ترجمات عبريةشؤون فلسطينية

معهد دراسات الأمن القومي – اجتماع المركزي ومحاولات التسوية .. وجهان لعملة واحدة

معهد دراسات الأمن القومي – بقلم ﻳﺣﻧﺎن ﺗﺴرﻳ – 27/8/2018

عقد المجلس المركزي لـ م.ت.ف اجتماعا آخر في رام الله (15 – 17 آب)، استمرارا لاجتماعات ولقاءات اخرى عقدتها مؤسسات م.ت.ف، السلطة الفلسطينية وفتح في اثناء الاشهر الاخيرة. واستهدفت هذه اللقاءات مواجهة التحديات السياسية على جدول الاعمال، منها التغيير الحاد في موقف الادارة الامريكية من الفلسطينيين ومن النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني، وكذا محاولات العمل على تهدئة / تسوية بين حماس واسرائيل في قطاع غزة بدون السلطة، بقيادة المصريين، باسناد امريكي وبتنسيق مع اسرائيل.

لقد انعقد المجلس فيما كان يحوم فوقه احساس بالتهديد على حصرية م.ت.ف كممثل وحيد للشعب الفلسطيني، امكانية فرض حل على الفلسطينيين – يقطع القطاع عن الضفة الغربية – عزل ابو مازن بشكل شخصي، لوقوفه ضد كل خطوة من أنها أن تحقق سياسة ادارة ترامب في المنطقة ولا سيما حين حاولت هذه، بتقديره، دق اسفين في الساحة الفلسطينية. ولهذا فان الخطاب الذي انطلق في هذا الاجتماع تميز بالتهديدات والتحذيرات من المس بالمصالح الوطنية الفلسطينية، من خدمة الامريكيين والاسرائيليين، الذي يتطلعون الى تخليد الانقسام، ومنع اقامة الدولة الفلسطينية في الصيغة التي وضعت في 1988 وتحقيق “صفقة القرن”، التي يعدها مبعوثو الرئيس ترامب منذ نحو سنة ونصف. في خلفية الاجتماع برز غياب الجبهة الديمقراطية عن المداولات، احتجاجا على طرد رجالها من المناصب التي كانوا يتبوأوها في م.ت.ف وما وصف بانه سيطرة من فتح على م.ت.ف واتخاذ القرارات الوطنية الفلسطينية بشكل منفرد. لقد أثار هذا الغياب الاستياء في فتح حتى اكثر من غياب محافل اخرى، بينها الجبهة الشعبية (التي تكثر من التغيب عن هذه الاجتماعات في السنوات الاخيرة)، ومنظمة مصطفى البرغوثي (المبادرة الوطنية الفلسطينية). وذلك لان تواجد الجبهة الديمقراطية كان سيمنح الاجتماع طابعا فلسطينيا عاما.

البيان الختامي للمجلس حمل طابعا تصريحيا. وكانت التصريحات المركزية:

تعريف العلاقة مع اسرائيل يقوم على اساس: “صراع بين الشعب الفلسطيني ودولته التي توجد تحت الاحتلال وبين قوة الاحتلال”. الاستقلال يتبقى الهدف الاساس. الفترة الانتقالية من خمس سنوات، والتي تقررت في اتفاقات اوسلو، لم تعد سارية المفعول في ضوء تجاهل اسرائيل لهذه الاتفاقات.

شجب قرارات ترامب في موضوع القدس ونقل السفارة الامريكية. الولايات المتحدة، في خطوتها هذه، فقدت مكانتها كوسيط نزيه ولن يكون بوسعها بعد اليوم ان تتحمل هذه المهامة وحدها.

القول بان المحاولات لتحقيق تسوية ما في قطاع غزة هي موضوع وطني لـ م.ت.ف وليس لفصيل معين في الشعب الفلسطيني، مثلما كان في محادثات 2014 بعد حملة الجرف الصامد. محاولات التسوية هذه تستهدف تحقيق “صفقة القرن” للادارة الامريكية، لاقامة دولة في غزة، لتخليد الانقسام وعمليا انهاء امكانية الدولة الفلسطينية على اساس خطوط 1967.

