معهد بحوث الامن القومي (INSS): الهجوم الإسرائيلي في قطر: المعاني للمدى القصير والبعيد

معهد بحوث الامن القومي (INSS) 12/9/2025، يوئيل جوجنسكي: الهجوم الإسرائيلي في قطر: المعاني للمدى القصير والبعيد
لا بد أن يصار الى الحديث كثيرا عن الهجوم الإسرائيلي في الدوحة، قطر. حتى لو لم تحقق العملية هدفها، تصفية قيادة حماس، فانها سعت لان تطلق رسالة للمنظمة ولمضيفيها، والتي تعمل على ان تموضع نفسها كوسيط حيادي في مراكز النزاع في ارجاء العالم وكمركز دبلوماسي وتجاري محصن من الإصابة – بان قواعد اللعب تتغير. ليس مؤكدا على الاطلاق بان الرسالة وصلت. الهجوم يشدد بالفعل معاضل الولايات المتحدة في حاجتها لحفظ التوازن بين حلفائها في المنطقة ويفتح فصلا جديدا، ليس مؤكدا انه انجح من سابقه، في محاولة للوصول الى صفقة مخطوفين وانهاء الحرب. سياسة قطر لن ننجح في تغييرها.
الضربة لقطر تعد انتهاكا شاذا للسيادة، وهي تستخدمها كي تتبنى دور الضحية التي تتكتل حولها مظاهر التضامن والتنديد العربية بما في ذلك من جانب دول عربية لا تشعر بمحبة زائدة تجاهها وتجاه حماس. زعماء الدول العربية تحج الى الدوحة للتعبير عن تضامن زائف مع امير قطر، تميم بن حمد آل ثاني. قطر تحاول تأطير الهجوم كانتهاك فظ لقاعدة الحصانة في العلاقات الدولية والتي يتمتع بها الوسيط، واكثر من ذلك كضربة لا تقل عن ذلك لامن الخليج. ولكن بالتأكيد سيصعب عليها من الان فصاعدا الاقناع بانها لا تزال تعرض ملجأ آمنا في أراضيها لجهات مختلفة. رئيس الوزراء نتنياهو يهدد بان إسرائيل ستواصل ملاحقة منظمات الإرهاب، لكن مشكوك فيه أن تتمكن إسرائيل من فعل هذا مرة أخرى في قطر، في ضوء رد ترامب والمصالح الامريكية.
وبالفعل توجد واشنطن في وضعية غير سهلة من ناحيتها. من جهة، قطر هي شريك قريب، بمفاهيم عديدة اقرب من باقي دول الخليج. هي تساعد الولايات المتحدة دبلوماسيا في ساحات مختلفة – من ايران وحتى افغانستان وفنزويلا – تشتري منها سلاحا اكثر من السعودية، وتستضيف القاعدة الامريكية الأكبر خارج أراضي الولايات المتحدة، مقر القيادة الوسطى الامريكية. من جهة أخرى إسرائيل هي حليف قريب من الولايات المتحدة، وفي هذه الفترة جسدة بالملموس تصميمها على تغيير قواعد اللعب وعدم السماح بالحصانة لقتلة حماس. يحتمل أن يقنع نتنياهو ترامب بضرورة العملية كسبيل لانهاء الحرب بسرعة اكبر. غير أن ترامب لا يحب الإخفاقات ومن شأنه ان يقيد محاولات مشابهة لإسرائيل للعمل في المنطقة في المستقبل كنتيجة لذلك.
مشكوك جدا أن تكون إسرائيل تعمل بلا إذن امريكي في ما هو ساحة أمريكية عسكرية واضحة رغم المحاولات المفهومة من جانب الإدارة الامريكية للنأي بنفسها عن الحدث قدر الإمكان. غير ان مصداقية الولايات المتحدة تجاه قطر ودول الخليج على أي حال تضررت بسبب الهجوم ومن شأن هذا ان تكون له تداعيات بعيدة الأثر. صحيح أن ليس لقطر بدائل افضل من مظلة الدفاع الامريكية، لكن حقيقة انها تعرضت للهجوم مرتين في غضون ثلاثة اشهر، من ايران والان من إسرائيل، تصدع الصورة بان الولايات المتحدة بقيت درع الخليج.
من ناحية إسرائيل تشكل الخطوة استمرارا للسياسة الهجومية العلنية ضد حماس من خارج حدود المعركة في غزة أيضا. الضربة في قلب العاصمة القطرية ليست فقط رسالة لحماس بل أيضا رسالة ردعية واسعة. لكن هذا الردع يحمل ثمنا: دول الخليج، التي تتطلع للحفاظ على الاستقرار والازدهار، ترى في الخطوة إشارة مقلقة لتطلع إسرائيلي الى هيمنة إقليمية. فهي ليست مشبوهة بالعطف لقطر ولحماس لكنها في نفس الوقت لا تريد ان ترى اعمالا من هذا القبيل من جانب إسرائيل. خوفها من السياسة الإسرائيلية من الان فصاعدا في المنطقة من شأنه أن يثقل على العلاقات القائمة والمحتملة مع إسرائيل، وبخاصة على خلفية استمرار الحرب ويتعين على إسرائيل ان تعمل معها كي تغير هذه الصورة. معقول أن قطر هي الأخرى ان تمارس الضغط على جيرانها العرب كي يتراجع بعضهم، كاتحاد الامارات مثلا عن علاقاتهم مع إسرائيل، وآخرون، كالسعودية، ان يغلقوا الباب تماما امام إمكانية تطبيع مستقبلي.
تواجه إسرائيل الان التداعيات السلبية للخطوة التي كان لها احتمال بان تغير الواقع في كل ما يتعلق بمنظمة حماس. لكن معقول ان نواصل رؤية المزيد من الامر ذاته. تصفية قيادة حماس كانت ستمنح حكومة إسرائيل مثابة صور نصر تسمح لها بان تنهي الحرب بسرعة اكبر. لكن يبدو أن هذا ليس الوضع، وعليه أليس مؤكدا على الاطلاق كم يمكن لهذه الخطوة على المدى البعيد ان تملي واقعا جديدا.
إسرائيل تبث بانها ليست مستعدة لان تتجلد على حصانة دبلوماسية زائدة، حتى بثمن توتر إقليمي. هذه محاولة من جانبها ليس فقط لضرب حماس بل لتغيير المعادية الإقليمية. لا الاعتماد بعد اليوم على قطر كوسيط مركزي بل فتح ثغرة للاعبين آخرين، يحتمل نصر، يمكنهم أن يحاولوا اخذ مكانة الوساطة. لكن ليس لمصر التأثير إياه على حماس مثلما لقطر، وبقدر كبير فان مصر الفقيرة متعلقة اقتصاديا بمساعدة قطرية هامة – وبالتالي فهي مفتوحة للنفوذ القطري.
إسرائيل تنهي فصلا في علاقاتها مع قطر. دولة مركبة. على مدى السنين مست قطر بمصالح إسرائيلية، لكن إسرائيل فضلت احتواء هذا والحفاظ على علاقات تجارية، دبلوماسية بل وامنية معها، بالتوازي مع انتقادها لسياستها واساسا علاقاتها مع حماس – علاقات إسرائيل نفسها طورتها بشكل غير مباشر بمجرد تشجيع قطر على نقل التمويل للمنظمة. علاقات القدس والدوحة ستتسم من الان فصاعدا بطابع مختلف – إسرائيل عملت عسكريا في دولة حافظت معه على علاقات متفرعة وجارية واستخدمتها كي تحقق اهداف الحرب لتحرير المخطوفين.
احدى نتائج الهجوم في الدوحة هي مس، في الزمن الفوري بالمفاوضات لتحرير المخطوفين. لكن في المدى الابعد معقول ان كل الأطراف – بمن فيهم قطر التي تحتاج الى وظيفة الوسيط كي تحفظ مكانتها ونفوذها، وحماس التي تستخدم المخطوفين كورقة مساومة لتحقيق إنجازات – سيعودون بهذا ا لشكل أو ذاك الى طاولة المفاوضات. يجسد الهجوم ان إسرائيل اختارت مسار إدارة النزاعات: انجاز ردعي فوري ممكن، تغيير واقع بثمن احتمال أزمة متواصلة. الازمة باتت هنا، اما الإنجاز فليس مؤكدا.