مخربيه.
المرحلة الثانية هي اقامة حزام امني بما يشبه المنطقة التي احتفظت بها اسرائيل في لبنان في التسعينيات. هنا يجب التذكر بأن هناك فروقات مهمة بين ذلك الوقت والآن، الذي من شأن مفهوم “الحزام الامني” يمكن أن يضلل بالنسبة لهذه الفروقات.
معظم القوات في “الحزام الامني” في الاعوام 1985 – 2000 كانت من رجال جيش لبنان الجنوبي، مع تواجد محدود نسبيا لجنود الجيش الاسرائيلي. في الوقت الحالي جيش لبنان الجنوبي غير موجود، المهمة كلها ستكون للجيش الاسرائيلي، ومن اجل الاحتفاظ بالمنطقة على المدى المتوسط والبعيد سنكون بحاجة الى حجم كبير من القوات (على مستوى الفرق على الاقل) في موازاة تكثيف خط الدفاع عن الحدود الدولية اضافة الى الاحتياجات في جبهات اخرى.
الاهم من ذلك هو أن حزب الله قاتل في تلك السنوات ضد جيش لبنان الجنوبي والجيش الاسرائيلي في المنطقة الامنية نفسها، ولم يقم بفحص فاعلية القطاع بالنسبة للتسلل الى مستوطنات الجليل. هذه المرة الهدف الرئيسي لحزب الله هو التسلل من اجل اقتحام، حتى لو كان محدود في حجمه، مستوطنات الشمال لتقويض الشعور بالانجاز في اسرائيل واجبارها على استثمار المزيد من القوات في منطقة الحزام الامني، والغرق في “وحل لبنان” وهرب السكان مرة اخرى من بيوتهم التي عادوا اليها. هناك شك كبير اذا كان يمكن للقوات التي توجد في داخل الحزام الامني أن تمنع كليا هذه الامكانية.
لذلك، رغم أن هذا الخيار سيعيد سكان الشمال الى بيوتهم (إلا أنه لن يقدم أي رد على تهديد المنظومات حادة المسار والمسيرات التي يتم اطلاقها من العمق اللبناني)، إلا أنه غير قابل للتطبيق.
يجب ايضا زيادة مناقشة الافكار التي تسمع حول الاستيطان الاسرائيلي في جنوب لبنان. هذه العملية ستكون مدمرة بالنسبة لاسرائيل وستقرب بشكل كبير تدهورها الى مكانة “دولة مجذومة”. بناء على ذلك فان هذا الخيار لا توجد له أي امكانية، أو منطق داخلي، وبالتالي يجب عدم مناقشته.
البديل الثالث – سلسلة اقتحامات برية
حسب هذا البديل فان الجيش الاسرائيلي سيقوم بتنفيذ عدة اقتحامات لمنشآت حزب الله في المنطقة جنوب نهر الليطاني لتدمير البنى التحتية لحزب الله والقضاء على نشطائه، وبعد عملية مركزة سينسحب ويعود الى اسرائيل. هذه الاقتحامات يمكن أن تكون ايضا بحجم كبير نسبيا للقوات، مثل عملية “المرجل 4 موسعة” في ايلول 1972، التي شارك فيها اثنين من الوية المشاة، غولاني والمظليين، ولواء مدرع “براك”، وقوات هندسة ومدفعية. ولكن في كل الحالات هذه القوات لن تبقى في المنطقة، بل هي ستكمل المهمة وستخرج منها.
هذا البديل يمتنع عن الاضرار بعيد المدى للشرعية، وتآكل القوة التي تنطوي على البدائل الاخرى، لكن توجد له ايضا قيود. الاقتحام، مثلما شاهد ذلك الجيش الاسرائيلي في القطاع، يوجد له انجاز محدود، حيث أنه بعد انسحاب القوات يقوم العدو بترميم بنيته التحتية. ايضا مشكوك فيه أن يكون في الاقتحام ما يمكنه أن يعيد للسكان الشعور بالأمان المطلوب من اجل العودة الى بيوتهم. حزب الله سيرد بالتأكيد باطلاق النار، الذي بحد ذاته سيستأنف المطالبة بتنفيذ عمليات اوسع.
رغم أنه يوجد لهذا البديل احتمالية بمعاني القوى البشرية وحجم القوات والسلاح والشرعية، إلا أنه لن يحقق الانجاز المطلوب.
البديل الرابع – احتلال المناطق المسيطرة على الحدود وخلق فضاء آمن
الجيش الاسرائيلي اطلق في السابق على خطة احتلال المناطق المسيطرة على الحدود اسم “جلوس صحيح”. حسب هذه الخطة الجيش الاسرائيلي سيقوم باحتلال المناطق المسيطرة شمال الحدود الدولية (“جلوس صحيح” موسع لأن قدرات حزب الله الآن تقتضي احتلال منطقة اوسع من التي خطط لها في فرقة الجليل قبل حرب لبنان الثانية)، وسيدمر في هذه المنطقة البنى التحتية لحزب الله ويقضي على رجاله، وسيعمل في المنطقة كفضاء حماية لفضاء الاحتفاظ بالدفاع، الفضاء الذي تنتشر فيه المستوطنات الاسرائيلية. هذه الخطة ستحل للجيش الاسرائيلي المعضلة الاكبر له في الدفاع عن مستوطنات الشمال – غياب عمق للدفاع ازاء تموضع المستوطنات على خط الحدود. المعايير لعرض الحزام الذي سيتم احتلاله تم تفصيلها في البند السابق.
هذا البديل سيزيل تهديد الاقتحام والاطلاق المباشر للنار على المستوطنات الاسرائيلية، رغم أنه لن يزيل تهديد المنظومات حادة الانحدار والمسيرات إلا أنه يمكن من عودة السكان الى بيوتهم. اذا دمج هذا البديل أي تهديد فعلي لتدمير القرى الشيعية في المنطقة (19 قرية)، وتهديد قابل للتطبيق بأنه لن يتم اعادة ترميمها، فربما يشكل اداة ضغط على حزب الله من اجل التوصل الى تسوية.
هذا البديل توجد له احتمالية من جهة استخدام منظومة القوات لفترة محدودة، والسلاح والشرعية الداخلية والدولية، حتى لو كانت هذه الشرعية ستتلاشى اذا كان هناك شعور بأن اسرائيل تنوي البقاء في المنطقة لفترة طويلة. لكل هذه الاسباب يجب السعي الى عملية سياسية تؤدي الى تسوية، يطلق عليها “1701 محسنة”، أي ابعاد نشطاء حزب الله وبنيته التحتية الى شمال نهر الليطاني، ادخال قوة دولية قوية مثل قوات امريكية وفرنسية الى المنطقة، ووقف الحرب في منطقة الشمال.
اذا لم تنجح العملية السياسية فانه يجب الحذر من خلق غير متعمد لـ “حزام امني” مع كل عيوبه، والاستعداد لتواجد صحيح في المنطقة – حد ادنى من الاهداف لعمليات العصابات ونيران مضادة لحزب الله وسياسة نيران وعمل واسع من اجل منع اعادة اقامة بنى تحتية ارهابية. خلافا للسنوات التي سبقت الحرب، يجب أن تكون هذه السياسة حازمة وثابتة من اجل منع ظاهرة “الزحف نحو الحدود”، وزيادة القوة غير المسبوقة لحزب الله في الـ 15 سنة الاخيرة.
البديل الخامس – كشف خط التماس
حسب هذا البديل فان الجيش الاسرائيلي سيعمل من الجهة الثانية لخط الحدود من اجل تدمير البنى التحتية لقوة الرضوان التي توجد في مناطق معقدة قرب الحدود. هذا البديل لن يزيل تهديد النار المباشرة لحزب الله. لذلك، حتى لو كان قابل للتنفيذ بالنسبة للجيش الاسرائيلي والحكومة الاسرائيلية، إلا أنه غير ذي صلة.
الخلاصة
الوضع الذي تطور في الشمال في سنة الحرب الاخيرة أدى الى فشل استراتيجي غير مسبوق في تاريخ اسرائيل، رغم النجاحات التكتيكية لقيادة المنطقة الشمالية في الحرب الدفاعية. اسرائيل فقدت منطقة كاملة من البلاد، التي اصبح سكانها لاجئون في دولتهم. من اجل تغيير الواقع الصعب اضافت اسرائيل هدف جديد للحرب الى الاهداف الخمسة الاصلية، اعادة سكان الشمال الى بيوتهم بأمان. ومن اجل تحقيق هذا الهدف فقد غيرت اسرائيل المعادلة القائمة امام حزب الله، عندما اخرجت الى حيز التنفيذ خطة “اللكمات”. مع ذلك، ربما أنه حتى لكمات النار لن تجعل حزب الله يوقف حرب الاستنزاف، التي الشرط لوقفها هو وقف القتال في قطاع غزة.
اسرائيل يجب عليها الاستعداد للوقت الذي فيه النار ستكون اقل نجاعة، وعندها الانتقال الى العملية البرية في موازاة استمرار تفعيل النيران. العملية البرية توجد لها ستة بدائل. بعضها قابل للتنفيذ وبعضها لا. بعضها يمكن أن يحقق الهدف والبعض لا. بالنسبة لكل بديل اسرائيل تدفع ثمن تقليص واهمال الجيش البري خلال سنوات. اضافة الى ذلك تجري في قطاع غزة حرب طويلة بدون حساب للموارد: الوقت والانسان والسلاح.
البديل الافضل، الذي ربما سيؤدي الى تغيير الواقع الاستراتيجي في الشمال وسيردع حزب الله ويكون قابل للتنفيذ، هو خلق حزام امني شمال الحدود وتدمير البنى التحتية لحزب الله والقضاء على نشطائه. هذه الخطة ستزيل تهديد اقتحامات قوة الرضوان، اضافة الى تهديد النار المباشر على مستوطنات الشمال. وفقا لذلك فان سكان الشمال سيعودون الى بيوتهم رغم النقص في الخطة، غياب القدرة على ازالة تهديد المسيرات بشكل كامل، واطلاق النار حادة الانحدار.
يجب التأكيد على أنه من اجل التوصل الى الشرعية الدولية لهذه العملية ومنع تآكل الجيش الاسرائيلي والتدهور غير المخطط له الى “الحزام الامني” لفترة طويلة، يجب أن يرافق الجهد العسكري السعي الى تسوية سياسية تستكمله، التي ستغير الوضع في جنوب لبنان من اساسه مقارنة مع 8 تشرين الاول، وتمكن من عودة سكان الشمال الى بيوتهم. هذه التسوية بظروف موثوقة والاستعداد المناسب لليوم التالي، قد يؤدي ذلك الى الامتناع عن القيام بعملية برية، لكن الوقت اللازم لتحقيق ذلك بدون هذه العملية هو محدود جدا.
في كل الحالات، بعد استقرار الوضع والعودة الى وضع الدفاع، يجب تطبيق بحزم سياسة عمل واضحة، تمنع التدهور بالتدريج لحزب الله نحو الجنوب واستئناف التهديد وفقدان الردع المتجدد.