اضافة الى ذلك، اتخذت قرارات تعطي هذه التصريحات تعبيرا ملموسا وفقا لجدول زمني يتقرر لاحقا. وبينها:

العلاقة مع اسرائيل – أقر المجلس توصيات رفعتها اليه اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف بشأن تنفيذ قرارات المجلس الوطني الفلسطيني حول منظومة العلاقات مع اسرائيل ووضع خطة عامة، مع جدول زمني. وبين القرارات: تجميد الاعتراف باسرائيل الى أن تعترف بالدولة الفلسطينية في خطوط 1967، وقف التنسيق الامني مع اسرائيل وكذا فك الارتباط عن بروتوكول باريس للتنسيق الاقتصادي بين الطرفين. وذلك، في اطار الانتقال من مرحلة السلطة الفلسطينية الى مرحلة الدولة (وان كان دون حل مؤسسات السلطة).

التمسك بالدعوة لعقد مؤتمر دولي برعاية دولية جماعية، يضم الدول الخمسة الاعضاء في مجلس الامن. ويعقد المؤتمر على اساس قرارات الامم المتحدة ذات الصلة، مبادرة السلام العربية والافكار التي طرحها ابو مازن في خطابه في مجلس الامن في 20 شباط 2018 في اعقاب اعلان القدس لترامب (حيث دعا الى أن يعقد في اثناء 2018 مؤتمر دولي برعاية آلية متعددة القوميات واعتراف كل اعضاء الامم المتحدة بالدولة الفلسطينية).

مكافحة “صفقة القرن” – رفض المجلس كل ما اعتبر محاولات لتصفية القضية الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني، بما في ذلك كل حل مؤقت أو اقامة دولة في قطاع غزة. ووصفت الولايات المتحدة بانها شريك لاسرائيل وجزء من المشكلة وليس الحل، ولهذا فان مكافحة الصفقة التي ستطرحها الادارة الامريكية والجهود لافشالها ستستمر. كما تقرر مواصلة القطيعة مع الادارة الامريكية الى أن تتراجع عن قراراتها بالنسبة للنزاع وحله.

دعوة لمقاطعة منتجات المستوطنات.

في اعقاب اقرار قانون القومية في اسرائيل – الدعوة الى تعزيز حملة الـ بي.دي.اس ودعمها.

تشكيل لجنة وطنية عليا لشؤون القدس تكون مصدر الصلاحيات الحصري لكل ما يتعلق بالمدينة.

مطالبة اللجنة التنفيذية بالعمل على حل الخلافات بين الفصائل المختلفة في الساحة الفلسطينية للوصول الى شراكة وطنية في صفوف المنظمة.

التقدير

منذ اعلان دونالد ترامب الاعتراف بالقدس كعاصمة اسرائيل، نقل السفارة الى القدس والتغييرات الجديدة في سياسة الادارة الامريكية تجاه المسألة الفلسطينية، تعاظمت التحديات التي تواجهها السلطة الفلسطينية ورئيسها ابو مازن. مصر، سواء بسبب الاستجابة للضغوط الامريكية أم للتفاهمات بينها وبين اسرائيل أم لان همها يتركز على استقرار الهدوء على طول حدودها مع قطاع غزة، أوضحت عمليا بانها ستكون مستعدة لكل تسوية/ وقف نار في قطاع غزة – حتى بدون موافقة ابو مازن والسلطة. وذلك رغم ان القاهرة تواصل علنيا التعاطي مع السلطة بمكانة الهيمنة وتوضح بان موافقتها ضرورية بل والزامية لتقدم المسيرة السياسية.

ولكن بموقفها هذا تمنح مصر حماس مكانة لم تكن لها من قبل. فبمجرد ايضاحها بان السلطة لن تكون عائقا امام التسوية في القطاع، وضعت حماس في مكانة مساوية لها. اذا حققت حماس تأييد الفصائل الفلسطينية الاخرى للتسوية، فيمكنها أن تدعي بان هذا اجماع فلسطيني عام. وذلك بينما الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية قاطعتا اجتماع المجلس المركزي وبالتالي اضعفتا مكانة م.ت.ف كمنظمة عموم فلسطينية – ناهيك عن انهما أعلنتا بانهما لن تساهما في الخطوة المصرية بدون فتح. وبسبب طبيعتهما العلمانية، وان كانت تنفر الجبهتان بشكل عام من التنسيق بلا اسناد فتح مع جسم اسلامي، مثل حماس، الا انها هذه المرة على الاقل، للجبهة الديمقراطية توجد مصلحة للحساب مع ابو مازن لاقصائه رجالها عن المناصب التي كانوا فيها في م.ت.ف .

صحيح حتى الان ينجح ابو مازن وفتح في رد الحرب الصاع صاعين. باسم الاجماع الوطني الفلسطيني، تم اعتراض كل محاولات مبعوثي الرئيس لتقدم صفقة القرن. وباسناد السعودية، الاردن وحتى مصر دفع ابو مازن وفتح مبعوثي ترامب الى الاعتراف بعدم قدرتهما على تخطي العائق الذي يضعه ابو مازن في وجه الصفقة، وكنتيجة لذلك تقليص نشاطهما في هذا المجال. منذ فشل المحاولات لتأهيل القطاع يعمل مبعوثو الادارة من خلف الكواليس ويركزون على تصريحات علنية مشتركة تهتم بايجاد حل للازمات الاقتصادية.

يبدو أن الطرفين في الساحة الفلسطينية يحتفظان اليوم بتفوق معين. ابو مازن، الذي لا يزال يتمتع – رغم ما اشير اليه اعلاه – بمكانة الممثل الحصري للشعب الفلسطيني، يمكنه أن يتحدث باسم الاجماع الوطني ويعطل المحاولات التي تقوم بها القاهرة لتحقيق تسوية في قطاع غزة بدونه.اما حماس من جهتها فتتحدث باسم ضائقة سكان القطاع. رغم المس المتواصل بمكانتها، فان ادعاءاتها بشأن مسؤولية السلطة الفلسطينية وابو مازن نفسه عن هذه الضائقات تقع على اذان منصتة في الرأي العام الفلسطيني، بسبب مكانة ابو مازن “كأخ اكبر” يمسك بالمقدرات الوطنية.

الى أن تستأنف في القاهرة المحادثات حول التسوية كفيلة بان تتم اتصالات كثيرة بين الاطراف المتنازعة في الساحة الفلسطينية، مباشرة ام عبر طرف ثالث. في صراعات من هذا النوع، تحوم فوق تدخل طرف اجنبي ليس عربيا علامة استفهام كبيرة حول نواياه، في حالات عديدة تفوق لمن يتحدث باسم الاجماع الوطني. فوقف النار أو التهدئة دون اتفاق ملزم موجود منذ الان، ولكن المصالحة بين فتح وحماس، والتي يفترض أن تأتي في المرحلة التالية من مداولات القاهرة لا تزال موضع شك كبير بسبب عناد ابو مازن في موضوع “قانون واحد وسلاح واحد” في الساحة الفلسطينية، والذي ازداد في الاونة الاخيرة بسبب خوفه من نوايا ادارة ترامب. ولهذا فهو مصمم على منع وضع يتاح فيه انقلاب آخر ضد السلطة في قطاع غزة، اذا ما عادت الى هناك.

وبالنسبة لتصريحات النوايا حول العلاقات مع اسرائيل، فان تطبيقها العملي يتعارض بقدر كبير مع الانتقال الذي اعلن عنه “من السلطة الى الدولة”. فالابقاء على المؤسسات القائمة هام لهذا الانتقال، وعليه فانه طالما كان ابو مازن يتصدر عملية اتخاذ القرارات ولم تتحقق مصالحة فلسطينية داخلية، من المتوقع تنفيذ جزئي فقط للقرارات، بشكل لا يغير الواقع جوهريا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى