ترجمات عبرية

معهد دراسات الأمن القومي – بقلم كارميت فالينسي، أودي ديكل – هكذا تحول الجنوب السوري إلى معركة نفوذ معقدة

معهد دراسات الأمن القومي  –  كارميت فالينسي، أودي ديكل –  20/12/2020

في صيف 2018، استعاد نظام “الأسد” السيطرة على جنوبي سوريا بعد توقيع اتفاقيات “المصالحة” بين النظام والمعارضة المسلحة بوساطة روسية.

كما وعدت روسيا الولايات المتحدة وإسرائيل والأردن بأنها ستبقي القوات الإيرانية بعيدة عن المنطقة.

وعلى عكس ما حدث في أماكن أخرى، لم يتم طرد معظم سكان الجنوب، الذين انضموا سابقًا إلى التنظيمات المسلحة، إلى إدلب في شمال سوريا.

وقد تم تجنيد معظم هؤلاء من قبل قوات الأمن المحلية الموالية لنظام “الأسد” مقابل وعد بأن النظام لن ينتقم منهم وأنه سيعمل على إعادة الاستقرار.

ومنذ ذلك الحين، وبالرغم من سيطرة نظام “الأسد” الاسمية على المنطقة، فإن 3 محافظات في جنوب سوريا تخضع فعليًا لسيطرة ونفوذ قوى مختلفة.

تخضع درعا التي يبلغ عدد سكانها حوالي مليون نسمة، معظمهم من السنة، لحكم قادة محليين كانوا أعضاء سابقين في المعارضة يتمتعون الآن بدرجة من الاستقلالية في إدارة المنطقة ويتم دعمهم من قبل قوات من الفيلق الخامس، وخاصة اللواء الثامن، الذي أنشأته روسيا في سياق ترتيب المعركة لقوات النظام السوري.

وتشهد المحافظة وجودًا محدودًا لعناصر نظام “الأسد”، والذين يتم تعزيزهم بقوات إضافية، اعتمادًا على الوضع. كما تنشط في المنطقة ميليشيات الدفاع المحلية المدعومة والمدربة من إيران، إلى جانب وحدات من اللواء 313 الذي تأسس في إطار منفصل داخل قوات النظام السوري تحت النفوذ والسيطرة الإيرانية في منافسة مع الفيلق الخامس الذي تأسس تحت التأثير الروسي.

أما القنيطرة في الغرب، ويبلغ عدد سكانها حوالي 90 ألف نسمة، معظمهم من السنة، فهي تتميز بحضور أكثر بروزًا للنظام، يعتمد على الفيلق الأول لقوات النظام السوري ووجود “حزب الله”.

وتخضع السويداء في الشرق، ويبلغ عدد سكانها حوالي 500 ألف نسمة، معظمهم من الدروز، لسيطرة المجموعات الدرزية المحلية (من بينها قوات الكرامة). وبالرغم من الهيمنة الدرزية، تتميز هذه المحافظة بوجود متزايد للجماعات الموالية لإيران، وعلى رأسها قوات الدفاع الوطني.
ويساعد نظام “الأسد” المليشيات المدعومة من إيران لإحداث انقسام داخل المجتمع الدرزي ولسحق التطلعات بالحكم الذاتي في السويداء والجبل الدرزي.

وأدت عملية عسكرة سكان المنطقة والعدد المتزايد من مراكز القوة إلى نشوء توازن هش للقوى في جنوب سوريا، يتميز بمستويات عالية من العنف والمناوشات المسلحة والفقر وعدم الاستقرار.

المنافسة الروسية الإيرانية

تشير الديناميكية السائدة في جنوب سوريا في الأشهر الأخيرة والاشتباكات المتكررة بين المجموعات الخاضعة للنفوذ الإيراني وتلك التابعة لروسيا إلى تزايد المنافسة على النفوذ بين روسيا وإيران وتعكس المصالح المتضاربة لهاتين القوتين في المنطقة، رغم شراكتهما في تحالف “الأسد”.

تهدف إيران إلى تعزيز نفوذها وترسيخه في سوريا وتعميق قبضة وكلائها في البلاد من خلال اختراق عميق ومتعدد الأوجه للقطاعات السورية خاصة الدفاع والاقتصاد والتعليم والمجتمع والثقافة والدين عبر السيطرة على البنية التحتية الحيوية، ودعم الميليشيات الموالية لإيران، والانخراط في الحشد العسكري السوري، وتعزيز التحول الأيديولوجي والديموغرافي.

علاوة على ذلك، تعمل إيران على ترسيخ وجودها في المحافظات السورية الجنوبية القريبة من الحدود الإسرائيلية من أجل خلق جبهة إضافية للاحتكاك والصراع مع إسرائيل.

وتقوم إيران برشوة الأحزاب المحلية وتثير التوترات الداخلية من أجل الإضرار بالنسيج الاجتماعي وشراء ولاء الجماعات المحلية، مع نشر أيديولوجية النظام الإيراني في الوقت نفسه.

لكن سياسة “أقصى ضغط” الأمريكية ضد إيران، والهجمات الإسرائيلية المستمرة، والمنافسة بين إيران وروسيا، أدت إلى إبطاء وتيرة توطيد نفوذ إيران، وأجبرت طهران على تغيير طبيعة انتشارها في جنوب سوريا، رغم إصرارها على تعزيز قبضتها في عموم البلاد.

في الماضي، عملت في المنطقة مليشيات شيعية من خارج سوريا، ولكن اليوم تعتمد إيران على الجماعات المحلية التي تجندها وتجهزها وتدربها قوات من “حزب الله” ووحدات من الجيش السوري تقع تحت النفوذ الإيراني (من بينها الفرقة الرابعة بقيادة “ماهر الأسد”).

تنشط حاليًا مجموعتان رئيسيتان من “حزب الله” في جنوب سوريا: القيادة الجنوبية، التي تضم ضباطًا من “حزب الله” كمستشارين ومشرفين في الجيش السوري، ووحدة ملف الجولان تحت القيادة المباشرة لـ”حزب الله”، والتي تنشئ خلايا تضم سوريين محليين.

كما أن “حزب الله” شريك في النشاط الإيراني في جنوب سوريا، والذي يتجاوز الجانب العسكري، بما في ذلك تشغيل شبكة تهريب المخدرات، وشراء الأراضي، وتوفير السلع والخدمات الأساسية، من أجل بسط نفوذه وكسب دعم الرأي العام المحلي.

من ناحية أخرى، تسعى روسيا إلى تأمين استقرار الوضع في جنوب سوريا حيث تثبت عناصر عسكرية روسية وجودها ونشاطها في المنطقة من خلال التواصل مع مختلف القوات هناك.

بشكل عام، تريد روسيا تحقيق الاستقرار في سوريا، مع دعم النظام المركزي برئاسة “الأسد”، من أجل تحويل نجاحها العسكري في الحرب الأهلية إلى إنجاز سياسي، ومزايا اقتصادية، ونفوذ طويل الأمد في البلاد والشرق الأوسط بشكل عام.

وبالرغم أن المحافظات الجنوبية تخضع رسميًا لسيطرة النظام في دمشق، إلا أنه يبدو أن روسيا لا تزال تدرس صيغة للسيطرة المحلية الفيدرالية، وفقًا للنموذج الروسي الذي ظهر في مسودة الدستور التي اقترحتها مطلع عام 2016، بناءً على مبدأ “السلطة اللامركزية”.

في الوقت نفسه، تهتم روسيا بالحفاظ على علاقات جيدة مع إسرائيل والتنسيق الاستراتيجي بينهما على المسرح السوري.

لذلك، أعربت روسيا عن استعدادها لتنفيذ وعدها للولايات المتحدة وإسرائيل من خلال منع الوجود الإيراني على مسافة 80 كيلومترًا من الحدود مع إسرائيل.

وبالفعل أنشأت روسيا في عام 2018، اللواء الثامن، التابع للفيلق الخامس، الذي لعب دورًا فاعلًا في عملية تنظيم وضع المعارضة المسلحة في محافظة درعا.

واليوم، يعمل هذا اللواء من بين أمور أخرى على الحد من تغلغل وكلاء إيران في الجنوب، كما يواجه بشكل متكرر أيضًا قوات النظام السوري، وخاصة الفرقة الرابعة.

ويعتبر أحد القادة المحليين المثيرين للاهتمام هو قائد اللواء الثامن “أحمد العودة” البالغ من العمر 38 عامًا، من بلدة بصرى الشام، والذي بدأ كجندي متمرد يقاتل ضد نظام “الأسد”.

وقد توسع نفوذه مؤخرًا من درعا إلى محافظة السويداء. بالرغم من موقعه التابع للفيلق الخامس الذي تديره روسيا، إلا أنه يحافظ على درجة من الاستقلال ويعبر صراحةً عن معارضته للوجود الأجنبي على الأراضي السورية وعدائه لـ”الأسد” والإيرانيين.

يؤدي العدد الكبير من الجهات الفاعلة في جنوب سوريا والتنافس على النفوذ بين روسيا وإيران إلى لامركزية ديناميكية للتأثير في المنطقة.

ويفضل السكان المحليون الانضمام إلى العنصر الذي يعتبرونه قوة كبيرة، وخاصة الذي يوفر المساعدة الدفاعية والمدنية.

بالرغم من تصميم إيران على تعزيز قبضتها على المنطقة، فإنها مضطرة الآن لتقليص نشاطها هناك، بسبب قيود الميزانية والإجراءات التقييدية الروسية.

ومع ذلك، فإن روسيا نفسها لديها قدرة محدودة على تقويض جهود توطيد النفوذ الإيراني في جنوب سوريا، ناهيك عن طرد إيران ووكلائها من المنطقة.

لقد تبنى نظام “الأسد” في الواقع “الحياد السلبي” في المنافسة بين روسيا وإيران، وسمح بالصراعات المحلية بين مختلف الفاعلين لمنع ظهور قوة مهيمنة واحدة في المنطقة، لا سيما في الوقت الحالي، حيث يحتل جنوب سوريا مرتبة متدنية في قائمة أولويات النظام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى