معهد دراسات الأمن القومي – اللقاء الثلاثي بين اسرائيل والولايات المتحدة وروسيا ، دوافع وتداعيات

قسم الملحق الاستراتيجي – نظرة عليا – بقلم تسفي ميغن – 25/6/2019
لقاء مستشاري الامن القومي للولايات المتحدة وروسيا واسرائيل في نهاية شهر حزيران يعتبر انجازا لسياسة اسرائيل التي تتلمس الطريق بين مصالح موسكو وواشنطن وتثبت نفسها كعنصر في الحوار بين الدول العظمى في موضوع مستقبل سوريا والتدخل الايراني في الدولة. من جهة، واشنطن وموسكو هذه تعتبر خطوة اخرى في اطار الجهود لتعزيز الحوار وتركيزه على المسائل الخلافية. اختيار الملعب الاسرائيلي استهدف بالتأكيد هدفه الاقليمي، وكذلك يمكن أنه لامريكا وروسيا توجد مصلحة في اظهار الدعم لاسرائيل، سواء في السياق السوري أو في السياق الايراني. اسرائيل من ناحيتها لها مصلحة في أن تكون مشاركة في النقاشات، ولكن اثناء ذلك ربما أن تأخذ على مسؤوليتها مخاطرة معينة. هذا لأنه في النقاشات سيتم التوصل الى تفاهمات بالاساس بخصوص تسوية سياسية وتثبيت الاستقرار في سوريا بدون أن يتم اعطاء رد على المصالح الاسرائيلية في هذا السياق.
مضمون هذا اللقاء الذي مضمونه استثنائي، لم يتم نشره بعد. من وسائل الاعلام الدولية يتبين أن هدفه هو البحث في تسوية في سوريا. في هذا الاطار سيتم مناقشة استمرار تدخل ايران في هذه الدولة، لكن يمكن التقدير بأنه مقابل تعزيز الحوار بين روسيا والولايات المتحدة سيكون لهذا اللقاء ايضا اهمية سياسية بذاته، وسيتناول كما يبدو ايضا مسائل دولية توجد على اجندة هذه الدول العظمى.
يبدو أن القصد هو (على الاقل بالنسبة للولايات المتحدة واسرائيل) هو مناقشة بلورة سياسة مشتركة تجاه سوريا وايران. بالنسبة لسوريا بالذات من المعقول أن تعمل على تحقيق تسوية على اساس مضمون المحادثات التي تقودها الامم المتحدة في جنيف، خلافا للاتصالات التي تجري في الاستانة، التي تشارك فيها روسيا وايران وتركيا. هذا بقصد اجراء اصلاحات سياسية في سوريا. روسيا من ناحيتها ستطلب موافقة امريكا على المكانة الرسمية للرئيس بشار الاسد، وبأنه يستطيع التنافس في الانتخابات القريبة القادمة على رئاسة سوريا. على خلفية اشتداد الازمة بين ايران والولايات المتحدة في الخليج هناك توقع امريكي لدعم روسي لسياستها في الشأن الايراني، مع التأكيد على تفعيل العقوبات من اجل اعادة ايران الى المفاوضات التي هدفها تحسين الاتفاق في المجال النووي. وكذلك التوصل الى تقليص نفوذ ايران في سوريا بشكل خاص وفي الشرق الاوسط بشكل عام.
لا يجب استبعاد من مجمل الاحتمالات أن الانعطافة في السياسة الروسية في الشرق الاوسط والتي تظهر في التقارب مع اسرائيل وفي التعاون المتزايد معها بعد فترة معينة من الجمود وكذلك التوتر المتزايد سواء مع ايران أو مع نظام الاسد، ينبع بالاساس من جهود التقارب مع الولايات المتحدة. اللقاء المخطط لعقده في اسرائيل هو كما يبدو تعبير آخر عن ذلك.
التقارب بين واشنطن وموسكو تم التعبير عنه في الاتصالات المستمرة التي جرت مؤخرا بين شخصيات رفيعة المستوى من الطرفين. على الاجندة ايضا هناك لقاء قريب بين الرئيس الامريكي ترامب والرئيس الروسي بوتين على هامش قمة الـ “جي 20” التي ستعقد في طوكيو. هذا رغم أنه ما زال من السابق لأوانه تقدير حجم نجاح هذه العملية – ضمن امور اخرى، بسبب الضغط الداخلي الذي يستخدم على الرؤساء من اجل الامتناع عن تبني بادرات حسن نية لتحسين العلاقات.
من ناحية الرئيس ترامب يبدو أنه بعد نشر تقرير المحقق الخاص مولر، هو متحرر اكثر، على الاقل بالنسبة للدفع قدما بحوار مع روسيا، حيث يبدو أن الادارة الامريكية معنية في الوقت الحالي بمحاولة زيادة استعداد روسيا لمناقشة اخراج القوات الايرانية من سوريا بالتعاون مع اسرائيل، وربما حتى العمل امام ايران من اجل تخفيف التوتر في الخليج وحثها على الموافقة على استئناف المفاوضات حول الاتفاق النووي. في الخلفية، مصلحة روسيا هي تحسين العلاقة مع الولايات المتحدة والرغبة في التوصل الى انهاء قريب للازمة السورية، من خلال استخدام الاوراق التي راكمتها في هذه الدولة، وكذلك هناك توق لتحسين العلاقات مع الغرب، أي مع اوروبا، بخصوص الفضاء ما بعد السوفييتي. وهذا على أمل رفع العقوبات التي فرضت عليها في اعقاب الازمة في اوكرانيا.
حتى الآن ليس من الواضح هل الطموح الامريكي لبلورة تفاهمات مع روسيا سيتم تجسيده حقا. علينا تذكر أن روسيا وايران هما شريكتان في ادارة الحرب في سوريا الى جانب نظام الاسد. وكما قلنا، منذ فترة تتسع بالتدريج الفجوات في مواقفهما بخصوص مستقبل سوريا. مؤخرا زاد التوتر بينهما على خلفية الازمة بين ايران والولايات المتحدة.
يمكن التقدير بأن نية روسيا لتغيير مضمون التعاون بينها وبين ايران، الى جانب التقرب من الغرب واسرائيل، تمت بلورتها قبل نحو سنة. تعبيرات عن ذلك كان يمكن ملاحظتها في الاقتراحات الروسية على امريكا واسرائيل لازاحة ايران من سوريا التي طرحت في قمة هلسنكي التي عقدت في تموز 2018 وبعد ذلك في المؤتمر الذي عقد في باريس في تشرين الثاني من نفس السنة. ولكن يبدو أن تنفيذ الخطة ووجه بمعارضة جهات لها تأثير في روسيا والتي خشيت من التقرب من امريكا والتخلي عن ايران، وكذلك فضلت استمرار المواجهة بين الدولتين العظميين التي في اطارها ايران هي شريكة مناوئة للغرب. مع ذلك، يبدو أنه مؤخرا نجح الرئيس بوتين في دفعها قدما رغم أن جمرات قوى المعارضة تواصل الاشتعال. لذلك، من المبكر التقدير الى أي درجة القيادة في روسيا جدية بشأن الخطة. المسافة عن تجسيدها زادت ايضا في اعقاب معارضتها من قبل ايران ونظام الاسد.
بالنسبة لاسرائيل، مؤخرا ظهر ايضا جهد من جانب القيادة الروسية لتحسين العلاقات معها. هذا الجهد برز بالتحديد على خلفية معارضة في روسيا لتغيير سياسة روسيا في الشرق الاوسط. الازمة بين الدول تم اشعالها من قبل المعارضة في اعقاب حادثة اسقاط طائرة التجسس الروسية في سماء سوريا في ايلول 2018، لكنها انتهت في نهاية شباط 2019 اثناء لقاء بين الرئيس بوتين ورئيس الحكومة نتنياهو، تم الاقتراح على اسرائيل انشاء اطار جديد للتعاون في التسوية في سوريا من اجل اخراج القوات الاجنبية مع التأكيد على ايران من الاراضي السورية.
يمكن أن هذه الخطوة تهدف الى المساعدة على الدفع قدما تفاهمات بين موسكو وواشنطن. ايضا من المعقول أنه كان لاسرائيل دور حقيقي في تحقيق مصلحة سوريا وتعزيز الحوار مع الولايات المتحدة، لهذا حظيت اسرائيل باعتراف روسيا بالجميل.
يبدو أن روسيا ستحاول أن تدفع قدما بخروج القوات الامريكية من سوريا. وإن كانت ستطالب أن يتم تنسيق الخروج مع موسكو لتمكينها من الاستعداد لملء الفراغ سيخلفه الامريكيون في الفضاء الشمالي – الشرقي للدولة على السيطرة والنفوذ في المجال الذي يتنافس فيه نظام الاسد والايرانيون الذين يريدون السيطرة على الحدود بين العراق وسوريا وحقول المحاجر في شرق سوريا. اضافة الى ذلك القوات الكردية المنظمة (قوات الديمقراطيين السوريين وتركيا) التي ستفعل كل ما في استطاعتها لمنع وجود حكم ذاتي للاكراد في الشمال.
بالاجمال، يبدو أن اللقاء بين روسيا وامريكا واسرائيل والمخطط له هو مرحلة اخرى في استئناف الحوار بين امريكا وروسيا الذي هدفه الاساسي هو الدفع قدما بالمواضيع الحيوية للاطراف في النظام الدولي. في اطار اللقاء يتوقع أن يجري نقاش هدفه بلورة سياسة مشتركة حول سوريا ونفوذ ايران هناك. وضمن ذلك اخراج القوات الاجنبية من سوريا ومحاولة بلورة الاستعداد لعملية مشتركة من اجل حل تحديات المنطقة. بالنسبة لسوريا بشكل خاص النقاش سيتركز حول استقرار الدولة وحول التسوية السياسية فيها، رغم أن هناك شك اذا كانت الولايات المتحدة ستكون مستعدة للدفع مقابل التعاون من جهة روسيا بعملة الاعتراف بنظام الاسد أو المشاركة في تمويل اعادة الاعمار في سوريا. بالنسبة لايران، الاطراف ستسعى الى التوصل الى اتفاق تفاهمات مشتركة حول انهاء الازمة معها.
اختيار الملعب الاسرائيلي لاجراء النقاش استهدف التأكيد على هدفه الاقليمي، وخاصة على خلفية حقيقة التقارب بين روسيا وامريكا. فانها ما زالت لا تحظى بدعم كبير سواء في الولايات المتحدة، وعمليا ايضا من روسيا. كما أنه يمكن أن تكون لواشنطن وموسكو مصلحة في اظهار الدعم لاسرائيل سواء في السياق السوري أو السياق الايراني. لاسرائيل توجد مصلحة في أن تكون مشاركة في النقاشات حول الجوانب الاقليمية المتعلقة بسوريا وايران. إلا أنه خلال ذلك ربما ستأخذ اسرائيل على عاتقها مخاطرة معينة لأنه يمكن أن يتم التوصل في هذه النقاشات الى اتفاقات تتعلق بالاساس بتحقيق تسوية سياسية واستقرار في سوريا دون اعطاء رد على المصالح الاسرائيلية في هذا السياق.
على كل الاحوال، لقاء مستشاري الامن القومي في اسرائيل يعتبر انجاز سياسي بالنسبة لاسرائيل، حتى لو كان المشاركون لن يتوصلوا الى تفاهمات عملية حول مستقبل سوريا واخراج القوات الايرانية من الدولة، ومجرد عقد اللقاء يرفع مكانة اسرائيل واحتمال أن تستطيع التأثير على اتفاق مستقبلي في سوريا. روسيا وعدت في السابق بتقييد نشاطات ايران وهي تجري بين الحين والآخر خطوات من اجل تجسيد تنفيذ هذه الوعود ومنها ابعاد القوات الايرانية ومبعوثيها عن الحدود مع اسرائيل.
في اللقاء سيحاول المستشار الروسي تحقيق شرعية لاستمرار حكم الاسد في سوريا والاعتراف بأنه العامل الذي انتصر في الحرب الاهلية، ولا بديل له، على الاقل في السنوات القريبة. لذلك توصى اسرائيل بأن تطلب مقابل الاعتراف بحكم الاسد تعزيز قناة اتصال عسكرية مع النظام السوري من اجل تنسيق التوقعات ومنع حدوث سوء فهم والتأكد من أن النظام يمنع انتشار عناصر ارهابية ومبعوثين من ايران في هضبة الجولان ومنع التصعيد بسبب تقييمات خاطئة بالنسبة لنوايا ونشاطات الطرف الثاني.



